تداعيات يوم الزينة عقد فرعون بوزرائه ومستشاريه اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات يوم الزينة ومناقشة آخر ...
تداعيات يوم الزينة
عقد فرعون بوزرائه ومستشاريه اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات يوم الزينة ومناقشة آخر التطورات المستجدة على الساحة بسببه، وكيفية وقف الزحف الإسلامي الذي يقوده موسى وهارون، وتبادل الحضور أطراف الحديث، محرضين فرعون على اتخاذ أي قرارات استثنائية، لوقف هذا الزحف الذي يهدد مصالحهم ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ..(1)﴾ الأعراف:127.
فراودتهم فكرة قتل موسى والتخلص منه، فهو مؤجج الفتنة ورأس هذا التنظيم، فلاقت هذه الفكرة رفضاً وممانعة من البعض لعدة أسباب لعل من بينها:
أن قتل موسى لا ينهي الإشكال، فموسى ليس وحده بل معه هارون، وقد يوحي قتلهما للجماهير بتقديسهما واعتبارهما من الشهداء، فتزاد الحماسة لهما وللدين الذي جاءا به.
ثانيا: قد يكون بعض مستشاري فرعون أحس في نفسه رهبة أن ينتقم إله موسى له، لو قتلوه - وليس هذا ببعيد - فقد كان المصريون يعتقدون بتعدد الآلهة، وكان فرعون وملؤه يوقنون أن لموسى إله، وأن ما أتى به موسى هو الحق، وأنهم على باطل وضلال، وقد وصف الله هذا الشعور الداخلي عندهم فقال:﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ النمل:14.
فما يقولونه أمام الناس، وما يلقنوه لأذرعهم الإعلامية غير ما يعتقدونه داخل ضمائرهم !
فلما كان قرار قتل موسى لم يلق إجماعاً، ولم يرق لفرعون الذي يأمل أن يراود موسى عن أفكاره ويغريه بمنصب أو مال ليضمه إلى أنصاره؛ أصدر فرعون قراراً بإعادة العمل بقانون العقوبات "الذبح" مرة أخرى ﴿ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ الأعراف:127
وعمم هذا القانون على كل من يؤمن بموسى سواء كان مصرياً أو من بني إسرائيل ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ غافر:25، كما طالت هذه المذبحة أبناء المؤمنين سواء كانوا صغاراً أو بالغين، وكل هذا لإرهاب المجتمع من إتباع موسى.
قانون الاستئصال
لقد توقف العمل بهذا "القانون الاستئصالي" الجائر فترة من الزمن، حين ظن فرعون أن موسى قد مات في الصحراء عندما فر هارباً، وبالتالي فقد أمن على عرشه منه، فقد كان هو الطفل الذي يبحث عنه، وقتل في طلبه آلاف الذكور؛ ولكن لما عاد موسى من جديد؛ عاد معه الخوف على زوال ملكه، والرؤيا التي رآها في منامه منذ ما يزيد عن أربعين عاماً، باتت تتحقق أمامه يوماً بعد يوم، فأعاد العمل بهذا القانون الجائر على بني إسرائيل والمصريين معاً، خاصة بعدما توسعت دعوة موسى وأصبح لها أنصار من المصريين أيضاً – وإن كانوا قلة - وخاصة من جيل الشباب ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾(2)يونس:83
الشباب أمل المصلحين
أعطى موسى عليه السلام جُل اهتمامه للشباب، لأن الشيوخ قلّ أن يستجيبوا لجديد يُدعونَ إليه، لطول إلفهم لما ورثوه من عادات وتقاليد ومعتقدات ملأت عقولهم، حتى أسِرتها فأصبح تغيّيرها عسيراً وشاقاً، أما الشباب فهم يتمتعون بطاقة من النقاء، ويعيشون - إلى حد ما - في خُلُوٍّ من المشاكل، كما أنهم لم يصلوا إلى مرتبة السيادة التي يُحْرَصُ عليها؛ والتاريخ يؤكد لنا أن الشباب دوماً أقرب من غيرهم إلى تقبّل الجديد والأخذ به، وهذا يعنى أن تحركات الأمم نحو التجديد ستكون على يد الشباب، فالشباب هم أمل الأمة، وهم حاضرها ومستقبلها، وهم الأسس المتينة، والقواعد الراسخة في بنية المجتمع، كما أنهم السواعد القوية التي ترفع البناء وتعليه، والعقول التي تخطط وتفكر وتعمل للغد المشرق، فهم يملكون طاقات هائلة لا يمكن وصفها، وبالسهو عنها سيكون الانطلاق بطيئاً، والبناء هشاً(2)، " وإنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها, وتوفر الإخلاص في سبيلها, وازدادت الحماس لها, ووُجِد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها, وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان, والإخلاص, والحماس, والعمل من خصائص الشباب؛ لأنّ أساس الإيمان القلب الذكي, وأساس الإخلاص الفؤاد النقي, وأساس الحماس الشعور القوي, وأساس العمل العزم الفتي, وهذه كلها لا تكون إلا في الشباب، ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ﴾ الكهف: 13"(1).
