كتاب الرقية الشرعية المباحة "المستحبة" الحمد لله الذي أنزل لكل داء دواء، وجعل لكل بليّة شفاء، ...

كتاب الرقية الشرعية المباحة "المستحبة"
الحمد لله الذي أنزل لكل داء دواء، وجعل لكل بليّة شفاء، الحمد لله ناشر الأمم، ومنشر الرمم، بارئ النسم، ومبرئ السقم، مُقدّر الأدواء ومنزل الدواء، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة خالصة مخلصة من موبقات الخطل والندم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بجوامع الكلم، والمرسل إلى كافة العرب والعجم، صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة باقية، وعلى آلة وأصحابه وسلم، أما بعد:

إنَّ الله - سبحانه وتعالى - أنزل كتابَه لحِكمٍ؛ ومنها: إخراجُ النَّاس من الظُّلمات إلى النُّور، ومنها بيانُ الشرائع والأحكامِ التي كلَّف الله بها عبادَه، ومنها قراءَتُه في الصَّلاة، والتعبُّد بتلاوته، ومنها التداوي به؛ قال - تعالى -: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] وقوله: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44]، فهذه الحِكم لا تَنافُرَ بينها ولا تناقُض، وهي متداخلةٌ متوافقة، يمكن الأخذ بها جميعًا.

أمر الإسلام بالتداوي بالأدوية الحِسيَّة الماديَّة، والأخذ بالأسباب العلميَّة، فإنَّه رغَّب في مشاركتها بالأدوية الرُّوحانيَّة، من رقى بكلام الله العزيز، وأدعيةٍ مأثورة، بل وجعل نبيُّ الله الدُّعاءَ ضربًا من أهمِّ العبادات، فقال: ((الدعاء هو العبادة))، حتى يتذكرَ المريضُ خالقَ الدَّاء والدَّواء، وتبقى عقيدةُ التوحيد خالصةً له - سبحانه وتعالى - في الصِّحة والمرض، ممَّا يجعل رُوح المريض هادئةً متفائلة بالتجائِه إلى ربِّ الأرباب، فيقوى صبرُه، وتغيب الوساوس والمخاوف والأوهام، وترتفع معنوياتُه، وينمو أملُه بالشفاء، ممَّا يؤدِّي إلى ازدياد مقاومتِه فعلاً، وتختفي أعراضُ الاضطراب النفسي، ويبدو التحسُّن بالطبع، حتى في أعراض مرضه العضويِّ، أو الوظيفي، ويتمُّ الشِّفاء أحيانًا فيهما؛ معونةً من الله وفضلاً.

ويحمل الكتاب عنوان "الرقية الشرعية المباحة "المستحبة" وذلك للإشارة الى الاسترقاء الحسن المباح هو ما كان بالقرآن الكريم، أو بالأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بهذا الموضوع، وهو ما ينافي الاسترقاء المنهي عنه من قبل الرسول صل الله عليه وسلم والذي يجب تركه، وهو الاسترقاء بكلام الكفار، أو الألفاظ المجهولة التي لا يُعرف معناها والمستخدم من قبل الدجالين والسحرة والمشعوذين.

وقد اشتمل الكتاب الحالي على ثلاث أبواب تناول الباب الأول موضوع ماهية الرقية الشرعية من حيث استعراض أهمية التداوي في الاسلام، وحكم الرقية وضوابطها والمسائل المتعلقة بها، والْمُحدثات والمخالفات المتعلقة بالرُّقى، وتناول الباب الثاني موضوع آيات الرقية الشرعية الواردة في الكتاب والسنة النبوية الشرية من حيث استعراض كل من الآيات الخاصة بالرقية الواردة في القرآن الكريم والاحاديث النبوية المتعلقة بهذا الشأن، في حين تناول الباب الثالث موضوع إبطال السحر بأنواعه من حيث استعراض ماهية السحر والمصطلحات المتعلقة به، واستعراض علامات السحر والمسحور وكذلك آيات إبطال السحر بأنواعه.

وأسأل الله تعالى بفضله وكرمه وبأسمائه العلى أن يرزقنا وأهلنا الفردوس الأعلى ويُجنِّبنا السوء ما ظهر منه وما بطن في الدنيا وفي الآخرة، ونُصلِّي ونُسلِّم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين.
د. محمود فتوح محمد سعدات