وقد جاء عن بعضهم في معنى هذا المثل (إنتظار الحاجة خبرٌ لك من قضائها) وقد خالفهم الفرس في مثل واحد ...

وقد جاء عن بعضهم في معنى هذا المثل (إنتظار الحاجة خبرٌ لك من قضائها) وقد خالفهم الفرس في مثل واحد وهو قولهم (به شاه اشناه نرود همدوره) العربُ تقول (جاور بحراً أو ملكاً) . وليس قصدنا لهذا المعنى فنطيلُ فيه ولكن لا يراد أمثلة في البلاغة تكون مادة لصانع الكلام: فمن ذلك قول ابرويز: إذا نزل الخمول استكشف النقص، يحثُ على طلب النباهة والتماس جلائل الأمور. وقال بهرام جور: الحاكم ميزان الله في الأرض فوافق الله تعالى في قوله: {والسماء رفعها ووضع الميزان} يعني العدل في الحكم. ونحوه قول علي رضي الله عنه: السفر ميزان القوم. وقول الآخر: العروضُ ميزان الشعر وقال الآخر منهم: أغلق أبواب الشهوات تنفتح لك أبواب المحاسن وقال آخر منهم الصواب قرين التثبت والخطأ شريك العجلة. وقال بزرجمهر: عاملوا أحرار الناس بمحض المودة وعاملوا العامة بالرغبة والرهبة وسوسو السفلة بالمخافة والهيبة. وقريبٌ من ذلك قول بعضهم: الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا ألطف. وقال بعضهم: ينبغي للوالي أن يتفقد أمور رعيته فيسد فاقة أحرارها ويقمع طغيان سفلتها فإنما يصولُ الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع. وقال بعض حكماء الفرس: أحزم الملوك من غلب جده هزله وقهر رأيه هواه وعبر عن ضميره فعله ولم يختدعه رضاه عن حظه ولا غضبهُ عن كيده. وقال أنوشروان: القصدُ غاية المنافع، وقال لابنه هرمز لا يكن عندك لعمل البرَ غاية في الكثرة ولا لعمل الإثم غاية في القلة. ووافق هذا من العربي قول الأفوه الأودي:
(والخيرُ تزدادُ منهُ ما لقيتَ بهِ ... والشرُ يكفيكَ منهُ قلما زادُ)
وقالوا أيضاً: يوم العدل على الظالم أشد من يوم الظلم على المظلوم. وقال ابرويز: لا تغشوا قليلاً فتنغصوا به كثيراً. وقال يوماً لجنده لايشحذ امرؤ

سَأَلت امْرَأَة بزرجمهر عَن مَسْأَلَة فَقَالَ: لَا أعرف جوابها، فَقَالَت: أَنْت تَأْخُذ من الْملك مَا تَأْخُذ وَلَا تعرف جَوَاب مَسْأَلَة لي؟ فَقَالَ: إِن الْملك يعطيني على مَا أعلمهُ وَلَو أَعْطَانِي على مَا لَا أعلمهُ لم يسعني بَيت مَاله ليَوْم وَاحِد. وَقَالُوا: من قدر أَن يحترس من أَربع خِصَال لم يكن فِي تَدْبيره خلل: الْحِرْص، والعُجب وَاتِّبَاع الْهوى، والتواني. قيل لأنوشروان: اصطنعت فلَانا وَلَا نسب لَهُ، فَقَالَ: اصطناعنا إِيَّاه نسبه. دخل دهقان على الْمُهلب فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير: مَا أشخصتني إِلَيْك الْحَاجة، وَلَا قنعت بالْمقَام على الْغنى، وَلَا أرْضى إِذْ قُمْت هَذَا الْمقَام بالنصفة مِنْك، فَقَالَ: وَيحك مَا تَقول؟ قَالَ: أصلحك الله، النَّاس ثَلَاثَة: فَقير، وغني ومستزيد، فالفقير من مُنع حَقه، والغني من أعطي مَا يسْتَحقّهُ، والمستزيد من طلب الْفضل بعد دَرك الْغنى، وَإنَّك - أعزّك الله - لما أنصفتني بإدائك لي حَقي، تطلعت نَفسِي إِلَى استزادتك فَوق حَقي، فَإِن منعتني فقد أنصفتني، وَإِن زدتني زَادَت منتك عظما عليّ، فَأحْسن جائزته، وَأمره بلزومه، وَأَعْجَبهُ مَا رأى من ظرفه. قَالَ كسْرَى: النَّبِيذ صابون الْغم. حكى المعلّى بن أَيُّوب عَن بعض حكماء فَارس أَنه قَالَ: تعجب الْجَاهِل من الْعَاقِل أَكثر من تعجب الْعَاقِل مِنْهُ. من وَصِيَّة كسْرَى: " لَا تستشعروا الحقد فيدهمكم الْعَدو وَلَا تحبوا الاحتكار فيشملكم الْقَحْط، وَكُونُوا لأبناء السَّبِيل مأوى تؤووا غَدا فِي الْمعَاد، وَتَزَوَّجُوا فِي الْأَقَارِب، فَإِنَّهُ أثبت للنسب، وَأقرب للسبب، وَلَا تركنوا إِلَى الدُّنْيَا. فَإِنَّهَا لَا تدوم، وَلَا ترفضوها مَعَ ذَلِك؛ فَإِن الْآخِرَة لَا تنَال إِلَّا بهَا "
.
