من هم الخوارج الذين هم شرار الخلق؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...
من هم الخوارج الذين هم شرار الخلق؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي هذا المقال عرضٌ لجملة من الأحاديث النبوية التي جاءت في بيان صفات الخوارج، والتحذير منهم، وبيان سوء عاقبتهم، وهي كما يلي:
• عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ "سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي" - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ"؛ [أخرجه مسلم (1067)].
حَلَاقِيمَهُمْ: حَناجرهم وداخِلُ أفواههم [1].
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ"؛ [أخرجه البخاري (7562)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيدُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ"؛ [أخرجه أبو داود (4765، 4766)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
فأَنِيموهُم: فاقْتُلوهُم.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ". فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟". فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" [أخرجه البخاري (7432)].
ذُهَيْبَةٍ: القِطْعة مِن الذَّهَب.
غائر العينَين: داخِلهما.
مُشْرِف الوَجْنَتين: غَليظُهما.
نَاتِئُ الْجَبين: مُرتَفِعه.
كَثُّ اللِّحية: كثير شَعرِها.
ضِئْضِئِ: أتباع.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ - وَهُوَ قِدْحُهُ - فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ - أَوْ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ - تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. [أخرجه البخاري (3610)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
نَصْلِه: حَديدةُ السَّهْمِ.
رِصافِه: عَقِبٌ يُلْوى فَوْق مَدْخَلِ النَّصْل أو السَّهمِ.
نَضيِّه: عُودُ السَّهْم قَبلَ أن يُراشَ ويُنْصَلَ أو هو ما بَينَ الرِّيشِ والنَّصْلِ.
قُذَذِه: الرِّيشِ الَّذي عَلى السَّهْمِ.
الفَرْثَ: ما يَجتَمِع في الكِرْشِ.
آيَتُهم: عَلامَتُهم.
عَضُدَيْه: ما بَينَ مِرْفَقيه وكَتِفيه.
البَضْعةِ: القِطعة مِن اللَّحْمِ.
تَدَرْدَرُ: تَتَحَرَّك وتَذهَب وتَجيءُ.
فالْتُمِسَ: طُلِبَ في القَتْلى.
نَعْتِ: وصف.
• وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ: تحت وجْهِ السَّماءِ وصَفْحَتِها.
• وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه البخاري (6930)].
حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ: صِغارُ السن.
سُفَهاء الأَحْلامِ: ضُعَفاءُ العُقولِ.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ" [أخرجه أحمد (12886)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
يَدْأَبُونَ: يجتهدون ويواظبون ويتعبون.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً - حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ" [أخرجه ابن ماجه (174)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (144)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
عِرَاضِهِم: آخِرِهِم وَبَقِيَّتِهِم.
• وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا، فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. [أخرجه مسلم (1066].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
يُصِيبُونَهُمْ: يقتُلونَهم ويغلِبونهم.
لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ: لاعتمَدوا على البِشارةِ وترَكوا العملَ.
آيَةُ: دليل.
عَضُدٌ: ما بين الكتفِ إلى المِرفَقِ.
ذِرَاعٌ: ما بين المِرفَقِ إلى الكفِّ.
سَرْحِ النَّاسِ: مواشيهم السائمة.
فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ: يَحكي هنا سلَمةُ بنُ كُهَيلٍ قال: فنزَّلني زيدُ بنُ وهبٍ منزلًا، أي: ذكَر لي مراحلَهم بالجيشِ منزلًا منزلًا حتَّى بلَغ القنطرةَ الَّتي كان القتالُ عندها، وهي قنطرةُ الدَّبْرجانِ، وهي جسرُ الخوارجِ.
جُفُونِهَا: أغمادِها.
نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ: حروراء: قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نسبت الخوارج [2]؛ ويَقصدُ هنا سؤال ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالله تعالى أن يجيبوه بصدق عما ذكره لهم من ردود على شبههم، كما سيأتي بيانه في الحديث التالي إن شاء الله تعالى.
• وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: لَمّا اعْتَزَلْتُ الحَرُورِيَّةَ فَكانُوا فِي دارٍ عَلى حِدِّتِهِمْ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قالَ: إنِّي أتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ قُلْتُ: كَلّا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، قالَ: فَلَبِسْتُ أحْسَنَ ما أقْدِرُ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ اليَمانِيَّةِ، قالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وهُمْ قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ: فَدَخَلْتُ عَلى قَوْمٍ لَمْ أرَ قَوْمًا قَطُّ أشَدَّ اجْتِهادًا مِنهُمْ، أيْدِيهِمْ كَأنَّها ثَفِنُ الإبِلِ، ووُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِن آثارِ السُّجُودِ، قالَ: فَدَخَلْتُ فَقالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ما جاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الوَحْيُ، وهُمْ أعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وقالَ بَعْضُهُمْ: واللَّهِ لَنُحَدِّثَنَّهُ، قالَ: قُلْتُ: أخْبِرُونِي ما تَنْقُمُونَ عَلى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخَتَنِهِ وأوَّلِ مَن آمَنَ بِهِ وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، قالَ: قُلْتُ: وما هُنَّ؟ قالُوا: أوَّلُهُنَّ أنَّهُ حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿ إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ ﴾ [سورة الأنعام 57]، قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: وقاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كانُوا كُفّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أمْوالُهُمْ ولَئِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِماؤُهُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَهُوَ أمِيرُ الكافِرِينَ. قالَ: قُلْتُ: أرَأيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِن كِتابِ اللَّهِ المُحْكَمِ وحَدَّثْتُكُمْ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا تُنْكِرُونَ، أتَرْجِعُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: قُلْتُ: أمّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ:﴿ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [سورة المائدة 95] إلى قَوْلِهِ: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ ﴾ [سورة المائدة 95] وقالَ فِي المَرْأةِ وزَوْجِها: ﴿ وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها ﴾ [سورة النساء 35] أنْشُدُكُمُ اللَّهَ أحْكُمُ الرِّجالِ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ أحَقُّ أمْ فِي أرْنَبٍ ثَمَنُها رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ، قالَ: أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ، أتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عائِشَةَ أمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها، فَقَدْ كَفَرْتُمْ وإنْ زَعَمْتُمْ أنَّها لَيْسَتْ أُمَّ المُؤْمِنِينِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وخَرَجْتُمْ مِنَ الإسْلامِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ﴾ [سورة الأحزاب 6] فَأنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ فاخْتارُوا أيَّتَهُما شِئْتُمْ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعا قُرَيْشًا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلى أنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ كِتابًا، فَقالَ: "اكْتُبْ هَذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقالُوا: واللَّهِ لَوْ كُنّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ عَنِ البَيْتِ ولا قاتَلْناكَ ولَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ: "واللَّهُ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أفْضَلَ مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنهُمْ عِشْرُونَ ألْفًا وبَقِيَ مِنهُمْ أرْبَعَةُ آلافٍ فَقُتِلُوا. [أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (18678)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 242): رجاله رجال الصحيح].
حِدِّتِهِمْ: شدتهم وعنادهم.
أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ: أخر صلاة الظهر حتى يبرد الجو وأدرك الصلاة معكم، وذلك لأني أريد أن أذهب للخوارج وأكلمهم.
اليَمانِيَّةِ: لباس يماني.
قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ: نائمون في وسط النهار.
ثَفِنُ الإبِلِ: الجزء من جسم الإبل الذي تَبْرُكُ عليه فيغلُظ ويجمُد.
خَتَنِهِ: الخَتَنُ: زوج كل امرأة من محارم الرجل، والمقصود هنا أن عليا رضي الله عنه خَتَنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ: يعنون في قتال علي مع معاوية رضي الله عنهما.
"لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ": لا تَقْتُلوا صيدَ البَرِّ وأنتم مُحْرِمون بحجٍّ أو عمرةٍ، أو كنتم داخِلَ منطقةِ حَرَم مكة[3].
شقاقَ: تباعُدًا ووقوعَ عداوةٍ بين الزوجين[4].
يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: الحُدَيْبِيَةِ تقع الان على مسافة اثنين وعشرين كيلا غرب مكة، ولا زالت تعرف بهذا الاسم[5]، وقد وقع فيها صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش.
وبالنظر في النصوص السابقة، يتبين ما يلي:
• أن لفظة "خوارج" يُقصد بها الذين خرجوا من الدين، ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ" [أخرجه مسلم (1067)].
• أن الخوارج كفارٌ ما هم بمسلمين، على الصحيح من أقوال أهل العلم لوضوح دلالة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، ولا يقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أظهر تلك الأحاديث شهادة على كفر الخوارج: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال عندما رأى قتلى الخوارج: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. فقيل: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
• أنه لا يجوز الحكم على معين بالردة أو بالخارجية إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ: فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ"[6].
• أنه ينبغي الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً للحكام عليهم وتقربًا بذلك لهم، ومن عَمِلَ ذلك فقد اشترى بآيات الله تعالى ثمنا قليلا، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك أشد الذم في كتابه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [سورة البقرة 174-175]، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج، لكن المقصود هنا: هو الاتهام بالباطل لمجرد اختلاف في المنهج، أو في الرأي والاجتهاد [7].
• أن من كفر أحدا أو وصفه بالخارجي: فإن كان كما يقول، وإلا فقد افترى إثما مبينا، وصار على خطر عظيم لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" [أخرجه البخاري (6104)][8].
والله تعالى أعلم.
[1] مراجع معاني كلمات الأحاديث:
- ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
- موقع ((معجم المعاني)).
[2] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي، (2 /345).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8 /673)، ((تفسير ابن كثير)) (3 /190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2 /384-385).
[4] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2 /47)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /296)، ((تفسير السعدي)) (ص: 177)، ((تفسير ابن عاشور)) (5 /44-45).
[5] ((المعالم الأثيرة في السنة والسيرة)) (ص: 97).
[6] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 500).
[7] يُنظر: ((وقفة مهمة مع من يصف مخالفه بأنه "خارجي"!)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في ((المغني)) (2/ 332): "...وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]، وَقَوْلِهِ: (كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) [أخرجه البزار (70) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4485)]، وَقَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) [أخرجه أحمد (5914) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه].
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي هذا المقال عرضٌ لجملة من الأحاديث النبوية التي جاءت في بيان صفات الخوارج، والتحذير منهم، وبيان سوء عاقبتهم، وهي كما يلي:
• عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ "سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي" - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ"؛ [أخرجه مسلم (1067)].
حَلَاقِيمَهُمْ: حَناجرهم وداخِلُ أفواههم [1].
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ"؛ [أخرجه البخاري (7562)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيدُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ"؛ [أخرجه أبو داود (4765، 4766)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
فأَنِيموهُم: فاقْتُلوهُم.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ". فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟". فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" [أخرجه البخاري (7432)].
ذُهَيْبَةٍ: القِطْعة مِن الذَّهَب.
غائر العينَين: داخِلهما.
مُشْرِف الوَجْنَتين: غَليظُهما.
نَاتِئُ الْجَبين: مُرتَفِعه.
كَثُّ اللِّحية: كثير شَعرِها.
ضِئْضِئِ: أتباع.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ - وَهُوَ قِدْحُهُ - فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ - أَوْ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ - تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. [أخرجه البخاري (3610)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
نَصْلِه: حَديدةُ السَّهْمِ.
رِصافِه: عَقِبٌ يُلْوى فَوْق مَدْخَلِ النَّصْل أو السَّهمِ.
نَضيِّه: عُودُ السَّهْم قَبلَ أن يُراشَ ويُنْصَلَ أو هو ما بَينَ الرِّيشِ والنَّصْلِ.
قُذَذِه: الرِّيشِ الَّذي عَلى السَّهْمِ.
الفَرْثَ: ما يَجتَمِع في الكِرْشِ.
آيَتُهم: عَلامَتُهم.
عَضُدَيْه: ما بَينَ مِرْفَقيه وكَتِفيه.
البَضْعةِ: القِطعة مِن اللَّحْمِ.
تَدَرْدَرُ: تَتَحَرَّك وتَذهَب وتَجيءُ.
