ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ...
ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه رسالة أذكِّر فيها نفسي وإخوتي الكرام بفضل الاهتمام بالتبكير للصلوات، وهي رسالة مهمة لكلِّ من يرغب أن تَقْوى همَّتُه للخير والطاعات، وتضعُف رغبته في المعاصي والسيئات.
فأقول - والله وحده هو المستعان -: لقد أمَرَ ربُّنا سبحانه وتعالى بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره للآيتين السابقتين: « أمَرَهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلِّها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديَها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخَّطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونةٌ عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يَتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتَنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور، (وَإِنَّهَا) أي: الصلاةَ (لَكَبِيرَةٌ) أي: شاقة (إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فِعلَها منشرحًا صدرُه؛ لترقُّبِه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعيَ له يدعوه إليها، وإذا فعَلَها صارت من أثقل الأشياء عليه.
والخشوع هو: خضوع القلب وطُمأنينته، وسكونُه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلًّا وافتقارًا، وإيمانًا به وبلقائه؛ ولهذا قال: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي: يستيقنون (أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) فيُجازيهم بأعمالهم (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فهذا الذي خفَّف عليهم العباداتِ، وأوجَبَ لهم التسلِّيَ في المصيبات، ونفَّس عنهم الكربات، وزجَرَهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربِّه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشقِّ شيء عليه" [تفسير السعدي (ص: 51)].
فالصلاة إذًا إخوتي من أعظم ما يُعين على فعل الطاعات، وترك المنكرات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "ووجه كون الصلاة تَنهى عن الفحشاء والمنكر: أن العبد المقيم لها، المتمِّمَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغْبتُه في الخير، وتقلُّ أو تُعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتُها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها" [تفسير السعدي (ص: 632)].
ولذا؛ فإن من أهم المهمات، وأجلِّ القُربات، وأفضلِ الأعمال الصالحات - الاهتمامَ بإقامة الصلاة إقامةً ظاهرة وباطنة، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد بن رضا رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله عز وجل: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 110]، يقول رحمه الله تعالى:
"إقام الصلاة لا يعني مجرد الأداء الظاهر، وإنما يعني إضافةً إلى الأداء الظاهر القيامَ بحقوقها الروحيَّة في صورتها العملية، وذلك بالتوجُّه إلى الله تعالى ومناجاته والانقطاع إليه عما عداه، وإشعار القلب عظَمتَه وكبرياءه، فبهذا الشعور ينمو الإيمان، وتقوى الثقة بالله، وتتنزَّه النفس أن تأتي الفواحش والمنكرات، وتستنير البصيرة فتكون أقوى نفاذًا في الحق، وأشدَّ بعدًا عن الأهواء، فنفوس المصلِّين جديرةٌ بالنصر؛ لما تعطيها الصلاة من القوة المعنوية، ومن الثقة بقدرة الله تعالى" [تفسير المنار (1 /348)].
هذا، وإن من أعظم ما يُعين على إقامة الصلاة، والخشوع فيها، والإحسان في أدائها - المبادرةَ إليها، ولقد أمر ربُّنا سبحانه وتعالى بالمبادرة إلى الخيرات عمومًا والمسارعة إليها، كما قال عز وجل: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدرٌ زائد على الأمر بفعل الخيرات؛ فإن الاستباق إليها يتضمَّن فِعلَها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرةَ إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجةً، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وعمرة وجهاد، ونفع متعدٍّ وقاصر" [تفسير السعدي (ص: 72)].
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الصلاة بخصوصها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يَعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَستهِموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبح لَأتَوْهما ولو حَبْوًا)) [أخرجه البخاري (652)، ومسلم (1914)].
قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة وغيرهم: التهجير: التبكير [شرح النووي على مسلم (ص: 145)].
وقد جاء في التبكير للصلاة فضائلُ عديدة، منها ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عدلٌ، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمَعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه)) [أخرجه البخاري (1423)، ومسلم (1031)]، وموضع الشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد)، فالتبكير للصلوات يعلِّق القلب بالمسجد حتى يكون القلب كأنه قنديل من قناديله.
ومنها: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجد للصلاة والذِّكر إلا تَبَشْبَشَ الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم)) [أخرجه ابن ماجه (800) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (659)]، ومعنى الحديث: "ما اعتاد رجل الذَّهاب إلى المساجد، وجعل المسجد كالوطن له يألفه ويقيم به ويرتاح إليه، "إلا تبشبش الله له"، أي: فَرِح به، وأقبَلَ عليه، وتلقَّاه ببرِّه وإكرامه، وهذا من الترغيب في إتيان المساجد، ومن حبَسَ نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابطٌ لها في سبيل الله، مخالفٌ لهواها"[1]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
والذي يبكِّر للصلاة يكون في صلاةٍ ما دام سبب وجوده في المسجد هو الصلاةَ، وتصلِّي عليه الملائكة -أي: تدعو له- ما دام في مصلَّاه الذي صلى فيه[2]؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعةٍ تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجةً؛ وذلك أن أحدهم إذا توضَّأ، فأحسَنَ الوضوء، ثم أتى المسجد لا يَنهَزُه إلا الصلاةُ، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطوةً إلا رُفع له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه)) [أخرجه مسلم (649)].
والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الصلاة في الصف الأول، الذي ورَدَ في فضله عددٌ من الأحاديث، منها:
• حديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الصبح فقال: ((أشَهِدَ فلانٌ الصلاة؟))، قالوا: لا، قال: ((ففلانٌ؟))، قالوا: لا، قال: ((إن هاتين الصلاتين من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْوًا، والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحَبُّ إلى الله عز وجل)) [أخرجه النسائي (843)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي (842)].
• وحديث العِرْباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدَّم ثلاثًا وللثاني مرةً. [أخرجه ابن ماجه (996)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (822)].
والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الدعاء بين الأذان والإقامة، الذي جاء فيه أنه دعاء مستجاب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعوة لا تُرَدُّ بين الأذان والإقامة؛ فادْعُوا)) [أخرجه أحمد (13357)، وصححه شعيب الأرناؤوط].
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه أداء سنن الرواتب القبليَّة، التي جاءت في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً من السُّنة، بنى الله له بيتًا في الجنة: أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر) [أخرجه الترمذي (414)، وصححه الألباني].
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه الترديدُ خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا)) [أخرجه مسلم (385)].
وجاء في حديث آخرَ بيان كيفية الترديد خلف المؤذن وفضله، وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة) [أخرجه مسلم (385)].
ومن الأدعية المشروعة بعد الأذان أيضًا ما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّتْ له شفاعتي يوم القيامة)) [أخرجه البخاري (614)].
ومن الأدعية المشروعة المتعلقة بالأذان ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولًا، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه)) [أخرجه مسلم (386)].
والذي يبكر للصلاة قد يؤذِّن لها إنْ تَغيَّبَ المؤذِّنُ أو أَذِنَ له بذلك، فيحصل له الأجر العظيم للأذان، والذي جاء فيه أحاديثُ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤذن يُغفَر له مدى صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة يُكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويُكفَّر عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515)، وصححه الألباني]، فإن لم يحصل له ذلك، فلْيُردِّدْ خلف المؤذن، ثم يأتِ بالأذكار المشروعة التي جاء في فضلها أجور عظيمة، وبشائرُ كريمة، وخيرات عميمة.
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحصيل البَراءتينِ المذكورتين في حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يُدرِكُ التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق)) [أخرجه الترمذي (241)، وحسنه الألباني بمجموع الطرق في السلسلة الصحيحة (2652)].
وأيضًا، فإن الذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحرِّي موافقة تأمين الملائكة وقولهم: "اللهم ربنا لك الحمد"، فيحصل له بذلك مغفرة الذنوب كما جاء في الحديثين التاليين:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410)].
• وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربَّنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفِر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (3228)].
وهذا التحري لموافقة قول الملائكة وتأمينهم يسهل على من يبكر للصلاة، ويدركها من أولها، بخلاف من يأتي للصلاة متأخرًا وقد تفُوتُه بعضُ الركعات.
هذا، وقد خُصَّ التبكير لصلاة الجمعة بفضل خاص، فهو أحد أسباب تحصيل الأجر العظيم الوارد في حديث أَوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكَر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوةٍ عملُ سَنةٍ؛ أجرُ صيامها وقيامها)) [أخرجه أبو داود (345)، وصححه الألباني].
والحاصل:
أن الذي يبكِّر للصلاة "يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتَقْوى رغبتُه في الخير، وتسهل عليه العبادات، وتقلُّ بل تنعدم رغبته في الشر والمعاصي إذا حافظ على إقامة الصلاة بظاهره وباطنه، كما أمر ربُّنا عز وجل"[3]، فتكون الصلاة راحةً له وقرةَ عين، كما كانت قرةَ عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جُعِل قرةُ عيني في الصلاة)) [أخرجه النسائي (3939)، وقال عنه الألباني في صحيح النسائي (3949): حسن صحيح]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا بلالُ، أقِمِ الصلاة، أَرِحْنا بها)) [أخرجه أبو داود (4985) من حديث سالم بن أبي الجعد رضي الله عنه، وصححه الألباني].
والله تعالى أعلم.
وأختم بهذا الدعاء الجليل: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] موقع الدرر السنية.
[2] موقع الدرر السنية.
