مولد موسى وفي اليوم الذي أراده الله بدأت "يوكابد" تشعر بآلام الولادة، فأرسلت ابنتها "مريم" في طلب ...
مولد موسى
وفي اليوم الذي أراده الله بدأت "يوكابد" تشعر بآلام الولادة، فأرسلت ابنتها "مريم" في طلب صديقتها "الثقة" لكي تساعدها في لحظات ولادة هذا الطفل؛ وبالفعل جاءت المرأة ولم يقعدها الخوف من تهديدات فرعون وجنوده أن تغيث من استغاثت بها، فقامت بمهمتها على الوجه الأكمل، وها هو المولود ملفوف بلفافة متواضعة بين يديها ..
انظر إليه .. إنه خمري اللون، واسع العينين لا يراه أحد من الخلق إلا ألقى الله محبته في قلبه ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ طه:39، وبهذا تحققت النبوءة الأولى التي رأتها أمه قبل مولده .. إنه "ذكر"، لذا ما لبثت حتى تملكها الخوف الشديد من بطش فرعون وجنوده، واستبد بها القلق على ابنها الرضيع، فضمته إليها وعيناها تذرفان دموع الخوف على مصيره؛ فألقى الله في قلبها نداءه ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ القصص:7.
ومضت الأيام تباعاً والأم متعلقة بولدها كتعلق أي أم بولدها الرضيع، زيادة أنه الطفل الذي ما تراه حتى تحبه، وسعت جاهدة ألا يسمع صوت بكائه أحد أحد الجيران، ومستعينة بالأعشاب المهدئة، وخيمة محكمة تسجيه فيها داخل غرفتها التي تطل على فرع النهر، مستعينة بصوت مياه النيل المتدفقة لتطغى على صوت صراخه إن قرصه الجوع.
كما كانت تحاول جاهدة أن تدرب نفسها على وضع وليدها في التابوت وتتركه عائماً فيه بين البوص والحشائش النابتة في اليم كما خططت، ولكن قلبها-كأم- لم يطعها في ذلك، فإنه إن نجى من الغرق فقد لا يسلم من فكوك التماسيح.
وظلت على حالتها هذه، تقضى الأيام وهي شاردة ذاهلة، ينقبض صدرها مع كل صيحة تصدر من أم ذُبح ولدها، يحدوها الأمل وهي تتسمع الأخبار، عسى أن يكتفي الفرعون بدماء المواليد التي سالت ويصدر عفواً تنتهي به تلك المحنة العصيبة، أو تُطوى الأيام طياً فيكبر ولدها بسرعة بين إخوته ولا يعرف الناس عام مولده فينجو من السكين التي تنتظره.
رفع حالة الطوارئ
وفى يوم من الأيام بوغت هامان بثورة سيده الفرعون الذي استيقظ من نومه غاضباً وأطاح بكل ما أمامه من أثاث وتماثيل ولما رآه صرخ فيه قائلاً : لقد رأيت هذه الرؤيا مجدداً ! وسيخرج من بني إسرائيل من سيسلب ملكي !
فاستجمع هامان بعض الكلمات التي حاول إرضائه بها، وانصرف من أمامه بعدما أطلعه أنه سيعطي تعليماته للجنود برفع حالة الطوارئ القصوى وتوسيع دائرة الاشتباه لتشمل تمشيط جميع خرائب وأكواخ بني إسرائيل بلا استثناء كإجراء احترازى، فلعل الطفل "المشؤوم" وُلد وتم تخبئته في مكان ما.
هدأت نفس فرعون المضطربة .. ووافق على اقتراح هامان، وأمره بالتنفيذ.
ومع مطلع الفجر فوجئت أم موسى بعربات جنود فرعون تقتحم بيوت بني إسرائيل بكل همجية .. وقد بدى لها أن البحث عشوائي هذه المرة !
فذهلت من هول المفاجأة ولم تعد تدري ماذا تفعل .. كاد عقلها يطيش !!
