لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فهذا مقال مهم! اقرأه بقلبك عندما تخلو بنفسك، فقد يتغير بعده مجرى حياتك، فالمقال يستحق القراءة مرات ومرات.
وبعد: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ). [أخرجه الترمذي (1987)، وحسنه الألباني].
ما أعظم هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحسنها، وما أجمع كلماتها لخيري الدنيا والآخرة، فصل اللهم وبارك على من أوتي جوامع الكلم وسلم تسليما كثيرًا.
إخوتي الكرام:
سنقف في هذا المقال إن شاء الله تعالى مع قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، فلكل من أهلكته الذنوب، لكل من قال له الشيطان: يا منافق، لن تقبل توبتك، فأنت كثير الذنوب، لكل من أنهكته المعاصي، وأثقلت ظهره، وعكرت صفو حياته، إليكم إخوتي هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتبع السيئة الحسنة تمحها).
إخوتي الكرام:
لماذا الاستسلام للذنوب والمعاصي وقد جعل الله تعالى لنا منها مخرجا بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [سورة هود: 114].
فقط، تذكروا هذه الوصية النبوية الجامعة، واجعلوها نصب أعينكم (أتبع السيئة الحسنة)، كلما عملت سيئة أتبعها حسنة، بدد ظلام المعصية بأنوار الطاعة حتى يكون الشيطان هو المدحور، وأنت المنصور الفائز برضوان الله التواب الغفور.
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ (والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ) [أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وصححه الألباني]، والله عز وجل يقول: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [سورة البقرة: 271]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [سورة التغابن: 17]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ) [أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (386)، والقضاعي في مسند الشهاب (100)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3766)].
معاشر الكرام:
إن من أعظم ما يكفر الذنوب والخطايا العفو عن الناس والصفح عنهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النور: 22]، ومن يتجاوز عن الناس، يتجاوز الله تعالى عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه) [أخرجه البخاري (2078) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والخطوات للمسجد (إحْدَاهُما تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) [أخرجه مسلم (666) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، والملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ). [أخرجه مسلم (649)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [سورة هود: 114].
قالَ الحسن البصري رحمه الله تعالى: "اسْتَعِينُوا عَلى السَّيِّئاتِ القَدِيماتِ بِالحَسَناتِ الحَدِيثاتِ، وإنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا شَيْئًا أذْهَبَ بِسَيِّئَةٍ قَدِيمَةٍ مِن حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ، وأنا أجِدُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتابِ اللَّهِ: ﴿ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ﴾ [هود: 114]". [تفسير ابن أبي حاتم بتحقيق أسعد الطيب (6 /2092)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه يقول: (يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم) [أخرجه مسلم في صحيحه (2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ) [أخرجه ابن ماجة (4250) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وحسنه الألباني]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟) [أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا (ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا) فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ) فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، (أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا)، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (أوْ أصَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، (ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا)، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ (أوْ قالَ أذْنَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ. [أخرجه البخاري (7507) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يذكر في كتابه الكريم قول نوح عليه السلام لقومه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح: 10-12].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ) [أخرجه مسلم (386) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ (أَوْ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلىهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ) [أخرجه مسلم (244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذِّنُ يُغفرُ له مدى صوتِه ويشهدُ له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويكفِّرُ عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ؟ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا) [أخرجه البخاري: (528) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ العَبْدَ إذا قامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلى رَأْسِهِ وعاتِقَيْهِ، كُلَّما رَكَعَ وسَجَدَ تساقَطَتْ عَنْهُ) [أخرجه الطبراني (14108) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1671)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ). [أخرجه مسلم (857) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قالَ الإمامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لكَ الحَمْدُ فإنَّه مَن وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (3228) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) [أخرجه مسلم (597) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلْإِثْمِ) [أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4079)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ، وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ) [أخرجه النسائي (2631) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ اليَمانِي والرُّكْنِ الأسْوَدِ يَحُطُّ الخَطايا حَطًّا) [أخرجه أحمد (5621) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2194)].
