الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة الفاتحة وهي مستقاة وملخصة من عدد من ...
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة الفاتحة
وهي مستقاة وملخصة من عدد من التفاسير، ومن "معجم معاني كلمات القرآن الكريم" سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي خلاصة كتاب الله عز وجل الذي أنزله سبحانه رحمة للعالمين، وهدًى للمتقين، وحجة على الناس أجمعين.
ومما ورد فضل سورة الفاتحة ما يلي:
♦ أن العبد يناجي بها ربَّه - عزَّ وجلَّ - عندما يقرأها في الصلاة؛ فعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (مَن صلَّى صلاةً لم يقرأْ فيها بأُمِّ القرآن، فهي خداجٌ ثلاثًا غير تمام، فقيل لأبي هُرَيرَة: إنَّا نكونُ وراءَ الإمام، فقال: اقرأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بَيني وبَين عبدي نِصفين، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالَمين، قال الله تعالى: حمَدني عَبدي، وإذا قال: الرَّحمن الرَّحيم، قال الله تعالى: أثْنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالِك يومِ الدِّين، قال: مَجَّدني عبدي، وقال مرَّة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: إيَّاك نعبُدُ وإيَّاك نستعين، قال: هذا بَيني وبَين عبدي، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال: اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين، قال: هذا لعَبدي، ولعبدي ما سألَ)؛ [رواه مسلم 395].
♦ أنها أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي المقصودة بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)؛ [رواه البخاري 4474].
♦ (لم يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ [رواه الترمذي 2875 وصححه الألباني].
♦ أنَّها نور، ولم يُؤْتَها نبيٌّ قبل رسول الله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، سمِع نقيضًا من فوقه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ من السَّماء فُتِح اليوم، لم يُفتح قطُّ إلَّا اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا ملَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزلْ قطُّ إلَّا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورَينِ أوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطيتَه)؛ [رواه مسلم 806].
♦ أنها ركن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].
♦ (أنَّهَا رُقْيَةٌ)؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)؛ [رواه البخاري 2276، ومسلم 2201 مختصرًا].
ولسورة الفاتحة أسماء كثيرة، ومعلوم أن العرب تطلق الأسماء الكثيرة على الشيء لِعِظَمِهِ، ومن أسماء سورة الفاتحة ما يلي:
1) فاتحة الكِتاب.
2) أُمُّ الكِتاب.
3) أمُّ القرآن.
4) السَّبْع المَثاني.
5) القُرآن العظيم.
الأدلَّة على أسماء سورة الفاتحة:
♦ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].
♦ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُخَفِّفُ الرَّكعتَينِ اللَّتَينِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ، حتى إني لأقولُ: هل قرَأ بأمِّ الكتابِ؟)؛ [رواه البخاري 1165].
♦ وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (أمُّ القُرآنِ هي السَّبْع المثاني، والقرآنُ العَظيم)؛ [رواه البخاري 4704].
♦ وعن أبي سَعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه قال: (مرَّ بي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أُصلِّي، فدَعاني فلم آتِهِ حتى صلَّيتُ، ثم أتَيتُ فقال: ما منَعك أن تأتيَ؟ فقلتُ: كنتُ أُصلِّي، فقال: ألم يقُلِ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟! ثم قال: ألَا أُعَلِّمُك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أن أخرُجَ منَ المسجدِ؟ فذهَب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليخرُجَ منَ المسجدِ فذَكَّرتُه، فقال: الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبعُ المَثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه)؛ [رواه البخاري 4703].
هل سورة الفاتحة مكية أم مدنية؟
سورة الفاتحة سورة مكية، وهو قول الجمهور من أهل العلم رحمهم الله تعالى، ومن أدلة ذلك ما يلي:
1) أنه قد جاءت الإشارة إلى سورة الفاتحة في آية مكية، وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، وقد أجمع أهل العلم أن سورة الحجر سورة مكية.
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394]، ومعلوم أن الصلاة فرضت قبل الهجرة في ليلة الإسراء والمعراجِ لما جاء في حديث الإسراء المشهور عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ... قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً)؛ [رواه البخاري 349 ومسلم 162].
مقاصد وموضوعات السُّورة وفوائد من السورة:
1) اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال، عبادة أو غيرها؛ [الموسوعة الفقهية 8 /92].
2) التعريف بالمعبودِ تبارَك وتعالى، وبيان كماله عز وجل وكمال أسمائه وصفاته.
3) أهمية الحمد والثناء والتمجيد لله عز وجل، فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى.
4) ذكرُ يوم القيامة وأهمية الاستعداد له، وإثباتُ الجزاء على الأعمال.
5) توحيد الله تعالى وإخلاص الدين له، وإفراده بالاستعانة والدُّعاء وغيرهما من أنواع العبادة.
6) تضمنت إثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ لأن الهداية ممتنعة بدون الرسالة.
7) الحثُّ على تجنُّبِ طريق الغاوين من المغضوبِ عليهم والضالِّين.
8) أن أفعال الله عز وجل دائرة بين الفضل، والعدل، ودلَّ على فضله سبحانه قوله تعالى: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، ودلَّ على عدله جل شأنه قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
9) في سورة الفاتحة شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فمن كان أعرف للحق وأتبع له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أَولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم، رضي الله عنهم.
10) يستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: آمين، ومعناها: اللهم استجب، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق المسلمين، ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.
سورة الفاتحة:
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: (مَالِكِ) قِراءتان:
♦ مالِك: وهو المتصرِّف بالفِعل في الأشياء المملوكةِ له.
♦ مَلِك: وهو المتصرِّف بالقول أمرًا ونهيًا في مَن هو مَلِكٌ عليهم.
مُناسبة الآيات لِمَا قبلها:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، لَمَّا جاء وصْفُ الله سبحانه نَفْسَه بالرُّبوبيَّة التي تَعني أنَّه السيِّد، المالك، المعبود الذي له مطلق التصرُّف في عِباده، والتي قد يُفهم منها معنى الجبروت والقهر فقط، جاء وصفُه بالرَّحمة بعدها؛ لينبسطَ أملُ العبد في العفو إنْ زلَّ، ويَقْوَى رجاؤه إنْ هفَا.
وأيضًا لما وصف الله تعالى نفسه بالربوبية بيَّن أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم، كجلْب منفعة، أو دفْع مضرة، وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، لما وصف تعالى نفسه بالرَّحمة، وكان هذا قد يؤدِّي بالعبد إلى غلَبة الرَّجاء عليه، نبَّه بصفة الملْك ليوم الدِّين؛ ليكون العبد من عمله على وَجَل، وليعلمَ أنَّ لعمله يومًا تظهر له فيه ثمرته من خيرٍ وشر.
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
بعد أن أثنى الله عز وجل على نفسه جل وعلا ووصف نفسه لعباده بما هو أهله، بيَّن لهم حقَّه عليهم، وذلك أدعى أن يقوموا بواجبهم، وهو أن يعبدوه سبحانه وحده لا شريك له، وذكر لهم أنهم لن يقدروا على عبادته دون الاستعانة به وحده دون ما سواه.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، لما ذُكِرَت العبادة والاستعانة بالله تعالى وحده، جاء سؤال الهداية إلى الطريق الواضح، فبالهداية إليه تصح العبادة، فمن لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصحُّ له بلوغ مقصده.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة طلبُ الهِداية إلى أشرفِ الطرق، ناسَب ذلك سؤالَ أَحسنِ الرفقة، وهم ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة سؤالُ أَحسنِ الرفقة، ناسَب ذلك إظهار البراءة والاستعاذة بالله عز وجل من أَسْوَأ الرفقة، وهم اليهود والنصارى ومن كان مثلهم.
المعنى الإجمالي:
يُخبر الله تعالى عباده بأنَّ الحمد الكامل مستحقٌّ له وحده، ويرشدهم بما أخبر إلى أن يُثنوا عليه، ويمجِّدوه، ويَحمَدوه بجميع المحامِد التي لا يستحقُّها إلَّا هو، ذو الرَّحمة والمُلك، كما يُرشدهم سبحانَه إلى إفرادِه بالعبادة والاستعانة، وطلبِ الهِداية منه وحْده للطَّريق الواضحة التي لا اعوجاجَ فيها؛ طريق الذين أنعم الله عليهم، لا طريق اليهود المغضوب عليهم، ولا طريق النَّصارى الضالِّين.
