الناس قسمان اما مسلم موحد و اما كافر مشرك الحكم على الناس في هذه الدنيا وتمييز المسلمين من ...
الناس قسمان اما مسلم موحد و اما كافر مشرك
الحكم على الناس في هذه الدنيا وتمييز المسلمين من الكفار على حسب الظاهر.
فمن كان ظاهره الإسلام حكم له به.. ومن كان ظاهره الكفر حكم له به أيضا.. سواء كان فردا أو جماعة أو شعبا أو أمة.
قال النووي : وقوله صلى الله عليه وسلم (.... أفلا شققت عن قلبه ..) فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر.اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري : وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر.اهـ
والناس في هذه الدنيا فريقان، فريق هداه الله ووفقه لاتباع دينه وأخرجه من الظلمات إلى النور فهو مسلم موحد عابد لله وحده، وفريق أضله الله فهو يتخبط في ظلمات الجهل والكفر فهو كافر ضال مشرك عابد لغير الله.
قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
فكل ملة تخالف ملة الإسلام فهي الكفر ( كاليهودية والنصرانية والعلمانية والديموقراطية والبوذية والقبورية الوثنية، وغيرها)، وأهلها كفار.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية159)
وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم:31:32)
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه في أكثر من موضع انقسام الناس مع هذا الدين إلى قسمين:
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)(النحل: من الآية36)
قال ابن جرير: (فمنهم من هدى الله) يقول فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله فوفقه لتصديق رسله والقبول منهم والإيمان بالله والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ونجا من عذاب الله (ومنهم من حقت عليه الضلالة) يقول وممن بعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقت عليهم الضلالة فجاروا عن قصد السبيل فكفروا بالله وكذبوا رسله واتبعوا الطاغوت فأهلكهم الله بعقابه وأنزل عليهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.اهـ
وهذا دليل على أن كل أمة بعث الله إليها رسولا انقسم أهلها إلى قسمين لا ثالث لهما.
ومن تأمل ما قص الله من قصص رسله وجد الأمر كذلك.
وهناك نقطة مهمة أيضا وهي أن الكفار من الأمم السابقة - وهم الفريق المقابل لفريق الرسول وأتباعه الذين هم حزب الله – يهلكهم الله جميعا ولا يُبقي منهم أحدا ولا يَبقى إلا فريق الموحدين، مما يدل أيضا على أنه ليس هناك فريق وسط بين هؤلاء وهؤلاء.
وقال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:256:257) .
وهذا دليل أيضا على أن الناس قسمين: قسم يتولون الله وحده ويكفرون بما يعبد من دونه، فالله وليهم ليس لهم ولي من دونه، وقسم أولياؤهم الطاغوت.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) (النمل:45)
قال مجاهد: فإذا هم فريقان يختصمون قال مؤمن وكافر.
وقد ذكر الله عز وجل هذه الخصومة في قوله: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الأعراف:75:76).
وهذا أيضا دليل واضح جدا، ويستفاد منه أيضا أنهم كانوا فريقا واحدا قبل أن يرسل الله إليهم صالحا مجتمعين على الكفر، ثم انشق منهم فريق آخر وهم نبي الله صالح ومن آمن به، ومن لم يؤمن بقي في الفريق الأول، ولا ثالث لهما. وقد نجّى الله صالحا ومن معه وأهلك الآخرين.
وقال البغوي: فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء.اهـ
فالملاحظ دائما هو انقسام الناس إلى فريقين لا ثالث لهما مؤمن وكافر.
وقد قال المولى جل وعلا: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2)
قال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل : فصح يقينا أنه ليس في الناس ولا في الجن إلا مؤمن أو كافر فمن خرج عن أحدهما دخل في الآخرة.ا.هـ
وقال أيضا في نفس الكتاب: والإجماع والنصوص قد صح كل ذلك على أنه لا دين إلا الإسلام أو الكفر من خرج من أحدهما دخل في الآخر ولا بد إذ ليس بينهما وسيطة، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وهذا حديث قد أطبق جميع الفرق المنتمية إلى الإسلام على صحته وعلى القول به فلم يجعل عليه السلام دينا غير الكفر والإسلام ولم يجعل هاهنا دينا ثالثا أصلا.اهـ
فالناس إما مسلم من أهل ديننا وملتنا يدين بنفس ما ندين به أو كافر على غير ملتنا وديننا، وليس هناك فريق ثالث يكون وسيطا بين المسلمين والكافرين.
فمن خلال ما سبق يتبين أن الناس مع الإسلام ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما:
القسم الأول هم الذين أخرجهم الله من الظلمات إلى النور وهداهم الله للإيمان بالله والكفر بالطاغوت فعبدوا الله وحده وتبرؤا من الشرك وأهله.