ولسانها يلهج بكلمة واحدة يارب..يارب..يارب ..
أطلت مرة أخرى من شرفة بيتها .. فإذا بهم قادمون نحوها ..
وهنا يبلغ المشهد حداً بالغاً من التأزم، تُحبس فيه الأنفاس وتضطرب معه القلوب وتذهب النفوس عن الحاضر الذى تعيش فيه، لتقف وراء أم موسى تستحثها وتصرخ فيها أن تسرع لإلقاء ابنها الرضيع في التابوب العائم في اليم ..
فأسرعت الأم وأخذت ولدها الرضيع وبسرعة "قذفته" في التابوت، ثم قذفت التابوت في اليم(1)، وأصوات قرع الجنود لباب بيتها تزداد، ونداءات كسر الباب تتعالى ..
اقتحموا بيتها وقلبوه رأساً على عقب - دون مراعاة لحرمته - بحثاً عن أي مولود لها أو لغيرها تمت تخبئته في البيت .. وقفت الأم وقلبها مضطرب يحتمي بها طفلها الصغير "هارون" وتختبئ خلف ظهرها ابنتها "مريم"، والفزع يسود الموقف، إلى أن انتهى الجنود من التفتيش وانصرفوا !
فوقعت الأم على الأرض ساجدة لله الذي نجى ولدها الرضيع من هؤلاء الذباحين إذ لم يعثروا عليه؛ ثم قامت تجري نحو اليم تتعثر خطاها المضطربة من هول ما رأت، لتطمئن على ولدها ..
وإذا بالمفاجأة ! لقد نسيت أن تربط التابوت !!
فظلت تلتفت يميناً ويساراً بحثاً عنه ..
فإذا بالتابوت قد سحبه الموج بعيداً ..
فانفطر فؤادها الذي امتلأ حباً لموسى وخوفاً عليه، وكاد قلبها يتوقف، وهى ترى ابنها عائمًا في صندوق وسط النهر، يأخذه الموج يمنة ويسرة صعوداً وهبوطاً نحو مصيره المحتوم الذى حاولت كثيراً أن تبعده عنه!
وفي اليوم الذي أراده الله بدأت "يوكابد" تشعر بآلام الولادة، فأرسلت ابنتها "مريم" في طلب صديقتها "الثقة" لكي تساعدها في لحظات ولادة هذا الطفل؛ وبالفعل جاءت المرأة ولم يقعدها الخوف من تهديدات فرعون وجنوده أن تغيث من استغاثت بها، فقامت بمهمتها على الوجه الأكمل، وها هو المولود ملفوف بلفافة متواضعة بين يديها ..
انظر إليه .. إنه خمري اللون، واسع العينين لا يراه أحد من الخلق إلا ألقى الله محبته في قلبه ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ طه:39، وبهذا تحققت النبوءة الأولى التي رأتها أمه قبل مولده .. إنه "ذكر"، لذا ما لبثت حتى تملكها الخوف الشديد من بطش فرعون وجنوده، واستبد بها القلق على ابنها الرضيع، فضمته إليها وعيناها تذرفان دموع الخوف على مصيره؛ فألقى الله في قلبها نداءه ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ القصص:7.
ومضت الأيام تباعاً والأم متعلقة بولدها كتعلق أي أم بولدها الرضيع، زيادة أنه الطفل الذي ما تراه حتى تحبه، وسعت جاهدة ألا يسمع صوت بكائه أحد أحد الجيران، ومستعينة بالأعشاب المهدئة، وخيمة محكمة تسجيه فيها داخل غرفتها التي تطل على فرع النهر، مستعينة بصوت مياه النيل المتدفقة لتطغى على صوت صراخه إن قرصه الجوع.
كما كانت تحاول جاهدة أن تدرب نفسها على وضع وليدها في التابوت وتتركه عائماً فيه بين البوص والحشائش النابتة في اليم كما خططت، ولكن قلبها-كأم- لم يطعها في ذلك، فإنه إن نجى من الغرق فقد لا يسلم من فكوك التماسيح.
