ابتسامة الإصرار وأنشودة الصمود وقبل غروب شمس هذا اليوم الحزين في تاريخ الإنسانية نُفذ فيهم حكم ...
ابتسامة الإصرار وأنشودة الصمود
وقبل غروب شمس هذا اليوم الحزين في تاريخ الإنسانية نُفذ فيهم حكم فرعون، وقُتل السحرة أمام الناس، وهم في قمة الصمود والثبات، وسالت دماؤهم الذكية على أرض مصر، ليقيموا الحجة على كل من يرى الظلم ويسكت عليه، ويرى الفاسد ويحابيه، ومضى هذا المشهد المفزع في تاريخ البشرية إعلاناً لحرية القلب البشري واستعلائه على قيود الأرض وسلطان الظلم، طمعاً في رضا الله والجنة.
والله لو سافرت أرواحنا عبر الزمن إلى هناك لرأينا ألسنتهم تُتمتم بأدعية تستمطر من السماء مزيداً من الصبر لتحمُّل تقطيع السيوف لأيديهم وأرجلهم قائلين: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ علينا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ الأعراف:126، ولسمعناهم يرددون وهم يعذبون أنشودة الإصرار والصمود:
ضـع فـي يـدي ّ القيـد ألهـب أضلـعـي بالسـوط --- ضـع عنقـي علـى السكّـيـن
لـن تستطـيـع حـصـار فـكـري سـاعـةً --- أو نــــزع إيـمــانــي ونـــــور يـقـيـنــي
فالنـور فـي قلبـي وقلبـي فـي يــديْ ربّـــي --- وربّـــي نــاصــري ومـعـيـنـي
سأعـيـش معتصـمـاً بحـبـل عقيـدتـي --- وأمــــوت مبـتـسـمـاً لـيـحـيـا ديــنــي
صبـراً أخي فـي محنتـي و عقيـدتـي --- لا بـــد بـعــد الـصـبــر مــــن تـمـكـيـن
و لـنـا بيـوسـف أســـوة فـــي صـبــره --- و قد ارتمى في السجن بضـع سنيـن
هــــون عـلـيــك الأمــــر لا تـعـبــأ بــــه --- إن الــصــعــاب تـــهــــون بـالـتـهــويــن(1)
ولرأينا على وجوههم ابتسامة المنتصرين بعدما فاضت أرواحهم إلى السماء ..
ولا تحسبوا أن الله خذلهم، أو تركهم !!
لا وربِّي .. فقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ما يجِدُ الشهيدُ من مَسِّ القتْلِ، إلَّا كَما يجدُ أحدُكمْ من مسِّ القرْصةِ"(1)، فما هي إلا لحظات حتى كانوا .. ﴿ .. فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ القمر:55، في صحبة من سبقوهم إلى الله ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ النساء:69، لأن سيد الشهداء من قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فأُمر بقتله(2).
أما موسى وهارون فلم يذكر القرآن لنا أنهما تكلما بكلمة في هذه اللحظات، فهما لا يملكان شيئاً يقدموه لهؤلاء الذين بذلوا حياتهم الغالية في سبيل الله، فالدعوة دخلت في مرحلة جديدة، مرحلة الصبر الطويل على البلاء "فإن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب المصلحين ضربات عشوائية، كثور هائج أو كفيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال".
وكأنما على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم، وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال:25.
رد فعل الجماهير
لقد كان تفاعل الجماهير (الطرف المتلقي) رغم هذه المعجزة العظيمة التي شاهدوها، تفاعلاً سلبياً للغاية، فالثابت أن من حضروا في يوم الزينة شاهدوا بعيونهم انقلاب صورة الحبال إلى حيات تسعى، كما شاهدوا ما فعلت عصا موسى بهذه الحيات، وسمعوا السحرة وهم يعترفون أنهم كانوا مكرهين على سحر أعين الناس وخداعهم - بأمر من فرعون - لتضليلهم عن حقائق ما يجري في أروقة الحكم، كما كادت آذنهم تُصَم من هتافات السحرة التي أعلنوا فيها توبتهم لله مما فعلوا، وإيمانهم بدين موسى وهارون؛ كما شاهدوا بأعينهم تنفيذ حكم الإعدام فيهم، ومع ذلك كله لم ينصرفوا إلى الحق !
