قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ ...

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
الآخرة هي النار الكبرى، وروى يونس عن الحسن عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ نَارَكُم هذه جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَقَدْ غُمِسْتُ فِي النَّار مَرَتَين لِيُدْنَى مِنْهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا وَلُولاَ ذَلِكَ مَا دَنَوتُم مِنْها» ويقال: إنها تستجير أن ترد إلى جهنم يعني: تتعوذ منها
.وقال بعض الحكماء: علامة الشقاوة تسع أشياء كثرة الأكل، والشرب، والنوم، والإصرار على الذنب، والغيبة، وقساوة القلب، وكثرة الذنوب، ونسيان الموت، والوقوف بين يدي الملك عز وجل، وهذا هو الشقي الذي يدخل النار الكبرى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى يعني: لا يموت في النار حتى يستريح من عذابها ولا يحيا حياة تنفعه، وقال القتبي معناه: هو العذاب بحال من يموت ولا يموت.
[سورة الأعلى (87) : الآيات الوجهة الى سكون]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18)
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19)
ثم قال عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى يعني: فاز ونجا من هذا العذاب وسعد بالجنة من تزكى يعني وحّد الله تعالى وزكى نفسه بالتوحيد وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ يعني: توحيد ربه فَصَلَّى مع الإمام الصلوات الخمس، ويقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى يعني: أدى زكاة الفطر وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى مع الإمام صلاة العيد. ويقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى يعني: أدى زكاة المال، يعني: نجا من خصومة الفقراء يوم القيامة وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى يعني: كبّر وصلى لله تعالى، ويقال: مَنْ تَزَكَّى يعني: تاب من الذنوب (وذكر اسم ربه) يعني: إذا سمع الآذان خرج إلى الصلاة ثم ذم تارك الجماعة لأجل الاشتغال بالدنيا فقال: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يعني: تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة، قرأ أبو عمرو: بل يؤثرون بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على معنى المخاطبة ثم قال عز وجل: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى يعني: عمل الآخرة خير وأبقى من اشتغال الدنيا وزينتها، ويقال معناه يختارون عيش الدنيا الفانية على عيش الآخرة الباقية وإن عيش الآخرة خير وأبقى لأن في عيش الدنيا عيوباً كثيرة خوف المرض والموت والفقر والذل والهوان والزوال والحبس والمنع وما أشبه ذلك وليس في عيش الآخرة شيء من هذه العيوب، لأجل هذا قيل خير من الدنيا قوله تعالى: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى يعني: الذي ذكر في هذه السورة كان في الصحف الأولى يعني: في الكتب الأولى ثم فسره فقال: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ويقال: الذي ذكر في آخر السورة أربع آيات لفي كتب الأولين وكل كتاب مكتوب يسمى الصحف يعني: في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى إلخ الآية.

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
t4t
رُكوبُ الذُّنوبِ يُمِيتُ القُلُوبَ ... ويوْرِثُها الذُّلَّ إِدْمانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَياةُ القُلُوبِ ... وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُها (1)
عن مسروق بن سفيان قال: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: إنَّ أول من مات إبليس، وذلك أنَّه أول من عصاني، وإنَّما أعد من عصاني من الموتى (2).
قلت: وأول من حيى بالتوبة آدم عليه السلام.
* الفائِدَةُ العاشِرَةُ:
إنَّ التائب يأمن بتوبته من شر النوائب، ويعطِفُ الله عليه قلوبَ الملوك والجبابرة.
روى ابن أبي الدنيا، والأصبهاني عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال: قرأت في الحكمة: إنَّ الله تعالى يقول: أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي؛ فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم (3).
وقال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (توبة).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (الشورى).
(3) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (حسن الخلق)، وكذا أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 172).