وظلت على حالتها هذه، تقضى الأيام وهي شاردة ذاهلة، ينقبض صدرها مع كل صيحة تصدر من أم ذُبح ولدها، يحدوها الأمل وهي تتسمع الأخبار، عسى أن يكتفي الفرعون بدماء المواليد التي سالت ويصدر عفواً تنتهي به تلك المحنة العصيبة، أو تُطوى الأيام طياً فيكبر ولدها بسرعة بين إخوته ولا يعرف الناس عام مولده فينجو من السكين التي تنتظره.
رفع حالة الطوارئ
وفى يوم من الأيام بوغت هامان بثورة سيده الفرعون الذي استيقظ من نومه غاضباً وأطاح بكل ما أمامه من أثاث وتماثيل ولما رآه صرخ فيه قائلاً : لقد رأيت هذه الرؤيا مجدداً ! وسيخرج من بني إسرائيل من سيسلب ملكي !
فاستجمع هامان بعض الكلمات التي حاول إرضائه بها، وانصرف من أمامه بعدما أطلعه أنه سيعطي تعليماته للجنود برفع حالة الطوارئ القصوى وتوسيع دائرة الاشتباه لتشمل تمشيط جميع خرائب وأكواخ بني إسرائيل بلا استثناء كإجراء احترازى، فلعل الطفل "المشؤوم" وُلد وتم تخبئته في مكان ما.
هدأت نفس فرعون المضطربة .. ووافق على اقتراح هامان، وأمره بالتنفيذ.
ومع مطلع الفجر فوجئت أم موسى بعربات جنود فرعون تقتحم بيوت بني إسرائيل بكل همجية .. وقد بدى لها أن البحث عشوائي هذه المرة !
فذهلت من هول المفاجأة ولم تعد تدري ماذا تفعل .. كاد عقلها يطيش !!
ولسانها يلهج بكلمة واحدة يارب..يارب..يارب ..
أطلت مرة أخرى من شرفة بيتها .. فإذا بهم قادمون نحوها ..
وهنا يبلغ المشهد حداً بالغاً من التأزم، تُحبس فيه الأنفاس وتضطرب معه القلوب وتذهب النفوس عن الحاضر الذى تعيش فيه، لتقف وراء أم موسى تستحثها وتصرخ فيها أن تسرع لإلقاء ابنها الرضيع في التابوب العائم في اليم ..
فأسرعت الأم وأخذت ولدها الرضيع وبسرعة "قذفته" في التابوت، ثم قذفت التابوت في اليم(1)، وأصوات قرع الجنود لباب بيتها تزداد، ونداءات كسر الباب تتعالى ..
اقتحموا بيتها وقلبوه رأساً على عقب - دون مراعاة لحرمته - بحثاً عن أي مولود لها أو لغيرها تمت تخبئته في البيت .. وقفت الأم وقلبها مضطرب يحتمي بها طفلها الصغير "هارون" وتختبئ خلف ظهرها ابنتها "مريم"، والفزع يسود الموقف، إلى أن انتهى الجنود من التفتيش وانصرفوا !
فوقعت الأم على الأرض ساجدة لله الذي نجى ولدها الرضيع من هؤلاء الذباحين إذ لم يعثروا عليه؛ ثم قامت تجري نحو اليم تتعثر خطاها المضطربة من هول ما رأت، لتطمئن على ولدها ..
وإذا بالمفاجأة ! لقد نسيت أن تربط التابوت !!
فظلت تلتفت يميناً ويساراً بحثاً عنه ..
فإذا بالتابوت قد سحبه الموج بعيداً ..
فانفطر فؤادها الذي امتلأ حباً لموسى وخوفاً عليه، وكاد قلبها يتوقف، وهى ترى ابنها عائمًا في صندوق وسط النهر، يأخذه الموج يمنة ويسرة صعوداً وهبوطاً نحو مصيره المحتوم الذى حاولت كثيراً أن تبعده عنه!