والقسم الآخر أضلهم الله فبقوا على كفرهم وعنادهم وجهلهم.
فالفريق الأول هم المسلمون وهم حزب الله وقد يكونون في بعض الأوقات رجلا واحدا فقط، كما حدث مع إبراهيم عليه السلام قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).
قال البغوي: قال مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار.اهـ
وروى الحاكم في المستدرك عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه زيد فقال يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بلغك ولو أدركك لآمن بك فاستغفر له قال نعم فاستغفر له وقال فإنه يجيء يوم القيامة أمة واحدة.
وروى عن محمد بن عبد الله بن الحصين حدثه أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قالا يا رسول الله تستغفر لزيد قال نعم فاستغفر له وقال إنه يبعث أمة واحدة.
وجاء في كتاب الإحكام لابن حزم :
وقد أسلمت خديجة رضي الله عنها أم المؤمنين وسائر الناس كفار فكانت على الحق وسائر أهل الأرض على ضلال.
ثم أسلم زيد بن حارثة وأبو بكر رضي الله عنهم فكانوا بلا شك هم الجماعة وجميع أهل الأرض على الباطل.
وقد نبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فكان على الحق واحدا وجميع أهل الأرض على الباطل والضلال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد بن عمر بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده، وذلك لأن زيدا آمن بالله تعالى وحده وجميع أهل الأرض على ضلالة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قيل ومن هم يا رسول الله قال النزاع من القبائل". وقال صلى الله عليه وسلم "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة".اهـ
والفريق الثاني هم الذين لا يدينون بالإسلام من كافة الملل الأخرى، وهم حزب الشيطان وأولياؤه، وهم الأكثرون عدداً في كل الأوقات بعد القرون العشر الأولى من بداية الخليقة.
قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
وقال تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40) وكَوْنُ أكثر الناس لا يعلمون الدين القيم يعني أن أكثرهم ليسوا على الدين القيم.
والجدير بالذكر أن هذا الانقسام إلى مؤمنين وكفار لم يكن في بداية الخليقة بل استمر الناس عشرة قرون مجتمعين على الإسلام، إلى أن بدأ يظهر بينهم الشرك بالله فاختلفوا وتفرقوا وطال بهم الأمد حتى صاروا أمة مجتمعة على الشرك، فأرسل الله إليهم نوحا عليه السلام يدعوهم إلى ترك الشرك وعبادة الله وحده، فمنهم من آمن وهم قليل وأكثرهم بقوا على شركهم وكفرهم، فأهلك الله الكافرين ولم يبق منهم أحدا ونجّا الموحدين.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19) وقوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة: من الآية213)
ومن العلماء من قال أنهم صاروا أمة واحدة على الكفر بعد أن كانوا أمة واحدة على الإسلام.
قال ابن جرير: عن عكرمة عن بن عباس قال كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.اهـ
هذا حال الناس قديما وحديثا إما مسلم مهتدٍ موحد، أو كافر ضال مشرك، ولا ثالث لهما، ولا واسطة بينهما.
والحد الفاصل بين الفريقين والعَلَمُ المميز بينهما هو كلمة التوحيد معرفتها واعتقادها والإقرار بها والعمل بمقتضاها والبراءة ممن لم يكن من أهلها.
وكل مسلم يعرف الحد الفاصل والفارق بين المسلمين والكافرين وهو الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، فمن عرف الإسلام عرف ضده، ومن اشتبه عليه هذا فقد اشتبه عليه ذاك.
ولا بد أن يكون التمييز بين المسلمين والكفار على أرض الواقع لا من الناحية النظرية فقط.
ومن لم يعرف الفرق بين فريق المسلمين وفريق الكافرين على أرض الواقع لا يمكن أن يتم له ولاء ولا براء، وبالتالي لا يتم له إسلام.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يونس:104:105)
فتأمل قوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وقوله: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قال القاضي عياض في كتابه الشفا:
ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك ، أو صحح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام ، واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.اهـ
وأحوال الناس وأقوالهم وأفعالهم شاهدة عليهم بما يدينون به.
قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17)
فالمشركون في هذه الآية هم أهل مكة، وقد أخبر سبحانه أنهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، وهذه الشهادة هي أقوالهم وأفعالهم الظاهرة التي تخبر وتصف حالهم وشركهم.
فالأقوال والأفعال الظاهرة من القوم هو الواقع الظاهر الذي يمكن من خلاله معرفة حالهم ووصفهم بالكفر أو الإسلام.