.
.
.
.
الأقوال الدالة على الشماتة؟ في هذه الفترة - تظل أضعف بكثير من الأقوال التي تدل على الأسف، حتى نصل إلى الثعالبي، فنجدها قد ازدادت كثيرا، وهناك نقرأ:
1 - كل يحصد ما يزرعه فاحصد الآن ما قد زرعت (60)
2 - استرحت من أشغال الدنيا فانظر كيف تستريح من أهوال الأخرى (62)
3 - ما ينبغي لك ذلك التجبر أمس مع كل هذا الخضوع اليوم (1) (57)
4 - ما كان أغناك عن إماتة الخلق الكثير مع موتك هذا السريع (63)
5 - دخلت الظلمات لطلب نور الحياة ولم تعلم أن مصيرك إلى ظلمة التابوت (68)
فهذه الأقوال وغيرها؟ مما انفرد به الثعالبي - تقوي الظن بأنها وليدة بيئة فارسية، كان رضاها عن الأسكندر المغتصب، الذي سيحصد ما زرع ويلقى جزاء جبروته أقل بكثير من رضى الروايات الأخرى مسيحية كانت أو إسلامية. إلا أن هذه الروح في الرواية الفارسية قد وجدت من بعد عونا من النزعة الزهدية العامة. ويقف القول الخامس فيما تقدم عن دخول الظلمات وطلب نور الحياة فريدا، وذا دلالة على محاولة استخراج تلك الأقوال من التحركات التاريخية للإسكندر نفسه (أو على الأقل محاولة لاستخراجها من قصته تاريخية كانت أو أسطورية) .
ومما يجب أن نلحظه في تلك الأقوال تسمية بعض قائليها وإغفال أكثرهم، واضطراب المصادر في أسماء المذكورين منهم، ونسبة القول لغير واحد، مما لن أحاول الوقوف عنده، بعد إذ أصبح ظاهرة تكاد تكون طبيعية في مثل هذه الأقوال. ولكن مما يلفت النظر أن اليعقوبي والمسعودي والمبشر بن فاتك لا يذكرون أسماء القائلين، ولعلهم كانوا على وعي بالخطأ التاريخي في جمع عدد من الأشخاص لا يجمعهم زمان، ولا يتأتى جمعهم في مكان، حول تابوت الإسكندر، ثم نجد ابتداء من المسعودي أنهم لم يكونوا جميعا من حكماء يونان بل كان فيهم بعض حكماء الهند ونساكها، وأنهم أيضا لم يكونوا جميعا من طبقة الفلاسفة والحكماء، وغنما كانوا يضمون صاحب مائدة الإسكندر وصاحب بيت المال وأحد الخزان (إلا أن يكون هؤلاء أيضا كانوا حكماء) كما برزت بينهم
__________
(1) انظر التعليق على هذه العبارة في الملحق (رقم: 75) حيث ترد العبارة في مخطوطة كوبريللي والحصري على نحو أكثر قسوة في الشماتة.
.
.
.
.
.
فإن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر بن الخطاب (1) .
ع: ويروى من طرق مختلفة عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدثون؟ وفي رواية: رجال يكلمون؟ من غير أن يكونوا أنبياء. فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر. ويروى: لم تكن أمة إلا وفيها مروعون فإن يكن في هذه الأمة مروع فإنه عمر بن الخطاب.
المروع: الذي يلقى الصواب والحق في روعه إلهاماً من الله تعالى. من ذلك أن سارية بن زنيم كان في جيش للمسلمين في بعض ثغورهم فألقى الله تعالى في روع عمر وهو يخطب بالناس بالمدينة أن العدو قد نهد إلى المسلمين، واشتد الخطب عليهم، وكان المسلمون بحضرة جبل، فقطع عمر الخطبة ونادى: يا سارية الجبل الجبل. فأسمع الله سارية (2) ، وانحاز بالمسلمين إلى الجبل فتخلصوا. وقد قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله، لو تطوقنا بين الصفا والمروة فأنزل الله {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} (البقرة: 158) ، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب. واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} عنزلت هذه الآية (التحريم: 5) ؟ رواه (3)
__________
(1) تتمة هذا كما ورد عند أبي عبيد في ف: " قيل وما المحدث؟ ثال: يرى الرأي ويظن الظن فيكون كما رأى. قال: ما خاف عمر امراً قط أن يقع إلا وقع. وفي بعض الحكمة: من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه. وسئل بعض حكماء العرب: ما العقل؟ فقال: الإصابة بالظنون ومعرفة ما لم يكن بما قد كان ".
(2) ط: فاسمع الله سارية صوت عمر.
(3) ط س: ورواه.