مفاهيم حول الرقية سيداعمر بن الخليفة بن إميجن أبو عبدالرحمن الشنقيطي بسم الله الرحمن الرحيم ...
مفاهيم حول الرقية
سيداعمر بن الخليفة بن إميجن أبو عبدالرحمن الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد فقد أثيرت كثير من الشبهات حول الرقية الشرعية بحق وبغير حق ممن عنده علم وممن ليس عنده علم وقد يكون دافع الكثير من ذلك هو الغيرة على الشريعة خصوصا من أهل العلم فإنهم مؤتمنون على هذا الدين لكن نقول إن الحق أحب إلينا من كل أحد والغيرة وحدها لا تكفي، لذلك كتبت هذه الورقة تصحيحا لبعض تلك المفاهيم وردا لتلك الشبهات ونصحا لإخواني فإن الدين النصيحة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
*مشروعية الرقية:*
فمن المعلوم عند كل مسلم أن الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره وفعل السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا بحمد الله لا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل مكابر (علماني) لا يؤمن بما أنزل الله.
قال الله تعالى في كتابه العزيز {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شفاء وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} قال الإمام ابن القيم و«من» ها هنا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها.
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشفاء لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي
ثم الرقى من حمةٍ أو عين فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته وذاك لا اختلاف في سنيته.
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما أحاديث كثيرة يبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها مشروعية الرقية.
منها
(1) ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا».
(2) ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ العَيْنِ».
(3) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». رواه البخاري ومسلم
سفعة أي صفرة وشحوب.
النظرة أي أصابتها العين.
(4) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ» رواه البخاري
وهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم لفعل الصحابة للرقية .
قال الإمام الشوكاني: بعد حديث ابن عباس هذا "وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ بكتاب اللَّهِ تَعَالَى وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا كَانَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْثُورِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَأْثُورِ وَأَمَّا الرَّقْي بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا مَا يَنْفِيهِ إلَّا مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ".
*التفرغ للرقية:*
من المعلوم أيضا أن اشتغال الإنسان بالرقية الشرعية مشروع، كما يدل حديث أبي سعيد الخدري، : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. رواه مسلم.
ومن المعلوم ضرورة أن من مارس الرقية الشرعية وعُرف بها سيكثر عليه من يطلبونها، فحينئذ لن يجد وقتا للعمل والكسب فسيضطر إلى أخذ الأجرة عليها إذ أنه لا يمكن أن يذهب ويترك إخوانه وأخواته مرضى وهم بحاجة إليه وهو يعرف قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ثم هو له ضرورياته في الحياة من أكل وشرب ونفقة عياله وغير ذلك، وعليه فلا بد أن يأخذ مقابل ذلك شيئا قطعا .
*حكم أخذ الأجرة على الرقية*
إن أخذ الأجرة على الرقية مشروع في الأصل بدليل الحديث الذي رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وهذا أصل وارد في الرقية وليس في تعليم القرآن الذي اختلف فيه أهل العلم.
قال الإمام الصنعاني في سبل السلام :
"وَذِكْرُ الْبُخَارِي لِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَإِنَّمَا فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَل قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِتَأْيِيدِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ تَعْلِيمًا أَوْ غَيْرَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِرَاءَتِهِ لِلتَّعْلِيمِ وَقِرَاءَتِهِ لِلطِّبِّ".
قال الإمام النووي في شرح مسلم: (خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لا كراهة فِيهَا.
قال الإمام الشوكاني: مبينا بأنه يمكن الجمع بين الأحاديث المانعة من أخذ الأجرة على تعليم القرآن والمبيحة لأخذ الأجرة على الرقية.
"وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ إمَّا بِحَمْلِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا عَلَى الثَّوَابِ كَمَا سَلَفَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ الْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ أَوْ بِحَمْلِ الْأَجْرِ هُنَا عَلَى عُمُومِهِ، فَيَشْمَلُ الْأَجْرَ عَلَى الرُّقْيَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ". انتهى
يظهر من كلام الشوكاني أن الأمر محسوم بالنسبة لأخذ الأجرة على الرقية إنما الخلاف في تعليم القرآن الكريم
قال ابن رشيد: وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرّقى، وَسَوَاءٌ أكَانَ الرّقى بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا جَائِزٌ كَالْعِلَاجَاتِ.
قال القاضي الجليل أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي رحمه الله تعالى في كتابه التلقين
ومن شروطه تقدير الأجرة دون العمل ومن ذلك الجعل في المجييء بالآبق والشارد.
