خطبة: وليال عشر -مكتوبة- عناصرها: عشر ذي الحجة أفضل الأيام | فضائل يوم عرفة | حال السلف في يوم ...

خطبة: وليال عشر -مكتوبة-

عناصرها: عشر ذي الحجة أفضل الأيام | فضائل يوم عرفة | حال السلف في يوم عرفة.

الخطبة الأولى


الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ~ [آل عمران: ١٠٢]، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ~ [النساء: ١]، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) ~ [الأحزاب: ٧٠-٧١]، أما بعد:

أيها المسلمون: فإن من رحمة الله ﷻ بعباده وتفضله عليهم أن يسر لهم مواسم للتزود من الطاعات والمسارعة إلى جنة عرضها كعرض الأرض والسماوات؛ وها هي تدخل علينا أعظم أيام الدنيا على الإطلاق؛ حيث أن العمل الصالح فيها أحب الأعمال إلى الواحد الخلاق؛ كما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة، ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" ~ (أخرجه البخاري) ~ ، وروى جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" ~ (صححه الألباني).

والمتأمل في سبب تفضيل العشر الأول من ذي الحجة؛ اجتماع أمهات العبادات فيها دون غيرها من الأيام والشهور؛ يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".

عباد الله: وأيام العشر الفاضلة من ذي الحجة تتفاوت في الفضل والمنزلة نظرا لتفاوت ما شرع فيها من أعمال جليلة وشعائر عظيمة؛ فأفضل أيامها يوم النحر -يوم عيد الأضحى المبارك- ثم يوم عرفة وذلك لما يكون فيهما من أعمال الحج وما حظيا به من الخصائص دون غيرها من الأيام؛ ولعلنا في هذا المقام نتحدث عن يوم عرفة الذي حظي بالمزايا والفضائل وإجابة الله لدعاء عباده وتحقيق ما يطلبونه من المسائل؛ فتعالوا لنعرض على مسامعكم بعضا من خصائص يوم عرفة وفضائله؛ فمن ذلك:

أن الله ﷻ أقسم به، والله ﷻ عظيم لا يقسم إلا بعظيم؛ فيوم عرفة من الأيام العظيمة وهو اليوم المشهود؛ كما في قوله ﷻ: (وشاهد ومشهود) ~ [البروج: ٣]، وقد جاء من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: "اليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة" ~ (حسنه الألباني).

وأقسم الله بيوم عرفة في قوله ﷻ: (والشفع والوتر) ~ [الفجر: ٣]؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".

ومن فضائل يوم عرفة: أنه يوم اكتمال الدين وإتمام الله نعمته على المؤمنين؛ قال ﷻ: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ~ [المائدة: ٣]؛ يقول عمر -رضي الله عنه-: "والله إني لأعلم في أي يوم أنزلت وفي أي ساعة أنزلت وأين أنزلت وأين كان رسول الله ﷺ حين أنزلت: أنزلت ورسول الله فينا يخطب ونحن وقوف بعرفة".

ومن فضائله: أن صيامه يكفر ذنوب السنة الماضية والسنة الآتية؛ كما في حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "سئل رسول الله ﷺ عن صيام يوم عرفة؛ فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية" ~ (رواه مسلم).

ومن فضائل يوم عرفة: أنه يوم يرجى فيه إجابة الدعاء؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" ~ (حسنه الألباني) ~ ؛ فعلى العاقل أن يغتنم هذا اليوم المبارك فيكثر فيه من الدعاء والابتهال ومناجاة الكريم المتعال.

ومن فضائل يوم عرفة ومزاياه: أن هذا اليوم يغيظ الشيطان وذلك حين يرى إقبال العباد على ربهم ويرى رحمات الله تتنزل عليهم ومغفرته لهم؛ وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: "ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة" ~ (رواه مالك والبيهقي) ~ ؛ فعلى المسلم أن يتزود من الطاعات والقربات في هذا اليوم المبارك، وأن يفر إلى ربه من المعاصي والسيئات والخطايا والموبقات؛ عل الله أن يكرمه بمرضاته وقربه ويعتق رقبته من النار برحمته وفضله.

كما أن مما حظي به هذا اليوم من الفضائل: أن ربنا ﷻ يعتق في هذا اليوم من رقاب عباده ما لا يعتق في غيره من الأيام، ويباهي بعباده ملائكته؛ كما روت عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله ﷺ قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء" ~ (رواه مسلم) ~ ؛ وفي هذا الحديث إشارة واضحة على فضل يوم عرفة.

فاغتنموا هذه الأيام المباركة تنالوا مرضاة رب العباد، وتزودوا فيها من أعمال البر تسعدون يوم المعاد.

تزود للذي لابد منه *** فإن الموت ميقات العباد
وتب مما جنيت وأنت حي *** وكن متنبها قبل الرقاد
ستندم إن رحلت بغير زاد *** وتشقى إذ يناديك المنادي
أترضى أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد، وأنت بغير زاد
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم.

وهنا: بليغة وقوية.. خطبة عيد الأضحى المبارك مكتوبة

الخطبة الثانية


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

عباد الله: يوم عرفة يوم مبارك فهنيئا لمن عرفه واجتهد فيه؛ كما كان يفعل سلفنا الصالح فكم لهم من المآثر التي لا تنسى؛ وسنعطر المقام بأمثلة يسيرة على اجتهادهم -رحمهم الله ورضي عنهم- في يوم عرفة بالدعاء وعظيم الخوف والرجاء؛ فمن ذلك: ما ذكر عن مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة فقال أحدهما: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي". وقال الآخر: "ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم".

وذكر عن الفضيل بن عياض -رحمه الله-؛ أنه نظر إلى بكاء الناس وتسبيحهم عشية عرفة فقال: "أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا -يعني: سدس درهم- أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق".

وذهب عبدالله ابن المبارك إلى سفيان الثوري -رحمهما الله- عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تذرفان فقال له: "من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له".

أيها المسلمون: هكذا كان حال سلفنا الصالح في أيام العشر عامة وفي يوم عرفة ويوم النحر خاصة؛ فاحرصوا على الاجتهاد في الطاعات والقربات وتزود في هذه الأيام الفاضلة من الأعمال التي شرعت فيها بدءا من فريضة الحج لمن تيسر له ذلك في هذا العام، ولا تغفلوا عن يوم عرفة صوموا نهاره وأكثروا فيه من الدعاء والذكر وقراءة القرآن والمحافظة على الفرائض وكف الأذى وأقبلوا على ربكم؛ فمن أقبل عليه أكرمه بقبوله ومرضاته وأعد له يوم لقائه منزلا بجناته.

اللهم وفقنا لاغتنام هذه العشر وارزقنا فيها عظيم الأجر ومغفرة الوزر.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ كما أمركم بذلك العليم الخبير فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ~ [الأحزاب:٥٦].

  • خطبة للشيخ: عبدالله البرح

  • عبر: ملتقى الخطباء


ولا تفوتك هنا: خطبة عيد الأضحى المبارك 2022 «مكتوبة» مُقسَّمة لعناصر وفقرات