-609-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَجِبْتُ ...

-609-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَجِبْتُ مِمَّنْ يَحْزَنُ عَلَى نُقْصَانِ مَالِهِ، وَلَا يَحْزَنُ عَلَى فَنَاءِ عُمْرِهِ، وَعَجِبْتُ مِمَّنِ الدُّنْيَا مُوَلِّيَةٌ عَنْهُ وَالْآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ إِلَيْهِ، يَشْتَغِلُ بِالْمُدْبِرَةِ، وَيُعْرِضُ عَنِ الْمُقْبِلَةِ
.
.
.
.
.
.
.
.
-448-قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] ، أي: " الله الذي يصوّركم فيجعلكم صورًا أشباحًا في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب" (1).
قال ابن كثير: "أي: يخلقكم كما يشاء في الأرحام من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد" (2).
قال محمد بن جعفر: "أي: قد كان عيسى ممن صُوّر في الأرحام، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صُوّر غيره من بني آدم، فكيفَ يكون إلهًا وقد كان بذلك المنزل؟ " (3). وروي عن الربيع نحو ذلك (4).
وأخرج ابن أبي حاتم والطبري عن السدي في قوله: {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} قال: "إذا وقعت النطفة في الرحم [طارت في الجسد أربعون يوما] (5) ثم تكون علقة أربعين يوما، ثم تكون مضغة أربعون يوما، فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكا يصورها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط في المضخة، ثم يعجنه بها، ثم يصورها كما يؤمر فيقول: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ وما رزقه؟ وما عمره؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله تعالى، ويكتب الملك، فإذا مات ذلك الجسد، دفن حيث أخذ ذلك التراب" (6).
وعن قتادة قوله: {كيف يشاء}، قال: من ذكر أو أنثى، وأحمر وأسود وتام وغير تام الخلق" (7).
قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6]، "أي: لا ربّ سواه، متفردٌ بالوحدانية والألوهية، العزيز في ملكه الحكيم في صنعه" (8).
عن ابن عباس قوله: {لا إله إلا هو}، قال: توحيد" (9).
وعن محمد بن إسحاق، قوله: {العزيز}: في نصرته مم كفر به إذا شاء" (10)، [و] "قوله: {الحكيم}: في عذره وحجته إلى عباده" (11).
وعن أبي العالية قوله تعالى: {العزيز}، يقول: عزيز في نعمته إذا انتقم" (12)، [وقوله] " {الحكيم}، قال: حكيم في أمره" (13).
قال الطبري: " وهذا القول تنزيه من الله تعالى ذكره نفسَه أن يكون له في ربوبيته ندّ أو مِثل، أو أن تَجوز الألوهة لغيره وتكذيبٌ منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفد نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان على مثل الذي كانوا عليه من قولهم في عيسى، ولجميع من ادّعى مع الله معبودًا، أو أقرّ بربوبية غيره" (14).
قال ابن كثير: " وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق، كما خلق الله سائر البشر؛ لأن الله تعالى صوره في الرحم وخلقه، كما يشاء، فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى - عليهم لعائن الله - وقد تقلب في الأحشاء، وتنقل من حال إلى حال، كما قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6] " (15).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية بيان قدرة الله عز وجل إذ يصور المخلوقات في الأرحام.
__________
(1) تفسير الطبري: 6/ 166.
(2) تفسير ابن كثير: 2/ 6.
(3) أخرجه الطبري (6567): ص 6/ 167.
(4) انظر: الطبري (6568): ص 6/ 167.
(5) إضافة عن الطبري (6569): ص 6/ 167.
(6) تفسير ابن ابي حاتم (3157): ص 2/ 590، وتفسير الطبري (6569): 6/ 167.
(7) أخرجه ابن أبي حاتم (3159): ص 2/ 591، والطبري (6570): ص 6/ 168.
(8) صفوة التفاسير: 1/ 167.
(9) أخرجه ابن أبي حاتم (3160): ص 2/ 591.
(10) أخرجه ابن أبي حاتم (3161): ص 2/ 591.
(11) أخرجه ابن أبي حاتم (3163): ص 2/ 591.
(12) أخرجه ابن أبي حاتم (3162): ص 2/ 591.
(13) أخرجه ابن أبي حاتم (3164): ص 2/ 591.
(14) تفسير الطبري: 6/ 168.