فأما مشارطة الطبيب على برء العليل والمعلم على تعليم القرآن فتردد بين الجعل والإجارة.
قال الإمام ابن حزم في المحلى:
مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ - وَعَلَى الرَّقْيِ، وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ، وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ.
قال الشيخ محمد صالح المنجد
وقد أفتى الشيخ ابن جبرين بجواز التخصص فيها، وجوز الشيخ ابن باز أخذ الأجرة عليها، فقد سئل ـ رحمه الله ـ فقيل له: نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن يقرؤون قرآنًا وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجرًا، فهل هذا جائز شرعًا؟ وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟
فأجاب: لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض؛ لما ثبت في الصحيحين: أن جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم ـ أي: لم يضيفوهم ـ ولدغ سيدهم، وفعلوا كل شيء، لا ينفعه، فأتوا الوفد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم, ولكنكم لم تقرونا، فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ ـ أي: أجرة ـ فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم, فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب، فشفي، فأعطوهم ما جعل لهم، فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئًا حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: قد أصبتم ـ رواه البخاري ومسلم.
وسئل علماء اللجنة الدائمة : عن رجل يرقي الناس بأجرة ولا يعرف إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجع في ذلك إلى كتب أهل العلم الموثوقين ؟
فأجابوا : " إذا كان الواقع منك كما ذكرت أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية , وأنك لم ترق أحدا إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنك تتحرى الرجوع في ذلك إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة ، وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز ، وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله ، ولا بأس بأخذك أجرا عليه ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك " انتهى .
وحديث أبي سعدي هو الحديث المتقدم في رقية الرجل الذي لدغ بالفاتحة .
وحيث جازت الرقية ، وجاز أخذ الأجر عليها ، فلا فرق بين أن يكون ذلك في البيت ، أو في محل مستأجر ، أو في دار خاصة ، دفعا للحرج والمشقة عن أهل المنزل . ولا وجه لمن منع ذلك بحجة أنه لم يعرف عن السلف التكسب بهذه الطريقة ، فإنه إذا ثبت أن العمل مباح ، وأن الأجرة عليه جائزة ، كان القول بتحريم هذه المهنة قولا بغير علم .
وقد قال البخاري في "صحيحه" في كتاب الإجارة : " باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب . وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) " انتهى .
قال الشيخ خالد الحبشي حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد أحب أن أبين شيئًا عن أجرة الراقي وكلام الناس عنها في هذا الزمان فمما يقولون الراقي فلان يأخذ فلوسا رقيته لا تنفع ، لماذا يأخذ لماذا لا يعمل لله ، لماذا يأخذ كذا وكذا،والأشد من ذلك إذا قالوا يقرأ من أجل المال أو لأنه ما وجد عملا، فأقول وبالله التوفيق ميزاننا شرعنا وكلام خالقنا وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام فقد قال (إن أحق ماأخذتم عليه أجراً كتاب الله) البخاري(قد أصبتم واضربوا لي منها بسهم)فإذا كان أحق الناس بالأجر هو الراقي بل سماه أجرا ولم يقل هدية أو هبة أو فضلا بل أجرا يعني أجرة ...ثم يأتي الزمان الذي يصبح فيه الراقي ليس له حق في الأجر وإلا أصبح متهماً في إخلاصه الذي لا يعلمه إلا الله(أشققت عن قلبه)يأتي مدرس الدين ليأخذ الأجرة على تعليمه ودليله في ذلك حديث الرقية أما الراقي في نظر الناس لابد له أن يتورع ولا أدري أي ورع يفوق ورع الصحابة رضوان الله عليهم وورع رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كانوا يتمنون الطعام فبعد أن رقوا ذلك المريض كان نصيبهم ثلاثين وفي بعض الروايات مائة شاة أين الورع ؟ هل يستطيع أحد أن يقول لماذا لم يأخذوا اثنين أو خمسة من الغنم ويردوا الباقي أو لماذا لم يأمرهم نبيهم أن يردوا ما زاد عن حاجتهم بل إنه أقرهم بل وطلب منها فقال اضربوا لي منها بسهم ليبين أنها حلال لا شبهة فيها وهو الذي كان لا يلتقط التمرة الساقطة خشية أن تكون من مال صدقة .