قال الماوردي في النكت والعيون: (شَاهِدِينَ عَلَى أنفُسِهِم بِالْكُفْرِ) فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن فيما يقولونه أو يفعلونه دليل على كفرهم كما يدل عليه إقرارهم ، فكأن ذلك منهم هو شهادتهم على أنفسهم , قاله الحسن. اهـ
وقال البغوي في تفسيره : قال الحسن: لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر ، وقال الضحاك عن ابن عباس شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام .اهـ
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز : وقوله (شاهدين على أنفسهم بالكفر) إشارة إلى حالهم إذ أقوالهم وأفعالهم تقتضي الإقرار بالكفر والتحلي به.اهـ
وقال ابن القيم في مدارج السالكين : فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله فهي شهادة بكفرهم وهم شاهدون على أنفسهم بما شهدت به.اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره : وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر أي بحالهم وقالهم.اهـ
وعلى هذا فإن الأحوال والأقوال والأفعال الظاهرة تشهد وتدل على كفر القوم أو إسلامهم .
وكل مسلم اليوم في أي بلد من البلدان يمكنه أن يعرف ما يدين به قومه، وليس ذلك بعسير عليه، فما عليه إلا أن ينظر إلى الدين الظاهر في القوم، فإن وجدهم ملتزمين بالإسلام مستسلمين لله وحده لايعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، ويوالون على الإسلام ويعادون عليه، ويتبرؤون من الكفار والمشركين، فهم على دينه مسلمون موحدون، وإن لم يجدهم على الإسلام، فقومه على خلافه من الدين كفار مشركون، وهذا الدين الظاهر الذي يدين به القوم خير دليل على معرفة كفرهم أو إسلامهم.
ومجرد غياب الدين الحق في واقع قوم ما، أصدق دليل على كفر هؤلاء القوم وخروجهم عن الإسلام.
فأيَّما قوم ظهرت فيهم الوثنية، وتفشى بينهم الشرك، وغابت عنهم معالم التوحيد، وصار المسلم بينهم مضطهد غريب، فلا شك أنهم كفار مشركون.
وأيَّما قوم تركوا العمل بشريعة الله، وكان القانون الوضعي الطاغوتي هو الشرع المتبع فيهم، والدستور المقدس بينهم، به يحكمون، وإليه يتحاكمون، وله يخضعون، وعليه يدافعون ، فلا شك في كفرهم وخروجهم عن دين الله الحق.
فمن عرف الدين الحق في أي زمان ومكان لم يصعب عليه معرفة الدين الذي يدين به قومه.
فها هو زيد بن عمرو بن نفيل لما هداه الله عز وجل لدين إبراهيم عليه السلام لم يلتبس عليه حال قومه، بل أيقن أنهم على غير ملة إبراهيم، مع أنهم كانوا ينتسبون إليه، ويعظمون البيت الحرام، ويحجون ويتصدقون.
كما روى البخاري في صحيحه عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنهما قالت رأيت زَيْدَ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى الْكَعْبَةِ يقول يا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ والله ما مِنْكُمْ على دِينِ إبراهيم غَيْرِي.
فإنه –رحمه الله وغفر له- لما عرف حقيقة دين إبراهيم عَلِمَ أن قومه ليسوا على شيء، وأنهم قد خرجوا عن الإسلام والتوحيد إلى الشرك وعبادة غير الله.
·فهل كان زيد محقا في قوله هذا؟
·وكيف توصل لمعرفة هذه النتيجة التي واجه بها قومه؟
·هل كان ذلك عن طريق الاستقراء الكلي لجميع أفراد قومه ومعرفة ما يدين به كل فرد منهم؟!
لاشك أن الأمر لا يحتاج إلى تتبع واستقراء حال كل فرد من قومه ليعرف ما يدين به القوم، وما هو الظاهر فيهم، بل يكفي للحكم على قومٍ ما بأنهم ليسوا على الإسلام عدم ظهور الإسلام فيهم، كما هو حال قريش عندما قال لهم زيد قولته السابقة.
وإذا كان الحكم على القوم على حسب الدين الظاهر والغالب عليهم، وهذا لا يحتاج إلى بحث وتقصٍّ واستقراء لكل فرد من أفراد المجتمع وما يدين به. فمن عرفنا إسلامه حكمنا له به، ومن لم نعرفه فله حكم قومه حتى يتبين لنا خلافه لهم، ومن لم يلتزم بإجراء الأحكام على الظاهر ورام معرفة حقيقة كل فرد فقد خالف الشرع الحنيف، وركب بدعة شنعاء، وتكبد ما لا طاقة له به.
والمسلم الذي يكتم إيمانه ولا نعرفه يأخذ حكم الكفار على الظاهر لأنه غير متميز عنهم، ولا نكون آثمين ولا مخطئين في ذلك؛ لأن الله لم يكلفنا بغير ما ظهر لنا، وهو عند الله من المسلمين.