التعذيب الممنهج
وقد كان إيمان هذه الذرية من الشباب ﴿ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ(3)﴾ فلو علم نظام فرعون بإيمانهم سيبذلون قصارى جهدهم - كالعادة - في أن يفتنوهم عن دينهم بالاضطهاد، والسجن والتعذيب حتى يتركوه.
وقد كانت فتنة التعذيب هذه أشد من القتل والذبح !! وهذا ما يلفت النظر في قوله جل وعلا عندما وصف الفتنة في الدين فقال :﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ البقرة: 191، ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ البقرة: 217، وذلك لأن القتل أو الذبح هو قتل للجسد؛ أما الإرهاب والترويع والتخويف فهو قتل معنوي يقتل أجمل ما في النفس البشرية إن لم تصمد وتستعن بالله جل وعلا.
فكل نفس بشرية ذائقة الموت، إما موتاً عادياً وإما قتلاً، لكن ليس كل نفس بشرية تذوق ألم القهر والتعذيب بسبب اختيارها الديني أو الفكري، إلى درجة تتمنى فيها الراحة بالموت، وهذا ما يشعر به كل مقهور ومسجون؛ فالاضطهاد أو الفتنة معاناة مستمرة بالخوف والرعب والقلق، وانتظار المصائب، وتوقع الشّر عند أيّ لفتة أو همسة أو دق على الباب ..
وهناك علاقة طردية بين ظلم الحاكم المستبد للمصلحين وبين خوفه وذعره، فكلما زاد ظلمه للشعب زاد خوفه منهم؛ وكلما زاد خوفه من الشعب زاد ظلمه لهم، من هنا أدى الخوف بفرعون إلى تطرف في اضطهاد خصومه؛ فالإسراف هو المصطلح القرآني لما نسميه في ثقافتنا المعاصرة بالتطرف، وصل هذا التطرف في معاملة الخصوم إلى تعذيبهم تعذيباً مهينا وممنهجاً لإرهابهم وإرهاب كل من وراءهم
فَللسِّياطِ رَنِينٌ يُنْسِي الحَلِيمَ الفِكْرا
وَللزَّنازِين لَيلٌ يُنسِي الزَّمانَ الفَجْرا
وجاء وصف فرعون بالعلو والإسراف في نفس سياق تطرفه في تعذيب بني إسرائيل في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الدخان:31
عقد فرعون بوزرائه ومستشاريه اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات يوم الزينة ومناقشة آخر التطورات المستجدة على الساحة بسببه، وكيفية وقف الزحف الإسلامي الذي يقوده موسى وهارون، وتبادل الحضور أطراف الحديث، محرضين فرعون على اتخاذ أي قرارات استثنائية، لوقف هذا الزحف الذي يهدد مصالحهم ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ..(1)﴾ الأعراف:127.
فراودتهم فكرة قتل موسى والتخلص منه، فهو مؤجج الفتنة ورأس هذا التنظيم، فلاقت هذه الفكرة رفضاً وممانعة من البعض لعدة أسباب لعل من بينها:
أن قتل موسى لا ينهي الإشكال، فموسى ليس وحده بل معه هارون، وقد يوحي قتلهما للجماهير بتقديسهما واعتبارهما من الشهداء، فتزاد الحماسة لهما وللدين الذي جاءا به.
ثانيا: قد يكون بعض مستشاري فرعون أحس في نفسه رهبة أن ينتقم إله موسى له، لو قتلوه - وليس هذا ببعيد - فقد كان المصريون يعتقدون بتعدد الآلهة، وكان فرعون وملؤه يوقنون أن لموسى إله، وأن ما أتى به موسى هو الحق، وأنهم على باطل وضلال، وقد وصف الله هذا الشعور الداخلي عندهم فقال:﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ النمل:14.
فما يقولونه أمام الناس، وما يلقنوه لأذرعهم الإعلامية غير ما يعتقدونه داخل ضمائرهم !
فلما كان قرار قتل موسى لم يلق إجماعاً، ولم يرق لفرعون الذي يأمل أن يراود موسى عن أفكاره ويغريه بمنصب أو مال ليضمه إلى أنصاره؛ أصدر فرعون قراراً بإعادة العمل بقانون العقوبات "الذبح" مرة أخرى ﴿ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ الأعراف:127
وعمم هذا القانون على كل من يؤمن بموسى سواء كان مصرياً أو من بني إسرائيل ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ غافر:25، كما طالت هذه المذبحة أبناء المؤمنين سواء كانوا صغاراً أو بالغين، وكل هذا لإرهاب المجتمع من إتباع موسى.
قانون الاستئصال
لقد توقف العمل بهذا "القانون الاستئصالي" الجائر فترة من الزمن، حين ظن فرعون أن موسى قد مات في الصحراء عندما فر هارباً، وبالتالي فقد أمن على عرشه منه، فقد كان هو الطفل الذي يبحث عنه، وقتل في طلبه آلاف الذكور؛ ولكن لما عاد موسى من جديد؛ عاد معه الخوف على زوال ملكه، والرؤيا التي رآها في منامه منذ ما يزيد عن أربعين عاماً، باتت تتحقق أمامه يوماً بعد يوم، فأعاد العمل بهذا القانون الجائر على بني إسرائيل والمصريين معاً، خاصة بعدما توسعت دعوة موسى وأصبح لها أنصار من المصريين أيضاً – وإن كانوا قلة - وخاصة من جيل الشباب ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾(2)يونس:83
الشباب أمل المصلحين
أعطى موسى عليه السلام جُل اهتمامه للشباب، لأن الشيوخ قلّ أن يستجيبوا لجديد يُدعونَ إليه، لطول إلفهم لما ورثوه من عادات وتقاليد ومعتقدات ملأت عقولهم، حتى أسِرتها فأصبح تغيّيرها عسيراً وشاقاً، أما الشباب فهم يتمتعون بطاقة من النقاء، ويعيشون - إلى حد ما - في خُلُوٍّ من المشاكل، كما أنهم لم يصلوا إلى مرتبة السيادة التي يُحْرَصُ عليها؛ والتاريخ يؤكد لنا أن الشباب دوماً أقرب من غيرهم إلى تقبّل الجديد والأخذ به، وهذا يعنى أن تحركات الأمم نحو التجديد ستكون على يد الشباب، فالشباب هم أمل الأمة، وهم حاضرها ومستقبلها، وهم الأسس المتينة، والقواعد الراسخة في بنية المجتمع، كما أنهم السواعد القوية التي ترفع البناء وتعليه، والعقول التي تخطط وتفكر وتعمل للغد المشرق، فهم يملكون طاقات هائلة لا يمكن وصفها، وبالسهو عنها سيكون الانطلاق بطيئاً، والبناء هشاً(2)، " وإنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها, وتوفر الإخلاص في سبيلها, وازدادت الحماس لها, ووُجِد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها, وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان, والإخلاص, والحماس, والعمل من خصائص الشباب؛ لأنّ أساس الإيمان القلب الذكي, وأساس الإخلاص الفؤاد النقي, وأساس الحماس الشعور القوي, وأساس العمل العزم الفتي, وهذه كلها لا تكون إلا في الشباب، ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ﴾ الكهف: 13"(1).
التعذيب الممنهج
وقد كان إيمان هذه الذرية من الشباب ﴿ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ(3)﴾ فلو علم نظام فرعون بإيمانهم سيبذلون قصارى جهدهم - كالعادة - في أن يفتنوهم عن دينهم بالاضطهاد، والسجن والتعذيب حتى يتركوه.
وقد كانت فتنة التعذيب هذه أشد من القتل والذبح !! وهذا ما يلفت النظر في قوله جل وعلا عندما وصف الفتنة في الدين فقال :﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ البقرة: 191، ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ البقرة: 217، وذلك لأن القتل أو الذبح هو قتل للجسد؛ أما الإرهاب والترويع والتخويف فهو قتل معنوي يقتل أجمل ما في النفس البشرية إن لم تصمد وتستعن بالله جل وعلا.
فكل نفس بشرية ذائقة الموت، إما موتاً عادياً وإما قتلاً، لكن ليس كل نفس بشرية تذوق ألم القهر والتعذيب بسبب اختيارها الديني أو الفكري، إلى درجة تتمنى فيها الراحة بالموت، وهذا ما يشعر به كل مقهور ومسجون؛ فالاضطهاد أو الفتنة معاناة مستمرة بالخوف والرعب والقلق، وانتظار المصائب، وتوقع الشّر عند أيّ لفتة أو همسة أو دق على الباب ..
وهناك علاقة طردية بين ظلم الحاكم المستبد للمصلحين وبين خوفه وذعره، فكلما زاد ظلمه للشعب زاد خوفه منهم؛ وكلما زاد خوفه من الشعب زاد ظلمه لهم، من هنا أدى الخوف بفرعون إلى تطرف في اضطهاد خصومه؛ فالإسراف هو المصطلح القرآني لما نسميه في ثقافتنا المعاصرة بالتطرف، وصل هذا التطرف في معاملة الخصوم إلى تعذيبهم تعذيباً مهينا وممنهجاً لإرهابهم وإرهاب كل من وراءهم
فَللسِّياطِ رَنِينٌ يُنْسِي الحَلِيمَ الفِكْرا
وَللزَّنازِين لَيلٌ يُنسِي الزَّمانَ الفَجْرا
وجاء وصف فرعون بالعلو والإسراف في نفس سياق تطرفه في تعذيب بني إسرائيل في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الدخان:31