إخواني كل من يأخذ أجراً على صنعته وعمله فالراقي أحق بالأجر منه بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي مرة شاتين في قصة الغلام قال فأخذ واحدة ورد الأخرى فلماذا أخذ ولماذا لم يجعل ذلك لله كما يظن البعض والصحيح أن له أن يأخذ وله أن يطلب الأجر أو الجعل وهذه التي مافهمها أكثر الناس الفرق بين الجعل والأجر الجعل أن تطلب شيئا محدداً مقابل العمل الذي تنجزه ولا تستحقه إلا بإنجازه فإذا قلت أنا آخذ كذا مقابل أن يشفى أو بعد أن يشفى واشترطت فهذا لابأس فيه والوجه الآخر أخذ أجر معلوم والإجارة على الوقت الذي تقدمه في الرقية.
وينبغي أن يكون المعالج مراقبا لله تعالى ، متقيا له في السر والعلن ، سهلا سمحا مع الناس لا يشق عليهم في أجرة أو ثمن دواء ، مذكرا لهم بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده ، ناصحا لهم بالتوبة إلى الله وترك الذنوب التي هي سبب كثير من الآفات والابتلاءات . والله أعلم
التفرغ للرقية وفتح مراكز لها
التخصص فيها وفتح مراكز لها قد أفتى بجوازه جمع من أهل العلم من المعاصرين وهو أمر قد يصير ضرورة بسبب كثرة من يعانون من الأمراض الروحية "لا حرج عليك في فتح عيادة خاصة للعلاج بالرقية والحجامة.
وفي حال حصولك على عمل آخر ، لا يلزمك ترك الرقية ، ولك أن تجمع بين العملين بما تراه مناسبا ، من غير أن تضر بنفسك أو بأهلك." منقول
وحيث إن الاشتغال برقية المرضى مدخل صالح لدعوتهم ونصحهم وتوجيههم للخير –كما ذكرت- ، فلا ينبغي أن تترك هذا العمل ، ولو توفر لك عمل آخر ، فإن هذا من النفع والإحسان المتعدي إلى الآخرين .
المحظور في الرقية:
المحظور في الرقية هو الشرك لأن بابها باب طب والطب بابه باب تجربة فإذا سلِمت من الشرك لا بأس حينئذ فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
الاستعانة بالجن في الرقية:
إن بعض الذين دخلوا في مجال الرقية وعلاج الناس بالرقية الشرعية يمارسون أمورا خطيرة تتعلق بالعقيدة ولا أتحدث عن الذين يمارسون السحر لأن أمرهم واضح لمن أعطاه الله بصيرة في الدين بل أتحدث عن المعالجين بالقرآن الكريم، ومن المعلوم أن الاستعانة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى قال تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقال تعالى {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"
وهذا النوع من الرقاة أصناف
1- السحرة وأمرهم واضح
2- أهل الطرق والبدع والأهواء ممن يستخدمون الجن في علاجهم والتعامل معهم محرم
3- بعض الرقاة الشرعيين الذين انخدعوا بمسألة جواز الإستعانة بالجن المسلم وخاضوا في الإستعانة حتى خرجوا عن طريق الجادة وشابهوا العرافين والسحرة فهم يعرِّفون الشئ الضائع مثلاً وينقلون الأخبار المغيبات عن طريق الجن وغير ذلك كثير
الراقي مثل الطبيب
الراقي من جهة التعامل مع المريض مثل الطبيب تماما ولا فرق ومن يقرق فعليه أن يأتي بدليل على ذلك من كتاب أو سنة.
قال الشيخ خالد الحبشي حفظه الله تعالى:
صلاحيات الراقي مثل صلاحيات الطبيب تقريبا بل في بعض الجوانب أكبر فالراقي هو طبيب روحي ونفسي وبشري إلا أنه يختلف مع الطبيب في مسألة كشف عورة المرأة فقد يحتاج الطبيب ذلك عند إجراء عملية أو تشخيص مرض بخلاف الراقي فقد يحتاج إلى أن يرى بعض العلامات ولكنه يستعيض عن ذلك إما بسؤال المريضة أو بمساعدة امرأة تنظر وتكشف الموضع الذي يريده ثم تنقل له مارأت ولاحظت وكذلك مسألة لمس المرأة بغير حائل وكذلك لمس أي مكان في الجسد ولو بحائل إلا إن كان على الرأس مثلاً لاعلى الصدر أو العورات أو الأفخاذ ونحوها وقد وجد من وقع في مثل هذا فمنهم من فعل هذا بعد استفتاء أهل العلم ومنهم من استفتى هوى نفسه فالأول قد يعذر لأنه استند إلى فتوى إلا أنه ينبغي مناصحته ومناقشته ووضع ضوابط وحدود لما يقوم به وأما الثاني فيناصح أو يؤخذ على يده ويمنع من الرقية.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سيداعمر بن الخليفة بن إميجن أبو عبدالرحمن الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد فقد أثيرت كثير من الشبهات حول الرقية الشرعية بحق وبغير حق ممن عنده علم وممن ليس عنده علم وقد يكون دافع الكثير من ذلك هو الغيرة على الشريعة خصوصا من أهل العلم فإنهم مؤتمنون على هذا الدين لكن نقول إن الحق أحب إلينا من كل أحد والغيرة وحدها لا تكفي، لذلك كتبت هذه الورقة تصحيحا لبعض تلك المفاهيم وردا لتلك الشبهات ونصحا لإخواني فإن الدين النصيحة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
*مشروعية الرقية:*
فمن المعلوم عند كل مسلم أن الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره وفعل السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا بحمد الله لا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل مكابر (علماني) لا يؤمن بما أنزل الله.
قال الله تعالى في كتابه العزيز {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شفاء وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} قال الإمام ابن القيم و«من» ها هنا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها.
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشفاء لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي
ثم الرقى من حمةٍ أو عين فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته وذاك لا اختلاف في سنيته.
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما أحاديث كثيرة يبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها مشروعية الرقية.
منها
(1) ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا».
(2) ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ العَيْنِ».
(3) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». رواه البخاري ومسلم
سفعة أي صفرة وشحوب.
النظرة أي أصابتها العين.
(4) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ» رواه البخاري
وهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم لفعل الصحابة للرقية .
قال الإمام الشوكاني: بعد حديث ابن عباس هذا "وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ بكتاب اللَّهِ تَعَالَى وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا كَانَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْثُورِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَأْثُورِ وَأَمَّا الرَّقْي بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا مَا يَنْفِيهِ إلَّا مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ".
*التفرغ للرقية:*
من المعلوم أيضا أن اشتغال الإنسان بالرقية الشرعية مشروع، كما يدل حديث أبي سعيد الخدري، : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. رواه مسلم.
ومن المعلوم ضرورة أن من مارس الرقية الشرعية وعُرف بها سيكثر عليه من يطلبونها، فحينئذ لن يجد وقتا للعمل والكسب فسيضطر إلى أخذ الأجرة عليها إذ أنه لا يمكن أن يذهب ويترك إخوانه وأخواته مرضى وهم بحاجة إليه وهو يعرف قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ثم هو له ضرورياته في الحياة من أكل وشرب ونفقة عياله وغير ذلك، وعليه فلا بد أن يأخذ مقابل ذلك شيئا قطعا .
*حكم أخذ الأجرة على الرقية*
إن أخذ الأجرة على الرقية مشروع في الأصل بدليل الحديث الذي رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وهذا أصل وارد في الرقية وليس في تعليم القرآن الذي اختلف فيه أهل العلم.
قال الإمام الصنعاني في سبل السلام :
"وَذِكْرُ الْبُخَارِي لِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَإِنَّمَا فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَل قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِتَأْيِيدِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ تَعْلِيمًا أَوْ غَيْرَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِرَاءَتِهِ لِلتَّعْلِيمِ وَقِرَاءَتِهِ لِلطِّبِّ".
قال الإمام النووي في شرح مسلم: (خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لا كراهة فِيهَا.
قال الإمام الشوكاني: مبينا بأنه يمكن الجمع بين الأحاديث المانعة من أخذ الأجرة على تعليم القرآن والمبيحة لأخذ الأجرة على الرقية.
"وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ إمَّا بِحَمْلِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا عَلَى الثَّوَابِ كَمَا سَلَفَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ الْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ أَوْ بِحَمْلِ الْأَجْرِ هُنَا عَلَى عُمُومِهِ، فَيَشْمَلُ الْأَجْرَ عَلَى الرُّقْيَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ". انتهى
يظهر من كلام الشوكاني أن الأمر محسوم بالنسبة لأخذ الأجرة على الرقية إنما الخلاف في تعليم القرآن الكريم
قال ابن رشيد: وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرّقى، وَسَوَاءٌ أكَانَ الرّقى بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا جَائِزٌ كَالْعِلَاجَاتِ.
قال القاضي الجليل أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي رحمه الله تعالى في كتابه التلقين
ومن شروطه تقدير الأجرة دون العمل ومن ذلك الجعل في المجييء بالآبق والشارد.
فأما مشارطة الطبيب على برء العليل والمعلم على تعليم القرآن فتردد بين الجعل والإجارة.