(15) تفسير ابن كثير: 2/ 6.
.
.
.
.
.
.
.
-335-حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمُذَكِّرَ، يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ عَنْ ذِي النُّونِ، قَالَ: " صَحِبْتُ زِنْجِيًّا فِي التِّيهِ وَكَانَ مُفْلَفْلَ الشَّعْرِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ابْيَضَّ فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَقُلْتُ: لِمَ يَا هَذَا إِنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَحَوَّلَ لَوْنُكَ وَانْقَلَبَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: فَجَعَلَ يَخْطِرُ فِي التِّيهِ وَيَقُولُ:
ذَكَرْنَا وَمَا كُنَّا لِنَنْسَى فَنَذْكُرُ ... وَلَكِنْ نَسِيمَ الْقُلُوبِ يَبْدُو فَيَظْهَرُ
فَأُحْيِي بِهِ عَنِّي وَأَحْيِي بِهِ............ لَهُ إِذِ الْحَقُّ عَنْهُ مُخْبِرٌ وَمُعَبِّرُ
قَالَ ذُو النُّونِ: فَمَا طَرَقَ سَمْعِي مِثْلُ حِكْمَةِ ذَلِكَ الزَّنْجِيِّ، فَعَلِمْتُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادًا تَعْلُو قُلُوبُهُمْ بِالْأَذْكَارِ كَمَا تَعْلُو الْأَطْيَارُ فِي الْأَوْكارِ، لَوْ فَتَّشْتَ مِنْهُمُ الْقُلُوبَ لَمَا وَجَدْتَ فِيهَا غَيْرَ حُبِّ الْمَحْبُوبِ. قَالَ ثُمَّ بَكَى ذُو النُّونِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَأَذْكُرُ أَصْنَافًا مِنَ الذِّكْرِ حَشْوُهَا ... وِدَادٌ وَشَوْقٌ يَبْعَثَانِ عَلَى الذِّكْرِ
فَذِكْرُ أَلِيفِ الْحَبِّ مُمْتَزِجٌ بِهَا ... يَحِلُّ مَحَلَّ الرُّوحِ فِي طَرَفِهَا يَسْرِي
وَذِكْرٌ يُعِزُّ النَّفْسَ مِنْهَا لِأَنَّهُ ... لَهَا مُتْلِفٌ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي وَلَا تَدْرِي
وَذِكْرٌ عَلَا مِنِّي الْمَفَاوِزَ وَالذُّرَى ... يَجِلُّ عَنِ الْأَوْصَافِ بِالْوَهْمِ وَالْفِكْرِ "
*
بلغنَا عَن ذِي النُّون [الْمصْرِيّ] أَنه قَالَ: كنت يَوْمًا مارا فِي تيه الشَّام فَإِذا أَنا بزنجي مفلفل الشّعْر كلما ذكر اللَّهِ [تَعَالَى] حَالَتْ لبسته وتغيرت، وَصَارَ وَجهه كدارة الْقَمَر، وَزَالَ السوَاد، فَقلت لَهُ: يَا أسود، إِنِّي أرى مِنْك عجبا، قَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْت؟ قلت: أَرَاك كلما ذكرت اللَّهِ عز وَجل حَالَتْ لبستك وَتغَير لونك فَقَالَ: وَمن هَذَا تعجب؟ أإنك لَو ذكرت اللَّهِ عز وَجل حَقِيقَة ذكره لحلت لبستك وَتغَير لونك، ثمَّ جعل ذَلِك الزنْجِي يخطو فِي التيه وَيَقُول:
(ذكرنَا وماكنا نَسِينَا لنذكر ... وَلَكِن نسيم الْقرب يَبْدُو فيبهر)
(فأحيا بِهِ عني وَأَحْيَا بِهِ لَهُ ... إِذْ الْحق عَنهُ مخبر ومعبر)
*
وقال ذو النون: صحبني أسود في التيه، فكان إذا ذكرَ الله ابيضَّ لونُه، [فقلت له: ما هذا؟ فقال: لو ذكرتَهُ على الحقيقة لتغيَّر لونك، ثم قال: ] [من الطويل]
ذكرنا فما كنَّا لننسى فنذكر ... ولكن نسيمُ القربِ يبدو فيزهرُ
فأفنى به عنه وأبقى له به ... إذ الحقُّ عنه مخبرٌ ومعبِّرُ (1)