مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (2) بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على ...

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (2)



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فقد يسر الله تعالى نشر مقال على شبكة الألوكة عنوانه:

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة.



ونظرا لأهمية الموضوع، فإنني أكتب هذه الأسطر استكمالًا لبعض الجوانب المهمة المتعلقة به، وأسأل الله عز وجل الهداية والسداد، فأقول - والله وحده هو المستعان -:

إن هذا المسلسل يدس السم للمسلمين، ويهدف إلى زعزعة إيمانهم بالله العلي العظيم، ونشر أفكار الإلحاد الذميم، وترويج السحر والشعوذة في صورة مسلسل تلفزيوني ماكر لئيم.



إخوتي الكرام:

لكل من يستغرب رواج أفكار الإلحاد في أوساط الأمة، أما علمتم أن كل شجرة أصلها بذرة؟ وأن بدايات الإلحاد تروج باستخدام وسائل إعلام مختلفة، ومن أخبثها الأفلام والمسلسلات النتنة؟



ولذا، لم يبعد النجعة من يقول أن هذه الأفلام والمسلسلات بوابة الإلحاد، ومدخله، وأول الطريق إليه. نسأل الله تعالى العافية واليقين.



فلكل من يشكو ضعفًا في الإيمان، ولكل من يحس بالوحشة بينه وبين ربه عز وجل، لكل من ذاق حلاوات الخشوع والطمأنينة ثم فقدها، لكل من يرجو الأنس بالله تعالى ويريد سعادة الدنيا والآخرة، لن تجدوا يا إخوتي أنفع لقلوبكم من ترك المعاصي، وهجران الذنوب، والتوبة والرجوع إلى ربنا الرحيم الودود.



أما علمتم إخوتي أن العمر محدود؟ وأننا عما قريب سنقف بين يدي علام الغيوب؟ فرفقا إخوتي بقلوبكم، ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أنفسكم، وتذكروا قول ربنا عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15].



ويا إخوتي الكرام، من يزرع الشوك لا يجني العنب، ومن يتبع الهوى يلق الهم والتعب، فلماذا نورط أنفسنا فيما نعلم يقينا أنه ضار لنا؟



معاشر الكرام:

لقد أجمع علماء الأمة وعقلاؤها وأهل الخير فيها أن الأفلام والمسلسلات الفاسدة مهلكة ومتلفة، وأنها خطر على العقيدة، وسبب رئيسي في انتشار الفاحشة، وقتل الغيرة والحشمة والحياء، وفشو الجرائم والإدمان والمخدرات، وتفكك الأسر، وهدم البيوت، وحالات الطلاق.



وسنقف إخوتي - إن شاء الله تعالى - وقفة يسيرة، مع كون هذه المسلسلات والأفلام الرديئة، خطر على العقيدة.



اعلموا بداية - رحمكم الله تعالى وغفر لكم - أن نعمة الإيمان أعظم نعمة، وأشرف منحة، وأكرم عطية، وأهم ما ينبغي العناية به، وذلك أن الناس كلهم في خسران مبين إلا أهل الإيمان واليقين، كما قال ربنا سبحانه:



﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، فلا فوز ولا نجاح ولا فلاح في الدنيا ولا في الآخرة إلا للمؤمنين الصادقين المتقين، فهم موعودون بكل خير في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].



فإذا علمتم ذلك فاعلموا - وفقكم الله تعالى لنيل رضوانه وجناته - أن الأفلام والمسلسلات الفاسدة تروج لما يضاد الإيمان وينافيه ويناقضه من الكفر والإلحاد والعلمانية، وهي كذلك تذكي روح الوطنية المخالفة للشريعة الربانية، وتعلق القلوب بالدنيا الفانية، وتلهيها عن الآخرة الباقية، وتنشر فتن الشبهات والشهوات، وتسبب مرض القلوب، بل قد تسبب موتها وهلاكها إذا تمادى المرء في مشاهدتها والتعلق بها.



