والذي ذكرنا في قوله - جل ثناؤه -: [ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ] فهو تبكيت، وقد جاء في ...
والذي ذكرنا في قوله - جل ثناؤه -: [ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ] فهو تبكيت، وقد جاء في الشعر مثله، قال شاعر يهجو جريراً:
أبلغْ جريراً وأبلغ مَنْ يُبلغُه = أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ فقال جرير مبكتاً له:
ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتَ بها = من حَانَ موعظةٌ يا زهرة اليمنِ؟
.
ويكون اللفظ خبراً، والمعنى دعاء وطلب، وقد مر في الجملة.
ونحوه: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] (الفاتحة: 5) معناه: فأعنا على عبادتك.
ويقول القائل: (أستغفر الله)، والمعنى: اغْفِر.
قال الله - جل ثناؤه -: [لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ] (يوسف:92).
ويقول الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ = ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ) [5] ثانياً: الإنشاء:
الإنشاء هو قسيم الخبر، وقد يعبر عنه أحياناً بالطلبِ، والحديثُ عنه سيتناول ما يلي:
أ- تعريفه: قيل: هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وعلى حد تعبير البلاغيين: هو ما يستدعي مطلوباً غير حاصل في وقت الطلب.
أو - كما يقولون بعبارة أخرى -: هو ما يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه [6].
ب- أمثلة للإنشاء: 1 - قال أحد الحكماء لابنه: (يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث).
2 - قال ابن عباس - رضي الله عنهما - يوصي رجلاً: (لا تتلكم بما لا يعنيك، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً) [7].
ج- ما سبب كون الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؟: لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق واقع خارجي يمكن أن يقارن به؛ فإن طابقه قيل: إنه صادق، وإن خالفه قيل: إنه كاذب.
ولمزيد من التوضيح يمكننا النظر إلى المثالين الماضيين في فقرة (ب).
ففي المثال الأول نداء وأمر، وفي المثال الثاني نهي وأمر.
وأنت لا تستطيع أن تقول لمن ينادي شخصاً، ويأمره، وينهاه: إنك صادق أو كاذب؛ لأنه لا يُعلمنا بحصول شيء أو عدم حصوله.
إن من ينادي أو يأمر أو ينهى ليس لندائه، أو أمره، أو نهيه وجود خارجي قبل حصول النداء أو الأمر أو النهي؛ فكيف يحتمل كلامه الصدق أو الكذب، وذلك لا يكون إلا بمطابقة الواقع، أو عدم المطابقة.
وفي مثل هذه الأساليب لا واقع تعرض عليه مدلولاتها وتقارن به.
ومثل هذا القول ينطبق على سائر أساليب وأنواع الإنشاء الأخرى من استفهام، وتمنٍّ، وغيرها.
وعدم احتمال الأسلوب الإنشائي للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الأسلوب بغض النظر عما يستلزمه.
وإلا فإنه يستلزم خبراً يحتمل الصدق والكذب؛ فقول القائل: (يا بني تعلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك التعلم، وقول القائل: (لا تتكلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك عدم التكلم، وهكذا ...
ولكن ما تستلزمه الصيغة الإنشائية من الخبر ليس مقصوداً ولا منظوراً إليه.
إنما المقصود والمنظور إليه هو ذات الصيغة الإنشائية.
وبذلك يكون عدم احتمال الإنشاء للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الإنشاء [8].
د- أقسام الإنشاء: ينقسم الإنشاء إلى قسمين: طلبي وغير الطلبي.
- الإنشاء الطلبي: وهو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب.
وهو خمسة أنواع:
1 - الأمر: وهو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام نحو قوله - تعالى -: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ] (آل عمران: 200).
وللأمر أربع صيغ تنوب كل منها مناب الأخرى في طلب أي فعل من الأفعال على وجه الاستعلاء والإلزام، وهي:
أ- فعل الأمر: كما في المثال الماضي، وكما في قوله - تعالى -: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة: 103).
ب- المضارع المقرون بلام الأمر: كما في قوله - تعالى -: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ] (قريش: 3).
ج- اسم فعل الأمر: كما في قوله - تعالى -: [عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة: 105).
د- المصدر النائب عن فعل الأمر كما في قوله - تعالى -: [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] (البقرة: 83).
وقوله: [فَضَرْبَ الرِّقَابِ] (محمد: 4).
2 - النهي: وهو طلب الكف عن الفعل، أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام.
وللنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون بـ: لا الناهية الجازمة، نحو قوله -تعالى-: [وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً] (الحجرات: 12).
(يُتْبَعُ)
أبلغْ جريراً وأبلغ مَنْ يُبلغُه = أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ فقال جرير مبكتاً له:
ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتَ بها = من حَانَ موعظةٌ يا زهرة اليمنِ؟
.
ويكون اللفظ خبراً، والمعنى دعاء وطلب، وقد مر في الجملة.
ونحوه: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] (الفاتحة: 5) معناه: فأعنا على عبادتك.
ويقول القائل: (أستغفر الله)، والمعنى: اغْفِر.
قال الله - جل ثناؤه -: [لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ] (يوسف:92).
ويقول الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ = ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ) [5] ثانياً: الإنشاء:
الإنشاء هو قسيم الخبر، وقد يعبر عنه أحياناً بالطلبِ، والحديثُ عنه سيتناول ما يلي:
أ- تعريفه: قيل: هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وعلى حد تعبير البلاغيين: هو ما يستدعي مطلوباً غير حاصل في وقت الطلب.
أو - كما يقولون بعبارة أخرى -: هو ما يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه [6].
ب- أمثلة للإنشاء: 1 - قال أحد الحكماء لابنه: (يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث).
2 - قال ابن عباس - رضي الله عنهما - يوصي رجلاً: (لا تتلكم بما لا يعنيك، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً) [7].
ج- ما سبب كون الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؟: لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق واقع خارجي يمكن أن يقارن به؛ فإن طابقه قيل: إنه صادق، وإن خالفه قيل: إنه كاذب.
ولمزيد من التوضيح يمكننا النظر إلى المثالين الماضيين في فقرة (ب).
ففي المثال الأول نداء وأمر، وفي المثال الثاني نهي وأمر.
وأنت لا تستطيع أن تقول لمن ينادي شخصاً، ويأمره، وينهاه: إنك صادق أو كاذب؛ لأنه لا يُعلمنا بحصول شيء أو عدم حصوله.
إن من ينادي أو يأمر أو ينهى ليس لندائه، أو أمره، أو نهيه وجود خارجي قبل حصول النداء أو الأمر أو النهي؛ فكيف يحتمل كلامه الصدق أو الكذب، وذلك لا يكون إلا بمطابقة الواقع، أو عدم المطابقة.
وفي مثل هذه الأساليب لا واقع تعرض عليه مدلولاتها وتقارن به.
ومثل هذا القول ينطبق على سائر أساليب وأنواع الإنشاء الأخرى من استفهام، وتمنٍّ، وغيرها.
وعدم احتمال الأسلوب الإنشائي للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الأسلوب بغض النظر عما يستلزمه.
وإلا فإنه يستلزم خبراً يحتمل الصدق والكذب؛ فقول القائل: (يا بني تعلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك التعلم، وقول القائل: (لا تتكلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك عدم التكلم، وهكذا ...
ولكن ما تستلزمه الصيغة الإنشائية من الخبر ليس مقصوداً ولا منظوراً إليه.
إنما المقصود والمنظور إليه هو ذات الصيغة الإنشائية.
وبذلك يكون عدم احتمال الإنشاء للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الإنشاء [8].
د- أقسام الإنشاء: ينقسم الإنشاء إلى قسمين: طلبي وغير الطلبي.
- الإنشاء الطلبي: وهو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب.
وهو خمسة أنواع:
1 - الأمر: وهو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام نحو قوله - تعالى -: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ] (آل عمران: 200).
وللأمر أربع صيغ تنوب كل منها مناب الأخرى في طلب أي فعل من الأفعال على وجه الاستعلاء والإلزام، وهي:
أ- فعل الأمر: كما في المثال الماضي، وكما في قوله - تعالى -: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة: 103).
ب- المضارع المقرون بلام الأمر: كما في قوله - تعالى -: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ] (قريش: 3).
ج- اسم فعل الأمر: كما في قوله - تعالى -: [عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة: 105).
د- المصدر النائب عن فعل الأمر كما في قوله - تعالى -: [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] (البقرة: 83).
وقوله: [فَضَرْبَ الرِّقَابِ] (محمد: 4).
2 - النهي: وهو طلب الكف عن الفعل، أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام.
وللنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون بـ: لا الناهية الجازمة، نحو قوله -تعالى-: [وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً] (الحجرات: 12).
(يُتْبَعُ)