فالْتُمِسَ: طُلِبَ في القَتْلى.
نَعْتِ: وصف.
• وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ: تحت وجْهِ السَّماءِ وصَفْحَتِها.
• وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه البخاري (6930)].
حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ: صِغارُ السن.
سُفَهاء الأَحْلامِ: ضُعَفاءُ العُقولِ.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ" [أخرجه أحمد (12886)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
يَدْأَبُونَ: يجتهدون ويواظبون ويتعبون.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً - حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ" [أخرجه ابن ماجه (174)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (144)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
عِرَاضِهِم: آخِرِهِم وَبَقِيَّتِهِم.
• وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا، فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. [أخرجه مسلم (1066].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
يُصِيبُونَهُمْ: يقتُلونَهم ويغلِبونهم.
لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ: لاعتمَدوا على البِشارةِ وترَكوا العملَ.
آيَةُ: دليل.
عَضُدٌ: ما بين الكتفِ إلى المِرفَقِ.
ذِرَاعٌ: ما بين المِرفَقِ إلى الكفِّ.
سَرْحِ النَّاسِ: مواشيهم السائمة.
فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ: يَحكي هنا سلَمةُ بنُ كُهَيلٍ قال: فنزَّلني زيدُ بنُ وهبٍ منزلًا، أي: ذكَر لي مراحلَهم بالجيشِ منزلًا منزلًا حتَّى بلَغ القنطرةَ الَّتي كان القتالُ عندها، وهي قنطرةُ الدَّبْرجانِ، وهي جسرُ الخوارجِ.
جُفُونِهَا: أغمادِها.
نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ: حروراء: قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نسبت الخوارج [2]؛ ويَقصدُ هنا سؤال ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالله تعالى أن يجيبوه بصدق عما ذكره لهم من ردود على شبههم، كما سيأتي بيانه في الحديث التالي إن شاء الله تعالى.
• وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: لَمّا اعْتَزَلْتُ الحَرُورِيَّةَ فَكانُوا فِي دارٍ عَلى حِدِّتِهِمْ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قالَ: إنِّي أتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ قُلْتُ: كَلّا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، قالَ: فَلَبِسْتُ أحْسَنَ ما أقْدِرُ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ اليَمانِيَّةِ، قالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وهُمْ قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ: فَدَخَلْتُ عَلى قَوْمٍ لَمْ أرَ قَوْمًا قَطُّ أشَدَّ اجْتِهادًا مِنهُمْ، أيْدِيهِمْ كَأنَّها ثَفِنُ الإبِلِ، ووُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِن آثارِ السُّجُودِ، قالَ: فَدَخَلْتُ فَقالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ما جاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الوَحْيُ، وهُمْ أعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وقالَ بَعْضُهُمْ: واللَّهِ لَنُحَدِّثَنَّهُ، قالَ: قُلْتُ: أخْبِرُونِي ما تَنْقُمُونَ عَلى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخَتَنِهِ وأوَّلِ مَن آمَنَ بِهِ وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، قالَ: قُلْتُ: وما هُنَّ؟ قالُوا: أوَّلُهُنَّ أنَّهُ حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿ إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ ﴾ [سورة الأنعام 57]، قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: وقاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كانُوا كُفّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أمْوالُهُمْ ولَئِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِماؤُهُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَهُوَ أمِيرُ الكافِرِينَ. قالَ: قُلْتُ: أرَأيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِن كِتابِ اللَّهِ المُحْكَمِ وحَدَّثْتُكُمْ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا تُنْكِرُونَ، أتَرْجِعُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: قُلْتُ: أمّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ:﴿ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [سورة المائدة 95] إلى قَوْلِهِ: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ ﴾ [سورة المائدة 95] وقالَ فِي المَرْأةِ وزَوْجِها: ﴿ وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها ﴾ [سورة النساء 35] أنْشُدُكُمُ اللَّهَ أحْكُمُ الرِّجالِ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ أحَقُّ أمْ فِي أرْنَبٍ ثَمَنُها رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ، قالَ: أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ، أتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عائِشَةَ أمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها، فَقَدْ كَفَرْتُمْ وإنْ زَعَمْتُمْ أنَّها لَيْسَتْ أُمَّ المُؤْمِنِينِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وخَرَجْتُمْ مِنَ الإسْلامِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ﴾ [سورة الأحزاب 6] فَأنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ فاخْتارُوا أيَّتَهُما شِئْتُمْ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعا قُرَيْشًا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلى أنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ كِتابًا، فَقالَ: "اكْتُبْ هَذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقالُوا: واللَّهِ لَوْ كُنّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ عَنِ البَيْتِ ولا قاتَلْناكَ ولَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ: "واللَّهُ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أفْضَلَ مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنهُمْ عِشْرُونَ ألْفًا وبَقِيَ مِنهُمْ أرْبَعَةُ آلافٍ فَقُتِلُوا. [أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (18678)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 242): رجاله رجال الصحيح].
