استخدام مكبرات الصوت فى الأذان و الإقامة و غيرهما من منظور شرعى الحمد لله وحده والصلاة والسلام على ...

استخدام مكبرات الصوت فى الأذان و الإقامة و غيرهما من منظور شرعى
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. فقد هالنى ما سمعت من بعض المنتسبين الى الدعوة أن استخدام مكبرات الصوت فى الأذان يمثل إزعاج للناس و يطالبوا بعدم استخدامها زعما منهم أن فى ذالك حرصاً على عدم إزعاج جيران المساجد, فحاولت جاهدا جمع بعض أقاويل أهل العلم رحمهم الله فى هذا الصدد و الله من وراء القصد.
د/محمد منيع احمد

مِن الحِكَمِ التي مِن أجْلِها شُرِعُ الأذانُ:
إظهارُ شِعارِ الإسلامِ وكلمةِ التَّوحيدِ. (شرح النووي على مسلم)) (4/77).
الإعلامُ بدخولِ وقتِ الصَّلاةِ. (شرح النووي على مسلم)) (4/77).
لإعلامُ بمكانِ الصَّلاةِ . (شرح النووي على مسلم)) (4/77).
الدُّعاءُ إلى الجَماعةِ. (شرح النووي على مسلم)) (4/77).
الإعلامُ بأنَّ الدارَ دارٌ للإسلامِ. (الفواكه الدواني للنفراوي (1/449).
و السؤال بعد كل هذا هل مكن تطبيق هذه الحِكَمِ من الأذان فى هذا العصر المتسم بالازدحام و الضوضاء دون رفع الصوت به؟
عن أنسِ بنِ مالكٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْه: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غزَا بِنَا قومًا لم يكن يغْزُو بنا حتى يُصْبِحَ وينظرَ؛ فإنْ سَمِعَ أذانًا كَفَّ عنهم، وإنْ لم يسمعْ أذانًا أغارَ عليهِم. (أخرجه البخاري (610) واللفظ له ومسلم (382). قلت وفيه أن القوم كانوا يرفعون أصواتهم بالأذان.
النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان عَلَّق استحلالَ أهلِ الدارِ بترْكِ الأذان؛ فهو شعارُ دارِ الإسلامِ. (مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/65)، و المنتقى للباجي (1/136)).
و الاذان هوالعلامَةُ الدالَّةُ المفرِّقةُ بين دار الإسلامِ ودارِ الكُفرِ ، ولا يكونُ ذلك إلَّا لواجبٍ. (الاستذكارابن عبد البر (1/371)).
و الأذان من الشَّعائرِ الظَّاهرةِ. (تبيين الحقائق للزيلعي (1/90)، و مغني المحتاج للشربيني (1/134)).
إذا اتَّفقَ أهلُ بلدٍ على ترْكِ الأذانِ، فإنَّهم يُقاتَلون ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة (حاشية ابن عابدين (1/384)). ، والمالكيَّة (الشرح الكبيرللدردير (1/192) ، وينظر: (حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/228)). ، والحنابلة (الإقناع للحجاوي (1/76)، كشاف القناع للبهوتي (1/234)). ، وقولُ بعضِ الشافعيَّة (المجموع للنووي (3/80)، مغني المحتاج للشربيني (1/134)).
قال ابنُ عُثَيمين رحمه الله تعالى: (قوله: (يُقاتَل أهلُ بلدٍ ترَكوهما)، والذي يُقاتِلهم الإمام إلى أنْ يُؤذِّنوا، وهذا من باب التعزير لإقامةِ هذا الفَرْض، وليس من باب استباحة دِمائهم؛ ولهذا لا يُتَّبَع مُدبِرُهم، ولا يُجهَز على جريحِهم، ولا يُغنَم لهم مالٌ، ولا تُسبَى لهم ذريَّة؛ لأنَّهم مسلمون، وإنما قُوتِلوا تعزيرًا). (الشرح الممتع (2/47)).
وللأذانِ فَضائلُ جليلةٌ، وفوائدُ عظيمةٌ، منها:
أوَّلًا: استحبابُ المنافسةِ فيه لشَرفِهِ وفضلِه
فعن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لو يَعلَمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأوَّلِ، ثم لم يَجِدوا إلَّا أن يَستهِموا عليه، لاستَهَموا). ( رواه البخاري (615)، ومسلم (437)).
ثانيًا: فِرارُ الشَّيطانِ من الأذانِ
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا نُودِيَ للصَّلاةِ أَدْبَرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يَسمَعَ التأْذينَ) . (رواه البخاري (608) ومسلم (389)).
ثالثًا: المؤذِّنونَ أطولُ النَّاسِ أعناقًا يومَ القِيامةِ
فعَن مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: (المؤذِّنونَ أطولُ الناسِ أعناقًا يومَ القِيامَةِ). (رواه مسلم (387)).
رابعًا: المؤذِّنُ يُغفَرُ له مدَى صوتِه، ويشْهَد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ
فعن أبي هُريَرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: (المؤذِّنُ يُغفَرُ له مدى صَوتِه ويَشهَدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهِدُ الصَّلاةِ يُكتَبُ له خمسٌ وعِشرونَ صلاةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهم). (أخرجه أبو داود (515) واللفظ له، والنسائي (645)، وابن ماجه (724)، وأحمد (7611) باختلاف يسير بينهم صحح إسناده ابن كثير في ((الأحكام الكبير)) (1/145)، وحسن الحديث ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/312)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (515)).
خامسًا: المؤذِّنُ يَشهَدُ له كلُّ مَن سمِعَ صوتَه من إنسٍ أو جِنٍّ
فعن عبدِ اللهِ بن عبد الرَّحمنِ بن أبي صَعْصعَةَ، أنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال له: (إنِّي أراك تحبُّ الغنمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ، فأذَّنتَ للصَّلاةِ، فارفعْ صوتَك بالنِّداء؛ فإنَّه: (لا يَسمَعُ مدَى صوتِ المؤذِّنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلَّا شهِدَ له يومَ القِيامَةِ)، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. (رواه البخاري (3296)).
فمما لا شك فيه أن الأذان يترتب عليه الإعلام بدخول أوقات الصلوات المفروضة، كما يترتب على ذلك جواز الإفطار المبني على الإعلام بغروب الشمس ودخول وقت المغرب، أو لزوم الامساك في صيام رمضان المبني على الإعلام بطلوع الفجر الصادق ودخول وقت الفجر.
ولعل استعمال مكبرات الصوت يدخل في قاعدة المصالح المرسلة التي يجب ضبطها وعدم التوسع فيها من جانب كما لا يبالغ في إغفالها والمنع منها على الإطلاق من جانب آخر ولعل –أيضًا- استعمالها يدور على قاعدة مراعاة المصالح ودرء المفاسد.
قال الشيخ محمد بن عثيمين: "مكبِرات الصَّوت من نعمة الله؛ لأنَّها تزيد صوت المؤذِّن قوَّة وحُسناً، ولا محذور فيها شرعاً، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم العبَّاس بن عبد المطلب أن ينادي يوم حنين: "أين أصحابُ السَّمُرَة"(أخرجه مسلم، في كتاب الجهاد، باب في غزوة حنين (3/1398)، رقم (76)). ؛ لقوَّةِ صَوته. فدلَّ على أن ما يُطلبُ فيه قوَّةُ الصَّوت ينبغي أن يُختار فيه ما يكون أبلغ في تأديَة الصَّوت" (الشرح الممتع (2/46)). أ.هـ.
-وفي نظري- أن هناك فرق بين الأذان وغيره كالإقامة، والصلاة، والقراءة، والدعاء، والمواعظ، ونحوها، فكما هو معلوم أن الغاية من الآذان هي إعلام الناس بدخول وقت الصلاة ودعوتهم لحضورها فالمصلحة حينئذ في استعمال المكبرات الخارجية؛ لأن الناس حينها يكونون خارج المسجد في بيوتهم وأسواقهم وأعمالهم، بينما الغاية من الإقامة والصلاة والقراءة ونحوها هي إسماع المأمومين خلف الإمام وهم موجودون حينها داخل المسجد فالمصلحة حينئذ تكون بالاقتصار على المكبرات الداخلية فحسب دون المكبرات الخارجية. وهذا التأصيل يمثل الرأي الوسط في المسألة بين من سيمنع من استعمال مكبرات الصوت الخارجية في المساجد مطلقًا حتى في الآذان وبين من سيقول بجواز ذلك مطلقًا حتى في القراءة والدعاء ونحوها، وهذا الذي أختاره . ( الشيخ ناصر بن سليمان العمر (http://almoslim.net/node/180441).

وبخصوص الإقامة قد يرد بأن الإقامة قد تكون بصوت عالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا). (رواه البخاري (636)). و أن الإقامة أحد الأذانين لحديث عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاءَ). (رواه البخاري (627)، ومسلم (838)). فاستحب رفع الصوت بها كالآذان لإسماع الغائبين أيضا. فالمقصود بها الإعلام بفعل الصلاة لمنتظرها في المسجد و غيره. و يستحب أداؤها في الموضع الذي أدى فيه الأذان، قال ابن قدامة في المغني أيضاً: ويستحب أن يقيم في موضع أذانه قال أحمد أحب إلي أن يقيم في مكانه. انتهى
وعليه فأن الرفع بالإقامة له نفس حكمة الأذان والله أعلم.
أما بخصوص التواشيح و القرآن الذى يذاع قبل الصلوات فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (السؤال الأول من الفتوى رقم (6417) : وضع جهاز راديو أو نحوه لإذاعة القرآن بصوت مرتفع في المسجد يوم الجمعة قبل مجيء الإمام لا يجوز. انتهى... وكذا إذا اشتمل تشغيلُ المذياع على التشويش على الناس وخصوصاً المرضى ونحوهم وأذيتهم فهو ممنوع كذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). (أخرجه الدارقطني في ((السنن)) (4541)، والحاكم في ((المستدرك)) (2345)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (11384) من حديث أبي سعيد الخدري. صَحَّح إسنادَه الحاكمُ، وحسَّنَ الحديثَ النَّوويُّ في ((الأربعين النووية)) (32)، وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحِكَم)) (2/210): بَعْض طُرُقِه تَقْوَى ببعضٍ، وصَحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (896)).
وأما الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية مما يترتب عليه أذية للناس في بيوتهم، أو أذية أهل المساجد الأخرى، فهذا مما لا يجوز شرعا، وقد فصل العلامة العثيمين رحمه الله أدلة منع ما ذكرنا في فتوى له قال رحمه الله:
(ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين، وفي جواب له من الفتاوى الكبرى: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. انتهى.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينا) {الأحزاب: 36}، ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات -إن صح وجودها- فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من جهر المصلين بعضهم على بعض .
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم .
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها .
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً. 5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها .
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع .
7- أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة ...والقاعدة العامة المتفق عليها أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم فحكم بما تقتضيه، فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآن، ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه، ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن. وقوله: فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة. ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به. انتهى كلام الشيخ العثيمين رحمه الله. (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - المجلد الثالث عشر - كتاب استعمال مكبرات الصوت. رابط المادة: http://iswy.co/e3s6a)
و يُستحبُّ أن يؤذِّن المؤذن على مكان مرتفِع وذلك لما رواه أبو داود عن امرأةٍ من بَني النجَّار، قالت: " كان بيتي منْ أطولِ بيتٍ حولَ المسجدِ وكان بلالُ يؤذنُ عليهِ الفجرَ فيأتي بسَحَرٍ فيجلسُ على البيتِ ينظرُ إلى الفجرِ فإذا رآهُ تمطَّى، ثم قال : اللهمَّ إني أحمدُكَ وأستعينُكَ على قريشٍ أن يُقيموا دِينَكَ .قالتْ : ثم يُؤذِّنُ .قالتْ : واللهِ ما علمتُهُ كان تركها ليلةً واحدةً تعني هذهِ الكلماتِ). (الراوي : امرأة من بني النجار | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 519 | خلاصة حكم المحدث : حسن). فقد كانوا قديمًا يُنادُونَ بالأذانِ مِنْ عُلْوٍ حتَّى يَصِلَ الصَّوتُ إلى أَبْعَدِ مَدًى يُمْكِنُ أنْ يَصِلَ إليه.
قال الشيخُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -: "ولا فرْقَ بين أن يكون العلوُّ بذات المؤذِّن، أو بصوت المؤذِّن كما هو الموجودُ الآن بمكبِّرات الصوت" "الشرح الممتع" (2/52).
وما زعمه البعض من أن صوت المكبرات يزعج بعض الناس كلام فاسد، فإن القلوب الحية المؤمنة تفرح بذكر الله ولا تنزعج، ثم إن زمن النداء يسير فلا يكاد يحصل به إيذاء لمشتغل بشغلٍ، أو مريض أو نحوه كما يلبس بذلك بعض من قل دينه وخف يقينه ممن يريد ألا يظهر شعار الإسلام في بلاد المسلمين لا حقق الله لهم مطلباً.
ولو فرضنا أن صوت الأذان بالمكبر يزعج قليلاً من الناس فهذه مفسدة يسيرة جداً بجانب المصلحة الراجحة العظيمة الحاصلة من وراء استعمالها، فلا شك بعد هذا في مشروعية استعمالها، ولا نعلم أحداً من أهل العلم المعتبرين المشهود لهم بالصلاح والاستقامة على السنة أنكر هذه المكبرات، بل عامتهم في مختلف بلاد الإسلام يستحسنها ويقرها، والقول بأن استعمالها بدعة مع أن قائله مجهول لا نعلمه من أهل العلم فهو قول باطل مردود، لأن الفعل إنما يصدق عليه وصف البدعة إذا وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع وتركه النبي صلى الله عليه وسلم، كما حرر ذلك شيخ الإسلام في الاقتضاء والشاطبي في الاعتصام، ولا شك أن المكبرات لا يتحقق فيها هذا الوصف، فيمتنع بعد هذا وصف استعمال المكبرات بأنه بدعة، ثم إن غالب من يردد هذه الدعاوي هم أذناب الغرب الذين يريدون لبلادنا أن تنسلخ من هويتها، ومن جملة ذلك أن يزول من أرجائها صوت الأذان الذي هو من أعظم شعائر الدين، وأكبر الروابط بين حاضرنا الأليم وماضينا المشرق.