أهمية العافية في حياة الإنسان:ـ إن العافية لما كانت في هذه المنزلة السامية، ولها هذا الفضل العظيم؛ ...

أهمية العافية في حياة الإنسان:ـ
إن العافية لما كانت في هذه المنزلة السامية، ولها هذا الفضل العظيم؛ كانت من النعيم الذي يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة ، ماذا عمل به؟
قال رسول الله (ﷺ) :{إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك، ونروك من الماء البارد؟}[رواه الترمذي والحاكم].
ولهذا قال علي وابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}[التكاثر]. "عن الصحة"
والعافية من أعظم المواهب، وأجل الرغائب، جاء رجل إلى رسول الله(ﷺ) وقال: "علمني دعاء أنتفع به"، قال: {قُلِ: اللَّهُمَّ عَافِنِي مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَلِسَانِي، وَقَلْبِي، وَشَرِّ مَنِيِّي} يَعْنِي ذَكَرَهُ. [رواه أبو داود والترمذي والنسائي] .
فالعافية تذهب القلق وهموم الحياة وتزيل الشقاء والعناء، فما سئل ربنا شيئا أحب إليه من سؤال العافية والمعافاة.
العافية حصانة من الفتن، ووقاية من المحن، كما قال النبي (ﷺ): "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية".
ولا تَقتَصِرُ العافيةُ على الأحياءِ ، بَلْ تَتَعدّاهُم إلى الأمواتِ .
فَفِي صحيحِ مُسلِمٍ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ بنِ الحصيبِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاَحِقُونَ ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ}.
حتى في الصلاة على الميت تسأل الله تعالى له العافية تقول: "اللهم عافه واعفُ عنه".
إن المسلم إذا رُزِق العافية في دينه ودنياه وآخرته؛ فقد رزق خيراً وفيراً، ففي الدنيا والدين يظهر أثر ذلك الرزقِ الحسنِ في راحته واطمئنانه، وصلاح عيشه واستقامة أحواله، وحسن عبادة ربه، وأداء حقوق خلقه، وفي الآخرة يظهر أثر ذلك في نجاته من سخط الله وعقابه، والفوز بدار كرامته ، فمن أوتي ذلك فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب.
لولا العافية لما شعرت بلذة محبوب، وطعم موهوب.
لولا العافية لما طلبت كل شهي ومرغوب.
لولا العافية لتكدرت حالك وانشغل بالك.
لولا العافية لم يكن لك قرار وثبات واستقرار.
لولا العافية لم تتزوج وتطلب المال وترغب في الحياة والعيال.
لولا العافية لم يدم لك مطعم وشراب ولا ما تشتهي مما لذ وطاب ، فما طاب شيء إلا بالعافية.
لذلك فهم السلف الصالح هذا الأمر جيدا فأولوه اهتماما كبيرا..
كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول " لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر "
بهذه الكلمات كان الصديق رضي الله عنه يعلن بين صحابة النبي (ﷺ) رؤية الإسلام الواضحة تجاه قضية العافية ..
لأنه لا يَتِمُّ صَلاحُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ إِلا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ ، فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عقوباتِ الآخِرَةِ ، والعافيةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ .
وقال عبد الأعلى التيمي يقول: "أكثروا سؤال العافية؛ فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء، وما المبتلَون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم، فما يأمن من أطال المقام على معصية الله أن يكون قد بقي له في بقية عمره من البلاء ما يحذره في الدنيا، ويفضحه في الآخرة".
وكان الحَجاج على ما فيه من صلف وتجبر جوادا كريما لا تخلو مائدته من آكل، فذات يوم كان خارجا للصيد وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غذاؤه قال: التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل جهة فلم يجدوا إلا أعرابيا، فأتوا به، فقال له الحجاج: هلم فكل، فقال: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته، قال: من هو؟ قال الله دعاني إلى الصوم، قال: تصوم في مثل هذا اليوم الحار؟!
قال: صمت ليوم هو أشد حرا منه، قال: أفطر وصم غدا، فقال الأعرابي: أيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد!
فقال: إنه طعام طيب، فقال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبّازُك ولا طباخك؛ ولكن طيبته العافية.
فالعافية لا تصلح الدنيا إلا بها، ولا العيش والأمن إلا في أجوائها؛ بالعافية ينال المرء كل مطلوب، ويسعد في كل مرغوب.
فهل سيَشعر الإنسان بالسَّعادة دون العافية؟
وهل سيتمتَّع بالمال دون العافية؟
وهل سيفرَح بالمنصب والجاه دون العافية؟
ولعظم منزلة العافية وشرف مكانتها، كان النبي (ﷺ) لا يدع سؤالها صباحا ومساء وفي جميع أحواله ومعاشه وآخرته ودنياه ، فمما ثبت عنه (ﷺ) ما يلي ...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وَإذا أَمْسَى: {اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي}[رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم].
ومن أهميتها أن تنام على سؤالها وتستيقظ على سؤالها، فعند مسلم أن ابن عمر أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقول: {اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها، لك مماتها
ومحياها ، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية}.
وعندما تستيقظ تقول: "الحمد لله الذي رد عليّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره".
ومما يدل على أهميتها أنك تسألها ممن يملكها في صلاتك بين السجدتين فتقول: {رب اغفر لي وارحمي واهدني وارزقني وعافني}.
وبين النبي (ﷺ) أن من حازها فقد حاز الدنيا بما فيها ،قال رسول الله (ﷺ): {مَن أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده طعام يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها}[ سنن الترمذي بسند حسن]
ولأهمية العافية كانت سؤال النبي (ﷺ) في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يارسول الله:{ أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها، قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني}. [رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وصححه الشيخ الألباني].