حِدِّتِهِمْ: شدتهم وعنادهم.
أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ: أخر صلاة الظهر حتى يبرد الجو وأدرك الصلاة معكم، وذلك لأني أريد أن أذهب للخوارج وأكلمهم.
اليَمانِيَّةِ: لباس يماني.
قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ: نائمون في وسط النهار.
ثَفِنُ الإبِلِ: الجزء من جسم الإبل الذي تَبْرُكُ عليه فيغلُظ ويجمُد.
خَتَنِهِ: الخَتَنُ: زوج كل امرأة من محارم الرجل، والمقصود هنا أن عليا رضي الله عنه خَتَنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ: يعنون في قتال علي مع معاوية رضي الله عنهما.
"لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ": لا تَقْتُلوا صيدَ البَرِّ وأنتم مُحْرِمون بحجٍّ أو عمرةٍ، أو كنتم داخِلَ منطقةِ حَرَم مكة[3].
شقاقَ: تباعُدًا ووقوعَ عداوةٍ بين الزوجين[4].
يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: الحُدَيْبِيَةِ تقع الان على مسافة اثنين وعشرين كيلا غرب مكة، ولا زالت تعرف بهذا الاسم[5]، وقد وقع فيها صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش.
وبالنظر في النصوص السابقة، يتبين ما يلي:
• أن لفظة "خوارج" يُقصد بها الذين خرجوا من الدين، ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ" [أخرجه مسلم (1067)].
• أن الخوارج كفارٌ ما هم بمسلمين، على الصحيح من أقوال أهل العلم لوضوح دلالة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، ولا يقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أظهر تلك الأحاديث شهادة على كفر الخوارج: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال عندما رأى قتلى الخوارج: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. فقيل: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
• أنه لا يجوز الحكم على معين بالردة أو بالخارجية إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ: فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ"[6].
• أنه ينبغي الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً للحكام عليهم وتقربًا بذلك لهم، ومن عَمِلَ ذلك فقد اشترى بآيات الله تعالى ثمنا قليلا، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك أشد الذم في كتابه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [سورة البقرة 174-175]، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج، لكن المقصود هنا: هو الاتهام بالباطل لمجرد اختلاف في المنهج، أو في الرأي والاجتهاد [7].
• أن من كفر أحدا أو وصفه بالخارجي: فإن كان كما يقول، وإلا فقد افترى إثما مبينا، وصار على خطر عظيم لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" [أخرجه البخاري (6104)][8].
والله تعالى أعلم.
[1] مراجع معاني كلمات الأحاديث:
- ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
- موقع ((معجم المعاني)).
[2] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي، (2 /345).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8 /673)، ((تفسير ابن كثير)) (3 /190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2 /384-385).
[4] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2 /47)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /296)، ((تفسير السعدي)) (ص: 177)، ((تفسير ابن عاشور)) (5 /44-45).
[5] ((المعالم الأثيرة في السنة والسيرة)) (ص: 97).
[6] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 500).
[7] يُنظر: ((وقفة مهمة مع من يصف مخالفه بأنه "خارجي"!)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في ((المغني)) (2/ 332): "...وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]، وَقَوْلِهِ: (كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) [أخرجه البزار (70) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4485)]، وَقَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) [أخرجه أحمد (5914) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه].