سد الذرائع وفتحها عند الأصوليين د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم- أستاذ أصول الفقه المشارك- ...
سد الذرائع وفتحها عند الأصوليين
د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم- أستاذ أصول الفقه المشارك- جامعة دنقلا.
المستخلص:
هدفت الدراسة لتُبين أن قاعدة سد الذرائع حجة مُعتبرة يجوز بناء الأحكام عليها وأنها تمثل الدور الدفاعي والوقائي لمقاصد الشريعة الإسلامية. ويتمثل الهدف من هذا البحث إثبات أن العمل بقاعدة سد الذرائع معمولٌ به بين الفقهاء وأن الشريعة كما سدّت الذرائع فتحت ذرائع أُخرى. وتتمثل مشكلة الدراسة في بيان موقف علماء الأصول واتجاهاتهم في العمل بقاعدة سد الذرائع، وما علاقة قاعدة سد الذرائع بالاجتهاد؟. ومن أهم الأهداف المرجوة من هذا البحث أن الأخذ بمبدأ الذرائع فتحاً وسداً أصل من أصول التشريع الإسلامي. اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي التحليلي بالرجوع إلى أُمهّات كتب أصول الفقه والحديث واللغة والمراجع الحديثة لتوفير المادة العلمية المتعلقة بالموضوع. وخلصت الدراسة إلى عدة نتائج منها: أن سدّ الذرائع وفتحها حُجة تقرر لأجلها الأحكام.
Abstract:
The study amid to show that the rule of blocking excuses is an credible argument upon which judgments can be built and it is represents the defensive and preventive role of the purposes of the Islamic low. The goal it son this reaches is to proof that working with the rule of blocking excuses is applicable, it is established among the jurists and that the sharia is the blocked excuses opened other pretests. The problem of the study in a statement of the position of the scholars of assets and their trends in working with rule of blocking excuses and what is the relationship of the rule of blocking excuses to ijtihad? One of the most important objectives of this research, the introduction of the principle of pretexts, opening and closing is one of the foundation of the Islamic low. the study relied on the method by referring to the most important books of the fundamentals of figh, the study came to several results such as, that blocking the pretexts and opening them is an argument that decides judgments are for her.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد،،،
أسباب اختيار الموضوع: من أهم الأسباب التي دفعت الباحث لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
1- إزالة اللبس والغموض حول قادة سد الذرائع وفتحها وبيان حجيتها وشرعيتها.
2- بيان علاقة قادة سد الذرائع وفتحها بمقاصد الشريعة الإسلامية.
3- بيان قاعدة سد الذرائع ومرتبته التشريعية.
أهمية الموضوع: وتبرز أهمية الموضوع فيما يأتي:
1- موضوع قاعدة سد الذرائع وفتحها من الموضوعات الأصولية التي يستفيد منها جُلُّ أفراد المجتمع المسلم ومؤسساته العدلية والقضائية.
2- أن قاعدة سد الذرائع وفتحها تبنى عليها مسائل كثيرة في أبواب الفقه وخاصة القضايا المستجدة وقضايا العصر.
3- سد الذرائع يمثل الدور والوقائي والدفاعي بالنسبة لمقاصد الشريعة.
4- أن قاعدة سد الذرائع نتيجة من نتائج الاعتبار بمآلات الأفعال.
مشكلة الدراسة: وتتمثل مشكلة الدراسة في الإجابة على الأسئلة التالية:
1- ما هي قاعدة سد الذرائع وفتحها؟ وما مدى حجيتها عند علماء الأصل؟
2- ما هي علاقة قاعدة سد الذرائع بمقاصد الشريعة؟
منهج الدراسة: المنهج الذي انتهجه الباحث هو المنهج التحليلي الاستقرائي.
مفهوم قاعدة سد الذرائع وحقيقتها وأركانها:
أولاً: تعريف سد الذرائع وفتحها لغة: سد الذرائع مركب إضافي مركب من كلمتين، السد والذريعة ولا يمكن معرفة المركب الإضافي إلا بمعرفة أجزائه، فلا بد من تعرف كل منهما على حده.
أ/تعريف السد لغة: مصدر سدّ يسُد سداً فانسد، وهو إغلاق الخلل وردم الثلم(1). والسد: الحاجز بين الشيئين والبناء في مجرى الماء ليحجزه، والجمع سدود(2). ومنه قوله تعالى:( حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)(3).
ب/ تعريف الذريعة لغة: تطلق الذريعة في اللغة على عدة معاني منها: والذريعة: ناقة يتستر بها الرامي يرمي الصيد. وذلك أنه يتذرع معها ماشيا(4). والذريعة: الوسيلة والسبب إلى الشيء، وتذرع فلان بذريعة أي توسل بها، ويقال: فلان ذريعتي: أي سببي ووصلتي الذي أتسبب به إليك(5). والذريعة: الحلقة التي يتعلم عليها الرمي لأنها سبب ووسيلة إلى تعلم الرمي(6). فيتبين مما سبق أن سد الذريعة في اللغة: هو إغلاق ورد وسد الوسائل الموصلة إلي الشيء.
ثانياً: تعريف سد الذرائع وفتحها اصطلاحاً: المتتبع لكتب علماء الأصول ومؤلفاتهم يجد اختلافهم البيّن في تعريف سد الذرائع اصطلاحاً، ولعل سبب هذا الاختلاف هو إثبات كلمة السد في التعريف أو إسقاطها، فمن اكتفى بتعريف الذريعة وأسقط كلمة السد عرفها بأنها الوسيلة والطريقة إلى الشيء مشروعاً كان أم ممنوعاً وهؤلاء هم أكثر علماء الأصول، ومن أثبت كلمة السد عرفها بأنها الوسيلة والطريقة إلي ما كان محظوراً وممنوعاً وهؤلاء قلة من علماء الأصول. وعليه فيمكن حصر تعريفات علماء الأصول لسد الذرائع في اتجاهين اثنين هما:
الاتجاه الأول: تعرف الذريعة: وهذه بعض تعريفات علماء الأصول الذين عرفوا الذريعة بأنها الوسيلة أو الطريقة إلى الشيء مشروعاً أو ممنوعاً، فمن هذه التعريفات:
1- قال القرافي: الذريعة هي الوسيلة للشيء(7).
2- قال الإمام الباجي: الذريعة هي: المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور(8).
3- قال ابن النجار: ما ظاهره مباح ويتوصل به إلى محرم(9).
4- قال القرطبي: أمرٌ غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع(10).
5- قال ابن قيم الجوزية: الذريعة: ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء(11).
فيتبين من هذه التعريفات أن الذريعة هي الوسيلة المُفضية إلى الشيء سواء أكان هذا الشيء مشروعا أم ممنوعا وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد وقال ابن قيم الجوزية: مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل؛ فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضا، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده. وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه. فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها(12).
الاتجاه الثاني: تعريف سد الذريعة: وهذه بعض تعريفات علماء الأصول لسد الذرائع، ومعلوم مما سبق ذكره أن إضافة كلمة سد إلى الذريعة يعني أنها وسيلة إلى ما كان محظوراً وممنوعاً فمن هذه التعريفات:
1- قال الشاطبي: السد الذريعة هي: منع الجائز لأنه يجر إلى غير الجائز(13).
2- قال الزركشي: سد الذريعة: هي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور(14).
ثالثاً: تعريف فتح الذرائع اصطلاحاً: فالشريعة من تمام كمالها أنها كما سدت الطرق أمام بعض الذرائع فتحتها أمام الأخرى مراعاة للمصلحة، ففتح الذرائع معناه: هو الأخذ بالذرائع إذا كانت النتيجة مصلحة؛ لأن المصحلة مطلوبة(15). وقال القرافي: واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها ويكره ويندب ويباح، فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج(16).
