الإستقامة وأثرها في حياة المسلم جمع وإعداد/ د. ياسر عبد الله الحوري الحمد لله رب العالمين، ...

الإستقامة وأثرها في حياة المسلم
جمع وإعداد/ د. ياسر عبد الله الحوري


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين.



معاشر المسلمين الموحدين:

نعيش وإياكم مع خلق عظيم من أخلاق القرآن، إنه خلق تخلى عنه كثير من الناس الذين آثروا الدنيا عن الآخرة، خلق ما أحوجنا إليه وخاصة الأمة تمر بأمواج من الفتن والمحن، ما أحوج المسلمين اليوم وهم يشاهدون المؤامرة الكبيرة على الإسلام وأبناءه أن يتمسكوا بهذا الخلق العظيم، ويكونوا صفاً واحداً وحصناً منيعاً ضد من يكيد لديننا ويعبث بمقدساتنا، ولن يتأتى ذلك إلا إذا استقمنا على شرع الله، واعتمدنا على خالقنا ورازقنا، إنه خُلق الاستقامة، فالاستقامة عين الكرامة..

فيا ترى ماذا قال سلفنا وهم يصفون معنى الاستقامة؟

تنوعت أقوال السلف في وصف الاستقامة وتعددت، فلقد سُئل صدّيق هذه الأمة وأعظمُها استقامة - أبوبكر الصديق - عن الاستقامة؟ فقال: " ألا تُشرك بالله شيئا".

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب".

وقال عثمان رضي الله عنه: " استقاموا: أخلصوا العمل لله".، وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما: " استقاموا: أدوا الفرائض.

ابن رجب رحمه الله جاء بتعريف جامع مانع، فقال رحمه الله: " والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهي الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك".

ومن خلال هذ التعاريف نفهم أن الاستقامة تعني التمسك بالدين كله والثبات عليه، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".

فضائل عظيمة ومنازل رفيعة لمن استقاموا على طاعة الله:

أيها الأحبة الكرام في الله:

تأملوا معي هذه الآية الكريمة، والله سبحانه وتعالى يذكر الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة لأهل استقامته، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].

من خلال هذه الآيات نجد الفضل العظيم، والعطاء الجزيل لمن تخلق بخلق الاستقامة، فمن هذا العطاء والفضل أن ملائكة الرحمن تتنزل عليهم بالبشرى من عند الله سبحانه وتعالى بالسرور والحبور، وذلك في ثلاثة مواطن عصيبة ورهيبة، قال وكيع: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وفي البعث". ذكر ذلك الإمام الشوكاني والقرطبي في تفسيرهما.

تحقيق الطمأنينة والسكينة لأهل الاستقامة:

﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ [فصلت:30]، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13].

يا لها من منزلة عظيمة ونعمة جسيمة لهم، قال سبحانه: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت:30].

أيها الأحبة الكرام:

من كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة:

قال جل ذكره: ( ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [فصلت:31]، الله أكبر!! إنه نعيم من الكريم سبحانه لأهل طاعته يفوق النعيم السابق، قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: "أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا والآخرة، ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة".

اسمعوا ماذا قال ربكم في هذا الشأن عن أهل استقامته في سورة الأنعام: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 126-127].

أين من يبحث عن سعة الرزق وهناءة العيش؟

الله الله لو استقام الناس على طريقة الإسلام، واستمروا عليها؛ لوجدوا خيراً كثيراً، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، والمراد بذلك سعة الرزق كما قال عمر رضي الله عنه:" أينما كان الماء كان المال".

وهذا الوعد كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].



آثار الاستقامة في حياة المسلم:

لما كانت الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، متعلقة بالأقوال والفعال والأحوال كان لابد من ظهور آثارها في حياة المسلم المستقيم.



فمن أوضح آثار الاستقامة في حياة المؤمن توحيده لله، توحيداً لا تخالطه شائبة شرك:

المستقيم على توحيد الله تراه سائلاً إياه، لائذاً بحماه، واثقاً به، متوكلاً عليه، لا يخاف إلا الله... يعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فالمستقيم على طاعة الله كذلك يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه وما أخطئه لم يكن ليُصيبه.



ومن آثار الاستقامة في حياة المسلم الدعوة إلى الله عز وجل:

عباد الله:

لقد قرن الله عز وجل الأمر بالدعوة مع الأمر بالاستقامة في آية واحدة فقال جل شأنه:

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [الشورى:15]، وبعد آيات النعيم العظيم من الله لأهل استقامته أتبعها مباشرة بآيات الدعوة إلى الله، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].

فنفعه لنفسه باستقامته، ولغيره بدعوته، وهذا هو أحسن القول الذي به ينال المؤمن الدرجات العلى.

المستقيم على طاعة الله ما دام عرف طريقه، لا يميل ولا يتلون ولا يتذبذب... ثابت القدم، راسخ اليقين لا تضره فتنة، ولا تغيره محنة.

ولهذا لما قرأ عمر هذه الآية على المنبر ( ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾[الأحقاف:13] فقال: " لم يروغوا روغان الثعلب".



ومن آثار الاستقامة على العبد شعوره بالتقصير:

ولهذا يتطلب منه كثرة الاستغفار قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ.. ﴾ [فصلت:6] قال ابن رجب رحمه الله: " إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها...)). حديث حسن رواه أحمد والترمذي.



صور مشرقة من سير سلفنا الصالح:

الاستقامة في العبادة:

قال عبد الله بن الحسن: كان لي جارية رومية وكنت بها معجباً، فكانت في بعض الليالي نائمة إلى جنبي فانتبهت فالتمستها فلم أجدها، فقمت إليها وهي ساجدة وهي تقول: اللهم بحبك لي إلا ما غفرت لي.

فقلت لها: لا تقولي بحبك لي، ولكن قولي: بحبي لك.

فقالت: يا مولاي بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظني وكثير من خلقه نيام[1].



الاستقامة على العفة:

قال خارجة بن زياد: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجْت من المسجد، فعرفَت ذلك مني، فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت نعم، قالت وما هي: قلت: مودتك، قالت: دع ذلك ليوم التغابن. قال: فأبكتني فو الله ما عُدتُ لذلك[2].



استقامة اللسان:

إن أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) حديث حسن.

قال البخاري عن نفسه: ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها[3].



استقامة الهموم:

قال صلى الله عليه وسلم: (( من كانت الآخرة همه، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

فقد كان السلف لا يتحدثون بحديث إلا وللآخرة نصيب منه، فلا يفرحون إلا للآخرة، ولا يحزنون إلا للآخرة.

ومما جاء في ترجمة الصحابي الجليل حممة بن أبي حممة أنه بات ليلة عند التابعي هرم ابن حيان العبدي، فرآه يبكي الليل أجمع، فقال له هرم: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتُها تُبعثر القبور، ثم بات عنده ليلة ثانية فبات يبكي فسأله فقال: ذكرت ليلة صبيحتها تتناثر النجوم[4].



عوائق الاستقامة:

الاستهانة بالمعصية:

يا للهِ ! كم أهلكت المعاصي أناساً كانوا صالحين فأردتهم صرعى الشهوات، وصدتهم عن الطاعات؟!

وربما يستهين المسلم بمعصية حتى تجتمع عليه أخواتها، فالسيئة -كما قيل- تدعوا أختها؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)). رواه أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع.



ومن عوائقها الانشغال بالدنيا عن الآخرة:

قال عليه الصلاة والسلام: ((ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)). متفق عليه.



ومن عوائقها الوسط السيء:

في الوظيفة - في الأسرة - في المجتمع. قال تعالى: ﴿ فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [ هود: 112-113].

طريقنا إلى الاستقامة:

الإخلاص لله رب العالمين:

فالرياء انحراف في النية؛ ولذا لا بد من تهذيب النفس حتى تستقيم فتصدق مع الله في الأقوال والأعمال، قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ.. ﴾ [الأنعام: 162-163].



الالتزام بالسنة طريق الاستقامة:

فمن فارق السنة فقد فارق الدليل وضل عن سواء السبيل، فالزم نفسك بالسنة، وتحرها في كل صغيرة وكبيرة تستقم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].



فعل الطاعات، والاجتهاد فيها، ومجاهدة النفس عليها:

مما يعين على تحقيق الاستقامة الالتزام بالفرائض والمواظبة عليها، والقيام بها كما أمر الله - عز وجل - ؛ ولهذا بعد آية الأمر بالاستقامة بآية جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات الخمس؛ لما لها من أثر في استقامة العبد، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].



ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة والوضوء بعد أن أمرنا بالاستقامة، فقال عليه الصلاة والسلام: (( استقيموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن...)) رواه أحمد وغيره، وهو في صحيح الجامع.



الدعاء سبيل إلى الاستقامة:

رفع المؤمنون أكف الضراعة إلى الله لما علموا أن الهداية غلى الاستقامة بيد الله سبحانه، بل يرددون في كل ركعة من صلواتهم (اهدنا الصراط المستقيم)، ولقد قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في قوله تعالى (فَاسْتَقم) قيل:" اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك، فتكون السين سين السؤال، كما تقول استغفر الله، أطلب الغفران منه"[5].



الارتباط بالقرآن تلاوة وحفظا، وتدبرا، وعملا دليل صادق يدلك على الاستقامة:

قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9] فالآية تُخبرنا - وهي قول أصدق القائلين - بأن كتاب الله - تعالى - يهدي إلى الحالة التي هي أقوم الحالات، وإلى الطريقة التي هي أعدل الطرق، وهي طريق الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإيمان برسله، والعمل بطاعته.



وقد أكّد الله - تبارك وتعالى - لعباده هذا المعنى حين قال عن كتابه:

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27-28].

وهذا حذيفة رضي الله عنه ينادي فيقول: "يا معشر القراء.. استقيموا فقد سَبقتم سَبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً".



هُجران أهل الكفر والمعاصي طريق إلى الاستقامة:

لقد جاء بعد آية الأمر بالاستقامة - في سورة هود - مباشرة قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113].

قال أهل العلم: أي لا تميلوا إلى العصاة، وقد قال القرطبي-رحمه الله- في دلالة هذه الآية: " أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم وهو طرفة بن العبد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي



ثم قال تعالى: ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113]؛ أي تُحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم"[6].

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ورجاله ثقات.

أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.