معاني الكلمات وتفسير الآيات:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ الْحَمْدُ ﴾: الثناء؛ أي: جميعُ المحامد والثناءات الكاملة للمعبود تبارك وتعالى، لا يستحقُّها إلَّا هو وحده سبحانه.
﴿ لِلَّهِ ﴾: الله: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ رَبِّ ﴾: الرب: الخالق المربِّي المالك الصاحب المدبر السيد المصلِح المدبِّر لجميع العالَمين المعبودُ بحق جل جلاله، وأصله: إصلاح الشيء والقيام عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 23-28].
﴿ الْعَالَمِينَ ﴾: جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى من الإنس والجن والملائكة وسائر المخلوقات في كلِّ مكانٍ وزمان.
التفسير:
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه مع محبَّته، وتعظيمِه جلَّ وعلا، فله الحمد الكامل الدائم المستمر بجميع الوجوه، وهو سبحانه السيد الذي لا سيد مثلُهُ، المعبودُ بحق جل جلاله، المالك للخلق، والمدبر لأمورهم، والمصلح لشؤونهم، والمربي لجميع خلقه بنعمه: بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى، والمربي لأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.
فتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.
ودل قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ الرَّحْمَنِ ﴾: ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق.
﴿ الرَّحِيمِ ﴾: ذي رحمةٍ خاصَّة، يختصُّ بها عبادَه المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب 43]، وقال سبحانه: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].
التفسير:
(الرحمن والرحيم) اسمانِ مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالَغة، ورحمن أشدُّ مبالغةً من رَحيم؛ وذلك لأنَّ (رحمن) على وزن فعلان، وهذه الصيغة تفيد الكثرة والسعة.
فالرحمن والرحيم اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله الذين لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ مَالِكِ ﴾: صاحب الملك المتصرف في ملكه كيف يشاء.
﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾: يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.
التفسير:
اللهُ عزَّ وجلَّ هو المتصرِّف في جميع خلْقِه بالقول والفِعل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار: 17-19]. وكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، وقال أيضًا: ﴿ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لله الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].
فالمالك هنا: هو الله تعالى الذي من صفاته صفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف في ملكه ومماليكه بجميع أنواع التصرفات (لا معقب لحكمه)، ولا رادَّ لقضائه، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، وهو اليوم الذي يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها؛ لأنه في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون لثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلَّا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام، وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد له بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ إِيَّاكَ ﴾: ضمير يخاطب به الواحد.
﴿ نَعْبُدُ ﴾: نطيع مع غاية الذل لك والخضوع والتعظيم والحب.
﴿ إِيَّاكَ ﴾: الواو: حرف عطف. إياك: ضمير يخاطب به الواحد.
﴿ نَسْتَعِينُ ﴾: نطلب عونك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
التفسير:
أي: قولوا: ﴿ إيَّاك نَعبُد وإيَّاك نستعين ﴾، ومعناها: لا نعبُد إلَّا أنت، متذلِّلين لكَ وحْدَك لا شريكَ لك، ولا نستعين إلَّا بك وحْدَك لا شريكَ لك، نخصك وحدك بالعبادة، ونطلب عونك وحدك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة.
وتقديم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة صحيحة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجه الله، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ اهْدِنَا ﴾: دُلَّنا، وأرشدنا، ووفِّقنا، وثبِّتنا.
﴿ الصِّرَاطَ ﴾: الطريق.
﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: الذي لا اعوجاج فيه.
التفسير:
أي: قولوا: ﴿ اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ ﴾، ومعناها: دُلَّنا وأرشِدْنا، ووفِّقنا للطَّريق الواضِح الذي لا اعوجاجَ فيه، وثبِّتنا عليه حتى نلقاك، وهذا الطريق هو دين الإسلام الذي هو معرفة الحق والعمل به، كما دلَّ عليه خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق الموصل إلى رضوان الله تعالى وإلى جنته، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.
وهداية الصراط هدايتان: هدايةٌ إلى الصراط، وهدايةٌ في الصراط، فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط: تشمل التوفيق لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، وطلب الهداية من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا أوجب الله تعالى على الناس سؤالها في كل ركعة من صلاتهم، رحمةً منه سبحانه بعبيده، ولضرورتهم إليها.
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ صِرَاطَ ﴾: طريق.
﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول.
﴿ أَنْعَمْتَ ﴾: الإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير.
﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: على: حرف جر، هم: ضمير.
التفسير:
طريق الذين أنعمت عليهم بالهِداية والاستقامة، وهم الذين علِموا الحقَّ وعمِلوا به بإخلاصٍ لله تعالى وحده، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ غَيْرِ ﴾: اسم استثناء.
﴿ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾: هم الذين غضب الله تعالى عليهم، وهم اليهود ومن كان مثلهم، لكفرهم وإفسادهم في الأرض، ولأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به.
﴿ وَلَا ﴾: الواو: حرف عطف، لا: حرف نفي.
﴿ الضَّالِّينَ ﴾: هم الذين لم يهتدوا لطريق الحق، وهم النصارى ومن كان مثلهم.
التفسير:
أي: إنَّ مِن صفات الذين أَنعم الله تعالى عليهم، أنَّهم ليسوا كاليهود، ومَن سلَك طريقتَهم في ترْك العمل بالحقِّ بعد معرفته.
فأخصُّ أوصاف اليهود، الغضبُ؛ كما قال الله تعالى فيهم: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 60]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ [البقرة: 90].
وليس من صِفات الذين أنعمَ الله تعالى عليهم أنَّهم كالنَّصارى، ومَن سلك طريقتَهم ممَّن جهِلوا الحقَّ، فعبَدوا الله تعالى بغير عِلم.
فأخصُّ أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].
عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى)؛ [رواه أحمد 19400 وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طرقه].
المراجع:
♦ « الميسر في تفسير القرآن الكريم »، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.
♦ « تفسير ابن كثير ».
♦ « تفسير البغوي ».
♦ « تفسير السعدي ».
♦ « تفسير الطبري ».
♦ « تفسير القرطبي ».
♦ « موقع الدرر السنية ».
♦ « موقع قاموس ومعجم المعاني ».
وهي مستقاة وملخصة من عدد من التفاسير، ومن "معجم معاني كلمات القرآن الكريم" سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي خلاصة كتاب الله عز وجل الذي أنزله سبحانه رحمة للعالمين، وهدًى للمتقين، وحجة على الناس أجمعين.
ومما ورد فضل سورة الفاتحة ما يلي:
♦ أن العبد يناجي بها ربَّه - عزَّ وجلَّ - عندما يقرأها في الصلاة؛ فعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (مَن صلَّى صلاةً لم يقرأْ فيها بأُمِّ القرآن، فهي خداجٌ ثلاثًا غير تمام، فقيل لأبي هُرَيرَة: إنَّا نكونُ وراءَ الإمام، فقال: اقرأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بَيني وبَين عبدي نِصفين، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالَمين، قال الله تعالى: حمَدني عَبدي، وإذا قال: الرَّحمن الرَّحيم، قال الله تعالى: أثْنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالِك يومِ الدِّين، قال: مَجَّدني عبدي، وقال مرَّة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: إيَّاك نعبُدُ وإيَّاك نستعين، قال: هذا بَيني وبَين عبدي، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال: اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين، قال: هذا لعَبدي، ولعبدي ما سألَ)؛ [رواه مسلم 395].
♦ أنها أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي المقصودة بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)؛ [رواه البخاري 4474].
♦ (لم يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ [رواه الترمذي 2875 وصححه الألباني].
♦ أنَّها نور، ولم يُؤْتَها نبيٌّ قبل رسول الله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، سمِع نقيضًا من فوقه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ من السَّماء فُتِح اليوم، لم يُفتح قطُّ إلَّا اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا ملَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزلْ قطُّ إلَّا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورَينِ أوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطيتَه)؛ [رواه مسلم 806].
♦ أنها ركن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].
♦ (أنَّهَا رُقْيَةٌ)؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)؛ [رواه البخاري 2276، ومسلم 2201 مختصرًا].
ولسورة الفاتحة أسماء كثيرة، ومعلوم أن العرب تطلق الأسماء الكثيرة على الشيء لِعِظَمِهِ، ومن أسماء سورة الفاتحة ما يلي:
1) فاتحة الكِتاب.
2) أُمُّ الكِتاب.
3) أمُّ القرآن.
4) السَّبْع المَثاني.
5) القُرآن العظيم.
الأدلَّة على أسماء سورة الفاتحة:
♦ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].
♦ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُخَفِّفُ الرَّكعتَينِ اللَّتَينِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ، حتى إني لأقولُ: هل قرَأ بأمِّ الكتابِ؟)؛ [رواه البخاري 1165].
♦ وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (أمُّ القُرآنِ هي السَّبْع المثاني، والقرآنُ العَظيم)؛ [رواه البخاري 4704].
♦ وعن أبي سَعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه قال: (مرَّ بي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أُصلِّي، فدَعاني فلم آتِهِ حتى صلَّيتُ، ثم أتَيتُ فقال: ما منَعك أن تأتيَ؟ فقلتُ: كنتُ أُصلِّي، فقال: ألم يقُلِ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟! ثم قال: ألَا أُعَلِّمُك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أن أخرُجَ منَ المسجدِ؟ فذهَب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليخرُجَ منَ المسجدِ فذَكَّرتُه، فقال: الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبعُ المَثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه)؛ [رواه البخاري 4703].
هل سورة الفاتحة مكية أم مدنية؟
سورة الفاتحة سورة مكية، وهو قول الجمهور من أهل العلم رحمهم الله تعالى، ومن أدلة ذلك ما يلي:
1) أنه قد جاءت الإشارة إلى سورة الفاتحة في آية مكية، وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، وقد أجمع أهل العلم أن سورة الحجر سورة مكية.
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394]، ومعلوم أن الصلاة فرضت قبل الهجرة في ليلة الإسراء والمعراجِ لما جاء في حديث الإسراء المشهور عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ... قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً)؛ [رواه البخاري 349 ومسلم 162].
مقاصد وموضوعات السُّورة وفوائد من السورة:
1) اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال، عبادة أو غيرها؛ [الموسوعة الفقهية 8 /92].
2) التعريف بالمعبودِ تبارَك وتعالى، وبيان كماله عز وجل وكمال أسمائه وصفاته.
3) أهمية الحمد والثناء والتمجيد لله عز وجل، فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى.
4) ذكرُ يوم القيامة وأهمية الاستعداد له، وإثباتُ الجزاء على الأعمال.
5) توحيد الله تعالى وإخلاص الدين له، وإفراده بالاستعانة والدُّعاء وغيرهما من أنواع العبادة.
6) تضمنت إثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ لأن الهداية ممتنعة بدون الرسالة.
7) الحثُّ على تجنُّبِ طريق الغاوين من المغضوبِ عليهم والضالِّين.
8) أن أفعال الله عز وجل دائرة بين الفضل، والعدل، ودلَّ على فضله سبحانه قوله تعالى: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، ودلَّ على عدله جل شأنه قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
9) في سورة الفاتحة شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فمن كان أعرف للحق وأتبع له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أَولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم، رضي الله عنهم.
10) يستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: آمين، ومعناها: اللهم استجب، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق المسلمين، ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.
سورة الفاتحة:
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: (مَالِكِ) قِراءتان:
♦ مالِك: وهو المتصرِّف بالفِعل في الأشياء المملوكةِ له.
♦ مَلِك: وهو المتصرِّف بالقول أمرًا ونهيًا في مَن هو مَلِكٌ عليهم.
مُناسبة الآيات لِمَا قبلها:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، لَمَّا جاء وصْفُ الله سبحانه نَفْسَه بالرُّبوبيَّة التي تَعني أنَّه السيِّد، المالك، المعبود الذي له مطلق التصرُّف في عِباده، والتي قد يُفهم منها معنى الجبروت والقهر فقط، جاء وصفُه بالرَّحمة بعدها؛ لينبسطَ أملُ العبد في العفو إنْ زلَّ، ويَقْوَى رجاؤه إنْ هفَا.
وأيضًا لما وصف الله تعالى نفسه بالربوبية بيَّن أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم، كجلْب منفعة، أو دفْع مضرة، وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، لما وصف تعالى نفسه بالرَّحمة، وكان هذا قد يؤدِّي بالعبد إلى غلَبة الرَّجاء عليه، نبَّه بصفة الملْك ليوم الدِّين؛ ليكون العبد من عمله على وَجَل، وليعلمَ أنَّ لعمله يومًا تظهر له فيه ثمرته من خيرٍ وشر.
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
بعد أن أثنى الله عز وجل على نفسه جل وعلا ووصف نفسه لعباده بما هو أهله، بيَّن لهم حقَّه عليهم، وذلك أدعى أن يقوموا بواجبهم، وهو أن يعبدوه سبحانه وحده لا شريك له، وذكر لهم أنهم لن يقدروا على عبادته دون الاستعانة به وحده دون ما سواه.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، لما ذُكِرَت العبادة والاستعانة بالله تعالى وحده، جاء سؤال الهداية إلى الطريق الواضح، فبالهداية إليه تصح العبادة، فمن لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصحُّ له بلوغ مقصده.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة طلبُ الهِداية إلى أشرفِ الطرق، ناسَب ذلك سؤالَ أَحسنِ الرفقة، وهم ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة سؤالُ أَحسنِ الرفقة، ناسَب ذلك إظهار البراءة والاستعاذة بالله عز وجل من أَسْوَأ الرفقة، وهم اليهود والنصارى ومن كان مثلهم.
المعنى الإجمالي:
يُخبر الله تعالى عباده بأنَّ الحمد الكامل مستحقٌّ له وحده، ويرشدهم بما أخبر إلى أن يُثنوا عليه، ويمجِّدوه، ويَحمَدوه بجميع المحامِد التي لا يستحقُّها إلَّا هو، ذو الرَّحمة والمُلك، كما يُرشدهم سبحانَه إلى إفرادِه بالعبادة والاستعانة، وطلبِ الهِداية منه وحْده للطَّريق الواضحة التي لا اعوجاجَ فيها؛ طريق الذين أنعم الله عليهم، لا طريق اليهود المغضوب عليهم، ولا طريق النَّصارى الضالِّين.
معاني الكلمات وتفسير الآيات:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ الْحَمْدُ ﴾: الثناء؛ أي: جميعُ المحامد والثناءات الكاملة للمعبود تبارك وتعالى، لا يستحقُّها إلَّا هو وحده سبحانه.
﴿ لِلَّهِ ﴾: الله: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
﴿ رَبِّ ﴾: الرب: الخالق المربِّي المالك الصاحب المدبر السيد المصلِح المدبِّر لجميع العالَمين المعبودُ بحق جل جلاله، وأصله: إصلاح الشيء والقيام عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 23-28].
﴿ الْعَالَمِينَ ﴾: جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى من الإنس والجن والملائكة وسائر المخلوقات في كلِّ مكانٍ وزمان.
التفسير:
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه مع محبَّته، وتعظيمِه جلَّ وعلا، فله الحمد الكامل الدائم المستمر بجميع الوجوه، وهو سبحانه السيد الذي لا سيد مثلُهُ، المعبودُ بحق جل جلاله، المالك للخلق، والمدبر لأمورهم، والمصلح لشؤونهم، والمربي لجميع خلقه بنعمه: بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى، والمربي لأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.
فتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.
ودل قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ الرَّحْمَنِ ﴾: ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق.
﴿ الرَّحِيمِ ﴾: ذي رحمةٍ خاصَّة، يختصُّ بها عبادَه المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب 43]، وقال سبحانه: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].
التفسير:
(الرحمن والرحيم) اسمانِ مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالَغة، ورحمن أشدُّ مبالغةً من رَحيم؛ وذلك لأنَّ (رحمن) على وزن فعلان، وهذه الصيغة تفيد الكثرة والسعة.
فالرحمن والرحيم اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله الذين لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ مَالِكِ ﴾: صاحب الملك المتصرف في ملكه كيف يشاء.
﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾: يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.
التفسير:
اللهُ عزَّ وجلَّ هو المتصرِّف في جميع خلْقِه بالقول والفِعل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار: 17-19]. وكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، وقال أيضًا: ﴿ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لله الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].
فالمالك هنا: هو الله تعالى الذي من صفاته صفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف في ملكه ومماليكه بجميع أنواع التصرفات (لا معقب لحكمه)، ولا رادَّ لقضائه، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، وهو اليوم الذي يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها؛ لأنه في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون لثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلَّا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام، وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد له بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ إِيَّاكَ ﴾: ضمير يخاطب به الواحد.
﴿ نَعْبُدُ ﴾: نطيع مع غاية الذل لك والخضوع والتعظيم والحب.
﴿ إِيَّاكَ ﴾: الواو: حرف عطف. إياك: ضمير يخاطب به الواحد.
﴿ نَسْتَعِينُ ﴾: نطلب عونك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
التفسير:
أي: قولوا: ﴿ إيَّاك نَعبُد وإيَّاك نستعين ﴾، ومعناها: لا نعبُد إلَّا أنت، متذلِّلين لكَ وحْدَك لا شريكَ لك، ولا نستعين إلَّا بك وحْدَك لا شريكَ لك، نخصك وحدك بالعبادة، ونطلب عونك وحدك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة.
وتقديم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة صحيحة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجه الله، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ اهْدِنَا ﴾: دُلَّنا، وأرشدنا، ووفِّقنا، وثبِّتنا.
﴿ الصِّرَاطَ ﴾: الطريق.
﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: الذي لا اعوجاج فيه.
التفسير:
أي: قولوا: ﴿ اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ ﴾، ومعناها: دُلَّنا وأرشِدْنا، ووفِّقنا للطَّريق الواضِح الذي لا اعوجاجَ فيه، وثبِّتنا عليه حتى نلقاك، وهذا الطريق هو دين الإسلام الذي هو معرفة الحق والعمل به، كما دلَّ عليه خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق الموصل إلى رضوان الله تعالى وإلى جنته، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.
وهداية الصراط هدايتان: هدايةٌ إلى الصراط، وهدايةٌ في الصراط، فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط: تشمل التوفيق لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، وطلب الهداية من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا أوجب الله تعالى على الناس سؤالها في كل ركعة من صلاتهم، رحمةً منه سبحانه بعبيده، ولضرورتهم إليها.
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ صِرَاطَ ﴾: طريق.
﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول.
﴿ أَنْعَمْتَ ﴾: الإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير.
﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: على: حرف جر، هم: ضمير.
التفسير:
طريق الذين أنعمت عليهم بالهِداية والاستقامة، وهم الذين علِموا الحقَّ وعمِلوا به بإخلاصٍ لله تعالى وحده، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ غَيْرِ ﴾: اسم استثناء.
﴿ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾: هم الذين غضب الله تعالى عليهم، وهم اليهود ومن كان مثلهم، لكفرهم وإفسادهم في الأرض، ولأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به.
﴿ وَلَا ﴾: الواو: حرف عطف، لا: حرف نفي.
﴿ الضَّالِّينَ ﴾: هم الذين لم يهتدوا لطريق الحق، وهم النصارى ومن كان مثلهم.
التفسير:
أي: إنَّ مِن صفات الذين أَنعم الله تعالى عليهم، أنَّهم ليسوا كاليهود، ومَن سلَك طريقتَهم في ترْك العمل بالحقِّ بعد معرفته.
فأخصُّ أوصاف اليهود، الغضبُ؛ كما قال الله تعالى فيهم: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 60]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ [البقرة: 90].
وليس من صِفات الذين أنعمَ الله تعالى عليهم أنَّهم كالنَّصارى، ومَن سلك طريقتَهم ممَّن جهِلوا الحقَّ، فعبَدوا الله تعالى بغير عِلم.
فأخصُّ أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].
عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى)؛ [رواه أحمد 19400 وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طرقه].
المراجع:
♦ « الميسر في تفسير القرآن الكريم »، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.
♦ « تفسير ابن كثير ».
♦ « تفسير البغوي ».
♦ « تفسير السعدي ».
♦ « تفسير الطبري ».
♦ « تفسير القرطبي ».
♦ « موقع الدرر السنية ».
♦ « موقع قاموس ومعجم المعاني ».