وكثير من الناس لا يلاحظون ما تلقيه عليهم المسلسلات والأفلام المفسدة من شبهات تزلزل إيمانهم، وتفسد عقيدتهم، وذلك أن آثارها قد لا تظهر عليهم في الحال، لكنها نكت سوداء تتكاثر على القلوب حتى تصير في قسوتها، ﴿ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]. فما هو الحل والعلاج؟ وما هي سبيل السلامة والنجاة؟



إخوتي الكرام:

الداء والدواء مذكور في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». [أخرجه مسلم (144)].



فهذا الحديث يا إخوتي حديث عظيم مهم في باب دفع الفتن، والحفاظ على سلامة القلب من الأمراض والعلل، "قسَّم فيه النبي صلى الله عليه وسلم القلوب عند عرض فتن الشبهات والشهوات عليها إلى قسمين:

1- قلب أبيض، قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وكرهَها، فازداد نوره وإشراقه وقوَّته، حتى يصير "أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"، وهذا هو قلب المؤمن العامر بحبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه كالصفا أي: كالحجر الأملس في صلابته وتماسُكه وصفائه ونقاوته وعدم علوق شيءٍ به، فلا تضرُّه فتنةٌ ولا تستهويه معصيةٌ ولا يرضى بديلًا عمَّا ظفر به من حلاوة الإيمان في قلبه، فاللهم اجعلنا جميعا من أصحاب هذه القلوب السليمة البيضاء النقية.



2- قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشْرِبها، كما يشرب السِّفِنْج الماء، فتُنكَت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يُشرب كل فتنة تعرض عليه، حتى يكون مُرْبَادًّا، وهو بياضٌ قليل مع سواد كثير، فإذا انساق العبد أكثرَ فأكثر وراء أهوائه اختفى أثرُ البياض واسودَّ القلب وأظلم، وهناك وصفٌ آخر لهذا القلب وهو الكوز المُجَخِّي أي: الإناء المائل المنكوس، وهذا الميل كان في بدايته قليلًا بحسَب ما تسرَّب إليه من الفتن، ثمَّ ازداد ميلًا حتى انقلب وانتكس، ولا يخفى أنَّ الإناء كلَّما مال عن استقامته انسكب منه ما كان فيه بمقدار الميل، حتى إذا انتكس انسكب كلُّ ما فيه ولم يَعُدْ قابلًا لأنْ يمتلئ بشيءٍ على الإطلاق حتى يعود إلى عدالته، فما فائدة الكأس إذا انسكب منه الماء الزلال ولم يبق فيه إلَّا الهواء؟ وهنا تتجلَّى البلاغة النبوية في صورة بهية، بحيث تترسَّخ في النفس صورة الكأس المقلوب الذي لا يُنتفع منه بشيءٍ، فهو كالعدم وإن كان موجودًا، والهواء الذي فيه كالهوى المستقرِّ في القلب المنكوس الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلَّا ما أُشرب من هواه، وهذا شرُّ القلوب وأخبثُها فإنه يشتبه عليه الخير والشر، ويرى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلًا والباطل حقًّا. [(إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان) لابن القيم، طبعة عالم الفوائد، ص(15-16) بتصرف، (منهاج الإسلام في تزكية النفس) لأنس كرزون (2/ 523) بتصرف].



والحاصل أن "ما يُشاهد في المسلسلات والأفلام الفاسدة أسهل الطرق لتربع الشيطان على قلب المشاهد ليسكن فيه ويفرِّخ، ومن ثمَّ يستلم زمام القيادة، ليوجهه وأعضاءه حيث يكون سخط الرب تعالى"[1]، وأن السلامة في ترك مشاهدتها وإنكارها وكرهها وتحذير الناس منها، والالتزام بأوامر ربنا عز وجل كلها، ومنها في هذا المقام غض البصر وحفظ الفرج كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30، 31].



والله تعالى أعلم.



[1] [الإسلام سؤال وجواب بتصرف يسير].