. . . . . . . . . . . . . ثَالِثُهَا: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّمَاءُ مَسْكَنُ ...

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
ثَالِثُهَا: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّمَاءُ مَسْكَنُ الْأَرْوَاحِ وَالْأَرْضُ مَوْضِعُ الْأَعْمَالِ وَالْمَسْكَنُ أَلْيَقُ بِكَوْنِهِ بِنَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْعَامِلِ عَلَى الْمَعْمُولِ وَالْفِعْلُ هُوَ الْعَامِلُ فَقَوْلُهُ بَنَيْنا عَامِلٌ فِي السَّمَاءِ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ وَلَوْ قَالَ: وَبَنَيْنَا السَّمَاءَ بِأَيْدٍ، كَانَ أَوْجَزَ؟ نَقُولُ الصَّانِعُ قَبْلَ الصُّنْعِ عِنْدَ النَّاظِرِ فِي الْمَعْرِفَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ، قُدِّمَ الدَّلِيلُ فَقَالَ وَالسَّمَاءَ الْمُزَيَّنَةَ الَّتِي لَا تَشُكُّونَ فِيهَا بَنَيْنَاهَا فَاعْرِفُونَا بِهَا إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَنَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتَ التَّوْحِيدِ، فَكَيْفَ قَالَ: بَنَيْناها وَلَمْ يَقُلْ بَنَيْتُهَا أَوْ بَنَاهَا اللَّهُ؟
نَقُولُ قَوْلُهُ بَنَيْنا أَدَلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرِيكِ فِي التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِبْدَادِ وَقَوْلُهُ بَنَيْتُهَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَشْرِيكٌ، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: بَنَيْناها لَا يُورِثُ إِيهَامًا بِأَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا هِيَ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي بَنَيْناها لِأَنَّ تِلْكَ إِمَّا أَصْنَامٌ مَنْحُوتَةٌ وَإِمَّا كَوَاكِبُ جَعَلُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهَا وَطَبَائِعِهَا، فَأَمَّا الْأَصْنَامُ الْمَنْحُوتَةُ فَلَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا مَا بَنَتْ مِنَ السَّمَاءِ شَيْئًا، وَأَمَّا الْكَوَاكِبُ فَهِيَ فِي السَّمَاءِ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا تَكُونُ هِيَ بَانِيَتَهَا، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا بُنِيَتْ لَهَا وَجُعِلَتْ أَمَاكِنُهَا، فَلَمَّا لَمْ يُتَوَهَّمْ مَا قَالُوا قَالَ بَنَيْنَا نَحْنُ وَنَحْنُ غَيْرُ مَا يَقُولُونَ وَيَدَعُونَهُ فَلَا يَصْلُحُونَ لَنَا شُرَكَاءَ لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ غَيْرُ السَّمَاءِ وَدُونَ السَّمَاءِ فِي الْمَرْتَبَةِ فَلَا يَكُونُ خَالِقَ السَّمَاءِ وَبَانِيَهَا فَإِذَنْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمْعُ التَّعْظِيمِ وَأَفَادَ النَّصُّ عَظَمَتَهُ، فَالْعَظَمَةُ أَنْفَى لِلشَّرِيكِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ بَنَيْناها أَدَلُّ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مِنْ بَنَيْتُهَا وَبَنَاهَا اللَّهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتَ إِنَّ الْجَمْعَ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ؟ قُلْنَا الْجَوَابُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى قَدْرٍ فَهْمِ السَّامِعِ، وَالسَّامِعُ هُوَ الْإِنْسَانُ، وَالْإِنْسَانُ يَقِيسُ الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ عِنْدَهُمْ مَنْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ بِجُنْدِهِ وَخَدَمِهِ وَلَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ، فَيَقُولُ الْمَلِكُ فَعَلْنَا أَيْ فَعَلَهُ عِبَادُنَا بِأَمْرِنَا وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ الْوَجْهُ الْآخَرُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ إِذَا وَقَعَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَانَ الْغَيْرُ بِهِ رَاضِيًا يَقُولُ الْقَائِلُ فَعَلْنَا كُلُّنَا كَذَا وَإِذَا اجْتَمَعَ جَمْعٌ عَلَى فِعْلٍ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْبَعْضِ، كَمَا إِذَا خَرَجَ جَمٌّ غَفِيرٌ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ لِقَتْلِ سَبْعٍ وَقَتَلُوهُ يُقَالُ قَتَلَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ كَذَا لِرِضَا الْكُلِّ بِهِ وَقَصْدِ الْكُلِّ إِلَيْهِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاللَّهُ تَعَالَى كَيْفَمَا أَمَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ رَدُّهُ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْقَادًا لَهُ، يَقُولُ بَدَلَ فَعَلْتُ فَعَلْنَا، وَلِهَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ أَجْمَعْنَا بِحَيْثُ لَا ينكره أحد ولا يرده نَفْسٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بِأَيْدٍ أَيْ قُوَّةٍ وَالْأَيْدُ الْقُوَّةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 17] يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ جَمْعُ الْيَدِ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75] وَقَالَ تَعَالَى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: 71] وَهُوَ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا فَحَيْثُ قَالَ: خَلَقْتُ
.هل عندك يا جمجيم من احاديث الاشواق