بيت أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل، لأنه يقال: بَاتَ: أقام بالليل، كما يقال: ظلّ بالنهار ثم قد ...

بيت
أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل، لأنه يقال: بَاتَ: أقام بالليل، كما يقال: ظلّ بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه أَبْيَات وبُيُوت، لكن البيوت بالمسكن أخصّ، والأبيات بالشعر. قال عزّ وجلّ: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل/ 52] ، وقال تعالى: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 78] ، لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النور/ 27] ، ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر، وبه شبّه بيت الشعر، وعبّر عن مكان الشيء بأنه بيته، وصار أهلُ البيتِ متعارفا في آل النبيّ عليه الصلاة والسلام، ونبّه النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقوله: «سلمان منّا أهل البيت» «1» أنّ مولى القوم يصح نسبته إليهم، كما قال: «مولى القوم منهم، وابنه من أنفسهم» «2» .
وبيت الله والبيت العتيق: مكة، قال الله عزّ وجل: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج/ 29] ، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ [آل عمران/ 96] ، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة/ 127] يعني: بيت الله.
وقوله عزّ وجل: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [البقرة/ 189] ، إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم، فنبّه تعالى أنّ ذلك مناف للبرّ «3» ، وقوله عزّ وجلّ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ [الرعد/ 23] ، معناه: بكل نوع من المسارّ، وقوله تعالى:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور/ 36] ، قيل: بيوت النبيّ «4» نحو: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب/ 53] ، وقيل: أشير بقوله: فِي بُيُوتٍ إلى أهل بيته وقومه. وقيل: أشير به إلى القلب. وقال بعض الحكماء في قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» «5» : إنه أريد به القلب، وعني بالكلب الحرص بدلالة أنه يقال: كلب
__________
(1) أخرجه الحاكم 3/ 598 وقال الذهبي: سنده ضعيف، وقال العجلوني: رواه الطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف، وسنده ضعيف ا. هـ. قال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعّفه الجمهور، وبقية رجاله ثقا
ت.انظر: كشف الخفاء 1/ 459، والفتح الكبير 2/ 159، وأسباب ورود الحديث 2/ 367.
(2) قال السخاوي: رواه أصحاب السنن وابن حبان من حديث أبي رافع وفيه قصة. ا. هـ.
وهو عند الشيخين عن أنس بلفظ: «من أنفسهم» وأيضا فيه: «ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم» . راجع: فتح الباري 12/ 48، وشرح السنة 8/ 352، وكشف الخفاء 2/ 291، والمقاصد الحسنة ص 439.
(3) انظر: الدر المنثور 1/ 491. وأسباب النزول للواحدي ص 86.
(4) وهذا قول مجاهد فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. انظر: الدر المنثور 6/ 203.
(5) الحديث متفق على صحته، وهو في البخاري في بدء الخلق 6/ 256، ومسلم برقم (2106) في اللباس والزينة، وانظر: شرح السنة 12/ 126..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
..
.
.
t4t
أدخلوهم الجنة فيدخلونها ويأكلون ويشربون والناس في الحساب يترددون (1) فهذا في القانع والراضي
وأما الزاهد فسنذكر فضله في الشطر الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى
وأما الآثار في الرضا والقناعة فكثيرة ولا يخفى أن القناعة يضادها الطمع .
*وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه إن الطمع فقر واليأس غنى وإنه من يئس عما في أيدي الناس وقنع استغنى عنهم
*وقال أبو مسعود رضي الله تعالى عنه ما من يوم إلا وملك ينادي من تحت العرش يا ابن آدم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك.
*وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه ما من أحد إلا وفي عقله نقص وذلك انه إذا أتته الدنيا بالزيادة ظل فرحاً مسروراً والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك ويح ابن آدم ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص.
*وقيل لبعض الحكماء ما الغنى قال قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك..
*وقيل كان إبراهيم بن أدهم من أهل النعم بخراسان فبينما هو يشرف من قصر له ذات يوم إذ نظر إلى رجل في فناء القصر وفي يده رغيف يأكله فلما أكل نام فقال لبعض غلمانه إذا قام فجئني به فلما قام جاء به إليه فقال إبراهيم أيها الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع قال نعم قال فشبعت قال نعم قال ثم نمت طيباً قال نعم فقال إبراهيم في نفسه فما أصنع أنا بالدنيا والنفس تقنع بهذا القدر.
ومر رجل بعامر بن عبد القيس وهو يأكل ملحاً وبقلاً فقال له يا عبد الله أرضيت من الدنيا بهذا فقال ألا أدلك على من رضي بشر من هذا قال بلى قال من رضي بالدنيا عوضاً عن الآخرة..
*وكان محمد بن واسع رحمة الله عليه يخرج خبزاً يابساً فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد..
*وقال الحسن رحمه الله لعن الله أقواماً أقسم لهم الله تعالى ثم لم يصدقوه ثم قرأ {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}..
*وكان أبو ذر رضي الله عنه يوما جالسا في الناس فأتته امرأته فقالت له أتجلس بين هؤلاء والله ما في البيت هفة ولا سفة فقال يا هذه إن بين أيدينا عقبة كئوداً لا ينجو منها إلا كل مخف فرجعت وهي راضية..
* وقال ذو النون رحمه الله أقرب الناس إلى الكفر ذو فاقة لا صبر له..
*وقيل لبعض الحكماء ما مالك فقال التجمل في الظاهر والقصد في الباطن واليأس مما في أيدي الناس..
* وروي أن الله عز وجل قال في بعض الكتب السالفة المنزلة يا ابن آدم لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا محسن إليك ..
وقد قيل في القناعة..
اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس ... واقنع بيأس فإن العز في الياس
واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم ... إن الغني من استغنى عن الناس
_________
(1) حديث يقول الله يوم القيامة أين صفوتي من خلقي فتقول الملائكة ومن هم يا ربنا فيقول فقراء المسلمين الحديث رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس