كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ ...

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
طريق معروف في البلاغة.
الجواب الثاني: إنّ السؤال ضربان: سؤال جدل، وحقه أن يطابقه جوابه. لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه. وسؤال تعلّم وحق المعلّم أن يكون كالطبيب يتحرى شفاء سقيم فيطلب ما يشفيه- طلبه المريض أو لم يطلب. فلمّا كان حاجتهم إلى من ينفق المال عليهم كحاجتهم إلى ما ينفق من المال، بيّن لهم الأمرين جميعا. إن قيل: كيف خصّ هؤلاء النفر دون غيرهم..؟ قيل: إنما ذكر من ذكر على سبيل المثال لمن ينفق عليهم، لا على سبيل الحصر والاستيعاب، إذ أصناف المنفق عليهم على ما قد ذكر في غير هذا الموضع.
ولما بيّن تعالى وجه المصرف وفصّله هذا التفصيل الحسن الكامل، أردفه بالإجمال فقال: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي: وكلّ ما فعلتموه من خير- إمّا مع هؤلاء المذكورين وإمّا مع غيرهم- حسبة لله، وطلبا لجزيل ثوابه، وهربا من أليم عقابه، فإن الله به عليم. والعليم مبالغة في كونه عالما، يعني: لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فيجازيكم أحسن الجزاء عليه، كما قال:
أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [آل عمران: 195] وقال:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة: 7] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 216]
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)
كُتِبَ أي: فرض عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أي: قتال المتعرّضين لقتالكم، كما قال: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة: 190] ، المراد بقتالهم الجهاد فيهم بما يبيدهم أو يقهرهم ويخذلهم ويضعف قوّتهم.
قال بعض الحكماء: سيف الجهاد والقتال هو آية العزّ، وبه مصّرت الأمصار، ومدّنت المدن، وانتشرت المبادئ والمذاهب، وأيّدت الشرائع والقوانين وبه حمي الإسلام من أن تعبث به أيدي العابثين في الغابر، وهو الذي يحميه من طمع الطامعين في الحاضر وبه امتدت سيطرة الإسلام إلى ما وراء جبال الأورال شمالا، وخط الاستواء جنوبا، وجدران الصين شرقا، وجبال البيرنه غربا..!.
قال: فيجب على المسلمين أن لا يتملّصوا من قول بعض الأوروبيين: إن الدين
الإسلاميّ قد انتشر بالسيف! فإن هذا القول لا يضرّ جوهر الدين شيئا فإن المنصفين من الأوروبيين يعلمون أنه قام بالدعوة والإقناع، وأن السيف لم يجرد إلّا لحماية الدعوة. وإنما التملص منه يضر المسلمين لأنه يقعدهم عن نصرة الدين بالسيف، ويقودهم إلى التخاذل والتواكل، ويحملهم على الاعتقاد بترك الوسائل فيستخذون إلى الضعف كما هي حالتهم اليوم، وتبتلعهم الأمم القوية التي جعلت شعار تمدّنها السيف أو القوة..!.
قال: يجب على المسلمين أن يدرسوا آيات الجهاد صباح مساء، ويطيلوا النظر في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] ، لعلّهم يتحفّزون إلى مجاراة الأمم القوية المجاهدة في الأمم الضعيفة..!.
.
.
.
.
.
.
.
.
.t4t4
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبي: ثنا عبد الله بن محمدٍ: ثنا الحسينُ بن الحسنِ: أنا الهيثمُ بن جميلٍ: ثنا عبد الغفورِ، عن همامٍ، عن كعبٍ، قال: إنا نجدُ أن الله تعالى يقول: إني أنا الله لا إله إلا أنا خالقُ الخلق، أنا الملكُ العظيمُ، دَيَّانُ يوم الدين، وملكُ الملوك، قلوبُهم بيدي، فلا تَشَاغَلُوا بذكرهم عن ذكري ودعائي والتوبةِ إليَّ حتى أُعَطِّفهم عليكم بالرحمة، فأجعلَهم رحمةً، وإلا جعلتهم نقمةً (1).
وبه إلى أبي نعيم: ثنا أبي: ثنا أبو الحسنِ بن أبانَ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن سفيانَ: حدثني إسماعيلُ بن إبراهيمَ: حدثني صالحٌ، عن مالكِ بن دينارٍ، قال: قرأتُ في الحكمة: أن الله -عَزَّ وَجَلَّ - يقول: أنا ملكُ الملوك، قلوبُ الملوك بيدي، فمن أطاعني، جعلتُهم عليه رحمةً، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمةً، فلا تشغلوا أنفسَكُم بسبِّ الملوك، ولكن توبوا إليَّ أُعَطِّفْهم عليكم (2).
وبه إلى أبي نعيم: ثنا سليمانُ: ثنا إسحاقُ بن عبد الرزاقِ: ثنا عمرُو بن حمدانَ: ثنا الحسنُ بن سفيانَ: ثنا بشرُ بن الحكم: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمرٌ، عن صاحبٍ له: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: يا أخي! اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء مالا يستطيع العباد ردَّه، واغتنمْ دعوةَ المبتلى (3).
__________
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 25).
(2) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 172).
(3) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 214).