قال الإمام ابن حزم في المحلى:
مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ - وَعَلَى الرَّقْيِ، وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ، وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ.
قال الشيخ محمد صالح المنجد
وقد أفتى الشيخ ابن جبرين بجواز التخصص فيها، وجوز الشيخ ابن باز أخذ الأجرة عليها، فقد سئل ـ رحمه الله ـ فقيل له: نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن يقرؤون قرآنًا وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجرًا، فهل هذا جائز شرعًا؟ وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟
فأجاب: لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض؛ لما ثبت في الصحيحين: أن جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم ـ أي: لم يضيفوهم ـ ولدغ سيدهم، وفعلوا كل شيء، لا ينفعه، فأتوا الوفد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم, ولكنكم لم تقرونا، فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ ـ أي: أجرة ـ فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم, فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب، فشفي، فأعطوهم ما جعل لهم، فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئًا حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: قد أصبتم ـ رواه البخاري ومسلم.
وسئل علماء اللجنة الدائمة : عن رجل يرقي الناس بأجرة ولا يعرف إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجع في ذلك إلى كتب أهل العلم الموثوقين ؟
فأجابوا : " إذا كان الواقع منك كما ذكرت أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية , وأنك لم ترق أحدا إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنك تتحرى الرجوع في ذلك إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة ، وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز ، وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله ، ولا بأس بأخذك أجرا عليه ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك " انتهى .
وحديث أبي سعدي هو الحديث المتقدم في رقية الرجل الذي لدغ بالفاتحة .
وحيث جازت الرقية ، وجاز أخذ الأجر عليها ، فلا فرق بين أن يكون ذلك في البيت ، أو في محل مستأجر ، أو في دار خاصة ، دفعا للحرج والمشقة عن أهل المنزل . ولا وجه لمن منع ذلك بحجة أنه لم يعرف عن السلف التكسب بهذه الطريقة ، فإنه إذا ثبت أن العمل مباح ، وأن الأجرة عليه جائزة ، كان القول بتحريم هذه المهنة قولا بغير علم .
وقد قال البخاري في "صحيحه" في كتاب الإجارة : " باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب . وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) " انتهى .
قال الشيخ خالد الحبشي حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد أحب أن أبين شيئًا عن أجرة الراقي وكلام الناس عنها في هذا الزمان فمما يقولون الراقي فلان يأخذ فلوسا رقيته لا تنفع ، لماذا يأخذ لماذا لا يعمل لله ، لماذا يأخذ كذا وكذا،والأشد من ذلك إذا قالوا يقرأ من أجل المال أو لأنه ما وجد عملا، فأقول وبالله التوفيق ميزاننا شرعنا وكلام خالقنا وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام فقد قال (إن أحق ماأخذتم عليه أجراً كتاب الله) البخاري(قد أصبتم واضربوا لي منها بسهم)فإذا كان أحق الناس بالأجر هو الراقي بل سماه أجرا ولم يقل هدية أو هبة أو فضلا بل أجرا يعني أجرة ...ثم يأتي الزمان الذي يصبح فيه الراقي ليس له حق في الأجر وإلا أصبح متهماً في إخلاصه الذي لا يعلمه إلا الله(أشققت عن قلبه)يأتي مدرس الدين ليأخذ الأجرة على تعليمه ودليله في ذلك حديث الرقية أما الراقي في نظر الناس لابد له أن يتورع ولا أدري أي ورع يفوق ورع الصحابة رضوان الله عليهم وورع رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كانوا يتمنون الطعام فبعد أن رقوا ذلك المريض كان نصيبهم ثلاثين وفي بعض الروايات مائة شاة أين الورع ؟ هل يستطيع أحد أن يقول لماذا لم يأخذوا اثنين أو خمسة من الغنم ويردوا الباقي أو لماذا لم يأمرهم نبيهم أن يردوا ما زاد عن حاجتهم بل إنه أقرهم بل وطلب منها فقال اضربوا لي منها بسهم ليبين أنها حلال لا شبهة فيها وهو الذي كان لا يلتقط التمرة الساقطة خشية أن تكون من مال صدقة .
