وهو الذي يهمه ما يهمك. أو من الحامة بمعنى الخاصة، وهو الصديق الخاص. فإن قلت: لم جمع الشافع ووحد ...

وهو الذي يهمه ما يهمك. أو من الحامة بمعنى الخاصة، وهو الصديق الخاص. فإن قلت: لم جمع الشافع ووحد الصديق؟ قلت: لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق. ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته، رحمة له وحسبة، وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة. وأما الصديق - وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك - فأعز من بيض الأنوق.
وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال: اسم لا معنى له. ويجوز أن يريد بالصديق: الجمع. الكرّة: الرجعة إلى الدنيا. ولو في مثل هذا الموضع في معنى التمني، كأنه قيل: فليت لنا كرة. وذلك لما بين معنى «لو» و «ليت» من التلاقي في التقدير
•---------------------------------•
القريب المشفق، فكأنه الذي يحتد حماية لذويه، واحتم فلانٌ لفلان: احتد، وذلك أبلغ من اهتم، لما فيه من معنى الاحتمام، وعبر عن الموت بالحمام كقولهم: حم كذا، أي قدر، والحمى سميت بذلك إما لما فيها من الحرارة المفرطة، وعلى ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه: "الحمى من فيح جهنم"، وإما لما يعرض فيه من الحميم، أي العرق، وإما لكونها من أمارات الموت، لقولهم: الحمى بريد الموت، وقيل: باب الموت.
قوله: (أو من الحامة بمعنى الخاصة)، الأساس: وهو مولاي الأحم، أي: الأخص والأحب.
قوله: (فأعز من بيض الأنوق)، الجوهري: الأنوق، على فعول: طائرٌ وهو الرخمة، وفي المثل: أعز عن بيض الأنوق، لأنها تحرزه ولا يكاد يظفر بها، لأن أوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة.
قوله: (لما بين معنيي "لو" و"ليت" من التلاقي في التقدير)، بيانٌ لوجه العلاقة، يعني: كما يقدر بـ "لو" غير الواقع، نحو: لو كان لي مالٌ لحججت، يقدر بـ "ليت" غير الواقع،
.
..
.
..

.
..
...
.
..
.
ثم قال: "فالأول هو المحقق من سياق الآية، والثاني محتمل، ويؤيد الجواز سعة الفضل" (1).
قال الراغب: " فإن قيل: كيف قال في موضع: {يُضَاعِفُ}، وفي موضع: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقال هاهنا ما يدل على أنه يحادي بواحد سبع مائة:
قيل: في ذلك طريقتان:
إحداهما: أن الخيرات تختلف باختلاف العالمين واختلاف نياتهما.
والثاني: أن تختلف باختلاف الأعمال.
فالأول: هو أن الناس فيما يتحرونه من أفعال الخير بالقول المجمل ثلاثة أضرب على ما قصد تعالى من ظالم ومقتصد وسابق أما الظالم: فالمتحري للخير مخافة سلطان ومذمة إنسان وتخويف عالم إياه من النار ونحو ذلك، وأما المقتصد: فالمتحري للخير مخافة عقاب الله ورجاء ثوابه من حيث ما قد تحقق وعده ووعيده، وأما السابق: فالمتحري للخير قصدا لوجه الله خالصا وثوابهم يختلف باختلاف مقاصدهم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في السابقين حاكيا عن الله عز وجل - " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " (2) الخبر.
والثاني: وهو أن يختلف باختلاف الأعمال وبيان ذلك أن السخاء أفضل أفعال العباد بدلالة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " السخاء شجرة من أشجار الجنة، أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى الجنة، والبخل شجرة من أشجار النار، فمن أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى النار " (3).
وقيل لبعض الحكماء: " أي شيء من أفعال العباد أشبه بفعل الله "؟ فقال: " السخاء، وأفضل الجود ما كان عن ضيق "، ولهذا قال الشاعر (4):
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل
وقد علم أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا مضيفين سيما في ابتداء الإسلام وأفضل الإنفاق ما يقصد به وجه الله لعز وجل -، وأفضل ما يقصد به وجهه ما يجعل في سبيل الله، وأفضل سبيل ينفق فيه ما كان أكثره غنى، وقد علم أنه لا جهاد أكبر من جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قوم أكفر ممن كان يحاد بهم ولا زمان أحوج إلى محاربتهم من زمانه وكل وأحد من هذه الخصال يجري مجرى فعل يستحق
__________
(1) الفتح: 11/ 334، بل يجزم بوقوع المضاعفة فوق سبعمائة ضعف حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-والذي سبق ذكره. [أخرجه البخاري في صحيحه-فتح-: 11/ 331 رقم: 6491].
(2) رواه البخاري (3072) ومسلم (2824) وعنده: (بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ).
(3) تذكرة الموضوعات (63)، التعقبات (40)، التنزيه (2/ 139)، وضعيف الجامع (3340)، والقواعد المجموعة (212)، والكشف الإلهي (444)، واللآلئ (2/ 93)، والموضوعات (2/ 183). والحديث: ورواه ابن عدي (1/ 235) وابن شاهين في الترغيب (264) والدارقطني في الأجواد (6) والخطيب (1/ 253 - 254) والبيهقي في الشعب (10138): ص (7/ 435) وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 182) والسيوطي في بغية الوعاة (2/ 403) من طريق محمد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد، نا عبد العزيز بن عمران الزهري، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ آخر، وأوله: "السخاء شجرة في الجنة".
قال العراقي في تخريج الإحياء (3294): فيه عبد العزيز بن عمران الزهري ضعيف جدا.
قلت: وابن أبي حبيبة ضعيف، وساق ابن عدي الحديث من مناكيره، ولكن يظهر أنه مناكير ابن عمران، والله أعلم.
وقال الألباني في الضعيفة (8/ 350): هذا إسناد ضعيف جدا. وخرّج فيه اللفظ المذكور.
(4) البيت للمقنع الكندي، نسبه إليه أبو تمام في الحماسة (شرح الحماسة للمرزوقي: 1734)، والسيوطي في شرح شواهد المغني: 1/ 372، والبغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب: 3/ 102، وذكره الأشموني 560/ 3، والسيوطي في الهمع 9/ 2، "الفضول" المال الزائد "سماحة" الجود والكرم.، يقول الشاعر: إن إعطاءك من زيادات مالك لا يعد سماحة، إلا أن تعطي في حالة قلة المال.