أصحابه. وقال ابن الْمُبَارَكِ: مَرَّ رَجُلٌ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبَرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ فَنَادَاهُ ...

أصحابه. وقال ابن الْمُبَارَكِ: مَرَّ رَجُلٌ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبَرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَاهِبُ إِنَّ عِنْدَكَ كَنْزَيْنِ مِنْ كُنُوزِ الدُّنْيَا لَكَ فِيهِمَا مُعْتَبَرٌ: كَنْزُ الرجال، وكنزل الْأَمْوَالِ.
* وَعَنِ ابْنِ عُمَرِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَاهَدَ قَلْبَهُ يَأْتِي الْخَرِبَةَ فَيَقِفُ عَلَى بَابِهَا فَيُنَادِي بِصَوْتٍ حَزِينٍ فَيَقُولُ: أَيْنَ أَهْلُكِ؟ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وجهه}
* وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا بِغَيْرِ الْعِبْرَةِ انْطَمَسَ مِنْ بَصَرِ قَلْبِهِ بِقَدْرِ تلك الغفلة. * *وقال بشر الْحَافِي: لَوْ تَفَكَّرَ النَّاسُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تعالى لما عصوه.
وَعَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: يَا ابن آدم الضعيف اتق الله حيث ما كنت، وكن في الدنيا ضعيفاً، وَاتَّخِذِ الْمَسَاجِدَ بَيْتًا، وَعَلِّمْ عَيْنَيْكَ الْبُكَاءَ، وَجَسَدَكَ الصَّبْرَ وَقَلْبَكَ الْفِكْرَ، وَلَا تَهْتَمَّ بِرِزْقِ غَدٍ.
*وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَكَى يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَكَّرْتُ فِي الدُّنْيَا وَلِذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا فَاعْتَبَرْتُ مِنْهَا بِهَا، مَا تَكَادُ شَهَوَاتُهَا تَنْقَضِي حَتَّى تُكَدِّرَهَا مَرَارَتُهَا. وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ، إِنَّ فيها مواعظ لمن ادكر.

وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَا يَعْتَبِرُ بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ وآياته فقال: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ في السموات وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ* وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وَمَدَحَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خلق السموات وَالْأَرْضِ}، قَائِلِينَ: {رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} أَيْ مَا خَلَقْتَ هَذَا الْخَلْقَ عَبَثًا، بَلْ بِالْحَقِّ لِتَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُوا، وَتَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى، ثُمَّ نَزَّهُوهُ عَنِ الْعَبَثِ وَخَلْقِ الْبَاطِلِ، فَقَالُوا: {سُبْحَانَكَ} أَيْ عَنْ إِنَّ تَخْلُقَ شَيْئًا بَاطِلًا. {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أَيْ يَا مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ؛ يَا مَنْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعَيْبِ وَالْعَبَثِ، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك، وَوَفِّقْنَا لِعَمَلٍ صَالِحٍ تَهْدِينَا بِهِ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَتُجِيرُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِكَ الْأَلِيمِ، ثُمَّ قالوا: {بنا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} أَيْ أهنته وأظهرت خزيهه لِأَهْلِ الْجَمْعِ، {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنْصَارٍ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مُجِيرَ لَهُمْ مِنْكَ، وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَمَّا أَرَدْتَ بِهِمْ، {رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ} أَيْ دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} أَيْ يَقُولُ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا أَيْ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَاتَّبَعْنَاهُ أي بإيماننا بنبيك، {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} أَيِ اسْتُرْهَا، {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} أَيْ أَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ} قِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى الْإِيمَانِ بِرُسُلِكَ، وَقِيلَ: معناه عَلَى ألسنة رسلك، وهذا أظهر {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} أي على رؤوس الْخَلَائِقِ، {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} أَيْ لَا بد من الميعاد الذين أَخْبَرْتَ عَنْهُ رُسُلَكَ وَهُوَ الْقِيَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بين يديك.
*وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَشْرَ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِذَا قَامَ مِنَ الليل لتهجده فقال البخاري رحمه الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الْأَلْبَابِ} الآيات، ثم قام فتوضأ واستن، ثم صلى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خرج ذات ليلة بعدما مَضَى لَيْلٌ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَلَا هَذِهِ الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الْأَلْبَابِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي
.
.
.
.
.
.
t4t
* الْهَوَى مِنْ شِدَّةِ الضَّرَرِ،. وَقُبْحِ الْأَثَرِ، .وَكَثْرَةِ الْإِجْرَامِ،. وَتَرَاكُمِ الْآثَامِ.
فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» . أَخْبَرَ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى الْجَنَّةِ احْتِمَالُ الْمَكَارِهِ، وَالطَّرِيقَ إلَى النَّارِ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ.
*قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكُمْ وَتَحْكِيمَ الشَّهَوَاتِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّ عَاجِلَهَا ذَمِيمٌ، وَآجِلَهَا وَخِيمٌ، فَإِنْ لَمْ تَرَهَا تَنْقَادُ بِالتَّحْذِيرِ وَالْإِرْهَابِ، فَسَوِّفْهَا بِالتَّأْمِيلِ وَالْإِرْغَابِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى النَّفْسِ ذَلَّتْ لَهُمَا وَانْقَادَتْ.
*وَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: كُنْ لِهَوَاك مُسَوِّفًا، وَلِعَقْلِك مُسْعِفًا، وَانْظُرْ إلَى مَا تَسُوءُ عَاقِبَتُهُ فَوَطِّنْ نَفْسَك عَلَى مُجَانَبَتِهِ فَإِنَّ تَرْكَ النَّفْسِ وَمَا تَهْوَى دَاؤُهَا، وَتَرْكَ مَا تَهْوَى دَوَاؤُهَا، فَاصْبِرْ عَلَى الدَّوَاءِ، كَمَا تَخَافُ مِنْ الدَّاءِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
صَبَرْتُ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى تَوَلَّتْ ... وَأَلْزَمْتُ نَفْسِي صَبْرَهَا فَاسْتَمَرَّتْ
وَمَا النَّفْسُ إلَّا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى ... فَإِنْ طَمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلَّا تَسَلَّتْ
فَإِذَا انْقَادَتْ النَّفْسُ لِلْعَقْلِ بِمَا قَدْ أُشْعِرَتْ مِنْ عَوَاقِبِ الْهَوَى لَمْ يَلْبَثْ الْهَوَى أَنْ يَصِيرَ بِالْعَقْلِ مَدْحُورًا، وَبِالنَّفْسِ مَقْهُورًا، ثُمَّ لَهُ الْحَظُّ الْأَوْفَى فِي ثَوَابِ الْخَالِقِ وَثَنَاءِ الْمَخْلُوقِينَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ جِهَادُ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَعَزُّ الْعِزِّ الِامْتِنَاعُ مِنْ مِلْكِ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: خَيْرُ النَّاسِ مَنْ أَخْرَجَ الشَّهْوَةَ مِنْ قَلْبِهِ، وَعَصَى هَوَاهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ أَمَاتَ شَهْوَتَهُ، فَقَدْ أَحْيَا مُرُوءَتَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: رَكَّبَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ عَقْلٍ بِلَا شَهْوَةٍ، وَرَكَّبَ الْبَهَائِمَ مِنْ شَهْوَةٍ بِلَا عَقْلٍ، وَرَكَّبَ ابْنَ آدَمَ مِنْ كِلَيْهِمَا؛ فَمَنْ غَلَّبَ عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَلَى عَقْلِهِ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْبَهَائِمِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ، وَأَحْرَاهُمْ بِالظَّفَرِ فِي مُجَاهَدَتِهِ؟ قَالَ: مَنْ جَاهَدَ الْهَوَى طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَاحْتَرَسَ فِي مُجَاهَدَتِهِ مِنْ وُرُودِ خَوَاطِرِ الْهَوَى عَلَى قَلْبِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
قَدْ يُدْرِكُ الْحَازِمُ ذُو الرَّأْيِ الْمُنَى ... بِطَاعَةِ الْحَزْمِ وَعِصْيَانِ الْهَوَى