[3] جملة مقتبسة من كلام الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (ص: 632) بتصرف.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه رسالة أذكِّر فيها نفسي وإخوتي الكرام بفضل الاهتمام بالتبكير للصلوات، وهي رسالة مهمة لكلِّ من يرغب أن تَقْوى همَّتُه للخير والطاعات، وتضعُف رغبته في المعاصي والسيئات.
فأقول - والله وحده هو المستعان -: لقد أمَرَ ربُّنا سبحانه وتعالى بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره للآيتين السابقتين: « أمَرَهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلِّها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديَها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخَّطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونةٌ عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يَتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتَنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور، (وَإِنَّهَا) أي: الصلاةَ (لَكَبِيرَةٌ) أي: شاقة (إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فِعلَها منشرحًا صدرُه؛ لترقُّبِه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعيَ له يدعوه إليها، وإذا فعَلَها صارت من أثقل الأشياء عليه.
والخشوع هو: خضوع القلب وطُمأنينته، وسكونُه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلًّا وافتقارًا، وإيمانًا به وبلقائه؛ ولهذا قال: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي: يستيقنون (أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) فيُجازيهم بأعمالهم (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فهذا الذي خفَّف عليهم العباداتِ، وأوجَبَ لهم التسلِّيَ في المصيبات، ونفَّس عنهم الكربات، وزجَرَهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربِّه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشقِّ شيء عليه" [تفسير السعدي (ص: 51)].
فالصلاة إذًا إخوتي من أعظم ما يُعين على فعل الطاعات، وترك المنكرات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "ووجه كون الصلاة تَنهى عن الفحشاء والمنكر: أن العبد المقيم لها، المتمِّمَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغْبتُه في الخير، وتقلُّ أو تُعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتُها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها" [تفسير السعدي (ص: 632)].
ولذا؛ فإن من أهم المهمات، وأجلِّ القُربات، وأفضلِ الأعمال الصالحات - الاهتمامَ بإقامة الصلاة إقامةً ظاهرة وباطنة، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد بن رضا رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله عز وجل: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 110]، يقول رحمه الله تعالى:
"إقام الصلاة لا يعني مجرد الأداء الظاهر، وإنما يعني إضافةً إلى الأداء الظاهر القيامَ بحقوقها الروحيَّة في صورتها العملية، وذلك بالتوجُّه إلى الله تعالى ومناجاته والانقطاع إليه عما عداه، وإشعار القلب عظَمتَه وكبرياءه، فبهذا الشعور ينمو الإيمان، وتقوى الثقة بالله، وتتنزَّه النفس أن تأتي الفواحش والمنكرات، وتستنير البصيرة فتكون أقوى نفاذًا في الحق، وأشدَّ بعدًا عن الأهواء، فنفوس المصلِّين جديرةٌ بالنصر؛ لما تعطيها الصلاة من القوة المعنوية، ومن الثقة بقدرة الله تعالى" [تفسير المنار (1 /348)].
هذا، وإن من أعظم ما يُعين على إقامة الصلاة، والخشوع فيها، والإحسان في أدائها - المبادرةَ إليها، ولقد أمر ربُّنا سبحانه وتعالى بالمبادرة إلى الخيرات عمومًا والمسارعة إليها، كما قال عز وجل: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدرٌ زائد على الأمر بفعل الخيرات؛ فإن الاستباق إليها يتضمَّن فِعلَها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرةَ إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجةً، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وعمرة وجهاد، ونفع متعدٍّ وقاصر" [تفسير السعدي (ص: 72)].
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الصلاة بخصوصها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يَعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَستهِموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبح لَأتَوْهما ولو حَبْوًا)) [أخرجه البخاري (652)، ومسلم (1914)].
قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة وغيرهم: التهجير: التبكير [شرح النووي على مسلم (ص: 145)].
وقد جاء في التبكير للصلاة فضائلُ عديدة، منها ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عدلٌ، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمَعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه)) [أخرجه البخاري (1423)، ومسلم (1031)]، وموضع الشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد)، فالتبكير للصلوات يعلِّق القلب بالمسجد حتى يكون القلب كأنه قنديل من قناديله.
ومنها: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجد للصلاة والذِّكر إلا تَبَشْبَشَ الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم)) [أخرجه ابن ماجه (800) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (659)]، ومعنى الحديث: "ما اعتاد رجل الذَّهاب إلى المساجد، وجعل المسجد كالوطن له يألفه ويقيم به ويرتاح إليه، "إلا تبشبش الله له"، أي: فَرِح به، وأقبَلَ عليه، وتلقَّاه ببرِّه وإكرامه، وهذا من الترغيب في إتيان المساجد، ومن حبَسَ نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابطٌ لها في سبيل الله، مخالفٌ لهواها"[1]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
والذي يبكِّر للصلاة يكون في صلاةٍ ما دام سبب وجوده في المسجد هو الصلاةَ، وتصلِّي عليه الملائكة -أي: تدعو له- ما دام في مصلَّاه الذي صلى فيه[2]؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعةٍ تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجةً؛ وذلك أن أحدهم إذا توضَّأ، فأحسَنَ الوضوء، ثم أتى المسجد لا يَنهَزُه إلا الصلاةُ، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطوةً إلا رُفع له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه)) [أخرجه مسلم (649)].
والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الصلاة في الصف الأول، الذي ورَدَ في فضله عددٌ من الأحاديث، منها:
• حديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الصبح فقال: ((أشَهِدَ فلانٌ الصلاة؟))، قالوا: لا، قال: ((ففلانٌ؟))، قالوا: لا، قال: ((إن هاتين الصلاتين من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْوًا، والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحَبُّ إلى الله عز وجل)) [أخرجه النسائي (843)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي (842)].
• وحديث العِرْباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدَّم ثلاثًا وللثاني مرةً. [أخرجه ابن ماجه (996)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (822)].
والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الدعاء بين الأذان والإقامة، الذي جاء فيه أنه دعاء مستجاب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعوة لا تُرَدُّ بين الأذان والإقامة؛ فادْعُوا)) [أخرجه أحمد (13357)، وصححه شعيب الأرناؤوط].
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه أداء سنن الرواتب القبليَّة، التي جاءت في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً من السُّنة، بنى الله له بيتًا في الجنة: أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر) [أخرجه الترمذي (414)، وصححه الألباني].
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه الترديدُ خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا)) [أخرجه مسلم (385)].
وجاء في حديث آخرَ بيان كيفية الترديد خلف المؤذن وفضله، وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة) [أخرجه مسلم (385)].
ومن الأدعية المشروعة بعد الأذان أيضًا ما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّتْ له شفاعتي يوم القيامة)) [أخرجه البخاري (614)].
ومن الأدعية المشروعة المتعلقة بالأذان ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولًا، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه)) [أخرجه مسلم (386)].
والذي يبكر للصلاة قد يؤذِّن لها إنْ تَغيَّبَ المؤذِّنُ أو أَذِنَ له بذلك، فيحصل له الأجر العظيم للأذان، والذي جاء فيه أحاديثُ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤذن يُغفَر له مدى صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة يُكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويُكفَّر عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515)، وصححه الألباني]، فإن لم يحصل له ذلك، فلْيُردِّدْ خلف المؤذن، ثم يأتِ بالأذكار المشروعة التي جاء في فضلها أجور عظيمة، وبشائرُ كريمة، وخيرات عميمة.
والذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحصيل البَراءتينِ المذكورتين في حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يُدرِكُ التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق)) [أخرجه الترمذي (241)، وحسنه الألباني بمجموع الطرق في السلسلة الصحيحة (2652)].
وأيضًا، فإن الذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحرِّي موافقة تأمين الملائكة وقولهم: "اللهم ربنا لك الحمد"، فيحصل له بذلك مغفرة الذنوب كما جاء في الحديثين التاليين:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410)].
• وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربَّنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفِر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (3228)].
وهذا التحري لموافقة قول الملائكة وتأمينهم يسهل على من يبكر للصلاة، ويدركها من أولها، بخلاف من يأتي للصلاة متأخرًا وقد تفُوتُه بعضُ الركعات.
هذا، وقد خُصَّ التبكير لصلاة الجمعة بفضل خاص، فهو أحد أسباب تحصيل الأجر العظيم الوارد في حديث أَوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكَر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوةٍ عملُ سَنةٍ؛ أجرُ صيامها وقيامها)) [أخرجه أبو داود (345)، وصححه الألباني].
والحاصل:
أن الذي يبكِّر للصلاة "يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتَقْوى رغبتُه في الخير، وتسهل عليه العبادات، وتقلُّ بل تنعدم رغبته في الشر والمعاصي إذا حافظ على إقامة الصلاة بظاهره وباطنه، كما أمر ربُّنا عز وجل"[3]، فتكون الصلاة راحةً له وقرةَ عين، كما كانت قرةَ عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جُعِل قرةُ عيني في الصلاة)) [أخرجه النسائي (3939)، وقال عنه الألباني في صحيح النسائي (3949): حسن صحيح]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا بلالُ، أقِمِ الصلاة، أَرِحْنا بها)) [أخرجه أبو داود (4985) من حديث سالم بن أبي الجعد رضي الله عنه، وصححه الألباني].
والله تعالى أعلم.
وأختم بهذا الدعاء الجليل: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] موقع الدرر السنية.
[2] موقع الدرر السنية.
[3] جملة مقتبسة من كلام الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (ص: 632) بتصرف.