تفسير سورة الإخلاص بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ ...

تفسير سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
هذه سورة الإخلاص يعني الدين : العقيدة الصحيحة وهي سورة مكية نزلت لتكون الفيصل بين المسلمين وجميع المشركين في اعتقادهم بالله لذا فهي تعدل ثلث القرآن [راجع الصحيحين]
وقد ورد في فضلها عدة أحاديث في الصحيحين منها ما رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، " بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُواذكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : سَلُوهُ ، لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ؟ فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ : " لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ " ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ ." وقد تلخص مضمونها في صفات الله ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )): أحد : أي لا شريك له في ربوبيته وألوهيته لا إله سواه أحد في أسمائه وصفاته وتصريفه للكون لا شريك له في ذلك كله وهذه الوحدانية

يثبتها بالأدلة القطعية والبراهين الساطعة فيقول سبحانه ((وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ
فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) )) الأنبياء الآيات تتضمن أن ملك السموات والأرض ومن فيهما لله وحده لا شريك له ولو كان له شريك فيهما لفسدتا بسبب الاختلاف بين المالكين ثم يبين الله هذا الدليل مفصلا
في آية أخرى ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) )) " المؤمنون ,91"
((اللَّهُ الصَّمَدُ(( : أي المنزه والمعظم عن كل ما يعتري بني أدم من صفات الضعف ( النوم , التعب ,الجوع , الظمأ , الأكل, ألشرب , النعاس ... إلخ ) فهو سبحانه منزه عن كل هذا . ((لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )) : أي لم يوجد منه ولد ولم يتولد عن شيئ قبله تعالى ربنا علوا كبيرا عن ذلك وقد ظلم النصارى وكفروا حين أدعو أن عيسى عليه السلام ابن الله لذا يقول الله تعالى عنهم ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) )) "مريم " أما كيف خلق الله المسيح عليه السلام من غير أب وكيف ولد فبينه في سورة مريم وأقام الحجة في سورة آل عمران أن خلق عيسى من غير أب كخلق أدم من تراب لأن العبرة ليست في الأسباب وإنما في قدرة الله التي لا يعجزها شئ إنما يقول لشئ إذا أراده كن فيكون ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) " آل عمران , 59 " هذه هي عقيدة الإخلاص التي فطر الله عليها خلقه لذا نجد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رصي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ(( " صحيح البخاري " . ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)) : أي ليس له شبيه في صفاته وأسمائه ولا ند في ربوبيته وألوهيته وهو الإله لا إله سواه لا يشبهه أحد من خلقه ولا يشبه أحدا من خلقه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " قَالَ اللَّهُ : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا
بَدَأَنِي ، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ ، وَلَمْ أُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ " .. صحيح البخاري