"والحَجرُ (الأسود) يُشرَعُ استلامُه وتَقبيلُه، فإنْ شَقَّ ذلك استلَمَه بيدِه وقَبَّلَ يدَه، وإلَّا أشارَ إليه دون تَقبيلٍ، والأَجرُ ثابِتٌ إنْ شاء اللهُ، وأمَّا الركنُ اليَماني فالسُّنَّةُ استلامُه ولا يُقبَّلُ، ولا يُشارُ إليه عِندَ العَجزِ عن استلامِه، ولا يُكبَّر عند استلامِه" [الدرر السنية].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقولُ: (مَنْ طافَ بِهذا البيتِ أُسْبُوعًا فأَحْصاهُ كان كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) وسَمِعْتُهُ يَقولُ: (لا يَضَعُ قَدَمًا ولا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللهُ عنْهُ خَطِيئَتَهُ وكُتِبَ له بِها حَسنةٌ) [أخرجه الترمذي (959)، وحسنه الألباني].
"مَن طاف بهذا البَيتِ أُسبوعًا"، أي: سَبعةَ أشواطٍ، "فأَحْصاه"، أي: أتَمَّهم وأكمَلَهم، "كان كعِتْقِ رقَبةٍ"، أي: كان أجْرُه وجَزاؤُه كأجرِ مَن حرَّر مَملوكًا مِن العبوديَّةِ، قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عنه: "وسمعتُه يقولُ: لا يضَعُ قدَمًا ولا يَرفَعُ أخرى إلَّا حطَّ اللهَ عنه خَطيئتَه وكتَب له بها حَسَنةً"، أي: وهو في طَوافِه هذا؛ فإنَّ الله يَمحو بكُلِّ خَطوةٍ سيِّئةً، ويَكتُبُ له بها حسَنةً. [الدرر السنية باختصار يسير].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ ما يُصَابُ به المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا). [أخرجه مسلم في صحيحه (2574) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ) [أخرجه مسلم (2573) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما].
ومعنى وصَبٍ: وَجعٍ مُلازِمٍ ومستمِرٍّ لصاحبِهِ، وهو ما يُعرَفُ في عَصرِنا بالمرضِ المزمِنِ، ومعنى نَصَبٍ: تَعبٍ [الدرر السنية].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِرَ لهما قبلَ أن يفترقا) [أخرجه أبو داود (5212) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بَيْنا رَجُلٌ يَمْشِي، فاشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَنَزَلَ بئْرًا، فَشَرِبَ مِنْها، ثُمَّ خَرَجَ فإذا هو بكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ: لقَدْ بَلَغَ هذا مِثْلُ الذي بَلَغَ بي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له، فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ قالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ). [أخرجه البخاري (2363) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن صامَ رمضانَ وقامَهُ، إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ) [أخرجه الترمذي (683) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ وقد روى مسلم (1162) عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ). قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ).
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [سورة يس: 11]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الملك: 12].
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ أما سمعتم حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ) [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟) [أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنَّبِي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ تَعَارّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ). [أخرجه البخاري: 1154 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) [أخرجه البخاري (6405) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: (يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ) [أخرجه مسلم (2698) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 96-95]، ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [سورة الصف: 10-12].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 157]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) [أخرجه الترمذي (1663) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، وصححه الألباني].
ليس هذا فحسب؛ بل قد وعد ربنا جل وعلا ووعده حقٌّ أن يبدل السيئات إلى حسنات لمن صدقت توبته، وحسنت أوبته، قال الرحمن الرحيم جل شأنه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 -70]، وعن أبي طويل رضي الله عنه: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ مَن عمل الذنوبَ كلَّها ولم يتركْ منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا أتاها، فهل لذلك من توبةٍ؟ قال: (فهل أسلمتَ)؟ قال: أما أنا فأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللهِ قال: (تفعل الخيراتِ، وتترك السيئاتِ، فيجعلهنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلِّهنَّ)، قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: (نعم)، قال: اللهُ أكبرُ، فما زال يُكبِّرُ حتى تَوارَى. [رواه الطبراني في الكبير (7/314) وصححه الألباني في صحيح الترغيب]. قالَ الخَطّابِيُّ: أراد بِالحاجَّةِ الصَّغِيرَةَ، وبِالدّاجَّةِ الكَبِيرَةَ [لسان العرب لابن منظور 2/ 263].
ثم إن في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله تعالى وهاجر إليه أوضح دليلٍ على أن الطاعات تكفر السيئات مهما عظمت، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ). [أخرجه البخاري (3470)].
فلله الحمد والفضل والمنَّة وحده لا شريك له، ما أكرمه، وما أرحمه، وما أعظمه من ملك غفور رحيم ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الشورى: 25]، وليس هذا فحسب، بل إن ربنا تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب، فعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) [أخرجه مسلم (2747)].
إخوتي الكرام:
المعصية كالمرض، وإذا لم تعالج بالطاعة أفسدت القلب كما يفسد المرض البدن، فلا تهملوا إخوتي معصية وإن صغرت، حاربوا المعاصي بالطاعات، وأكثروا من الاستغفار والدعاء في الخلوات.
وهنا أود التنبيه أننا في حرب، والشيطان يبعث السرايا والجيوش لإفساد القلوب والأعمال، ويستخدم أعوانه وأولياءه لإضلال العباد وإفساد دينهم ودنياهم، فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) [أخرجه مسلم: 2813].
ولا معيذ إلا الله، ولا حافظ إلا هو سبحانه، فاستعينوا إخوتي بالله عز وجل وحده، وَاعْتَصِمُوا به ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [سورة الحج: 78]، فمن اعتصم بالله حفظه ووقاه، وأكثروا من ذكر الله عز وجل، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فقد قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ). [أخرجه البخاري (3293) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
واحرصوا إخوتي على مجالس العلم والذكر فهي سبب لمغفرة الله عز وجل ورحمته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وهو أعْلَمُ منهمْ، ما يقولُ عِبادِي؟ قالوا: يقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ؟ قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو أنَّهُمْ رَأَوْها كانُوا أشَدَّ عليها حِرْصًا، وأَشَدَّ لها طَلَبًا، وأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يقولونَ: مِنَ النَّارِ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْها كانُوا أشَدَّ مِنْها فِرارًا، وأَشَدَّ لها مَخافَةً قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ). [أخرجه البخاري (6408)].
وهنا أود تنبيهيكم معاشر الكرام، إلى قول ابن رجب رحمه الله تعالى: "إنّ الكبائرَ لا تُكفَّرُ بدونِ التوبةِ، لأنّ التوبةَ فرضٌ على العبادِ، وقد قالَ عز وجل: ﴿ ومَن لَّمْ يَتبْ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظّالِمُون ﴾) [سورة الحجرات: 11]" [تفسير ابن رجب الحنبلي 1/ 327]. وقال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: "لو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفِّرة للكبائر، والمتطهِّر المصلي غير ذاكرٍ لذنبه الموبِق، ولا قاصد إليه، ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه، ولا خطرت خطيئتُه المحيطة به بباله - لمَا كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنًى، ولكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة، وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر". [التمهيد (4/ 44-45، 49].
وتذكروا إخوتي ما ذكره ربنا عز وجل من قول يعقوب عليه السلام: ﴿ لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة يوسف: 87]، وتذكروا أيضا ما ذكره ربنا سبحانه وتعالى من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [سورة الحجر: 56]، واعلموا أن الذين يقنطون من رحمة ربهم عز وجل يضيفون ذنبا إلى ذنبهم، ولو استغفروا ربهم تعالى وأنابوا إليه ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 64].
وأختم هذا المقال بقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر: 53]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا) [أخرجه مسلم (2759) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].
هذا، والمعان من أعانه الله، والمسدد من سدده الله، والموفق من وفقه الله، والمهتدي من هداه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فهذا مقال مهم! اقرأه بقلبك عندما تخلو بنفسك، فقد يتغير بعده مجرى حياتك، فالمقال يستحق القراءة مرات ومرات.
وبعد: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ). [أخرجه الترمذي (1987)، وحسنه الألباني].
ما أعظم هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحسنها، وما أجمع كلماتها لخيري الدنيا والآخرة، فصل اللهم وبارك على من أوتي جوامع الكلم وسلم تسليما كثيرًا.
إخوتي الكرام:
سنقف في هذا المقال إن شاء الله تعالى مع قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، فلكل من أهلكته الذنوب، لكل من قال له الشيطان: يا منافق، لن تقبل توبتك، فأنت كثير الذنوب، لكل من أنهكته المعاصي، وأثقلت ظهره، وعكرت صفو حياته، إليكم إخوتي هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتبع السيئة الحسنة تمحها).
إخوتي الكرام:
لماذا الاستسلام للذنوب والمعاصي وقد جعل الله تعالى لنا منها مخرجا بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [سورة هود: 114].
فقط، تذكروا هذه الوصية النبوية الجامعة، واجعلوها نصب أعينكم (أتبع السيئة الحسنة)، كلما عملت سيئة أتبعها حسنة، بدد ظلام المعصية بأنوار الطاعة حتى يكون الشيطان هو المدحور، وأنت المنصور الفائز برضوان الله التواب الغفور.
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ (والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ) [أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وصححه الألباني]، والله عز وجل يقول: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [سورة البقرة: 271]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [سورة التغابن: 17]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ) [أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (386)، والقضاعي في مسند الشهاب (100)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3766)].
معاشر الكرام:
إن من أعظم ما يكفر الذنوب والخطايا العفو عن الناس والصفح عنهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النور: 22]، ومن يتجاوز عن الناس، يتجاوز الله تعالى عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه) [أخرجه البخاري (2078) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والخطوات للمسجد (إحْدَاهُما تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) [أخرجه مسلم (666) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، والملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ). [أخرجه مسلم (649)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [سورة هود: 114].
قالَ الحسن البصري رحمه الله تعالى: "اسْتَعِينُوا عَلى السَّيِّئاتِ القَدِيماتِ بِالحَسَناتِ الحَدِيثاتِ، وإنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا شَيْئًا أذْهَبَ بِسَيِّئَةٍ قَدِيمَةٍ مِن حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ، وأنا أجِدُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتابِ اللَّهِ: ﴿ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ﴾ [هود: 114]". [تفسير ابن أبي حاتم بتحقيق أسعد الطيب (6 /2092)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه يقول: (يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم) [أخرجه مسلم في صحيحه (2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ) [أخرجه ابن ماجة (4250) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وحسنه الألباني]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟) [أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا (ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا) فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ) فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، (أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا)، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (أوْ أصَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، (ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا)، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ (أوْ قالَ أذْنَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ. [أخرجه البخاري (7507) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يذكر في كتابه الكريم قول نوح عليه السلام لقومه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح: 10-12].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ) [أخرجه مسلم (386) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ (أَوْ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلىهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ) [أخرجه مسلم (244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذِّنُ يُغفرُ له مدى صوتِه ويشهدُ له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويكفِّرُ عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ؟ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا) [أخرجه البخاري: (528) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ العَبْدَ إذا قامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلى رَأْسِهِ وعاتِقَيْهِ، كُلَّما رَكَعَ وسَجَدَ تساقَطَتْ عَنْهُ) [أخرجه الطبراني (14108) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1671)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ). [أخرجه مسلم (857) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قالَ الإمامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لكَ الحَمْدُ فإنَّه مَن وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (3228) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) [أخرجه مسلم (597) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلْإِثْمِ) [أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4079)].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ، وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ) [أخرجه النسائي (2631) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ اليَمانِي والرُّكْنِ الأسْوَدِ يَحُطُّ الخَطايا حَطًّا) [أخرجه أحمد (5621) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2194)].
"والحَجرُ (الأسود) يُشرَعُ استلامُه وتَقبيلُه، فإنْ شَقَّ ذلك استلَمَه بيدِه وقَبَّلَ يدَه، وإلَّا أشارَ إليه دون تَقبيلٍ، والأَجرُ ثابِتٌ إنْ شاء اللهُ، وأمَّا الركنُ اليَماني فالسُّنَّةُ استلامُه ولا يُقبَّلُ، ولا يُشارُ إليه عِندَ العَجزِ عن استلامِه، ولا يُكبَّر عند استلامِه" [الدرر السنية].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقولُ: (مَنْ طافَ بِهذا البيتِ أُسْبُوعًا فأَحْصاهُ كان كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) وسَمِعْتُهُ يَقولُ: (لا يَضَعُ قَدَمًا ولا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللهُ عنْهُ خَطِيئَتَهُ وكُتِبَ له بِها حَسنةٌ) [أخرجه الترمذي (959)، وحسنه الألباني].
"مَن طاف بهذا البَيتِ أُسبوعًا"، أي: سَبعةَ أشواطٍ، "فأَحْصاه"، أي: أتَمَّهم وأكمَلَهم، "كان كعِتْقِ رقَبةٍ"، أي: كان أجْرُه وجَزاؤُه كأجرِ مَن حرَّر مَملوكًا مِن العبوديَّةِ، قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عنه: "وسمعتُه يقولُ: لا يضَعُ قدَمًا ولا يَرفَعُ أخرى إلَّا حطَّ اللهَ عنه خَطيئتَه وكتَب له بها حَسَنةً"، أي: وهو في طَوافِه هذا؛ فإنَّ الله يَمحو بكُلِّ خَطوةٍ سيِّئةً، ويَكتُبُ له بها حسَنةً. [الدرر السنية باختصار يسير].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ ما يُصَابُ به المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا). [أخرجه مسلم في صحيحه (2574) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ) [أخرجه مسلم (2573) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما].
ومعنى وصَبٍ: وَجعٍ مُلازِمٍ ومستمِرٍّ لصاحبِهِ، وهو ما يُعرَفُ في عَصرِنا بالمرضِ المزمِنِ، ومعنى نَصَبٍ: تَعبٍ [الدرر السنية].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِرَ لهما قبلَ أن يفترقا) [أخرجه أبو داود (5212) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بَيْنا رَجُلٌ يَمْشِي، فاشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَنَزَلَ بئْرًا، فَشَرِبَ مِنْها، ثُمَّ خَرَجَ فإذا هو بكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ: لقَدْ بَلَغَ هذا مِثْلُ الذي بَلَغَ بي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له، فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ قالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ). [أخرجه البخاري (2363) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن صامَ رمضانَ وقامَهُ، إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ) [أخرجه الترمذي (683) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ وقد روى مسلم (1162) عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ). قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ).
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [سورة يس: 11]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الملك: 12].
لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ أما سمعتم حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ) [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟) [أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنَّبِي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ تَعَارّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ). [أخرجه البخاري: 1154 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) [أخرجه البخاري (6405) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: (يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ) [أخرجه مسلم (2698) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 96-95]، ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [سورة الصف: 10-12].
لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 157]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) [أخرجه الترمذي (1663) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، وصححه الألباني].
ليس هذا فحسب؛ بل قد وعد ربنا جل وعلا ووعده حقٌّ أن يبدل السيئات إلى حسنات لمن صدقت توبته، وحسنت أوبته، قال الرحمن الرحيم جل شأنه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 -70]، وعن أبي طويل رضي الله عنه: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ مَن عمل الذنوبَ كلَّها ولم يتركْ منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا أتاها، فهل لذلك من توبةٍ؟ قال: (فهل أسلمتَ)؟ قال: أما أنا فأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللهِ قال: (تفعل الخيراتِ، وتترك السيئاتِ، فيجعلهنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلِّهنَّ)، قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: (نعم)، قال: اللهُ أكبرُ، فما زال يُكبِّرُ حتى تَوارَى. [رواه الطبراني في الكبير (7/314) وصححه الألباني في صحيح الترغيب]. قالَ الخَطّابِيُّ: أراد بِالحاجَّةِ الصَّغِيرَةَ، وبِالدّاجَّةِ الكَبِيرَةَ [لسان العرب لابن منظور 2/ 263].
ثم إن في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله تعالى وهاجر إليه أوضح دليلٍ على أن الطاعات تكفر السيئات مهما عظمت، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ). [أخرجه البخاري (3470)].
فلله الحمد والفضل والمنَّة وحده لا شريك له، ما أكرمه، وما أرحمه، وما أعظمه من ملك غفور رحيم ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الشورى: 25]، وليس هذا فحسب، بل إن ربنا تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب، فعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) [أخرجه مسلم (2747)].
إخوتي الكرام:
المعصية كالمرض، وإذا لم تعالج بالطاعة أفسدت القلب كما يفسد المرض البدن، فلا تهملوا إخوتي معصية وإن صغرت، حاربوا المعاصي بالطاعات، وأكثروا من الاستغفار والدعاء في الخلوات.
وهنا أود التنبيه أننا في حرب، والشيطان يبعث السرايا والجيوش لإفساد القلوب والأعمال، ويستخدم أعوانه وأولياءه لإضلال العباد وإفساد دينهم ودنياهم، فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) [أخرجه مسلم: 2813].
ولا معيذ إلا الله، ولا حافظ إلا هو سبحانه، فاستعينوا إخوتي بالله عز وجل وحده، وَاعْتَصِمُوا به ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [سورة الحج: 78]، فمن اعتصم بالله حفظه ووقاه، وأكثروا من ذكر الله عز وجل، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فقد قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ). [أخرجه البخاري (3293) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
واحرصوا إخوتي على مجالس العلم والذكر فهي سبب لمغفرة الله عز وجل ورحمته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وهو أعْلَمُ منهمْ، ما يقولُ عِبادِي؟ قالوا: يقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ؟ قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو أنَّهُمْ رَأَوْها كانُوا أشَدَّ عليها حِرْصًا، وأَشَدَّ لها طَلَبًا، وأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يقولونَ: مِنَ النَّارِ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْها كانُوا أشَدَّ مِنْها فِرارًا، وأَشَدَّ لها مَخافَةً قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ). [أخرجه البخاري (6408)].
وهنا أود تنبيهيكم معاشر الكرام، إلى قول ابن رجب رحمه الله تعالى: "إنّ الكبائرَ لا تُكفَّرُ بدونِ التوبةِ، لأنّ التوبةَ فرضٌ على العبادِ، وقد قالَ عز وجل: ﴿ ومَن لَّمْ يَتبْ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظّالِمُون ﴾) [سورة الحجرات: 11]" [تفسير ابن رجب الحنبلي 1/ 327]. وقال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: "لو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفِّرة للكبائر، والمتطهِّر المصلي غير ذاكرٍ لذنبه الموبِق، ولا قاصد إليه، ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه، ولا خطرت خطيئتُه المحيطة به بباله - لمَا كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنًى، ولكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة، وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر". [التمهيد (4/ 44-45، 49].
وتذكروا إخوتي ما ذكره ربنا عز وجل من قول يعقوب عليه السلام: ﴿ لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة يوسف: 87]، وتذكروا أيضا ما ذكره ربنا سبحانه وتعالى من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [سورة الحجر: 56]، واعلموا أن الذين يقنطون من رحمة ربهم عز وجل يضيفون ذنبا إلى ذنبهم، ولو استغفروا ربهم تعالى وأنابوا إليه ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 64].
وأختم هذا المقال بقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر: 53]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا) [أخرجه مسلم (2759) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].
هذا، والمعان من أعانه الله، والمسدد من سدده الله، والموفق من وفقه الله، والمهتدي من هداه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.