فرعون والغباء وصلت عربة فرعون أمام البحر المشقوق، فرفعت الخيل قوائمها في خوف وفزع من هول ...
فرعون والغباء
وصلت عربة فرعون أمام البحر المشقوق، فرفعت الخيل قوائمها في خوف وفزع من هول المشهد.
وهنا أخذ الكبر والغرور بفرعون مأخذاً، وتناسى أن موسى رسول مؤيد بالمعجزات من ربه، فلو أنه توقف قليلاً وتدبّر الأمر لعلم أنه أمام معجزة قاهرة، وأن عليه أن يراجع نفسه، وأن يؤمن بالله الذي دعاه موسى للإيمان به؛ فليس هناك قوة بشرية قادرة على أن تشق البحر هكذا بين الأمواج المتلاطمة.
ولكن الطغاة عندما تأخذهم سكرة الغرور يقتلون أنفسهم بأنفسهم، لا سيما لو اجتمع مع الطغيان الكبر، فهي والله قاصمة الظهر؛ فالطغاة يسرعون إلى حتوفهم رغم أنوفهم؛ لأن المتكبر لا يزال يُحرم التوفيق إلى أن يهوي في وادي الخذلان السحيق.
لذا مضى فرعون متجاهلاً هذه المعجزة ورغب أن يركب هذا الطريق، غير ملتفت إلى شيء، إلا الانتقام ممن آمنوا بموسى؛ فنادى فرعون في الذين استخفهم فأطاعوه وعلى باطله اتبعوه قائلاً: انظروا .. انظروا كيف انحسر البحر لي، طوعاً لأمري وانصياعاً لإرادتي، حتى أُدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي ..
قال هذه الكلمات ثم قفز فوق عربته، ضرب الخيل فصهلت وتحركت، فكانت فرط الضرب عليها تكاد تطير، فتقوّىَ جيشه بقوته، واطمأنوا لنصرته، ثم اندفعوا خلفه مسرعين، ونزل آخرهم وخاض مع من خاضوا لُجة البحر ..
ولما رأى فرعون موسى عليه السلام واقفاً على الشاطئ، رفع قوسه وسدد سهمه نحو صدره، فاصطدمت عجلة عربته بصخرة قاسية فانقلبت به، فاصطدمت العربات المندفعة خلفه بعضها ببعض، زحف فرعون حتى خرج من تحت عربته، فارتجت الأرض وارتفع صوت هدير المياه ..
حينها أمر الله - الجبار المنتقم - مياه البحر التي تماسكت إجلالاً لأمره، أن تنهار فوق رؤوسهم أجمعين، أتباعاً ومتبوعين ..
فاختلط صريخ الجند بصوت تكسير العربات، بصهيل الخيل الذي يحاول أن يقاوم الغرق ..
الأنفاس الأخيرة
ثم سلط الله الضوء على فرعون وحده .. ها هو ذا تنهار فوق رأسه مياه البحر بعلو الجبال الشامخات، وطل عليه شبح الموت؛ ها هو يصرخ من أعماقه طالبا الغوث والنجاة !! فالموت يحيط به، والغرق يدركه، ولا يستطيع مقاومة الأمواج إلا بيده، الضعيفة وجسده النحيل.
فلما أيقن أنه هالك لا محالة، خطرت له خاطرة – وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة - رأى فيها نجاته من هذا الموت المحقق .. إن بني إسرائيل قد ركبوا هذا الطريق، فوصل بهم إلى شاطئ النجاة، وإن الذي فعل بهم هذا هو إلههم الذي آمنوا به، وأنه لو آمن بهذا الإله لنجّاه كما نجاهم- هكذا فكّر وقدّر في لحظات الغرق - فتخلّى عن آلهته التي كان يعبدها، إذ تخلت هي عنه في هذه الشدة، وإنه ليؤمن بالإله الذي آمنت به بنو إسرائيل.. إنه الإله الحق، وكل آلهة غيره باطل وضلال!
﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ يونس:90.
فسبحان من أسقط عن فرعون كل أرديته التي تنفخ فيه فتظهره لقومه ولنفسه قوة هائلة مخيفة، فلقد تضاءل وتصاغر واستخذى؛ فهو لا يكتفي بأن يعلن إيمانه بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل بل يزيد في استسلام قائلاً:«وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» !!
وكذلك حال فرعون كل عصر مع الإصلاح .. حتّى إذا أدركه المدّ الإصلاحيّ، وثورة استرجاع الحقوق الباسلة قال: آمنت أنّكم بشر، وأنّ لكم حقوقاً ضيعتها عليكم، وأنّ هناك شيئاً اسمه الإصلاح وأنا اليوم من المصلحين !!
فلم يتقبل الله إيمان فرعون، لأنه آمن إيمان المضطرين المجبرين(1)، ورد على طلبه مستنكراً فقال سبحانه وتعالى: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ يونس:91.
آلآن حيث لا اختيار ولا فرار؟
آلآن وقد سبق العصيان والاستكبار؟
إن في ذلك لعبرة
غاص فرعون - الذي علا في الأرض – إلى أعماق البحر، وهو يعالج سكرات الموت وكرباته ..
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الملائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال:52.
