(( فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ )) الدرس الثالث. • ...

(( فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ )) الدرس الثالث.
• والتَّوْحِيدُ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، والسَّبَبُ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ.
• وَهُوَ أَصْلُ دَعْوَةِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ، وغايَةُ خَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَجْمَعِين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
وقوله: (والتَّوْحِيدُ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ) التوحيد: هو إفراد الله تعالى بالعبادة لا شريك له، وشرط الصحة: ما يجب وجوده لصحة الشيء وقبوله، والعبادات : جمع عبادة وأصلها في اللغة التذليل، يقال طريق معبد : أي مذلل بكثرة الوطء عليه، فكل طاعة لله من امتثال أمر أو اجتناب نهي على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة. وقيل: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
قال الراغب الأصفهاني: والعبادة تقال في ثلاثة أشياء: اعتقاد الحق، وتحري الصدق، وعمل الخير، وعبادة الله قد يكون في فعل المباحات كما يكون في أداء الواجبات وذلك إذا
قصد بالفعل وجه الله وتحرى به مرضاته.
وكون التوحيد شرط صحة العبادات دليله، قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾( ). وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾( ).
وقوله: (والسَّبَبُ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ) فالتوحيد إذاً شرط صحة وقبول فلا تصح ولا تقبل العبادات إلا به، فينبغي للعبد أن يكون موحداً مخلصاً لله تعالى .
والسؤال هنا يطرح نفسه هل هناك فرق بين العبادات والطاعات؟
يقول الشيخ ابن عثيمين رداً على هذا السؤال: الطاعة إذا كانت منسوبة لله; فلا فرق بينها وبين العبادة، فإن عبادة الله طاعته.
وأما الطاعة المنسوبة لغير الله; فإنها غير العبادة، فنحن نطيع الرسول ﷺ لكن لا نعبده، والإنسان قد يطيع ملكاً من ملوك الدنيا وهو يكرهه.اهـ
ثم اعلم إنه فرق جماعة من العلماء بين الطاعة والقربة والعبادة بأن الطاعة امتثال الأمر والنهي، والقربة ما تقرب به بشرط معرفة المتقرب إليه، والعبادة ما تعبد به بشرط النية ومعرفة المعبود، فالطاعة توجد بدونهما في النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى إذ معرفته إنما تحصل بتمام النظر، والقربة توجد بدون العبادة في القرب التي لا تحتاج إلى نية كالعتق والوقف فعلى هذه متفرقة، والحق أن هذه التفرقة تحكم فنحو الصلاة يقال له طاعة وقربة وعبادة باعتبارات وكذا الوقف ونحوه فتأمل.
وقد جمع المصنف هنا بين العبادات والطاعات ليقطع على كل من فرق بينهما أنه لا تقبل طاعة ولا عبادة دون توحيد الله تعالى .
قوله: (وَهُوَ أَصْلُ دَعْوَةِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ) تقدم بيانه، ودليله قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾( ) ، وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾( ).
قوله: (وغايَةُ خَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَجْمَعِين) قد صرّح سبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾( )، والعبادة هي التوحيد لأن الخصومة بين الأنبياء والأمم فيه، عن ابن عباس رضي الله عنه:«إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها». وعن أبي صالح، ومقاتل: «إلا ليوحدون». وعن محمد بن كعب: «إلا ليقولوا لا إله إلا الله»( ).
وقد دلت الآية على أن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة، وهي القيام بما وجب عليهم من عبادته وحده بترك عبادة ما سواه، ففعل الأول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهي توحيده وعبادته.
وكان الأولى بالمصنف هنا أن يقدم ما قدمه الله فيقول (وغاية خلق الجن والإنس أجمعين) فهكذا جاء ذكر الجن والإنس في القرآن الكريم.