ومن عرف دين الله الحق من عامي أو عالم ، وتأمل حال قومه ، أيقن أنهم بعيدون عن الإسلام كل البعد، وأنهم غاطسون في الشرك و تأليه غير الله ، وأنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، وإن كانوا لايزالون ينتسبون للإسلام ويزعمون أنهم بريئون مما سواه.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
وما أحسن ما قاله واحد من البوادي، لما قدم علينا وسمع شيئاً من الإسلام، قال: أشهد أننا كفار - يعني هو وجميع البوادي -، وأشهد أن المطوع الذي يسمينا إسلاماً أنه كافر.اهـ
ومع هذا فإننا نعتقد أن من عمل بالإسلام ولم يأتِ بما يناقضه فهو المسلم حرام الدم والمال في أي مكان أو زمان كان.
ومن المعلوم أن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي التي تميز بين المسلم والكافر. ولكن هل مجرد قولها باللسان مع عدم اعتقاد معناها والعمل بمدلولها كافٍ في التفريق بين المسلم والكافر؟
لاشك أن المقصود من هذه الكلمة هو توحيد الله عز وجل بما يستحقه من العبادة، سواء كان في الشعائر والنسك، أو الحكم والطاعة، أو الولاء والبراء، ومجرد القول المخالف للعمل والاعتقاد لا فائدة منه، ولا عبرة به، ولايفيد توحيداً، بل التوحيد نفي وإثبات، وترك واتباع، وقول وعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، فمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل بما دلت عليه من نفي الشرك والبراءة من أهله وإخلاص العبادة لله لايعتبر من أهلها، ومن قالها وأظهر ما يناقضها لا يكون مسلما، وهذه الحقيقة لا تخفى على من عرف دين الله.
وأي فرد يعيش في وسط هذه المجتمعات التي يردد أهلها لا إله إلا الله إذا عرف الإسلام الحق وعرف ما تدل عليه هذه الكلمة العظيمة، لا يتردد في وصف هذه المجتمعات بالجاهلية وهؤلاء الأقوام بالكفر والشرك والضلال، ولا يشك في ذلك؛ لأن هذا الإسلام الذي عرفه غائب عنهم، بل إنه يعتبر الحكم لهم بالإسلام كفرا مبينا وخطأ فاحشاً، وضلالا بعيدا، وجهلا عظيما، وخروجا عن الحقيقة والصواب، وتلبيساً للحق بالباطل.
وهذه الحقيقة التي وصل إليها هي من خلال معرفته بالإسلام الحق والنظر فيما عليه الناس من حوله، فلا يحتاج إلى اجتهاد عالم أو فتوى إمام، بل هي حقيقة يضطر المسلم إليها اضطرارا لا محيد عنه، وهي الوصف المناسب الذي رآه ينطبق على هذه المجتمعات، فغياب الإسلام دليل على غياب أهله، وظهور الشرك والكفر دليل على وجود الكفار والمشركين، فلا يُظهِر الكفر والشرك إلا الكافرون المشركون، كما أن ظهور الإسلام دليل على وجود المسلمين.
وإذا قيل هل تعتقدون كفر أهل الأرض على الإطلاق؟ أم لا؟
نقول: الذي نعتقده وندين به أننا لانحكم بالإسلام إلا لمن عرفناه يدين به، أي أنه يعبد الله مستسلما له وحده، ولا يشرك به شيئا، ويبرأ مما عليه الناس اليوم من الأديان الباطلة كالوثنية القبورية والعلمانية والديمقراطية وغيرها، ويكفِّر كل من لم يدن بالإسلام قولا وعملا سواء كان عن جهل أو عن علم.
ومن لم نعرف عنه أنه يدين بهذا الدين فهو من الكافرين حتى يثبت لنا إسلامه، وعامة الناس اليوم على غير دين الإسلام.
ونعتقد أنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، إلى أن تقوم الساعة، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع إخباره بأن أمته تتبع سنن الأمم قبلها، كما ثبت ذلك أيضا.
ولا نقول أن كل فرد بعينه قد قامت عليه الحجة واستحق بذلك العذاب في الدنيا والآخرة، وإنْ كنَّا نعتقد أن لله الحجة البالغة وأنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل، وأن الحجة تقوم على الناس ببلوغهم كتاب الله وسماعهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وتمكنهم من معرفة ما جاء به، وأن الذين لم تقم عليهم الحجة حكمهم في الدنيا على الظاهر، فمن لم يعبد الله وحده ويخلص له الدين ويبرأ من الشرك وأهله فلا يكون من المسلمين وإن لم تقم عليه الحجة، هذا في أحكام الدنيا وأما في الآخرة فأمره إلى الله.
ومن المعلوم أن وصف الناس بالشرك وتسمية من أشرك بالله مشركاً كافراً ثابت قبل الحجة وبعدها وهو الوصف المناسب لمن أشرك بالله ولم يعبده وحده، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) {البقرة:6}
وقال عز وجل: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) {التوبة:6}
وأهل الفترة الذين لا يعبدون الله وحده لا يسمون مسلمين بل مشركين، وهذا مما لا خلاف فيه. والله أعلم
الحكم على الناس في هذه الدنيا وتمييز المسلمين من الكفار على حسب الظاهر.