بعض الأمثلة لفتح الذرائع: وهذه بعض الأمثلة التي ساقها الفقهاء وعلماء الأصول لبيان معنى فتح الذرائع فمنها:
أ -أباحت الشريعة دفع المال للعدو لتخليص الأسري مع أن في دفع المال إليه تقوية له، وهو حرام لأنه إضرار بالمسلمين، لكن مصلحة الأسرى أعظم نفعًا لأنه تقوية للمسلمين من ناحية أخرى.
ب -أجاز كثير من فقهاء المالكية والحنابلة دفع المال لشخص على سبيل الرشوة مع أنه حرام؛ ليتقي به معصية يريد المرتشي إيقاعها به، وضررها أشد من دفع المال إليه، وذلك إذا عجز الرجل المعطي للرشوة عن دفع المرتشي إلا عن طريق الرشوة.
جـ- إذا خشي المسلمون من دولة محاربة أذاها وخطرها، وليس عند جماعة المسلمين قوة يستطيعون بها دفع خطر العدو، فلهم الحق في بذل المال لاتقاء شر العدو وإن كان فيه معصية، إلا أنه أجيز منعًا لضرر أكبر وجلبًا لمصلحة أعظم(17).
د- ومن باب فتح الذرائع: ما يعرف بتشريع الضرائب والرسوم على المعاملات والتجارات وما يعرف بالاستيراد والتصدير لتوفير المال اللازم للدولة من القيام بالمهام المطلوبة إليها في الميادين الثقافية والعمرانية والدفاع وما إلى ذلك(18).
ه- يجوز إعطاء مال لرجل مسرف على نفسه ليأكله حرامًا حتى لا يزني بامرأة يزمع الزنا بها؛ لأن فساد الزنا أشد من فساد أكل مال رشوة، إذا لم يمكن دفعه عن الزنا إلا بالرشوة(19).
و- جواز حفر بئر في مكان لا تضر فيه غالباُ؛ لأن الفساد في حفرها يعتبر نادرًا، وبذلك كانت المصلحة في حفرها أرجح من احتمال ما قد يحدث نادرًا من سقوط أحد فيها(20). ففتح الذرائع يعنى إباحة الأمر الممنوع إذا ترتبت عليه مصلحة راجحة.
أهمية سد الذرائع وفتحها: قاعدة سد الذرائع وفتحها من القواعد الأصيلة والأدلة الجليلة من أدلت التشريع الإسلامي مقولة الإمام ابن قيم الجوزية في سد الذرائع وفتحها فقال: وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان؛ أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان؛ أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة؛ فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين(21). ومما يؤكد على أهمية سد الذرائع اعتبار الإمام القرافي سد الذرائع دليلاً من أدلة التشريع الإسلامي حيث قال: والأدلة على قسمين أدلة مشروعيتها وأدلة وقوعها، فأما أدلة مشروعيتها فتسعة عشر بالاستقراء، وأما أدلة وقوعها فلا يحصرها عدد، فلنتكلم أولاً عن أدلة مشروعيتها، فنقول: هي الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسد الذرائع، والاستدلال والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة(22). وقال الزركشي: والذرائع معتبرة عندنا في الأصول(23).
أركان الذريعة:
الركن الأول: الوسيلة:
وهي الأساس الذي تقوم عليه الذريعة لأن وجودها يستتبع بالضرورة وجود الركنين التاليين وهما: الإفضاء، والمتوسل إليه: والوسيلة يمكن أن نلاحظ فيها الملاحظات الآتية:
أولًا: الوسيلة قد تكون غير مقصودة لذاتها وذلك حين يتجه الفاعل إلى الفعل من غير أن يقصد المتوسل إليه، كمن يسب آهلة المشركين غيرة لله وانتصار للحق سبحانه وإغاظة للكفار، من غير نية إثارتهم ودفعهم لسب الله تعالى، فيسبون الله تعالى عدوًا بغير علم، ومع أن المسلم لا يظن به ذلك فقد منع؛ لأن المعهود فيمن عميت قلوبهم أن يغاروا على ما يظنونه آلهة.كما نهى الله سبحانه وتعالى أن يقولوا للرسول: راعنًا، يريدون المراعاة والانتظار؛ لأن اليهود كانوا يتخذون مخاطبة المسلمين بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة إلى الهزؤ، ويقصدون من وراء ذلك الرعونة، فعد استعمال المسلمين لها وسيلة إلى فعل خبيث لليهود، ولو كان غرضهم مجرد المخاطبة.
ثانيًا: قد تكون الوسيلة مقصودة لغيرها، أي أنها وسيلة لمقصود، كبيع شيء بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالة، فقد آل أمره إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة؛ لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا بيعًا ولا شراء، ولم يجر عليه عقد بالمرة، مع أنه بقيت صورته بينه، فكان عقدًا جر نفعا، وهو عين الربا المحرم، وقد حالت حرمته دون الدخول عليه ابتداء، فكانت صورته صورة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر وهي باطلة في الواقع.
ثالثا: إنها الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة؛ لأن وجوده يستتبع وجود الركنين الآخرين، فمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان وجودًا بالفعل أو تقديرًا. فلو ضربت المرأة ذات الخلاخيل وقصدت تحصيل الافتتان ثم حصل الافتتان بالفعل فقد توافرت الأركان الثلاثة، ولو ضربت مع قصد إثارة الافتتان ولم يحصل الافتتان أو ضربت من غير قد وحصل الافتتان أو ضربت من غير قصد ولم يحصل الافتتان فإنها تمنع من ذلك في الوجوه الثلاثة الأولى. ويقدر حصول الافتتان في الأول والقصد في الثاني والقصد مع الافتتان في الثالث، أما لو قصد الافتتان من غير ضرب بالأرجل وبقي ذلك في داخل نفسها فلا ذريعة، وإذا وجد الافتتان ولم يوجد سبب آخر غير الضرب بالأرجل يؤدي إليه، فذلك دليل على أنه إنما حصل بسبب الضرب، ولهذا فإن الركن الأول يعد الأساس(24).
ثانيًا: قد تكون الوسيلة مقصودة لغيرها، أي أنها وسيلة لمقصود، كبيع شيء بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالة، فقد آل أمره إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة؛ لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا بيعًا ولا شراء، ولم يجر عليه عقد بالمرة، مع أنه بقيت صورته بينه، فكان عقدًا جر نفعا، وهو عين الربا المحرم، وقد حالت حرمته دون الدخول عليه ابتداء، فكانت صورته صورة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر وهي باطلة في الواقع.
ثالثا: إنها الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة؛ لأن وجوده يستتبع وجود الركنين الآخرين، فمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان وجودًا بالفعل أو تقديرًا. فلو ضربت المرأة ذات الخلاخيل وقصدت تحصيل الافتتان ثم حصل الافتتان بالفعل فقد توافرت الأركان الثلاثة، ولو ضربت مع قصد إثارة الافتتان ولم يحصل الافتتان أو ضربت من غير قد وحصل الافتتان أو ضربت من غير قصد ولم يحصل الافتتان فإنها تمنع من ذلك في الوجوه الثلاثة الأولى. ويقدر حصول الافتتان في الأول والقصد في الثاني والقصد مع الافتتان في الثالث، أما لو قصد الافتتان من غير ضرب بالأرجل وبقي ذلك في داخل نفسها فلا ذريعة، وإذا وجد الافتتان ولم يوجد سبب آخر غير الضرب بالأرجل يؤدي إليه، فذلك دليل على أنه إنما حصل بسبب الضرب، ولهذا فإن الركن الأول يعد الأساس.
الركن الثاني: الإفضاء:
وهو الذي يصل بين طرفي الذريعة، وهما الوسيلة والمتوسل إليه، وجرى استعمال كلمة الإفضاء للدلالة عليه، ويلاحظ في هذا الركن أمران:
الأمر الأول: الإفضاء أمر معنوي يحكم على وجوده أما بعد الإفضاء فعلا وإما تقديرًا.
