الرُّكْن الثَّانِي عشر*إحكام التَّدْبِير وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى لَا خَفَاء أَن ...

الرُّكْن الثَّانِي عشر*إحكام التَّدْبِير
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى لَا خَفَاء أَن التَّدْبِير قوام الْملك وحافظ وجوده كَمَا أَنه من مَالك الْمُلُوك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفِعْل الممتدح بِهِ فِي حفظ نظام الْعَالم بأسره كَقَوْلِه تَعَالَى {يدبر الْأَمر يفصل الْآيَات} وَقَوله تَعَالَى {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض} وَقد عبر بعض الْحُكَمَاء عَن ثبات الرياسة بِهِ
وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا هُوَ من الْخيرَات المؤثرة يقويه التَّدْبِير يُوجب بَقَاء النِّعْمَة ترغيبا فِيهِ وتحضيضا على اجتناء ثَمَرَته
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا كَانَ من الْملك بِهَذِهِ الْمنزلَة فَتوهم الِاسْتِغْنَاء عَنهُ عِنْد استقامة الْأُمُور بَاطِل فَفِي الأفلاطونيات الغر من الْمُلُوك من ظن أَنه غَنِي عَن التَّدْبِير مَعَ استقامة الْأُمُور لِأَنَّهُ لَا يرى فِيهِ خللا وَفِي مثل هَذَا الْوَقْت يُمكنهُ توفير خراجه وانتخاب رِجَاله وخدمة الْعدْل وَالسّنَن المحمودة فِي بلدانه وَتَنَاول كل مَا يشْغلهُ الْحَرْب عَنهُ ويمنعه مِنْهُ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِنَّمَا يعْتد بِالتَّدْبِيرِ إِذا صدر من ذَوي التجارب العارفين بِمَا تحسن بِهِ الْعَاقِبَة وترضى بِهِ الاسْتقَامَة الَّتِي لَا انحراف فِيهَا عَن نهج الصَّوَاب فَلذَلِك لَا عِبْرَة بِهِ من الْأَحْدَاث وَأَن اوهم صلاحا فَفِيهَا لَا تعتمد تَدْبِير الْأَحْدَاث فَلَيْسَ يَلِيق التَّدْبِير بهم وَأَن حسن مِنْهُم فِي بعض الْأَوْقَات فَإِنَّهُ قَبِيح الْعَاقِبَة وَهُوَ كوجود الشَّيْء بالْحسنِ يرى حسنا وَالْعقل يبين بعد قبحه
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ بَعضهم صَلَاح التَّدْبِير فِي الِاحْتِرَاز من ثَلَاثَة
أَحدهمَا كَثْرَة الشُّرَكَاء فِيهِ لانتشاره باختلافهم
.
الرُّكْن الْعشْرُونَ
تخليد مفاخر الْملك ومآثره
وَهُنَاكَ مقدمتان الْمُقدمَة الأولى أَن من سَعَادَة السُّلْطَان سَعْيه فِي تشييد مفاخر الْملك وتخليد مآثره الشاهدة بِكَمَال النِّيَابَة بِهِ فِي الظُّهُور كَمَا قَالَ أفلاطون السعيد من تمت بِهِ رياسة آبَائِهِ والشقي من انْقَطَعت عِنْده وَفِي مَعْنَاهُ قَول بعض الْحُكَمَاء إِن أبر الْمُلُوك من تمّ بِهِ سعي سلفه وأعقهم من أنقطع سَعْيهمْ عِنْده
الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَن تَحْصِيل هَذِه السَّعَادَة حقيق أَن يرغب فِيهِ لأمرين أَحدهمَا ثَوَاب الْآخِرَة وَنَعِيمهَا المخلد الْملك الْكَبِير لقَوْله تَعَالَى {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سنّ سنة حَسَنَة كَانَ لَهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا من بعده من غير أَن ينقص من أجرهم شَيْئا لَهُ الحَدِيث
الثَّانِي عز الدّين بتخليد جميل الذّكر وَالثنَاء الْحسن كَمَا قَالَ
(وَهل شَيْء يَدُوم سوى حَدِيث ... جميل الذّكر فالدنيا حَدِيث)
حَدِيث موعظة
قَالَ الطرطوشي أثر تَقْرِيره لهَذَا الْمَعْنى فانتهز فرْصَة الْعُمر ومساعدة الدُّنْيَا وَقدم لنَفسك كَمَا قدمُوا تذكر بالصالحات كَمَا ذكرُوا وَأعلم أَن الْمَأْكُول للبدن والموهوب للمعاد والمتروك للعدى فاختر أَي الثَّلَاثَة شِئْت وَالسَّلَام
مرجع إِذا تقرر هَذَا مِمَّا بِهِ نيل السَّعَادَة وَهُوَ مَا يشيد بِهِ مفاخر الْملك يخلد بِهِ مآثره يظْهر من حِكَايَة مَا نقل مِنْهُ عَن جلة الْمُلُوك وأعيان الوزراء فَهُنَا مقامان