فمن كان ظاهره الإسلام حكم له به.. ومن كان ظاهره الكفر حكم له به أيضا.. سواء كان فردا أو جماعة أو شعبا أو أمة.
قال النووي : وقوله صلى الله عليه وسلم (.... أفلا شققت عن قلبه ..) فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر.اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري : وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر.اهـ
والناس في هذه الدنيا فريقان، فريق هداه الله ووفقه لاتباع دينه وأخرجه من الظلمات إلى النور فهو مسلم موحد عابد لله وحده، وفريق أضله الله فهو يتخبط في ظلمات الجهل والكفر فهو كافر ضال مشرك عابد لغير الله.
قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
فكل ملة تخالف ملة الإسلام فهي الكفر ( كاليهودية والنصرانية والعلمانية والديموقراطية والبوذية والقبورية الوثنية، وغيرها)، وأهلها كفار.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية159)
وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم:31:32)
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه في أكثر من موضع انقسام الناس مع هذا الدين إلى قسمين:
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)(النحل: من الآية36)
قال ابن جرير: (فمنهم من هدى الله) يقول فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله فوفقه لتصديق رسله والقبول منهم والإيمان بالله والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ونجا من عذاب الله (ومنهم من حقت عليه الضلالة) يقول وممن بعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقت عليهم الضلالة فجاروا عن قصد السبيل فكفروا بالله وكذبوا رسله واتبعوا الطاغوت فأهلكهم الله بعقابه وأنزل عليهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.اهـ
وهذا دليل على أن كل أمة بعث الله إليها رسولا انقسم أهلها إلى قسمين لا ثالث لهما.
ومن تأمل ما قص الله من قصص رسله وجد الأمر كذلك.
وهناك نقطة مهمة أيضا وهي أن الكفار من الأمم السابقة - وهم الفريق المقابل لفريق الرسول وأتباعه الذين هم حزب الله – يهلكهم الله جميعا ولا يُبقي منهم أحدا ولا يَبقى إلا فريق الموحدين، مما يدل أيضا على أنه ليس هناك فريق وسط بين هؤلاء وهؤلاء.
وقال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:256:257) .
وهذا دليل أيضا على أن الناس قسمين: قسم يتولون الله وحده ويكفرون بما يعبد من دونه، فالله وليهم ليس لهم ولي من دونه، وقسم أولياؤهم الطاغوت.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) (النمل:45)
قال مجاهد: فإذا هم فريقان يختصمون قال مؤمن وكافر.
وقد ذكر الله عز وجل هذه الخصومة في قوله: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الأعراف:75:76).
وهذا أيضا دليل واضح جدا، ويستفاد منه أيضا أنهم كانوا فريقا واحدا قبل أن يرسل الله إليهم صالحا مجتمعين على الكفر، ثم انشق منهم فريق آخر وهم نبي الله صالح ومن آمن به، ومن لم يؤمن بقي في الفريق الأول، ولا ثالث لهما. وقد نجّى الله صالحا ومن معه وأهلك الآخرين.
وقال البغوي: فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء.اهـ
فالملاحظ دائما هو انقسام الناس إلى فريقين لا ثالث لهما مؤمن وكافر.
وقد قال المولى جل وعلا: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2)
قال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل : فصح يقينا أنه ليس في الناس ولا في الجن إلا مؤمن أو كافر فمن خرج عن أحدهما دخل في الآخرة.ا.هـ
وقال أيضا في نفس الكتاب: والإجماع والنصوص قد صح كل ذلك على أنه لا دين إلا الإسلام أو الكفر من خرج من أحدهما دخل في الآخر ولا بد إذ ليس بينهما وسيطة، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وهذا حديث قد أطبق جميع الفرق المنتمية إلى الإسلام على صحته وعلى القول به فلم يجعل عليه السلام دينا غير الكفر والإسلام ولم يجعل هاهنا دينا ثالثا أصلا.اهـ
فالناس إما مسلم من أهل ديننا وملتنا يدين بنفس ما ندين به أو كافر على غير ملتنا وديننا، وليس هناك فريق ثالث يكون وسيطا بين المسلمين والكافرين.
فمن خلال ما سبق يتبين أن الناس مع الإسلام ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما:
القسم الأول هم الذين أخرجهم الله من الظلمات إلى النور وهداهم الله للإيمان بالله والكفر بالطاغوت فعبدوا الله وحده وتبرؤا من الشرك وأهله.
والقسم الآخر أضلهم الله فبقوا على كفرهم وعنادهم وجهلهم.
فالفريق الأول هم المسلمون وهم حزب الله وقد يكونون في بعض الأوقات رجلا واحدا فقط، كما حدث مع إبراهيم عليه السلام قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).
قال البغوي: قال مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار.اهـ
وروى الحاكم في المستدرك عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه زيد فقال يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بلغك ولو أدركك لآمن بك فاستغفر له قال نعم فاستغفر له وقال فإنه يجيء يوم القيامة أمة واحدة.
وروى عن محمد بن عبد الله بن الحصين حدثه أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قالا يا رسول الله تستغفر لزيد قال نعم فاستغفر له وقال إنه يبعث أمة واحدة.
وجاء في كتاب الإحكام لابن حزم :
وقد أسلمت خديجة رضي الله عنها أم المؤمنين وسائر الناس كفار فكانت على الحق وسائر أهل الأرض على ضلال.
ثم أسلم زيد بن حارثة وأبو بكر رضي الله عنهم فكانوا بلا شك هم الجماعة وجميع أهل الأرض على الباطل.
وقد نبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فكان على الحق واحدا وجميع أهل الأرض على الباطل والضلال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد بن عمر بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده، وذلك لأن زيدا آمن بالله تعالى وحده وجميع أهل الأرض على ضلالة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قيل ومن هم يا رسول الله قال النزاع من القبائل". وقال صلى الله عليه وسلم "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة".اهـ
والفريق الثاني هم الذين لا يدينون بالإسلام من كافة الملل الأخرى، وهم حزب الشيطان وأولياؤه، وهم الأكثرون عدداً في كل الأوقات بعد القرون العشر الأولى من بداية الخليقة.
قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
وقال تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40) وكَوْنُ أكثر الناس لا يعلمون الدين القيم يعني أن أكثرهم ليسوا على الدين القيم.
والجدير بالذكر أن هذا الانقسام إلى مؤمنين وكفار لم يكن في بداية الخليقة بل استمر الناس عشرة قرون مجتمعين على الإسلام، إلى أن بدأ يظهر بينهم الشرك بالله فاختلفوا وتفرقوا وطال بهم الأمد حتى صاروا أمة مجتمعة على الشرك، فأرسل الله إليهم نوحا عليه السلام يدعوهم إلى ترك الشرك وعبادة الله وحده، فمنهم من آمن وهم قليل وأكثرهم بقوا على شركهم وكفرهم، فأهلك الله الكافرين ولم يبق منهم أحدا ونجّا الموحدين.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19) وقوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة: من الآية213)
ومن العلماء من قال أنهم صاروا أمة واحدة على الكفر بعد أن كانوا أمة واحدة على الإسلام.
قال ابن جرير: عن عكرمة عن بن عباس قال كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.اهـ
هذا حال الناس قديما وحديثا إما مسلم مهتدٍ موحد، أو كافر ضال مشرك، ولا ثالث لهما، ولا واسطة بينهما.
والحد الفاصل بين الفريقين والعَلَمُ المميز بينهما هو كلمة التوحيد معرفتها واعتقادها والإقرار بها والعمل بمقتضاها والبراءة ممن لم يكن من أهلها.
وكل مسلم يعرف الحد الفاصل والفارق بين المسلمين والكافرين وهو الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، فمن عرف الإسلام عرف ضده، ومن اشتبه عليه هذا فقد اشتبه عليه ذاك.
ولا بد أن يكون التمييز بين المسلمين والكفار على أرض الواقع لا من الناحية النظرية فقط.
ومن لم يعرف الفرق بين فريق المسلمين وفريق الكافرين على أرض الواقع لا يمكن أن يتم له ولاء ولا براء، وبالتالي لا يتم له إسلام.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يونس:104:105)
فتأمل قوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وقوله: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قال القاضي عياض في كتابه الشفا:
ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك ، أو صحح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام ، واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.اهـ
وأحوال الناس وأقوالهم وأفعالهم شاهدة عليهم بما يدينون به.
قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17)
فالمشركون في هذه الآية هم أهل مكة، وقد أخبر سبحانه أنهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، وهذه الشهادة هي أقوالهم وأفعالهم الظاهرة التي تخبر وتصف حالهم وشركهم.
فالأقوال والأفعال الظاهرة من القوم هو الواقع الظاهر الذي يمكن من خلاله معرفة حالهم ووصفهم بالكفر أو الإسلام.