إخواني كل من يأخذ أجراً على صنعته وعمله فالراقي أحق بالأجر منه بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي مرة شاتين في قصة الغلام قال فأخذ واحدة ورد الأخرى فلماذا أخذ ولماذا لم يجعل ذلك لله كما يظن البعض والصحيح أن له أن يأخذ وله أن يطلب الأجر أو الجعل وهذه التي مافهمها أكثر الناس الفرق بين الجعل والأجر الجعل أن تطلب شيئا محدداً مقابل العمل الذي تنجزه ولا تستحقه إلا بإنجازه فإذا قلت أنا آخذ كذا مقابل أن يشفى أو بعد أن يشفى واشترطت فهذا لابأس فيه والوجه الآخر أخذ أجر معلوم والإجارة على الوقت الذي تقدمه في الرقية.
وينبغي أن يكون المعالج مراقبا لله تعالى ، متقيا له في السر والعلن ، سهلا سمحا مع الناس لا يشق عليهم في أجرة أو ثمن دواء ، مذكرا لهم بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده ، ناصحا لهم بالتوبة إلى الله وترك الذنوب التي هي سبب كثير من الآفات والابتلاءات . والله أعلم
التفرغ للرقية وفتح مراكز لها
التخصص فيها وفتح مراكز لها قد أفتى بجوازه جمع من أهل العلم من المعاصرين وهو أمر قد يصير ضرورة بسبب كثرة من يعانون من الأمراض الروحية "لا حرج عليك في فتح عيادة خاصة للعلاج بالرقية والحجامة.
وفي حال حصولك على عمل آخر ، لا يلزمك ترك الرقية ، ولك أن تجمع بين العملين بما تراه مناسبا ، من غير أن تضر بنفسك أو بأهلك." منقول
وحيث إن الاشتغال برقية المرضى مدخل صالح لدعوتهم ونصحهم وتوجيههم للخير –كما ذكرت- ، فلا ينبغي أن تترك هذا العمل ، ولو توفر لك عمل آخر ، فإن هذا من النفع والإحسان المتعدي إلى الآخرين .
المحظور في الرقية:
المحظور في الرقية هو الشرك لأن بابها باب طب والطب بابه باب تجربة فإذا سلِمت من الشرك لا بأس حينئذ فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
الاستعانة بالجن في الرقية:
إن بعض الذين دخلوا في مجال الرقية وعلاج الناس بالرقية الشرعية يمارسون أمورا خطيرة تتعلق بالعقيدة ولا أتحدث عن الذين يمارسون السحر لأن أمرهم واضح لمن أعطاه الله بصيرة في الدين بل أتحدث عن المعالجين بالقرآن الكريم، ومن المعلوم أن الاستعانة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى قال تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقال تعالى {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"
وهذا النوع من الرقاة أصناف
1- السحرة وأمرهم واضح
2- أهل الطرق والبدع والأهواء ممن يستخدمون الجن في علاجهم والتعامل معهم محرم
3- بعض الرقاة الشرعيين الذين انخدعوا بمسألة جواز الإستعانة بالجن المسلم وخاضوا في الإستعانة حتى خرجوا عن طريق الجادة وشابهوا العرافين والسحرة فهم يعرِّفون الشئ الضائع مثلاً وينقلون الأخبار المغيبات عن طريق الجن وغير ذلك كثير
الراقي مثل الطبيب
الراقي من جهة التعامل مع المريض مثل الطبيب تماما ولا فرق ومن يقرق فعليه أن يأتي بدليل على ذلك من كتاب أو سنة.
قال الشيخ خالد الحبشي حفظه الله تعالى:
صلاحيات الراقي مثل صلاحيات الطبيب تقريبا بل في بعض الجوانب أكبر فالراقي هو طبيب روحي ونفسي وبشري إلا أنه يختلف مع الطبيب في مسألة كشف عورة المرأة فقد يحتاج الطبيب ذلك عند إجراء عملية أو تشخيص مرض بخلاف الراقي فقد يحتاج إلى أن يرى بعض العلامات ولكنه يستعيض عن ذلك إما بسؤال المريضة أو بمساعدة امرأة تنظر وتكشف الموضع الذي يريده ثم تنقل له مارأت ولاحظت وكذلك مسألة لمس المرأة بغير حائل وكذلك لمس أي مكان في الجسد ولو بحائل إلا إن كان على الرأس مثلاً لاعلى الصدر أو العورات أو الأفخاذ ونحوها وقد وجد من وقع في مثل هذا فمنهم من فعل هذا بعد استفتاء أهل العلم ومنهم من استفتى هوى نفسه فالأول قد يعذر لأنه استند إلى فتوى إلا أنه ينبغي مناصحته ومناقشته ووضع ضوابط وحدود لما يقوم به وأما الثاني فيناصح أو يؤخذ على يده ويمنع من الرقية.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين