الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية سورة الإخلاص وهي مُستقاة ومُلخَّصة بتصرف من عدة ...
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية
سورة الإخلاص
وهي مُستقاة ومُلخَّصة بتصرف من عدة تفاسير، ومن معجم معاني كلمات القرآن الكريم.
سورة الإخلاص:
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4].
سورة الإخلاص سورة عظيمة تُرسِّخ معاني التوحيد والإيمان في قلب المسلم، وتؤكد وحدانية الله عز وجل وتفرُّده وعظمته.
ومما ورد في فضل سورة الإخلاص ما يلي:
1- أنها تعدِل ثُلُثَ القرآن:
فعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السَّحَرِ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن))؛ [رواه البخاري: (4627)]، وفي رواية لأحمدَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارًا يقوم الليل لا يقرأ إلا ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، كأنه يُقلِّلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثُلُثَ القرآن))؛ [رواه أحمد (10965)، وصححه شعيب الأرنؤوط].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يُطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: اللهُ الواحدُ الصمدُ ثلث القرآن). [رواه البخاري 4628].
2- أنها صفة الرحمن، وأن الله تعالى يحب من يقرأ بها:
فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سَلُوه لأيِّ شيءٍ يصنع ذلك، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه))؛ [رواه البخاري: (6827)].
3- لم ينزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقرأ كل ليلة:
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر، أَلَا ُأعلِّمك سورًا ما أُنزلت في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلهن؟ لا يَأْتِيَنَّ عليك ليلةٌ إلا قَرَأْتَهُنَّ فيها: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، قال عقبة: فما أتت عليَّ ليلة إلا قرأتُهُن فيها، وحُقَّ لي ألَّا أَدَعَهُنَّ وقد أمرني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أحمد (16810)، وحسَّنه شعيب الأرنؤوط].
4- من قرأها وجبت له الجنة:
فعن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقال: وجبت، قالوا: يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: وجبت له الجنة))؛ [رواه أحمد (8011)، وصححه شعيب الأرنؤوط].
5- أن من قرأها، عرف ربه:
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام فركع ركعتي الفجر، فقرأ في الأولى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ آمن بربه، ثم قام فقرأ في الآخرة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ عرف ربه))؛ [أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 298)، وابن حبان (6/ 213)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 499) باختلاف يسير، وجوَّد إسناده الألباني].
6- أنه ما تعوذ بمثل سور الإخلاص والفلق والناس أحدٌ:
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة، إذ قال: يا عقبة، قُلْ، فاستمعتُ، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟ فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، وقرأت معه، حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، فقرأت معه، حتى ختمها، ثم قال: ما تعوَّذ بمثلِهِنَّ أحدٌ))؛ [رواه النسائي (5430)، وصححه الألباني].
ويُستحبُّ قراءة سورة الإخلاص في أدبار الصلوات المفروضة، وضمن أذكار الصباح والمساء والنوم؛ وتفصيل ذلك كما يلي:
أولًا: يستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس مرةً واحدةً بعد كل صلاة مفروضة؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات في دُبُرِ كل صلاة))؛ [أخرجه أبو داود (1523)، والنسائي (1336)، وأحمد (4/ 155)، وصححه الألباني].
ثانيًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاثَ مرات ضمن أذكار الصباح، وثلاث مرات ضمن أذكار المساء؛ فعن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء))؛ [رواه أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وحسنه الألباني].
ثالثًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات ضمن أذكار النوم، وطريقة القراءة: أن يجمع العبد كفَّيْهِ، ثم ينفث فيهما، فيقرأ سور الإخلاص والفلق والناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، ثم يُعيد ما سبق مرةً ثانية ومرة ثالثة؛ فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات))؛ [رواه البخاري (4630)].
سبب النزول:
عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه: ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني].
المواطن التي يُستحب فيها قراءة سورة الإخلاص في الصلاة:
1- في الركعة الثانية من سنة الفجر القَبْلية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه مسلم: (726)].
2- في الركعة الثانية من سنة المغرب البعدية؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمقتُ النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا وعشرين مرةً - أو خمسًا وعشرين مرةً - يقرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (992)، وأحمد (4763)، وصحح إسناده أحمد شاكر، وقال عنه الألباني: قوي بالمتابعة].
3- في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر؛ فعن أبي بن كعب قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، وفي الثانية بـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، وفي الثالثة بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (1700)، وصححه الألباني].
4- في الركعة الثانية من ركعتي الطواف؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف بسورتَي الإخلاص: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه الترمذي (869)، وصححه الألباني].
هل سورة الإخلاص مكية أو مدنية؟
الراجح - والله تعالى أعلم - أن سورة الإخلاص سورة مكية؛ لِما سبق ذكره مما يتعلق بسبب نزولها عن أُبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه : ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِبْ لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني]؛ وذلك أن المقصود بالمشركين في هذا الحديث مشركو مكة.
تفسير سورة الإخلاص:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]:
معاني الكلمات:
﴿ قُلْ ﴾: فعل أمر.
﴿ هُوَ ﴾: ضمير.
﴿ اللَّهُ ﴾: عَلَمُ على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يُسمَّى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ أَحَدٌ ﴾: المراد هنا: وصف مطلق لا يُوصف به غير الله عز وجل.
والمعنى: قل - أيها الرسول - قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يشاركه أحد فيها؛ فهو الواحد الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظيرَ له ولا مثيل، جل وعلا.
﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]:
معاني الكلمات:
﴿ اللَّهُ ﴾: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ الصَّمَدُ ﴾: الذي يُصمَد إليه في الأمور؛ أي: يُقصد.
والمعنى: أن الله وحده هو المقصود في قضاء الحوائج والرغائب، السند الدائم الذي يُقصد في جميع الأمور؛ لأنه السيد الذي بلغ في الشرف نهايته، وفي السؤدد غايته، المُطاع الذي لا يُقضى دونه أمر، فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم بالذل والحاجة والافتقار، ويرغبون إليه في مهماتهم، فهو الكامل الذي قد كمل في علمه، وملكه، وحكمته، وحلمه، وقدرته، وعظمته، ورحمته، وسائر أوصافه، ولا أحدَ مثله سبحانه، ولا إله إلا هو، وذِكْرُ أنه (أحد) نفيٌ لمماثلة شيء له، وذكر أنه (صمد) إثباتٌ لكماله.
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]:
معاني الكلمات:
﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾: ليس بوالدٍ.
﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾: وليس بمولودٍ.
والمعنى: أن الله جل وعلا لكماله ليس له ولد: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 92]؛ أي: لا يصلح له، ولا يليق به لجلاله وعظمته، ولأنه الغني بذاته، الغني عن مخلوقاته، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يحتاج لأحد من خلقه، والخلق كلهم محتاجون إليه، واتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وليس له والد؛ لأنه ليس شيء يُولَد إلا سيموتُ، والله تعالى حي لا يموت، أولٌ ليس قبله شيء، وآخر ليس بعده شيء، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4].
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]:
معاني الكلمات:
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾: أي: ليس له مثيلٌ، ولا شبيهٌ، ولا نديد، ولا نظير، ولا عديل، ولا سَمِيٌّ، ولا وزير سبحانه وتعالى.
والمعنى: هذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ فهو تعالى لا كُفْءَ له من خلقه، لا في أسمائه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى؛ لأن جميع الخلائق عبيد له، ولا يليق لأحد منهم أن يكون مثله؛ لأنه مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يُساميه؟ أو قريب يُدانيه؟ ولو كان ثَمَّ أحدٌ مثل الله عز وجل، لفسد الكون ونظامه، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ ﴾ [الأنبياء: 22] عما يصفه به الكافرون، ويُمثِّله به المُشبِّهون الظالمون.
مقاصد وموضوعات وفوائد من السورة:
1- سورة الإخلاص من أعظم سور القرآن الكريم، وقد مرَّ معنا أنها تعدل ثلث القرآن الكريم؛ لِما اشتملت عليه من وصف الرب جل وعلا بما هو أهله، وتوحيده، وتمجيده والثناء عليه، وبيان كمال أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته عز وجل.
2- في هذه السورة الرد على كل من وصف الله عز وجل بصفات نقص، أو نسب له الصاحبة والولد، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
3- أهمية الإخلاص لله عز وجل؛ لأن الله واحد أحد فرد صمد غني، ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4]، فلا يرضى أن يُشرَك معه غيره؛ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغيَ به وجهه))؛ [رواه النسائي (3140)، وصححه الألباني].
4- وأختم القول بأن من سأل الله بأنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، استُجيب له، إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع؛ فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: لقد سألتَ الله بالاسم الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب))؛ [أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475) واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى (7666)، وابن ماجه (3857)، وأحمد (22965)، وصححه الألباني].
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد - أن تغفر لنا ولوالدينا، وأن ترضى عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة الإخلاص
وهي مُستقاة ومُلخَّصة بتصرف من عدة تفاسير، ومن معجم معاني كلمات القرآن الكريم.
سورة الإخلاص:
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4].
سورة الإخلاص سورة عظيمة تُرسِّخ معاني التوحيد والإيمان في قلب المسلم، وتؤكد وحدانية الله عز وجل وتفرُّده وعظمته.
ومما ورد في فضل سورة الإخلاص ما يلي:
1- أنها تعدِل ثُلُثَ القرآن:
فعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السَّحَرِ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن))؛ [رواه البخاري: (4627)]، وفي رواية لأحمدَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارًا يقوم الليل لا يقرأ إلا ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، كأنه يُقلِّلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثُلُثَ القرآن))؛ [رواه أحمد (10965)، وصححه شعيب الأرنؤوط].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يُطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: اللهُ الواحدُ الصمدُ ثلث القرآن). [رواه البخاري 4628].
2- أنها صفة الرحمن، وأن الله تعالى يحب من يقرأ بها:
فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سَلُوه لأيِّ شيءٍ يصنع ذلك، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه))؛ [رواه البخاري: (6827)].
3- لم ينزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقرأ كل ليلة:
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر، أَلَا ُأعلِّمك سورًا ما أُنزلت في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلهن؟ لا يَأْتِيَنَّ عليك ليلةٌ إلا قَرَأْتَهُنَّ فيها: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، قال عقبة: فما أتت عليَّ ليلة إلا قرأتُهُن فيها، وحُقَّ لي ألَّا أَدَعَهُنَّ وقد أمرني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أحمد (16810)، وحسَّنه شعيب الأرنؤوط].
4- من قرأها وجبت له الجنة:
فعن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقال: وجبت، قالوا: يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: وجبت له الجنة))؛ [رواه أحمد (8011)، وصححه شعيب الأرنؤوط].
5- أن من قرأها، عرف ربه:
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام فركع ركعتي الفجر، فقرأ في الأولى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ آمن بربه، ثم قام فقرأ في الآخرة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ عرف ربه))؛ [أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 298)، وابن حبان (6/ 213)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 499) باختلاف يسير، وجوَّد إسناده الألباني].
6- أنه ما تعوذ بمثل سور الإخلاص والفلق والناس أحدٌ:
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة، إذ قال: يا عقبة، قُلْ، فاستمعتُ، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟ فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، وقرأت معه، حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، فقرأت معه، حتى ختمها، ثم قال: ما تعوَّذ بمثلِهِنَّ أحدٌ))؛ [رواه النسائي (5430)، وصححه الألباني].
ويُستحبُّ قراءة سورة الإخلاص في أدبار الصلوات المفروضة، وضمن أذكار الصباح والمساء والنوم؛ وتفصيل ذلك كما يلي:
أولًا: يستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس مرةً واحدةً بعد كل صلاة مفروضة؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات في دُبُرِ كل صلاة))؛ [أخرجه أبو داود (1523)، والنسائي (1336)، وأحمد (4/ 155)، وصححه الألباني].
ثانيًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاثَ مرات ضمن أذكار الصباح، وثلاث مرات ضمن أذكار المساء؛ فعن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء))؛ [رواه أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وحسنه الألباني].
ثالثًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات ضمن أذكار النوم، وطريقة القراءة: أن يجمع العبد كفَّيْهِ، ثم ينفث فيهما، فيقرأ سور الإخلاص والفلق والناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، ثم يُعيد ما سبق مرةً ثانية ومرة ثالثة؛ فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات))؛ [رواه البخاري (4630)].
سبب النزول:
عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه: ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني].
المواطن التي يُستحب فيها قراءة سورة الإخلاص في الصلاة:
1- في الركعة الثانية من سنة الفجر القَبْلية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه مسلم: (726)].
2- في الركعة الثانية من سنة المغرب البعدية؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمقتُ النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا وعشرين مرةً - أو خمسًا وعشرين مرةً - يقرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (992)، وأحمد (4763)، وصحح إسناده أحمد شاكر، وقال عنه الألباني: قوي بالمتابعة].
3- في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر؛ فعن أبي بن كعب قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، وفي الثانية بـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، وفي الثالثة بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (1700)، وصححه الألباني].
4- في الركعة الثانية من ركعتي الطواف؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف بسورتَي الإخلاص: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه الترمذي (869)، وصححه الألباني].
هل سورة الإخلاص مكية أو مدنية؟
الراجح - والله تعالى أعلم - أن سورة الإخلاص سورة مكية؛ لِما سبق ذكره مما يتعلق بسبب نزولها عن أُبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه : ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِبْ لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني]؛ وذلك أن المقصود بالمشركين في هذا الحديث مشركو مكة.
تفسير سورة الإخلاص:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]:
معاني الكلمات:
﴿ قُلْ ﴾: فعل أمر.
﴿ هُوَ ﴾: ضمير.
﴿ اللَّهُ ﴾: عَلَمُ على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يُسمَّى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ أَحَدٌ ﴾: المراد هنا: وصف مطلق لا يُوصف به غير الله عز وجل.
والمعنى: قل - أيها الرسول - قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يشاركه أحد فيها؛ فهو الواحد الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظيرَ له ولا مثيل، جل وعلا.
﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]:
معاني الكلمات:
﴿ اللَّهُ ﴾: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ الصَّمَدُ ﴾: الذي يُصمَد إليه في الأمور؛ أي: يُقصد.
والمعنى: أن الله وحده هو المقصود في قضاء الحوائج والرغائب، السند الدائم الذي يُقصد في جميع الأمور؛ لأنه السيد الذي بلغ في الشرف نهايته، وفي السؤدد غايته، المُطاع الذي لا يُقضى دونه أمر، فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم بالذل والحاجة والافتقار، ويرغبون إليه في مهماتهم، فهو الكامل الذي قد كمل في علمه، وملكه، وحكمته، وحلمه، وقدرته، وعظمته، ورحمته، وسائر أوصافه، ولا أحدَ مثله سبحانه، ولا إله إلا هو، وذِكْرُ أنه (أحد) نفيٌ لمماثلة شيء له، وذكر أنه (صمد) إثباتٌ لكماله.
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]:
معاني الكلمات:
﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾: ليس بوالدٍ.
﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾: وليس بمولودٍ.
والمعنى: أن الله جل وعلا لكماله ليس له ولد: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 92]؛ أي: لا يصلح له، ولا يليق به لجلاله وعظمته، ولأنه الغني بذاته، الغني عن مخلوقاته، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يحتاج لأحد من خلقه، والخلق كلهم محتاجون إليه، واتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وليس له والد؛ لأنه ليس شيء يُولَد إلا سيموتُ، والله تعالى حي لا يموت، أولٌ ليس قبله شيء، وآخر ليس بعده شيء، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4].
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]:
معاني الكلمات:
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾: أي: ليس له مثيلٌ، ولا شبيهٌ، ولا نديد، ولا نظير، ولا عديل، ولا سَمِيٌّ، ولا وزير سبحانه وتعالى.
والمعنى: هذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ فهو تعالى لا كُفْءَ له من خلقه، لا في أسمائه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى؛ لأن جميع الخلائق عبيد له، ولا يليق لأحد منهم أن يكون مثله؛ لأنه مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يُساميه؟ أو قريب يُدانيه؟ ولو كان ثَمَّ أحدٌ مثل الله عز وجل، لفسد الكون ونظامه، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ ﴾ [الأنبياء: 22] عما يصفه به الكافرون، ويُمثِّله به المُشبِّهون الظالمون.
مقاصد وموضوعات وفوائد من السورة:
1- سورة الإخلاص من أعظم سور القرآن الكريم، وقد مرَّ معنا أنها تعدل ثلث القرآن الكريم؛ لِما اشتملت عليه من وصف الرب جل وعلا بما هو أهله، وتوحيده، وتمجيده والثناء عليه، وبيان كمال أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته عز وجل.
2- في هذه السورة الرد على كل من وصف الله عز وجل بصفات نقص، أو نسب له الصاحبة والولد، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
3- أهمية الإخلاص لله عز وجل؛ لأن الله واحد أحد فرد صمد غني، ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4]، فلا يرضى أن يُشرَك معه غيره؛ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغيَ به وجهه))؛ [رواه النسائي (3140)، وصححه الألباني].
4- وأختم القول بأن من سأل الله بأنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، استُجيب له، إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع؛ فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: لقد سألتَ الله بالاسم الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب))؛ [أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475) واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى (7666)، وابن ماجه (3857)، وأحمد (22965)، وصححه الألباني].
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد - أن تغفر لنا ولوالدينا، وأن ترضى عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.