حكم الطلاق البدعي دراسة فقهية مقارنة أ. د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ، أستاذ الفقه المقارن ...

حكم الطلاق البدعي دراسة فقهية مقارنة
أ. د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ، أستاذ الفقه المقارن
أنواع الطلاق من حيث الموافقة للسنة أو المخالفة
ينقسم الطلاق إلى طلاق سني، وطلاق بدعي.
طلاق السنة:
فطلاق السنة: هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن يطلق الزوج المدخول بها طلقة واحدة، في طهر لم يمسسها فيه، لقول الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229] أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة كذلك، ثم إن المطلق بعد ذلك له الخيار، بين أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان.
ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]
أي إذا أردتم تطليق النساء، فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها.
وحكمة ذلك أن المرأة إذا طلقت وهي حائض لم تكن في هذا الوقت مستقبلة العدة، فتطول عليها العدة.
لان بقية الحيض لا يحسب منها وفيه إضرار بها.
وإن طلقت في طهر مسها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أو لم تحمل، فلا تدري بم تعتد، أتعتد بالأقراء أم بوضع الحمل؟
أما الطلاق البدعي: فهو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد، كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
أو يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه.
وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام، وأن فاعله آثم.
وينقسم الطلاق البدعي إلى قسمين:
القسم الأول: بدعي بالنسبة للوقت:
ومن صوره:
• الطلاق أثناء الحيض، وقد أجمَعَ العلماء على تحريم طلاق الحائض كما حَكاه الإمام النووي وابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيميَّة.
• الطلاق أثناء النفاس.
• الطلاق في طُهرٍ جامعها فيه ولم يتبيَّن حملها.
القسم الثاني: بدعيٌّ بالنسبة للعدد: وهو إيقاع أكثر من طلقةٍ في الطُّهر الواحد أو خلال العدَّة - حسَب ما ورد في خلاف العلماء المذكور بعاليه، ومن صوره:
1) الطلاق بلفظ الثلاث.
2) إيقاع الثلاث بثلاث كلمات في طهر واحد.
3) إيقاع الثلاث بثلاث كلمات في ثلاثة أطهار.
4) إيقاع أكثر من ثلاث طلقات، كمَن طلَّقها بعدد نجوم السماء ونحو ذلك.
وفي بعض هذه الصور خلاف بين العلماء.
القسم الثالث: طلاق لا سنَّة فيه ولا بدعة:
والمراد بكونه لا سنَّة فيه ولا بدعة: من حيث الوقت؛ أي: وقت إيقاع الطلاق - أمَّا من حيث العدد فإنَّه تدخُل فيه البدعيَّة والسنيَّة، فقد سبق أنَّ طلاق السُّنَّة هو ما كان بطلقةٍ واحدة في حال الطهر الذي لم يحصل فيه جماع، أو في حال الحمل الذي تبيَّن.
ومن صور الطلاق الذي لا سنَّة فيه ولا بدعة:
(1) الآيسة: وهي التي انقطع حيضها وأيست من عَوْدِه لانقطاع وقته.
(2) الصغيرة التي لا تحيض.
فهاتان متى طُلِّقتا كان طلاقهما سُنيًّا، سواء حصل مسيس أم لا; لأنهما في طُهر مستمر.
(3) المختلعة: وهي التي خالعت زوجها؛ بأنْ دفعت له مالاً مُقابل أنْ يُطلِّقها، فهذه لا سنَّة ولا بدعة في طَلاقها؛ لكونها هي الطالبة والمتضرِّرة من تطويل عدَّتها.
(4) غير المدخول بها: وهي المطلقة قبل الدُّخول؛ لكونها لا عدَّة عليها؛ لقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ [الأحزاب: 49]، وقد حكَى ابن عبدالبر وابن قدامة الإجماع على أنَّ غير المدخول بها ليس في طَلاقها سنَّة ولا بدعة.

تحرير محل النزاع:


محل الاتفاق :

اتفق الفقهاء على أنه إذا طَلَّق الرَّجُلُ امرأتَه في حالِ حَيضِها أو في طُهرٍ جامَعَها فيه: ويُسَمِّيه الفُقَهاءُ: الطَّلاقَ البِدْعيَّ وهو طَلاقٌ مُحَرَّمٌ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ.


أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطَّلاق: 1]
وَجهُ الدَّلالةِ: في قوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي: إذا طَلَّقتُم نساءَكم فطَلِّقوهُنَّ لِطُهرِهنَّ الذي يُحصِينَه مِن عِدَّتِهنَّ، طاهِرًا مِن غيرِ جِماعٍ، ولا تُطَلِّقوهنَّ بحَيضِهنَّ الذي لا يَعتَدِدْنَ به مِن قُرئِهنَّ. ( )


ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: (طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ. وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طلاقِها، وراجَعَها عبدُ اللهِ كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ( )
وقال ابنُ حزم: (لا خِلافَ بين أحدٍ مِن أهلِ العِلمِ قاطِبةً وفي جملتِهم جميعُ المخالِفينَ لنا في ذلك في أنَّ الطَّلاقَ في الحَيضِ أو في طُهرٍ جامَعَها فيه: بِدعةٌ نَهى عنها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، مُخالِفةٌ لأمرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ). ( )
وقال ابنُ رشد: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ المطَلِّقَ للسُّنَّةِ في المدخولِ بها: هو الذي يطَلِّقُ امرأتَه في طُهرٍ لم يَمَسَّها فيه طلقةً واحدةً، وأنَّ المطَلِّقَ في الحَيضِ أو الطُّهرِ الذي مَسَّها فيه: غيرُ مُطَلِّقٍ للسُّنَّةِ). ( )
وقال ابنُ قدامة: (أمَّا المحظورُ فالطَّلاقُ في الحيضِ، أو في طُهرٍ جامَعَها فيه، أجمع العُلَماءُ في جميعِ الأمصارِ وكُلِّ الأعصارِ على تحريمِه، ويُسَمَّى طلاقَ البِدعةِ؛ لأنَّ المطَلِّقَ خالَفَ السُّنَّةَ). ( )

محل الخلاف :

اختلف الفقهاء في وقوع الطلاق البدعي على قولين كالآتي:

القول الأول:
يَقَعُ الطَّلاقُ إذا حَصَل في حَيضٍ أو طُهرٍ جامَعَها فيه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ. ( )


قال ابنُ المنذر: (ممَّن مَذهَبُه أنَّ الحائِضَ يقَعُ بها الطَّلاقُ: الحَسَنُ البصري، وعطاء بن أبي رباح، وبه قال مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور، وكلُّ مَن نحفَظُ عنه من أهلِ العِلمِ، إلا ناسًا مِن أهلِ البِدَعِ لا يُقتدى بهم). ( )


وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الطَّلاقُ في الحَيضِ لازِمٌ لِمن أوقَعَه، وإن كان فاعِلُه قد فَعَل ما كُرِهَ له؛ إذ تَرَك وَجهَ الطَّلاقِ وسُنَّتَه... وعلى هذا جماعةُ فُقَهاءِ الأمصارِ وجُمهورُ عُلَماءِ المسلمين، وإن كان الطَّلاقُ عند جميعِهم في الحَيضِ بِدعةً غَيرَ سُنَّةٍ، فهو لازِمٌ عند جميعِهم، ولا مخالِفَ في ذلك إلَّا أهلُ البِدَعِ). ( )
وقال: (لم يختَلِفْ فُقهاءُ الأمصارِ وأئمَّةُ الهُدى فيمن طَلَّق ثلاثًا في طُهرٍ مَسَّ فيه أو لم يَمَسَّ فيه، أو في حَيضٍ: أنَّه يَلزَمُه طَلاقُه). ( )


أدلة أصحاب القول الأول القائلون بوقوع الطلاق البدعي.

أولاً: مِنَ الكِتابِ

1- قال تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) [البقرة: 230]
2- وقال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [البقرة: 229]
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ هذا يقتضي عُمومَ الطَّلاقِ، وثُبوتَ حُكمِه في حالِ الطُّهرِ والحَيضِ.

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: (طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ. وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طلاقِها، وراجَعَها عبدُ اللهِ كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ( )
وَجهُ الدَّلالةِ: قَولُه: (فلْيُراجِعْها) والرَّجعةُ لا تكونُ إلَّا بعد طلاقٍ؛ فدَلَّ على وقوعِه. ( )


ثالثًا: مِنَ الآثارِ

1- كان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إذا سُئِلَ عن ذلك أي: الطَّلاقِ في الحَيضِ، قال لأحدِهم: أمَّا أنت طلَّقْتَ امرأتَك مرةً أو مرَّتينِ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَني بهذا، وإن كنتَ طلَّقْتَها ثلاثًا فقد حَرُمَتْ عليك حتى تنكِحَ زوجًا غيرك، وعَصَيتَ اللهَ فيما أمَرَك مِن طلاقِ امرأتِك). ( )
2- عن أنسِ بنِ سيرينَ قال: (سَمِعتُ ابنَ عُمَرَ قال: طَلَّق ابنُ عُمَرَ امرأتَه وهي حائِضٌ، فذكَرَ عُمَرُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: لِيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: فَمَهْ؟! وعن قتادةَ عن يُونُسَ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: أرأيتَ إن عَجَزَ واستَحمَقَ !). ( )
3- عن سَعيدِ بنِ جُبيرٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: (حُسِبَت عليَّ بتطليقةٍ). ( )
رابعًا: أنَّه مِنَ المُحالِ والجَهلِ أن يَلزَمَ المُطيعَ لِرَبِّه، المتَّبِعَ في طلاقِه سُنَّةَ نَبيِّه: الطَّلاقُ، ولا يُلزَمَ به العاصي إن خالَفَ لِما أُمِرَ بهِ فيه ! ( )
خامسًا: أنَّ الطَّلاقَ البِدعيَّ كَونُه مَنهيًّا عنه: لا يمنَعُ وُقوعَه؛ لأنَّ الله تعالى جَعَل الظِّهارَ مُنكَرًا مِنَ القَولِ وزُورًا، وألزَمَه مع ذلك حُكمَ التَّحريمِ. ( )

القول الثاني: أن الطلاق البدعي لا يقع،
قال بهذا القول بعض المالكية[13] وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد[14] واختاره بعض الحنابلة[15] وابن عقيل منهم [16] وشيخ الإسلام ابن تيمية [17]وابن القيم[18] والصنعاني[19] والشوكاني[20] وصديق حسن خان[21] وأحمد شاكر[22] والشيخ عبد الرزاق عفيفي[23] والشيخ عبدالعزيز بن باز[24] والشيخ محمد العثيمين[25].

وينسب هذا القول لابن عمر وابن مسعود وابن عباس وطاوس وعمر بن خلاس ولأبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي والشعبي والفقهاء السبعة ومحمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة - وستأتي مناقشة صحة هذه النسبة وثبوتها - وقال به إبراهيم بن إسماعيل بن عُلية وهشام بن الحكم[26] والشيعة[27] والخوارج[28].

وإلى هذا ذهب جماعة من السلف: كطاووس من أصحاب ابن عباس ، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وخلاس، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة، عبد الله بن معمر، وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين، وداود الظاهري وأصحابه، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، ويروى عن أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وغيرهما من أهل البيت، كما أنه اختيار ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو اختيار ابن عقيل من أئمة الحنابلة وأئمة آل البيت، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، وقول جماعة من فقهاء الحنابلة المتأخرين، وكثير من المعاصرين. ( )
أدلة أصحاب القول الثاني القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي.
1- قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 1، 2].

وجه الاستدلال:
قال ابن حزم: " الله تعالى إنما أمر بذلك في المدخول بها فيما كان من الطلاق دون الثلاث وفي هذين الوجهين أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ولم يأمر قط عز وجل بذلك في غير مدخول بها ولا فيمن طلق ثالثة أو ثلاثة مجموعة... وقوله تعالى ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 1، 2] وليس هذا في طلاق الثلاث". ( )
الرد:
1- هذا بناء على مذهب ابن حزم في التمسك بظاهر النصوص وترك القياس وهذا مما يخالف عليه.
2- قوله " ولم يأمر قط عز وجل بذلك... ولا فيمن طلق ثالثة أو ثلاثة مجموعة " فالآية عامة في الرجعية وغيرها فلا تطلق إلا مستقبلة العدة لكن إذا طلق وقع الطلاق كما سيأتي فيوافق ابن حزم في النتيجة.
3- قوله تعالى ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]
فالاستدلال بالآية بدلالة المفهوم وهي ضعيفة.

2- عن نافع أن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. ( )
وجه الاستدلال:
حديث ابن عمر في من طلق واحدة فأمره النبي بالمراجعة بخلاف من طلق ثلاثا أو الثالثة فتبين المرأة منه.
الرد:
كالذي قبله.
لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) [الطلاق: 1] ، والمعنى : طاهرات من غير جماع. فدل ذلك على أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) [ الطلاق:1] والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة ” ( )
فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً.
فالطلاق الذي يقع على الحائض نرى أنه طلاق غير ماض ، وأنها لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج. ( )

ومنعوا اندراجه تحت العمومات، لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه،
فقال تعالى: (فطلقوهن لعدتهن).
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه: «مره فليراجعها» وصح أنه غضب عندما بلغه ذلك، وهو لا يغضب مما أحله الله. ( )
وأما قول ابن عمر: « إنها حُسبت» ، فلم يبين من الحاسب لها، بل أخرج عند أحمد وأبو داود والنسائي: « أنه طلق امرأته وهي حائض ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرها شيئاً ».
وإسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل. ( )
وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يعارضها قول ابن عمر رضي الله عنه.
لأن الحجة في روايته لا في رأيه. ( )
وأما الرواية بلفظ «مره فليراجعها» ويعتد بتطليقة. فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة، ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي. وقد روى في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون، لا تثبت الحجة بشيء منها. ( )
والحاصل: أن الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السُنة يقال له: طلاق بدعة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «أن كل بدعة ضلالة» ولا خلاف أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر وما خالف ما شرعه الله ورسوله، فهو رد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» متفق عليه، فمن زعم أن هذه البدعة، يلزم حكمها، وأن هذا الأمر الذي ليس من أمره صلى الله عليه وسلم، يقع من فاعله ومقيد به، لا يقبل منه ذلك إلا بدليل. ( )
القول الراجح:
الأظهر أن الطلاق البدعي لا يقع إلا إذا أمضاه القاضي، واعتبره؛ لأن البدعة مردودة، لحديث: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» وهو عدم وقوع طلاق البدعة، لأنه منهي عنه؛ فهو فاسد إذن، مردود على قائله، وفي حكم العدم، ولأن مقصود تحريم الطلاق البدعي وهو الواقع في الحيض أو في الطهر الذي جامع فيه الزوجة منع وقوع الطلاق في زمان يكثر فيه عند غالب الناس، حفاظًا على إبقاء عقد الزوجية، ودرءً لمفاسد الطلاق الكثيرة التي يبغضها الله تعالى. والقول بوقوع طلاق البدعة يعود على هذه الحكمة الجليلة بالإبطال.

والطلاق البدعي عكس الطلاق السنّى، الذى يقع في طهر لم يجامعها فيه الزوج، والشريعة الإسلامية أرشدت الزوج للأفضل وهو الطلاق السنى وليس البدعي، لأن الزوجة حينما تكون في حالة الحيض أو النفاس، لا يرغب فيها زوجها، كما يحدث لها تغيرات فيتغير مزاجها، وربما ينفر منها الزوج ويطلقها، وحينما تطهر ويرغب فيها يحدث الندم.
وكذلك إذا طلق الزوج زوجته في طهر جامعها فيه أي طلقها طلاقًا بدعيًا قد يكون هناك حمل وربما يندم الزوج بعد ذلك، ويحدث ضرر للطفل، لذا ألزمته الشريعة بتأجيل الطلاق حتى تحيض ثم تطهر بعد ذلك.
والطلاق البدعي واقع عند جمهور الفقهاء، ولكن بعض الفقهاء لم يوقعوه، والمفتى يلجأ أحيانًا إلى رأى ابن تيمية في عدم وقوع الطلاق البدعي حفاظًا على الأسرة والأطفال، ولكن يعتمد ذلك على اجتهاد المفتى وشرح المستفتى بملابسات الطلاق.

ومن طلق امرأته الطلاق البدعي ، واحتسبه طلاقاً ، اجتهاداً منه ، أو تقليداً وأخذاً بقول الجمهور ، أو بقولِ من أفتاه في ذلك من أهل العلم ، فطلاقه واقع ماضٍ.
وننبه هنا على أنه لا يجوز للرجل أن يقصد بعض أهل العلم في مسألة فيجيبه فيها فيعمل بقوله ثم يرجع بعد ذلك ليقلد غيره، فهذا لا يجوز وهو من اتباع الهوى المذموم .
جاء في تيسير التحرير : " لا يرجع المقلد فيما قلد فيه من الأحكام أحدا من المجتهدين (أي عمل به) تفسير لقلد، (اتفاقا) نقل الآمدي وابن الحاجب الإجماع على عدم جواز رجوع المقلد فيما قلد به". ( )

وأما في خصوص مسألتك فإن كنت بعد أن طلقت زوجتك الطلقتين البدعيتين قد قلدت من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي، وبنيت أمرك على ذلك : فإن هاتين التطليقتين غير واقعتين ، كما هو المفتى به في الموقع ، وبإمكانك مراجعة زوجتك الآن.
وأما إن كنت حينئذ قد احتسبتهما ، وعاملت امرأتك على أنك طلقتها ، ثم راجعتها ، أو قلدت من يقول بوقوعهما : فحينئذ يحكم بوقوع الطلاق ، وبينونة زوجتك منك بينونة كبرى، ولا فرق في هذا بين كونها تزوجت أو لم تتزوج .

ومن طلق امرأته الطلاق البدعي ، واحتسبه طلاقاً ، اجتهاداً منه ، أو تقليداً وأخذاً بقول الجمهور ، أو بقولِ من أفتاه في ذلك ، فطلاقه واقع ماضٍ ، وليس له إذا طلق امرأته الطلقة الثالثة أن ينظر في الطلاق السابق بغية ارتجاعها ، فإن هذا من التحايل المحرم ، ولا تباح له زوجته بذلك. ( )
حكم العمل بقول القاضي في عدم وقوع الطلاق البدعي
ما دامت المسألة قد رفعت إلى القضاء الشرعي، وحكم القاضي فيها بعدم وقوع الطلاق، فلا حرج في العمل بهذا القول، ولو أفتاك غيره بالوقوع. ( )
قال الكاساني رحمه الله: " كَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ إذَا أَفْتَاهُ إنْسَانٌ فِي حَادِثَةٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ إلَى الْقَاضِي، فَقَضَى بِخِلَافِ رَأْيِ الْمُفْتِي، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَيَتْرُكُ رَأْيَ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْمُفْتِي يَصِيرُ مَتْرُوكًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي". ( )

هل يقع الطلاق أثناء الحمل؟

طلاق الحامل طلاق سُنة
طلاق الحامل صحيح، وغير ممنوع، وليس من طلاق البدعة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يصح طلاق الحامل رجعياً وبائناً، باتفاق الفقهاء.


وفي الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان: ولا أعلم خلافًا أن طلاق الحامل إذا تبين حملها طلاق سنة إذا طلقها واحدة، وأن الحمل منها موضع للطلاق.
ومن طلّق ولم يعلم عدد طلاقه، فإنّه يبني على الأقل المتيقن.
قال ابن قدامة رحمه الله: وجملة ذلك أنه إذا طلق وشك في عدد الطلاق فإنه يبني على اليقين، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثا؟ قال: أما الواحدة: فقد وجبت عليه وهي عنده حتى يستيقن، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه، فلم يلزمه، كما لو شك في أصل الطلاق.