قال الماوردي في النكت والعيون: (شَاهِدِينَ عَلَى أنفُسِهِم بِالْكُفْرِ) فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن فيما يقولونه أو يفعلونه دليل على كفرهم كما يدل عليه إقرارهم ، فكأن ذلك منهم هو شهادتهم على أنفسهم , قاله الحسن. اهـ
وقال البغوي في تفسيره : قال الحسن: لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر ، وقال الضحاك عن ابن عباس شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام .اهـ
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز : وقوله (شاهدين على أنفسهم بالكفر) إشارة إلى حالهم إذ أقوالهم وأفعالهم تقتضي الإقرار بالكفر والتحلي به.اهـ
وقال ابن القيم في مدارج السالكين : فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله فهي شهادة بكفرهم وهم شاهدون على أنفسهم بما شهدت به.اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره : وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر أي بحالهم وقالهم.اهـ
وعلى هذا فإن الأحوال والأقوال والأفعال الظاهرة تشهد وتدل على كفر القوم أو إسلامهم .
وكل مسلم اليوم في أي بلد من البلدان يمكنه أن يعرف ما يدين به قومه، وليس ذلك بعسير عليه، فما عليه إلا أن ينظر إلى الدين الظاهر في القوم، فإن وجدهم ملتزمين بالإسلام مستسلمين لله وحده لايعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، ويوالون على الإسلام ويعادون عليه، ويتبرؤون من الكفار والمشركين، فهم على دينه مسلمون موحدون، وإن لم يجدهم على الإسلام، فقومه على خلافه من الدين كفار مشركون، وهذا الدين الظاهر الذي يدين به القوم خير دليل على معرفة كفرهم أو إسلامهم.
ومجرد غياب الدين الحق في واقع قوم ما، أصدق دليل على كفر هؤلاء القوم وخروجهم عن الإسلام.
فأيَّما قوم ظهرت فيهم الوثنية، وتفشى بينهم الشرك، وغابت عنهم معالم التوحيد، وصار المسلم بينهم مضطهد غريب، فلا شك أنهم كفار مشركون.
وأيَّما قوم تركوا العمل بشريعة الله، وكان القانون الوضعي الطاغوتي هو الشرع المتبع فيهم، والدستور المقدس بينهم، به يحكمون، وإليه يتحاكمون، وله يخضعون، وعليه يدافعون ، فلا شك في كفرهم وخروجهم عن دين الله الحق.
فمن عرف الدين الحق في أي زمان ومكان لم يصعب عليه معرفة الدين الذي يدين به قومه.
فها هو زيد بن عمرو بن نفيل لما هداه الله عز وجل لدين إبراهيم عليه السلام لم يلتبس عليه حال قومه، بل أيقن أنهم على غير ملة إبراهيم، مع أنهم كانوا ينتسبون إليه، ويعظمون البيت الحرام، ويحجون ويتصدقون.
كما روى البخاري في صحيحه عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنهما قالت رأيت زَيْدَ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى الْكَعْبَةِ يقول يا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ والله ما مِنْكُمْ على دِينِ إبراهيم غَيْرِي.
فإنه –رحمه الله وغفر له- لما عرف حقيقة دين إبراهيم عَلِمَ أن قومه ليسوا على شيء، وأنهم قد خرجوا عن الإسلام والتوحيد إلى الشرك وعبادة غير الله.
·فهل كان زيد محقا في قوله هذا؟
·وكيف توصل لمعرفة هذه النتيجة التي واجه بها قومه؟
·هل كان ذلك عن طريق الاستقراء الكلي لجميع أفراد قومه ومعرفة ما يدين به كل فرد منهم؟!
لاشك أن الأمر لا يحتاج إلى تتبع واستقراء حال كل فرد من قومه ليعرف ما يدين به القوم، وما هو الظاهر فيهم، بل يكفي للحكم على قومٍ ما بأنهم ليسوا على الإسلام عدم ظهور الإسلام فيهم، كما هو حال قريش عندما قال لهم زيد قولته السابقة.
وإذا كان الحكم على القوم على حسب الدين الظاهر والغالب عليهم، وهذا لا يحتاج إلى بحث وتقصٍّ واستقراء لكل فرد من أفراد المجتمع وما يدين به. فمن عرفنا إسلامه حكمنا له به، ومن لم نعرفه فله حكم قومه حتى يتبين لنا خلافه لهم، ومن لم يلتزم بإجراء الأحكام على الظاهر ورام معرفة حقيقة كل فرد فقد خالف الشرع الحنيف، وركب بدعة شنعاء، وتكبد ما لا طاقة له به.
والمسلم الذي يكتم إيمانه ولا نعرفه يأخذ حكم الكفار على الظاهر لأنه غير متميز عنهم، ولا نكون آثمين ولا مخطئين في ذلك؛ لأن الله لم يكلفنا بغير ما ظهر لنا، وهو عند الله من المسلمين.
ومن عرف دين الله الحق من عامي أو عالم ، وتأمل حال قومه ، أيقن أنهم بعيدون عن الإسلام كل البعد، وأنهم غاطسون في الشرك و تأليه غير الله ، وأنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، وإن كانوا لايزالون ينتسبون للإسلام ويزعمون أنهم بريئون مما سواه.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
وما أحسن ما قاله واحد من البوادي، لما قدم علينا وسمع شيئاً من الإسلام، قال: أشهد أننا كفار - يعني هو وجميع البوادي -، وأشهد أن المطوع الذي يسمينا إسلاماً أنه كافر.اهـ
ومع هذا فإننا نعتقد أن من عمل بالإسلام ولم يأتِ بما يناقضه فهو المسلم حرام الدم والمال في أي مكان أو زمان كان.
ومن المعلوم أن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي التي تميز بين المسلم والكافر. ولكن هل مجرد قولها باللسان مع عدم اعتقاد معناها والعمل بمدلولها كافٍ في التفريق بين المسلم والكافر؟
لاشك أن المقصود من هذه الكلمة هو توحيد الله عز وجل بما يستحقه من العبادة، سواء كان في الشعائر والنسك، أو الحكم والطاعة، أو الولاء والبراء، ومجرد القول المخالف للعمل والاعتقاد لا فائدة منه، ولا عبرة به، ولايفيد توحيداً، بل التوحيد نفي وإثبات، وترك واتباع، وقول وعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، فمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل بما دلت عليه من نفي الشرك والبراءة من أهله وإخلاص العبادة لله لايعتبر من أهلها، ومن قالها وأظهر ما يناقضها لا يكون مسلما، وهذه الحقيقة لا تخفى على من عرف دين الله.
وأي فرد يعيش في وسط هذه المجتمعات التي يردد أهلها لا إله إلا الله إذا عرف الإسلام الحق وعرف ما تدل عليه هذه الكلمة العظيمة، لا يتردد في وصف هذه المجتمعات بالجاهلية وهؤلاء الأقوام بالكفر والشرك والضلال، ولا يشك في ذلك؛ لأن هذا الإسلام الذي عرفه غائب عنهم، بل إنه يعتبر الحكم لهم بالإسلام كفرا مبينا وخطأ فاحشاً، وضلالا بعيدا، وجهلا عظيما، وخروجا عن الحقيقة والصواب، وتلبيساً للحق بالباطل.
وهذه الحقيقة التي وصل إليها هي من خلال معرفته بالإسلام الحق والنظر فيما عليه الناس من حوله، فلا يحتاج إلى اجتهاد عالم أو فتوى إمام، بل هي حقيقة يضطر المسلم إليها اضطرارا لا محيد عنه، وهي الوصف المناسب الذي رآه ينطبق على هذه المجتمعات، فغياب الإسلام دليل على غياب أهله، وظهور الشرك والكفر دليل على وجود الكفار والمشركين، فلا يُظهِر الكفر والشرك إلا الكافرون المشركون، كما أن ظهور الإسلام دليل على وجود المسلمين.
وإذا قيل هل تعتقدون كفر أهل الأرض على الإطلاق؟ أم لا؟
نقول: الذي نعتقده وندين به أننا لانحكم بالإسلام إلا لمن عرفناه يدين به، أي أنه يعبد الله مستسلما له وحده، ولا يشرك به شيئا، ويبرأ مما عليه الناس اليوم من الأديان الباطلة كالوثنية القبورية والعلمانية والديمقراطية وغيرها، ويكفِّر كل من لم يدن بالإسلام قولا وعملا سواء كان عن جهل أو عن علم.
ومن لم نعرف عنه أنه يدين بهذا الدين فهو من الكافرين حتى يثبت لنا إسلامه، وعامة الناس اليوم على غير دين الإسلام.
ونعتقد أنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، إلى أن تقوم الساعة، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع إخباره بأن أمته تتبع سنن الأمم قبلها، كما ثبت ذلك أيضا.
ولا نقول أن كل فرد بعينه قد قامت عليه الحجة واستحق بذلك العذاب في الدنيا والآخرة، وإنْ كنَّا نعتقد أن لله الحجة البالغة وأنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل، وأن الحجة تقوم على الناس ببلوغهم كتاب الله وسماعهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وتمكنهم من معرفة ما جاء به، وأن الذين لم تقم عليهم الحجة حكمهم في الدنيا على الظاهر، فمن لم يعبد الله وحده ويخلص له الدين ويبرأ من الشرك وأهله فلا يكون من المسلمين وإن لم تقم عليه الحجة، هذا في أحكام الدنيا وأما في الآخرة فأمره إلى الله.
ومن المعلوم أن وصف الناس بالشرك وتسمية من أشرك بالله مشركاً كافراً ثابت قبل الحجة وبعدها وهو الوصف المناسب لمن أشرك بالله ولم يعبده وحده، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) {البقرة:6}
وقال عز وجل: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) {التوبة:6}
وأهل الفترة الذين لا يعبدون الله وحده لا يسمون مسلمين بل مشركين، وهذا مما لا خلاف فيه. والله أعلم