فيمكنك تخيل خروجهم من المدرجات التي أعدت ليوم الزينة، وقليل منهم من يتحدث همساً عن الحق الذي مع موسى، وأغلبهم -كما ورد- استُخِف فيما بعد، واتبع حكم القوي عسكرياً ومالياً، وصدّق أذرعه الإعلامية وكذب ما رأته عيناه !
التناول الإعلامي ليوم الزينة
انقادت عقول الشعب بالتبعية العمياء إلى أبواق فرعون الإعلامية التي أكدت لهم أن موسى كبير هؤلاء السحرة الذين دبروا هذه المؤامرة لقلب نظام الحكم الفرعوني والاستيلاء على أرض مصر؛ فلقد عمل الجهاز الإعلامي لفرعون على إذاعة أنباء التنظيم السري الذي أنشأته طائفة بني إسرائيل - عملاء الهكسوس السابقين - الذين قدِموا من الشام أيام الاحتلال الهكسوسي البغيض، لضرب استقرار البلاد وإعادتها إلى قرون التخلف والرجعية.
كما أخرج الجهاز الإعلامي رواية تفسيرية مفصلة عن إعداد وإخراج المشهد الذي سيمثل فيه السحرة – بادئ الأمر- أنهم مخلصون للدولة؛ وجاءوا من كل حدب وصوب لمواجهة موسى عدو فرعون، ثم وفي اللحظة المناسبة يُظهرون خيانتهم للدولة وولائهم لموسى وهارون.
ثم مجدوا في عقل وذكاء الفرعون الزعيم الملهم، الذي فطن في اللحظة المناسبة لهذه المكيدة النكراء، وكيف أنه وقف بكل ثبات وشموخ وتوعدهم إن لم يرجعوا عما دبروه أن ينتقم منهم شر انتقام.
وكيف غسل موسى أدمغة السحرة بكلام معسول عن جنة سيدخلونها معه، فانقادوا خلفه وسلموا عقولهم له ولأخيه، فخالفوا دين الدولة ووقفوا ضد إرادة الشعب الذي ارتضى فرعون إلهاً حاكماً، فنُفِذَ فيهم الحُكم العادل !
كما تسابقت وسائل الإعلام إلى إعلان الكشف عن وجود مجوهرات وعملات مالية بأرقام فلكية، استخرجتها الجهات الأمنية من بيوت وقصور السحرة، إلى جانب ما وجدوه من بعض أوراق البردي التي تؤكد المخطط الكامل للمؤامرة الرهيبة التي اكتشفها فرعون.
نظرية المؤامرة
وهكذا لو تأملنا من بداية القصة حتى الآن سنجد أن كل تصرف لا يرغب فيه الفرعون ونظامه الحاكم يتم تأويله إلى مؤامرة من جهات أخرى لقلب نظام الحكم أو لتقسيم مصر وتفكيك وحدة شعبها - المفكك من الأساس - شيعاً وأحزاباً ! ونضرب لذلك أمثلة:
* لم تكن رسالة موسى إلى فرعون وملئه إلا مجرد أن يسمحوا لهم بهجرة بني إسرائيل من مصر، فاعتبر نظام فرعون ذلك الطلب مؤامرة تهدد سلطانهم في الأرض﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يونس: 78
* وعندما أراهم موسى الدلائل على نبوته بالعصا التي تحولت إلى ثعبان، واليد التي أصبحت بيضاء للناظرين جاء الرد الفوري من فرعون للملأ أن مؤامرة موسى هذه الهدف منها هو إخراجهم من أرضهم ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ الشعراء:34
* حتى إيمان السحرة المفاجئ كان رد الفرعون المرعوب عليه أنها مؤامرة على مصر لإخراج أهلها منها ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا ﴾ وحكم عليهم أفظع حكم فقال: ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ الأعراف: 123
لذا فنظرية المؤامرة هي شماعة كل حاكم يعلق عليها فشله الذريع في إدارة الدولة، أو قمعه للحريات أو قبضته الأمنية الغير مبررة.
وقبل غروب شمس هذا اليوم الحزين في تاريخ الإنسانية نُفذ فيهم حكم فرعون، وقُتل السحرة أمام الناس، وهم في قمة الصمود والثبات، وسالت دماؤهم الذكية على أرض مصر، ليقيموا الحجة على كل من يرى الظلم ويسكت عليه، ويرى الفاسد ويحابيه، ومضى هذا المشهد المفزع في تاريخ البشرية إعلاناً لحرية القلب البشري واستعلائه على قيود الأرض وسلطان الظلم، طمعاً في رضا الله والجنة.
والله لو سافرت أرواحنا عبر الزمن إلى هناك لرأينا ألسنتهم تُتمتم بأدعية تستمطر من السماء مزيداً من الصبر لتحمُّل تقطيع السيوف لأيديهم وأرجلهم قائلين: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ علينا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ الأعراف:126، ولسمعناهم يرددون وهم يعذبون أنشودة الإصرار والصمود:
ضـع فـي يـدي ّ القيـد ألهـب أضلـعـي بالسـوط --- ضـع عنقـي علـى السكّـيـن
لـن تستطـيـع حـصـار فـكـري سـاعـةً --- أو نــــزع إيـمــانــي ونـــــور يـقـيـنــي
فالنـور فـي قلبـي وقلبـي فـي يــديْ ربّـــي --- وربّـــي نــاصــري ومـعـيـنـي
سأعـيـش معتصـمـاً بحـبـل عقيـدتـي --- وأمــــوت مبـتـسـمـاً لـيـحـيـا ديــنــي
صبـراً أخي فـي محنتـي و عقيـدتـي --- لا بـــد بـعــد الـصـبــر مــــن تـمـكـيـن
و لـنـا بيـوسـف أســـوة فـــي صـبــره --- و قد ارتمى في السجن بضـع سنيـن
هــــون عـلـيــك الأمــــر لا تـعـبــأ بــــه --- إن الــصــعــاب تـــهــــون بـالـتـهــويــن(1)
ولرأينا على وجوههم ابتسامة المنتصرين بعدما فاضت أرواحهم إلى السماء ..
ولا تحسبوا أن الله خذلهم، أو تركهم !!
لا وربِّي .. فقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ما يجِدُ الشهيدُ من مَسِّ القتْلِ، إلَّا كَما يجدُ أحدُكمْ من مسِّ القرْصةِ"(1)، فما هي إلا لحظات حتى كانوا .. ﴿ .. فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ القمر:55، في صحبة من سبقوهم إلى الله ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ النساء:69، لأن سيد الشهداء من قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فأُمر بقتله(2).
أما موسى وهارون فلم يذكر القرآن لنا أنهما تكلما بكلمة في هذه اللحظات، فهما لا يملكان شيئاً يقدموه لهؤلاء الذين بذلوا حياتهم الغالية في سبيل الله، فالدعوة دخلت في مرحلة جديدة، مرحلة الصبر الطويل على البلاء "فإن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب المصلحين ضربات عشوائية، كثور هائج أو كفيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال".
وكأنما على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم، وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال:25.
رد فعل الجماهير
لقد كان تفاعل الجماهير (الطرف المتلقي) رغم هذه المعجزة العظيمة التي شاهدوها، تفاعلاً سلبياً للغاية، فالثابت أن من حضروا في يوم الزينة شاهدوا بعيونهم انقلاب صورة الحبال إلى حيات تسعى، كما شاهدوا ما فعلت عصا موسى بهذه الحيات، وسمعوا السحرة وهم يعترفون أنهم كانوا مكرهين على سحر أعين الناس وخداعهم - بأمر من فرعون - لتضليلهم عن حقائق ما يجري في أروقة الحكم، كما كادت آذنهم تُصَم من هتافات السحرة التي أعلنوا فيها توبتهم لله مما فعلوا، وإيمانهم بدين موسى وهارون؛ كما شاهدوا بأعينهم تنفيذ حكم الإعدام فيهم، ومع ذلك كله لم ينصرفوا إلى الحق !