1- أما الإفضاء فعلًا: وهو يكون بحصول المتوسل بعد حصول الوسيلة.
كعصر الخمر بعد زراعة العنب، وكحصول الفاحشة بعد النظر إلى الأجنبية أو التحدث معها،أو وطء المحرم المحرمة بعد تطيبها بالنظر إلى أن التطيب من دواعي الوطء.
2- الإفضاء تقديرا: وهو على وجوه:
الوجه الأول: أن يقصد فاعل الوسيلة التذرع إلى المتوسل إليه حقيقة، كمن يعقد النكاح على امرأة ليحللها لزوجها الأول، ومن يلجأ إلى صورة بيوع الآجال ليأخذ القليل بالكثير، ومن يحفر بئرًا خلف باب الدار ليقع فيها كل من يدخلها.
الوجه الثاني: ألا يقصد فاعلها التذرع، ولكن كثرة اتخاذها في العادة وسيلة مفضية للمتوسل إليه يجعلنا نحكم عليها بأنها وسيلة مفضية، كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر، ثم يشتري إحداهما بدينار نقدًا، فإننا نتهمه بالقصد إلى جمع بيع وسلف معًا ولو لم يقصد ذلك بالفعل.
الوجه الثالث: ألا يقصد فاعلها التذرع بها ولكنها قابلة من نفسها لأن يتخذها وسيلة للإفضاء بها إلى المتوسل إليه سواء أفضت بالفعل أو لم تفض، كسب آلهة المشركين، فإنها قابلة لأن تحمل المشركين على سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم. فلذلك نمنع منها ولو لم ينو المسلم إثارتهم لذلك.
الوجه الرابع: ألا يقصد فاعل الوسيلة ولا غيره التذرع بها، ولكنها قابلة من نفسها الإفضاء، فنقدر كذلك الإفضاء بالفعل لنمنع منها كمن يحفر للسقي في طريق المسلمين أو يلقي السم لغرض مباح كإبادة الحشرات في الخضر أو الفواكه والبر والشعير، فغرض الأول منها السقي وغرض الثاني المباح الذي يعينه على إبادة الحشرات وكلاهما جائز لصاحبه فعله، ولكنه منع بتقدير الإفضاء إلى موت الأبرياء بالتردي والتسمم، ولولا هذا التقدير لبقي الحكم في الوسيلة على الجواز.
الأمر الثاني: يلاحظ في الركن الثاني وهو الإفضاء ضرورة بلوغه حدًا معينًا من القوة ليثبت بناء على ذلك المنع، والقوة إنما تكون بالكثرة العددية أو بخطورة المحظور الذي تفضي إليه(25).
الركن الثالث: المتوسل إليه: ويسمى أيضًا: الممنوع والمتذرع إليه، ويلاحظ فيه الأمور الآتية:
أولا: أن يكون ممنوعًا، فإن لم يكن كذلك بأن كان جائزًا فلا تكون الوسيلة إليه ذريعة بالمعنى الخاص وإن صح كونها ذريعة بالمعنى العام، ولا بد أن يكون فعلًا بمعنى أن يكون مقدورًا للمكلف، فإن لم يكن كذلك فالوسيلة إليه سبب أو مقتضى.
ثانيًا: الذي يلاحظ فيه أيضًا أنه الأساس في تقدير قوة الإفضاء وضعفه، فليست كثرة الإفضاء وحدها هي الأساس بل إن خطورة المتوسل إليه ومقامه بين المفاسد هو الذي يحدد كذلك هذه القوة. فالمفسدة في الدين أخطر من المفسدة في النفس، والمفسدة في النفس أخطر من المفسدة الواقعة في العقل، والمفسدة في العقل أخطر من المفسدة الواقعة في المال وهكذا. ومن جهة أخرى تعتبر المفسدة الواقعة في الجمع الغفير أخطر من المفسدة الحالة بعدد معين كما يعتبر المقبل على المفسدة بقصد أخطر من الواقع فيها بغير قصد. ولهذا نجد العلماء يبالغون في سد الذرائع التي تؤدي إلى محظور في العقيدة وفي الدين وقد كتبوا في ذلك كتبا، وعقدوا له أبوابًا وفصولًا، والمطالع لكتب البدع والحوادث يجد الشواهد الكثيرة على ذلك(26).
أقسام الذريعة عند علماء الأصول: لقد قسم علماء الأصول الذريعة إلى عدة أقسام وسأتناول تقسيم ابن قيم الجوزية وتقسيم القرافي وتقسيم الشاطبي رحمهم الله تعالى:
أولاً: تقسيم ابن قيم الجوزية للذريعة: وقسم الإمام ابن قيم الجوزية الذريعة إلى أربعة أقسام وهي:
القسم الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة: كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر، وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية، والزنا المفضي إلى اختلاط المياه وفساد الفراش، ونحو ذلك؛ فهذه أفعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهر غيرها. وحكمها: المنع كراهة أو تحريماً بحسب درجاته في المفسدة.
القسم الثاني: أن تكون وسيلة موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه؛ فالأول كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل، أو يعقد البيع قاصدا به الربا، أو يخالع قاصدا به الحنث، ونحو ذلك. والثاني كمن يصلي تطوعا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم، أو يصلي بين يدي القبر لله، ونحو ذلك. ثم هذا القسم من الذرائع نوعان؛ أحدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته، والثاني: أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته؛ فهاهنا أربعة أقسام الأول وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة.
القسم الثالث: وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها، ومثال الثالث الصلاة في أوقات النهي ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم، وتزين المتوفى عنها زوجها في زمن عدتها.
الرابع: وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها، فحكمها أن الشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة(27).
تقسيم القرافي للذريعة في تنقيح الفصول: قسم القرافي الذريعة إلى ثلاثة أقسام وهي:
أحدها: معتبرٌ إجماعاً، كحفر الآبار في طُرُق المسلمين، وإلقاء السمِّ في أطعمتهم، وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنه حينئذٍ يسب الله تعالى، فحكمها التحريم إجماعاً، لأنها موصلة إلى الحرام.
وثانيها: مُلْغىً إجماعاً، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنع خشية الخمر، والشَّرِكة في سكنى الدُّوْر خشية الزنا، فحكمها عدم الاعتبار لأنها لا تفضي إلى الحرام ولا توصل إليه.
وثالثها: مختلفٌ فيه، كبيوع الآجال اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخَالَفَنا(28) وهذه محل خلاف بين الأصوليين.
موقف العلماء من سد الذريعة: من المعلوم الخلاف الذي وقع بين علماء الأصول في سد الذرائع وحجيتها، فجملة الخلاف يمكن حصره في اتجاهين إثنين:
الاتجاه الأول: اعتبار الذرائع في الجملة وهذا يمثله جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، إلا أن المالكية والحنابلة توسعوا في الأخذ بمبدأ سد الذريعة، أما الحنفية والشافعية فقد ضيقوا الأخذ به، فأخذوا به في بعض الصور ورفضوه في البعض الآخر.
الاتجاه الثاني: عدم اعتبار الذرائع بالكلية وهذا اتجاه أهل الظاهر كما هو معروف(28).
أدلة القائلين بحجية سد الذرائع: لقد احتج القائلين بسد الذرائع بأدلة كثيرة من الكتاب، والسنة وأقوال الصحابة، وعمل الأئمة الأربعة. ولهذا قال ابن قيم الجوزية: ونحن نذكر قاعدة سد الذرائع ودلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والميزان الصحيح عليها(29).
الأدلة من القرآن الكريم تدل على حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من آيات القرآن الكريم منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- قوله تعالى:( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(30). قال ابن قيم الجوزية في تفسيرها: فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز(31).
2- وقوله تعالى:( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(32). فقد نهى النساء أن يضربن الأرض بأرجلهن في مشيتهن ليسمع الرجال صوت خلخالهن ، لأن ذلك ذريعة إلى تطلع الرجال إليهن فتتحرك فيهم الشهوة، وفي هذا مفسدةٌ كبيرة، ومثل ذلك التزين الزائد عن الحد، والتعطر عند الخروج ولو كان ذلك للصلاة(33).
3- وقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(34) أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة، ولم يأمرهم بالاستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة(35).
4- وقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(36). وقال ابن قيم الجوزية: نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم؛ فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب، ويقصدون فاعلا من الرعونة، فنهى المسلمون عن قولها؛ سدا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون(37).
الأدلة من السنة النبوية التي تدل على حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من الأحاديث من السنة النبوية منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر: شتْمَ الرَّجُل والديه، قال: وهل يشتِم الرجل والديه ؟ قال نعم ، يَسُبُّ الرجلُ أبا الرَّجُل وأمه، فيسبُ أباه وأمه(38). فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سب الوالدين حراما من كبائر الذنوب، وكذلك الحكم في ذلك بمن تسبب في سب والدي الغير لأن سب والدي الغير ذريعة ووسيلة إلى سب والديه فحرم سب والدي الغير سداً لذريعة سب الوالدين.
2- عن جابر بن عبد الله، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، قال: فقال عمر: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه(39).
قال ابن قيم الجوزية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه، وقولهم: إن محمدا يقتل أصحابه، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ومن لم يدخل فيه، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل(40).
3- قوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم(41). أنه صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن، والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين، سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع(42).
الأدلة من أقوال الصحابة وأفعالهم تدل حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من أقوال الصحابة وأفعالهم منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- أن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجميع بالواحد وإن كان أصل القصاص يمنع ذلك؛ لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء(43).
2- جمع عثمان المصحف على حرف واحد من الأحرف السبعة لئلا يكون ذريعة إلى اختلافهم في القرآن، ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم(44).
3- أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد وإن لم يقصد الحرمان لأن الطلاق ذريعة، وأما إذا لم يتهم ففيه خلاف معروف مأخذه أن المرض أوجب تعلق حقها بماله؛ فلا يمكن من قطعه أو سدا للذريعة بالكلية وإن كان في أصل المسألة خلاف متأخر عن إجماع السابقين(45).
الخاتمة:
فيتضح مما سبق أن الأخذ بمبدأ سد الذرائع وفتحها مبدأ معتبر في نصوص الشريعة الإسلامية تحقيقاً لمصالح العباد في معاشهم ومعادهم. وإنّ مما يدل على تمام شريعتنا وكمالها فإنها إذا ما سدت باباً تسده مع جميع الأبواب المؤدية والموصلة إليه، وكذلك إذا ما فتحت باباً فإنها تفتحه مع جميع الأبواب المؤدية إليه. فسد الذرائع وفتحها مصدراً من مصادر الأحكام.
أولاً: النتائج:
فقد خلُصت الدراسة إلى جملة من النتائج وهي:
1/ اعتبار الذرائع فتحاً وسداً دليل على مرونة التشريع الإسلامي وأنها صالحة لكل زمان ومكان تُساير واقع الناس في كل جديد صالح ونافع.
2/ ما حُرم سداً للذريعة يُباح للمصلحة الراجحة.
3/ أن الفقهاء جميعاً وأئمة المذاهب الأربعة يأخذون بأصل سد الذرائع وفتحها بين مكثر ومقل إلا الظاهرية فإنهم لا يعملون بهذا الأصل.
4/ من أكثر الأدلة صلة بالاجتهاد سد الذرائع وفتحها إذ المجتهد يرتكز عليها في اجتهاده.
5- أن قاعدة سد الذرائع يمثل الدور الوقائي بالنسبة لمقاصد الشريعة الإسلامية.
ثانياً: التوصيات:
كما خلُصت الدراسة إلى جملة من التوصيات التالية وهي:
1/ الرجوع إلى تُراثنا الفقهي فإنّ فيه حُلولاً كثيرة لمشكلات عصرنا.
2/ على أساتذة الجامعات والمعاهد الشرعية والمجامع الفقهية تدريس هذه الأدلة الشرعية وبيان حجيتها.
المصادر والمراجع:
1/ ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب:ج3، دار صادر- بيروت- لبنان، ص207.
2/ الزيات: أحمد حسن الزيات وآخرون: المعجم الوسيط:ج1، دار الدعوة- القاهرة- مصر، ص423.
3/ الآية: 93 من سورة الكهف.
4/ ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة،ج2، دار الفكر- بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1979م، ص350.
5/ ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب:ج8، دار صادر- بيروت- لبنان، ص96.
6/ المصدر السابق: ج8ص98.
7/ القرافي: القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الفروق:ج3: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع: ص266.
8/ الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي: إحكام الفصول في أحكام الأصول:ج2 دار الغرب الإسلامي- تونس، الطبعة الأولى 1986م، ص695.
9/ ابن النجار: محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن النجار: شرح الكوكب المنير:ج4، مكتبة العبيكان- المملكة العربية السعودية- الرياض، الطبعة الأولى 1997م، ص434.
10/ القرطبي: أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: ج5، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان، الطبعة الأولى2002م،ص335.
11/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص116.
12/ المصدر السابق: ج3ص116.
13/ الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم الشاطبي: الاعتصام:ج2، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت- لبنان، ص78.
14/ الزركشي: بدر الدين بن بهادر بن عبد الله الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه،ج3، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، 2007م، ص382.
15/ الزحيلي: وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي:ج2، دار الفكر الإسلامي- بيروت- لبنان، 2010م، ص874.
16/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول،ج1، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 2011م، ص404.
17/ فاضل: إبراهيم فاضل، سد الذرائع،ج9، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص1232.
18/ المرجع السابق: ج9ص1233.
19/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الفروق:ج3: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع: ص274.
20/ المصدر السابق: ج3ص275.
21/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص126.
22/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول،ج1، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 2011م، ص401.
23/ الزركشي: بدر الدين بن بهادر بن عبد الله الزركشي: شرح مختصر الخرقي،ج3، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع، ص498.
24/ البرهاني: محمد هشام البرهاني: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية:ص103، دار الفكر- دمشق، الطبعة الأولى1985م.
25/ المصدر السابق: ص121.
26/ المصدر السابق: ص122.
27/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
28/ شعبان محمد إسماعيل: أصول الفقه الميسر:ج1، دار ابن حزم- بيروت- لبنان الطبعة الأولى 1429ه- 2008، ص535.
29/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج4، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص3.
30/ الآية: 108 من سورة الأنعام.
31/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص105.
32/ سورة النور: الآية 31.
33/ شعبان محمد إسماعيل: أصول الفقه الميسر:ج1، دار ابن حزم- بيروت- لبنان الطبعة الأولى 1429ه- 2008، ص538.
34/ سورة النور: الآية 58.
35/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
36/ سورة البقرة: الآية 104.
37/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
38/ ابن الأثير: مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، جامع الأصول من أحاديث الرسول:ج10، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت، 2008م،ص8233.
39/ ابن حنبل: الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني، المسند،ج2 ، المكتب الإسلامي- بيروت- لبنان.الطبعة الثالثة2001م، حديث رقم 14820، ص123.
40/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص111.
41/ البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم: صحيح البخاري: ج1، شركة دار الأرقم، بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع، حديث رقم 5233، ص1150.
42/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص111.
43/ المصدر السابق: ج3ص111.
44/ المصدر السابق: ج3ص126.
45/ المصدر السابق:ج3ص114.
د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم- أستاذ أصول الفقه المشارك- جامعة دنقلا.
المستخلص:
هدفت الدراسة لتُبين أن قاعدة سد الذرائع حجة مُعتبرة يجوز بناء الأحكام عليها وأنها تمثل الدور الدفاعي والوقائي لمقاصد الشريعة الإسلامية. ويتمثل الهدف من هذا البحث إثبات أن العمل بقاعدة سد الذرائع معمولٌ به بين الفقهاء وأن الشريعة كما سدّت الذرائع فتحت ذرائع أُخرى. وتتمثل مشكلة الدراسة في بيان موقف علماء الأصول واتجاهاتهم في العمل بقاعدة سد الذرائع، وما علاقة قاعدة سد الذرائع بالاجتهاد؟. ومن أهم الأهداف المرجوة من هذا البحث أن الأخذ بمبدأ الذرائع فتحاً وسداً أصل من أصول التشريع الإسلامي. اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي التحليلي بالرجوع إلى أُمهّات كتب أصول الفقه والحديث واللغة والمراجع الحديثة لتوفير المادة العلمية المتعلقة بالموضوع. وخلصت الدراسة إلى عدة نتائج منها: أن سدّ الذرائع وفتحها حُجة تقرر لأجلها الأحكام.
Abstract:
The study amid to show that the rule of blocking excuses is an credible argument upon which judgments can be built and it is represents the defensive and preventive role of the purposes of the Islamic low. The goal it son this reaches is to proof that working with the rule of blocking excuses is applicable, it is established among the jurists and that the sharia is the blocked excuses opened other pretests. The problem of the study in a statement of the position of the scholars of assets and their trends in working with rule of blocking excuses and what is the relationship of the rule of blocking excuses to ijtihad? One of the most important objectives of this research, the introduction of the principle of pretexts, opening and closing is one of the foundation of the Islamic low. the study relied on the method by referring to the most important books of the fundamentals of figh, the study came to several results such as, that blocking the pretexts and opening them is an argument that decides judgments are for her.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد،،،
أسباب اختيار الموضوع: من أهم الأسباب التي دفعت الباحث لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
1- إزالة اللبس والغموض حول قادة سد الذرائع وفتحها وبيان حجيتها وشرعيتها.
2- بيان علاقة قادة سد الذرائع وفتحها بمقاصد الشريعة الإسلامية.
3- بيان قاعدة سد الذرائع ومرتبته التشريعية.
أهمية الموضوع: وتبرز أهمية الموضوع فيما يأتي:
1- موضوع قاعدة سد الذرائع وفتحها من الموضوعات الأصولية التي يستفيد منها جُلُّ أفراد المجتمع المسلم ومؤسساته العدلية والقضائية.
2- أن قاعدة سد الذرائع وفتحها تبنى عليها مسائل كثيرة في أبواب الفقه وخاصة القضايا المستجدة وقضايا العصر.
3- سد الذرائع يمثل الدور والوقائي والدفاعي بالنسبة لمقاصد الشريعة.
4- أن قاعدة سد الذرائع نتيجة من نتائج الاعتبار بمآلات الأفعال.
مشكلة الدراسة: وتتمثل مشكلة الدراسة في الإجابة على الأسئلة التالية:
1- ما هي قاعدة سد الذرائع وفتحها؟ وما مدى حجيتها عند علماء الأصل؟
2- ما هي علاقة قاعدة سد الذرائع بمقاصد الشريعة؟
منهج الدراسة: المنهج الذي انتهجه الباحث هو المنهج التحليلي الاستقرائي.
مفهوم قاعدة سد الذرائع وحقيقتها وأركانها:
أولاً: تعريف سد الذرائع وفتحها لغة: سد الذرائع مركب إضافي مركب من كلمتين، السد والذريعة ولا يمكن معرفة المركب الإضافي إلا بمعرفة أجزائه، فلا بد من تعرف كل منهما على حده.
أ/تعريف السد لغة: مصدر سدّ يسُد سداً فانسد، وهو إغلاق الخلل وردم الثلم(1). والسد: الحاجز بين الشيئين والبناء في مجرى الماء ليحجزه، والجمع سدود(2). ومنه قوله تعالى:( حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)(3).
ب/ تعريف الذريعة لغة: تطلق الذريعة في اللغة على عدة معاني منها: والذريعة: ناقة يتستر بها الرامي يرمي الصيد. وذلك أنه يتذرع معها ماشيا(4). والذريعة: الوسيلة والسبب إلى الشيء، وتذرع فلان بذريعة أي توسل بها، ويقال: فلان ذريعتي: أي سببي ووصلتي الذي أتسبب به إليك(5). والذريعة: الحلقة التي يتعلم عليها الرمي لأنها سبب ووسيلة إلى تعلم الرمي(6). فيتبين مما سبق أن سد الذريعة في اللغة: هو إغلاق ورد وسد الوسائل الموصلة إلي الشيء.
ثانياً: تعريف سد الذرائع وفتحها اصطلاحاً: المتتبع لكتب علماء الأصول ومؤلفاتهم يجد اختلافهم البيّن في تعريف سد الذرائع اصطلاحاً، ولعل سبب هذا الاختلاف هو إثبات كلمة السد في التعريف أو إسقاطها، فمن اكتفى بتعريف الذريعة وأسقط كلمة السد عرفها بأنها الوسيلة والطريقة إلى الشيء مشروعاً كان أم ممنوعاً وهؤلاء هم أكثر علماء الأصول، ومن أثبت كلمة السد عرفها بأنها الوسيلة والطريقة إلي ما كان محظوراً وممنوعاً وهؤلاء قلة من علماء الأصول. وعليه فيمكن حصر تعريفات علماء الأصول لسد الذرائع في اتجاهين اثنين هما:
الاتجاه الأول: تعرف الذريعة: وهذه بعض تعريفات علماء الأصول الذين عرفوا الذريعة بأنها الوسيلة أو الطريقة إلى الشيء مشروعاً أو ممنوعاً، فمن هذه التعريفات:
1- قال القرافي: الذريعة هي الوسيلة للشيء(7).
2- قال الإمام الباجي: الذريعة هي: المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور(8).
3- قال ابن النجار: ما ظاهره مباح ويتوصل به إلى محرم(9).
4- قال القرطبي: أمرٌ غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع(10).
5- قال ابن قيم الجوزية: الذريعة: ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء(11).
فيتبين من هذه التعريفات أن الذريعة هي الوسيلة المُفضية إلى الشيء سواء أكان هذا الشيء مشروعا أم ممنوعا وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد وقال ابن قيم الجوزية: مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل؛ فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضا، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده. وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه. فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها(12).
الاتجاه الثاني: تعريف سد الذريعة: وهذه بعض تعريفات علماء الأصول لسد الذرائع، ومعلوم مما سبق ذكره أن إضافة كلمة سد إلى الذريعة يعني أنها وسيلة إلى ما كان محظوراً وممنوعاً فمن هذه التعريفات:
1- قال الشاطبي: السد الذريعة هي: منع الجائز لأنه يجر إلى غير الجائز(13).
2- قال الزركشي: سد الذريعة: هي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور(14).
ثالثاً: تعريف فتح الذرائع اصطلاحاً: فالشريعة من تمام كمالها أنها كما سدت الطرق أمام بعض الذرائع فتحتها أمام الأخرى مراعاة للمصلحة، ففتح الذرائع معناه: هو الأخذ بالذرائع إذا كانت النتيجة مصلحة؛ لأن المصحلة مطلوبة(15). وقال القرافي: واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها ويكره ويندب ويباح، فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج(16).
بعض الأمثلة لفتح الذرائع: وهذه بعض الأمثلة التي ساقها الفقهاء وعلماء الأصول لبيان معنى فتح الذرائع فمنها:
أ -أباحت الشريعة دفع المال للعدو لتخليص الأسري مع أن في دفع المال إليه تقوية له، وهو حرام لأنه إضرار بالمسلمين، لكن مصلحة الأسرى أعظم نفعًا لأنه تقوية للمسلمين من ناحية أخرى.
ب -أجاز كثير من فقهاء المالكية والحنابلة دفع المال لشخص على سبيل الرشوة مع أنه حرام؛ ليتقي به معصية يريد المرتشي إيقاعها به، وضررها أشد من دفع المال إليه، وذلك إذا عجز الرجل المعطي للرشوة عن دفع المرتشي إلا عن طريق الرشوة.
جـ- إذا خشي المسلمون من دولة محاربة أذاها وخطرها، وليس عند جماعة المسلمين قوة يستطيعون بها دفع خطر العدو، فلهم الحق في بذل المال لاتقاء شر العدو وإن كان فيه معصية، إلا أنه أجيز منعًا لضرر أكبر وجلبًا لمصلحة أعظم(17).
د- ومن باب فتح الذرائع: ما يعرف بتشريع الضرائب والرسوم على المعاملات والتجارات وما يعرف بالاستيراد والتصدير لتوفير المال اللازم للدولة من القيام بالمهام المطلوبة إليها في الميادين الثقافية والعمرانية والدفاع وما إلى ذلك(18).
ه- يجوز إعطاء مال لرجل مسرف على نفسه ليأكله حرامًا حتى لا يزني بامرأة يزمع الزنا بها؛ لأن فساد الزنا أشد من فساد أكل مال رشوة، إذا لم يمكن دفعه عن الزنا إلا بالرشوة(19).
و- جواز حفر بئر في مكان لا تضر فيه غالباُ؛ لأن الفساد في حفرها يعتبر نادرًا، وبذلك كانت المصلحة في حفرها أرجح من احتمال ما قد يحدث نادرًا من سقوط أحد فيها(20). ففتح الذرائع يعنى إباحة الأمر الممنوع إذا ترتبت عليه مصلحة راجحة.
أهمية سد الذرائع وفتحها: قاعدة سد الذرائع وفتحها من القواعد الأصيلة والأدلة الجليلة من أدلت التشريع الإسلامي مقولة الإمام ابن قيم الجوزية في سد الذرائع وفتحها فقال: وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان؛ أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان؛ أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة؛ فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين(21). ومما يؤكد على أهمية سد الذرائع اعتبار الإمام القرافي سد الذرائع دليلاً من أدلة التشريع الإسلامي حيث قال: والأدلة على قسمين أدلة مشروعيتها وأدلة وقوعها، فأما أدلة مشروعيتها فتسعة عشر بالاستقراء، وأما أدلة وقوعها فلا يحصرها عدد، فلنتكلم أولاً عن أدلة مشروعيتها، فنقول: هي الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسد الذرائع، والاستدلال والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة(22). وقال الزركشي: والذرائع معتبرة عندنا في الأصول(23).
أركان الذريعة:
الركن الأول: الوسيلة:
وهي الأساس الذي تقوم عليه الذريعة لأن وجودها يستتبع بالضرورة وجود الركنين التاليين وهما: الإفضاء، والمتوسل إليه: والوسيلة يمكن أن نلاحظ فيها الملاحظات الآتية:
أولًا: الوسيلة قد تكون غير مقصودة لذاتها وذلك حين يتجه الفاعل إلى الفعل من غير أن يقصد المتوسل إليه، كمن يسب آهلة المشركين غيرة لله وانتصار للحق سبحانه وإغاظة للكفار، من غير نية إثارتهم ودفعهم لسب الله تعالى، فيسبون الله تعالى عدوًا بغير علم، ومع أن المسلم لا يظن به ذلك فقد منع؛ لأن المعهود فيمن عميت قلوبهم أن يغاروا على ما يظنونه آلهة.كما نهى الله سبحانه وتعالى أن يقولوا للرسول: راعنًا، يريدون المراعاة والانتظار؛ لأن اليهود كانوا يتخذون مخاطبة المسلمين بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة إلى الهزؤ، ويقصدون من وراء ذلك الرعونة، فعد استعمال المسلمين لها وسيلة إلى فعل خبيث لليهود، ولو كان غرضهم مجرد المخاطبة.
ثانيًا: قد تكون الوسيلة مقصودة لغيرها، أي أنها وسيلة لمقصود، كبيع شيء بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالة، فقد آل أمره إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة؛ لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا بيعًا ولا شراء، ولم يجر عليه عقد بالمرة، مع أنه بقيت صورته بينه، فكان عقدًا جر نفعا، وهو عين الربا المحرم، وقد حالت حرمته دون الدخول عليه ابتداء، فكانت صورته صورة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر وهي باطلة في الواقع.
ثالثا: إنها الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة؛ لأن وجوده يستتبع وجود الركنين الآخرين، فمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان وجودًا بالفعل أو تقديرًا. فلو ضربت المرأة ذات الخلاخيل وقصدت تحصيل الافتتان ثم حصل الافتتان بالفعل فقد توافرت الأركان الثلاثة، ولو ضربت مع قصد إثارة الافتتان ولم يحصل الافتتان أو ضربت من غير قد وحصل الافتتان أو ضربت من غير قصد ولم يحصل الافتتان فإنها تمنع من ذلك في الوجوه الثلاثة الأولى. ويقدر حصول الافتتان في الأول والقصد في الثاني والقصد مع الافتتان في الثالث، أما لو قصد الافتتان من غير ضرب بالأرجل وبقي ذلك في داخل نفسها فلا ذريعة، وإذا وجد الافتتان ولم يوجد سبب آخر غير الضرب بالأرجل يؤدي إليه، فذلك دليل على أنه إنما حصل بسبب الضرب، ولهذا فإن الركن الأول يعد الأساس(24).
ثانيًا: قد تكون الوسيلة مقصودة لغيرها، أي أنها وسيلة لمقصود، كبيع شيء بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالة، فقد آل أمره إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة؛ لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا بيعًا ولا شراء، ولم يجر عليه عقد بالمرة، مع أنه بقيت صورته بينه، فكان عقدًا جر نفعا، وهو عين الربا المحرم، وقد حالت حرمته دون الدخول عليه ابتداء، فكانت صورته صورة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر وهي باطلة في الواقع.
ثالثا: إنها الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة؛ لأن وجوده يستتبع وجود الركنين الآخرين، فمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان وجودًا بالفعل أو تقديرًا. فلو ضربت المرأة ذات الخلاخيل وقصدت تحصيل الافتتان ثم حصل الافتتان بالفعل فقد توافرت الأركان الثلاثة، ولو ضربت مع قصد إثارة الافتتان ولم يحصل الافتتان أو ضربت من غير قد وحصل الافتتان أو ضربت من غير قصد ولم يحصل الافتتان فإنها تمنع من ذلك في الوجوه الثلاثة الأولى. ويقدر حصول الافتتان في الأول والقصد في الثاني والقصد مع الافتتان في الثالث، أما لو قصد الافتتان من غير ضرب بالأرجل وبقي ذلك في داخل نفسها فلا ذريعة، وإذا وجد الافتتان ولم يوجد سبب آخر غير الضرب بالأرجل يؤدي إليه، فذلك دليل على أنه إنما حصل بسبب الضرب، ولهذا فإن الركن الأول يعد الأساس.
الركن الثاني: الإفضاء:
وهو الذي يصل بين طرفي الذريعة، وهما الوسيلة والمتوسل إليه، وجرى استعمال كلمة الإفضاء للدلالة عليه، ويلاحظ في هذا الركن أمران:
الأمر الأول: الإفضاء أمر معنوي يحكم على وجوده أما بعد الإفضاء فعلا وإما تقديرًا.
1- أما الإفضاء فعلًا: وهو يكون بحصول المتوسل بعد حصول الوسيلة.
كعصر الخمر بعد زراعة العنب، وكحصول الفاحشة بعد النظر إلى الأجنبية أو التحدث معها،أو وطء المحرم المحرمة بعد تطيبها بالنظر إلى أن التطيب من دواعي الوطء.
2- الإفضاء تقديرا: وهو على وجوه:
الوجه الأول: أن يقصد فاعل الوسيلة التذرع إلى المتوسل إليه حقيقة، كمن يعقد النكاح على امرأة ليحللها لزوجها الأول، ومن يلجأ إلى صورة بيوع الآجال ليأخذ القليل بالكثير، ومن يحفر بئرًا خلف باب الدار ليقع فيها كل من يدخلها.
الوجه الثاني: ألا يقصد فاعلها التذرع، ولكن كثرة اتخاذها في العادة وسيلة مفضية للمتوسل إليه يجعلنا نحكم عليها بأنها وسيلة مفضية، كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر، ثم يشتري إحداهما بدينار نقدًا، فإننا نتهمه بالقصد إلى جمع بيع وسلف معًا ولو لم يقصد ذلك بالفعل.
الوجه الثالث: ألا يقصد فاعلها التذرع بها ولكنها قابلة من نفسها لأن يتخذها وسيلة للإفضاء بها إلى المتوسل إليه سواء أفضت بالفعل أو لم تفض، كسب آلهة المشركين، فإنها قابلة لأن تحمل المشركين على سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم. فلذلك نمنع منها ولو لم ينو المسلم إثارتهم لذلك.
الوجه الرابع: ألا يقصد فاعل الوسيلة ولا غيره التذرع بها، ولكنها قابلة من نفسها الإفضاء، فنقدر كذلك الإفضاء بالفعل لنمنع منها كمن يحفر للسقي في طريق المسلمين أو يلقي السم لغرض مباح كإبادة الحشرات في الخضر أو الفواكه والبر والشعير، فغرض الأول منها السقي وغرض الثاني المباح الذي يعينه على إبادة الحشرات وكلاهما جائز لصاحبه فعله، ولكنه منع بتقدير الإفضاء إلى موت الأبرياء بالتردي والتسمم، ولولا هذا التقدير لبقي الحكم في الوسيلة على الجواز.
الأمر الثاني: يلاحظ في الركن الثاني وهو الإفضاء ضرورة بلوغه حدًا معينًا من القوة ليثبت بناء على ذلك المنع، والقوة إنما تكون بالكثرة العددية أو بخطورة المحظور الذي تفضي إليه(25).
الركن الثالث: المتوسل إليه: ويسمى أيضًا: الممنوع والمتذرع إليه، ويلاحظ فيه الأمور الآتية:
أولا: أن يكون ممنوعًا، فإن لم يكن كذلك بأن كان جائزًا فلا تكون الوسيلة إليه ذريعة بالمعنى الخاص وإن صح كونها ذريعة بالمعنى العام، ولا بد أن يكون فعلًا بمعنى أن يكون مقدورًا للمكلف، فإن لم يكن كذلك فالوسيلة إليه سبب أو مقتضى.
ثانيًا: الذي يلاحظ فيه أيضًا أنه الأساس في تقدير قوة الإفضاء وضعفه، فليست كثرة الإفضاء وحدها هي الأساس بل إن خطورة المتوسل إليه ومقامه بين المفاسد هو الذي يحدد كذلك هذه القوة. فالمفسدة في الدين أخطر من المفسدة في النفس، والمفسدة في النفس أخطر من المفسدة الواقعة في العقل، والمفسدة في العقل أخطر من المفسدة الواقعة في المال وهكذا. ومن جهة أخرى تعتبر المفسدة الواقعة في الجمع الغفير أخطر من المفسدة الحالة بعدد معين كما يعتبر المقبل على المفسدة بقصد أخطر من الواقع فيها بغير قصد. ولهذا نجد العلماء يبالغون في سد الذرائع التي تؤدي إلى محظور في العقيدة وفي الدين وقد كتبوا في ذلك كتبا، وعقدوا له أبوابًا وفصولًا، والمطالع لكتب البدع والحوادث يجد الشواهد الكثيرة على ذلك(26).
أقسام الذريعة عند علماء الأصول: لقد قسم علماء الأصول الذريعة إلى عدة أقسام وسأتناول تقسيم ابن قيم الجوزية وتقسيم القرافي وتقسيم الشاطبي رحمهم الله تعالى:
أولاً: تقسيم ابن قيم الجوزية للذريعة: وقسم الإمام ابن قيم الجوزية الذريعة إلى أربعة أقسام وهي:
القسم الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة: كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر، وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية، والزنا المفضي إلى اختلاط المياه وفساد الفراش، ونحو ذلك؛ فهذه أفعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهر غيرها. وحكمها: المنع كراهة أو تحريماً بحسب درجاته في المفسدة.
القسم الثاني: أن تكون وسيلة موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه؛ فالأول كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل، أو يعقد البيع قاصدا به الربا، أو يخالع قاصدا به الحنث، ونحو ذلك. والثاني كمن يصلي تطوعا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم، أو يصلي بين يدي القبر لله، ونحو ذلك. ثم هذا القسم من الذرائع نوعان؛ أحدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته، والثاني: أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته؛ فهاهنا أربعة أقسام الأول وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة.
القسم الثالث: وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها، ومثال الثالث الصلاة في أوقات النهي ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم، وتزين المتوفى عنها زوجها في زمن عدتها.
الرابع: وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها، فحكمها أن الشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة(27).
تقسيم القرافي للذريعة في تنقيح الفصول: قسم القرافي الذريعة إلى ثلاثة أقسام وهي:
أحدها: معتبرٌ إجماعاً، كحفر الآبار في طُرُق المسلمين، وإلقاء السمِّ في أطعمتهم، وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنه حينئذٍ يسب الله تعالى، فحكمها التحريم إجماعاً، لأنها موصلة إلى الحرام.
وثانيها: مُلْغىً إجماعاً، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنع خشية الخمر، والشَّرِكة في سكنى الدُّوْر خشية الزنا، فحكمها عدم الاعتبار لأنها لا تفضي إلى الحرام ولا توصل إليه.
وثالثها: مختلفٌ فيه، كبيوع الآجال اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخَالَفَنا(28) وهذه محل خلاف بين الأصوليين.
موقف العلماء من سد الذريعة: من المعلوم الخلاف الذي وقع بين علماء الأصول في سد الذرائع وحجيتها، فجملة الخلاف يمكن حصره في اتجاهين إثنين:
الاتجاه الأول: اعتبار الذرائع في الجملة وهذا يمثله جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، إلا أن المالكية والحنابلة توسعوا في الأخذ بمبدأ سد الذريعة، أما الحنفية والشافعية فقد ضيقوا الأخذ به، فأخذوا به في بعض الصور ورفضوه في البعض الآخر.
الاتجاه الثاني: عدم اعتبار الذرائع بالكلية وهذا اتجاه أهل الظاهر كما هو معروف(28).
أدلة القائلين بحجية سد الذرائع: لقد احتج القائلين بسد الذرائع بأدلة كثيرة من الكتاب، والسنة وأقوال الصحابة، وعمل الأئمة الأربعة. ولهذا قال ابن قيم الجوزية: ونحن نذكر قاعدة سد الذرائع ودلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والميزان الصحيح عليها(29).
الأدلة من القرآن الكريم تدل على حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من آيات القرآن الكريم منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- قوله تعالى:( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(30). قال ابن قيم الجوزية في تفسيرها: فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز(31).
2- وقوله تعالى:( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(32). فقد نهى النساء أن يضربن الأرض بأرجلهن في مشيتهن ليسمع الرجال صوت خلخالهن ، لأن ذلك ذريعة إلى تطلع الرجال إليهن فتتحرك فيهم الشهوة، وفي هذا مفسدةٌ كبيرة، ومثل ذلك التزين الزائد عن الحد، والتعطر عند الخروج ولو كان ذلك للصلاة(33).
3- وقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(34) أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة، ولم يأمرهم بالاستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة(35).
4- وقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(36). وقال ابن قيم الجوزية: نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم؛ فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب، ويقصدون فاعلا من الرعونة، فنهى المسلمون عن قولها؛ سدا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون(37).
الأدلة من السنة النبوية التي تدل على حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من الأحاديث من السنة النبوية منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر: شتْمَ الرَّجُل والديه، قال: وهل يشتِم الرجل والديه ؟ قال نعم ، يَسُبُّ الرجلُ أبا الرَّجُل وأمه، فيسبُ أباه وأمه(38). فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سب الوالدين حراما من كبائر الذنوب، وكذلك الحكم في ذلك بمن تسبب في سب والدي الغير لأن سب والدي الغير ذريعة ووسيلة إلى سب والديه فحرم سب والدي الغير سداً لذريعة سب الوالدين.
2- عن جابر بن عبد الله، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، قال: فقال عمر: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه(39).
قال ابن قيم الجوزية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه، وقولهم: إن محمدا يقتل أصحابه، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ومن لم يدخل فيه، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل(40).
3- قوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم(41). أنه صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن، والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين، سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع(42).
الأدلة من أقوال الصحابة وأفعالهم تدل حجية سد الذرائع: استدل جمهور علماء الأصول القائلين بحجية سد الذرائع ووجوب قطع الذريعة المفضية إلى الحرام بجملة من أقوال الصحابة وأفعالهم منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- أن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجميع بالواحد وإن كان أصل القصاص يمنع ذلك؛ لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء(43).
2- جمع عثمان المصحف على حرف واحد من الأحرف السبعة لئلا يكون ذريعة إلى اختلافهم في القرآن، ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم(44).
3- أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد وإن لم يقصد الحرمان لأن الطلاق ذريعة، وأما إذا لم يتهم ففيه خلاف معروف مأخذه أن المرض أوجب تعلق حقها بماله؛ فلا يمكن من قطعه أو سدا للذريعة بالكلية وإن كان في أصل المسألة خلاف متأخر عن إجماع السابقين(45).
الخاتمة:
فيتضح مما سبق أن الأخذ بمبدأ سد الذرائع وفتحها مبدأ معتبر في نصوص الشريعة الإسلامية تحقيقاً لمصالح العباد في معاشهم ومعادهم. وإنّ مما يدل على تمام شريعتنا وكمالها فإنها إذا ما سدت باباً تسده مع جميع الأبواب المؤدية والموصلة إليه، وكذلك إذا ما فتحت باباً فإنها تفتحه مع جميع الأبواب المؤدية إليه. فسد الذرائع وفتحها مصدراً من مصادر الأحكام.
أولاً: النتائج:
فقد خلُصت الدراسة إلى جملة من النتائج وهي:
1/ اعتبار الذرائع فتحاً وسداً دليل على مرونة التشريع الإسلامي وأنها صالحة لكل زمان ومكان تُساير واقع الناس في كل جديد صالح ونافع.
2/ ما حُرم سداً للذريعة يُباح للمصلحة الراجحة.
3/ أن الفقهاء جميعاً وأئمة المذاهب الأربعة يأخذون بأصل سد الذرائع وفتحها بين مكثر ومقل إلا الظاهرية فإنهم لا يعملون بهذا الأصل.
4/ من أكثر الأدلة صلة بالاجتهاد سد الذرائع وفتحها إذ المجتهد يرتكز عليها في اجتهاده.
5- أن قاعدة سد الذرائع يمثل الدور الوقائي بالنسبة لمقاصد الشريعة الإسلامية.
ثانياً: التوصيات:
كما خلُصت الدراسة إلى جملة من التوصيات التالية وهي:
1/ الرجوع إلى تُراثنا الفقهي فإنّ فيه حُلولاً كثيرة لمشكلات عصرنا.
2/ على أساتذة الجامعات والمعاهد الشرعية والمجامع الفقهية تدريس هذه الأدلة الشرعية وبيان حجيتها.
المصادر والمراجع:
1/ ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب:ج3، دار صادر- بيروت- لبنان، ص207.
2/ الزيات: أحمد حسن الزيات وآخرون: المعجم الوسيط:ج1، دار الدعوة- القاهرة- مصر، ص423.
3/ الآية: 93 من سورة الكهف.
4/ ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة،ج2، دار الفكر- بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1979م، ص350.
5/ ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب:ج8، دار صادر- بيروت- لبنان، ص96.
6/ المصدر السابق: ج8ص98.
7/ القرافي: القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الفروق:ج3: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع: ص266.
8/ الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي: إحكام الفصول في أحكام الأصول:ج2 دار الغرب الإسلامي- تونس، الطبعة الأولى 1986م، ص695.
9/ ابن النجار: محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن النجار: شرح الكوكب المنير:ج4، مكتبة العبيكان- المملكة العربية السعودية- الرياض، الطبعة الأولى 1997م، ص434.
10/ القرطبي: أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: ج5، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان، الطبعة الأولى2002م،ص335.
11/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص116.
12/ المصدر السابق: ج3ص116.
13/ الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم الشاطبي: الاعتصام:ج2، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت- لبنان، ص78.
14/ الزركشي: بدر الدين بن بهادر بن عبد الله الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه،ج3، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، 2007م، ص382.
15/ الزحيلي: وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي:ج2، دار الفكر الإسلامي- بيروت- لبنان، 2010م، ص874.
16/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول،ج1، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 2011م، ص404.
17/ فاضل: إبراهيم فاضل، سد الذرائع،ج9، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص1232.
18/ المرجع السابق: ج9ص1233.
19/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الفروق:ج3: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع: ص274.
20/ المصدر السابق: ج3ص275.
21/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص126.
22/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول،ج1، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 2011م، ص401.
23/ الزركشي: بدر الدين بن بهادر بن عبد الله الزركشي: شرح مختصر الخرقي،ج3، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع، ص498.
24/ البرهاني: محمد هشام البرهاني: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية:ص103، دار الفكر- دمشق، الطبعة الأولى1985م.
25/ المصدر السابق: ص121.
26/ المصدر السابق: ص122.
27/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
28/ شعبان محمد إسماعيل: أصول الفقه الميسر:ج1، دار ابن حزم- بيروت- لبنان الطبعة الأولى 1429ه- 2008، ص535.
29/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج4، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص3.
30/ الآية: 108 من سورة الأنعام.
31/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص105.
32/ سورة النور: الآية 31.
33/ شعبان محمد إسماعيل: أصول الفقه الميسر:ج1، دار ابن حزم- بيروت- لبنان الطبعة الأولى 1429ه- 2008، ص538.
34/ سورة النور: الآية 58.
35/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
36/ سورة البقرة: الآية 104.
37/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص110.
38/ ابن الأثير: مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، جامع الأصول من أحاديث الرسول:ج10، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت، 2008م،ص8233.
39/ ابن حنبل: الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني، المسند،ج2 ، المكتب الإسلامي- بيروت- لبنان.الطبعة الثالثة2001م، حديث رقم 14820، ص123.
40/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص111.
41/ البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم: صحيح البخاري: ج1، شركة دار الأرقم، بيروت- لبنان، بدون تاريخ طبع، حديث رقم 5233، ص1150.
42/ ابن قيم الجوزية: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج3، دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1411ه- 1991م، ص111.
43/ المصدر السابق: ج3ص111.
44/ المصدر السابق: ج3ص126.
45/ المصدر السابق:ج3ص114.