فيمكنك تخيل خروجهم من المدرجات التي أعدت ليوم الزينة، وقليل منهم من يتحدث همساً عن الحق الذي مع موسى، وأغلبهم -كما ورد- استُخِف فيما بعد، واتبع حكم القوي عسكرياً ومالياً، وصدّق أذرعه الإعلامية وكذب ما رأته عيناه !
التناول الإعلامي ليوم الزينة
انقادت عقول الشعب بالتبعية العمياء إلى أبواق فرعون الإعلامية التي أكدت لهم أن موسى كبير هؤلاء السحرة الذين دبروا هذه المؤامرة لقلب نظام الحكم الفرعوني والاستيلاء على أرض مصر؛ فلقد عمل الجهاز الإعلامي لفرعون على إذاعة أنباء التنظيم السري الذي أنشأته طائفة بني إسرائيل - عملاء الهكسوس السابقين - الذين قدِموا من الشام أيام الاحتلال الهكسوسي البغيض، لضرب استقرار البلاد وإعادتها إلى قرون التخلف والرجعية.
كما أخرج الجهاز الإعلامي رواية تفسيرية مفصلة عن إعداد وإخراج المشهد الذي سيمثل فيه السحرة – بادئ الأمر- أنهم مخلصون للدولة؛ وجاءوا من كل حدب وصوب لمواجهة موسى عدو فرعون، ثم وفي اللحظة المناسبة يُظهرون خيانتهم للدولة وولائهم لموسى وهارون.
ثم مجدوا في عقل وذكاء الفرعون الزعيم الملهم، الذي فطن في اللحظة المناسبة لهذه المكيدة النكراء، وكيف أنه وقف بكل ثبات وشموخ وتوعدهم إن لم يرجعوا عما دبروه أن ينتقم منهم شر انتقام.
وكيف غسل موسى أدمغة السحرة بكلام معسول عن جنة سيدخلونها معه، فانقادوا خلفه وسلموا عقولهم له ولأخيه، فخالفوا دين الدولة ووقفوا ضد إرادة الشعب الذي ارتضى فرعون إلهاً حاكماً، فنُفِذَ فيهم الحُكم العادل !
كما تسابقت وسائل الإعلام إلى إعلان الكشف عن وجود مجوهرات وعملات مالية بأرقام فلكية، استخرجتها الجهات الأمنية من بيوت وقصور السحرة، إلى جانب ما وجدوه من بعض أوراق البردي التي تؤكد المخطط الكامل للمؤامرة الرهيبة التي اكتشفها فرعون.
نظرية المؤامرة
وهكذا لو تأملنا من بداية القصة حتى الآن سنجد أن كل تصرف لا يرغب فيه الفرعون ونظامه الحاكم يتم تأويله إلى مؤامرة من جهات أخرى لقلب نظام الحكم أو لتقسيم مصر وتفكيك وحدة شعبها - المفكك من الأساس - شيعاً وأحزاباً ! ونضرب لذلك أمثلة:
* لم تكن رسالة موسى إلى فرعون وملئه إلا مجرد أن يسمحوا لهم بهجرة بني إسرائيل من مصر، فاعتبر نظام فرعون ذلك الطلب مؤامرة تهدد سلطانهم في الأرض﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يونس: 78
* وعندما أراهم موسى الدلائل على نبوته بالعصا التي تحولت إلى ثعبان، واليد التي أصبحت بيضاء للناظرين جاء الرد الفوري من فرعون للملأ أن مؤامرة موسى هذه الهدف منها هو إخراجهم من أرضهم ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ الشعراء:34
* حتى إيمان السحرة المفاجئ كان رد الفرعون المرعوب عليه أنها مؤامرة على مصر لإخراج أهلها منها ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا ﴾ وحكم عليهم أفظع حكم فقال: ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ الأعراف: 123
لذا فنظرية المؤامرة هي شماعة كل حاكم يعلق عليها فشله الذريع في إدارة الدولة، أو قمعه للحريات أو قبضته الأمنية الغير مبررة.