وحين عاد البحر لحالته، وهدأ الموج .. طفت على الماء العربات العسكرية المحطمة، والخيول الغارقة، وجنود جثثهم لحمُها متهتك، وبطونهم منتفخة، مبسوطة أذرعهم وعلى وجوههم سواد قاتم من شدة ما عاينوه من عذاب أعده الله لهم، رغم أنهم لم يكونوا سوى أتباعاً ينفذون أوامر الظالمين والفاسدين، ولكنهم لا يقلون عن سادتهم سوءاً ولا ذماً, فإنما انتشر الظلم في الأرض من خلالهم, وإنما مورس القهر والبغي على الناس بقوتهم و أيديهم.
أليسوا هم من ذبَّحوا الأطفال الرُضّع؟ أليسوا هم من روّعوا النساء؟ أليسوا هم من اقتادوا السحرة وقطّعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ؟ أليسوا هم من عذبوا الماشطة وحرّقوا أطفالها أمامها ؟ أليسوا هم من طاردوا المصلحين أمثال "مؤمن آل فرعون" في الجبال ؟ أليسوا هم من سجنوا المعارضين لفرعون وأذاقوهم سوء العذاب ؟ أليسوا هم من خرجوا مع فرعون لقتل نبي من الأنبياء ؟!.
فمن هو فرعون لولا جنده وأتباعه ؟!.
﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ النمل:85.
أما فرعون فقد قذفت جثته موجة غاضبة فألقت به على رمال الشاطئ !
ها هو الذي ملأ الأرض بغياً وعدواناً، وقال: « سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ »، ها هو الذي قال يوماً « يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي »، ها هو الذي بلغ به الكبر والغرور أن يقول: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»؛ لقد صار في لحظات جثة هامدة، وكوماً من لحم، تزكم الأنوف ريحه!، أين ملكه؟ وأين سلطانه؟ وأين بطشه؟ وأين جبروته؟!
لقد ذهب كل ذلك عنه، وتعرّى من كل شيء كان بين يديه! ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ﴾ يونس:92، فليتعظ فراعنة الأمصار، وليتعظ كل ظالم جبار!
ها هي جثّته ملقاة على رمال الشاطئ، عافت حيتان البحر وحيوانات البر أن تأكلها، فقد وعد الله فرعون حين رد عليه إيمانه أن جسده لن يبلى، ليكون عبرة إلى يوم القيامة لكل ظالم وفاسد وطاغية(2)، يحكم بغير ما أنزل الله، ويحارب شريعة الله وأوليائه،﴿ فَاليوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ يونس:92.
فيا فراعنة كل عصر ..
أأنتم أعظم ملكًا وأوسع دولة وأشد بطشًا ورهبةً ؟ أمَّن قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ النازعات: 24؟! والآخر الذي قال: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ البقرة: 258.
ألم تعتبروا من مصيرهما ومصير أمثالهما ؟!
يا من حاربتَم الله ورسوله، وأبطلتَم شرْعَه وأمْرَه، وسجنتم أولياءه ﴿ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ يونس: 59 ؟!!.
غدًا تُوقفون بين يدَي الْمَلك الحقِّ الجبَّار، فماذا تقولون؟ هل عندكم حُجَّة أو معذرة؟
انتبهوا وتحسسوا خطواتكم، فمصير فرعون موسى ولعنته تلحق بكل من يسير على (دأبه) إلى يوم القيامة، لذا خلّد الله قصة فرعون في القرآن لتدق في آذانكم جرس إنذار ..
﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ النازعات:19.
وصلت عربة فرعون أمام البحر المشقوق، فرفعت الخيل قوائمها في خوف وفزع من هول المشهد.
وهنا أخذ الكبر والغرور بفرعون مأخذاً، وتناسى أن موسى رسول مؤيد بالمعجزات من ربه، فلو أنه توقف قليلاً وتدبّر الأمر لعلم أنه أمام معجزة قاهرة، وأن عليه أن يراجع نفسه، وأن يؤمن بالله الذي دعاه موسى للإيمان به؛ فليس هناك قوة بشرية قادرة على أن تشق البحر هكذا بين الأمواج المتلاطمة.
ولكن الطغاة عندما تأخذهم سكرة الغرور يقتلون أنفسهم بأنفسهم، لا سيما لو اجتمع مع الطغيان الكبر، فهي والله قاصمة الظهر؛ فالطغاة يسرعون إلى حتوفهم رغم أنوفهم؛ لأن المتكبر لا يزال يُحرم التوفيق إلى أن يهوي في وادي الخذلان السحيق.
لذا مضى فرعون متجاهلاً هذه المعجزة ورغب أن يركب هذا الطريق، غير ملتفت إلى شيء، إلا الانتقام ممن آمنوا بموسى؛ فنادى فرعون في الذين استخفهم فأطاعوه وعلى باطله اتبعوه قائلاً: انظروا .. انظروا كيف انحسر البحر لي، طوعاً لأمري وانصياعاً لإرادتي، حتى أُدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي ..
قال هذه الكلمات ثم قفز فوق عربته، ضرب الخيل فصهلت وتحركت، فكانت فرط الضرب عليها تكاد تطير، فتقوّىَ جيشه بقوته، واطمأنوا لنصرته، ثم اندفعوا خلفه مسرعين، ونزل آخرهم وخاض مع من خاضوا لُجة البحر ..
ولما رأى فرعون موسى عليه السلام واقفاً على الشاطئ، رفع قوسه وسدد سهمه نحو صدره، فاصطدمت عجلة عربته بصخرة قاسية فانقلبت به، فاصطدمت العربات المندفعة خلفه بعضها ببعض، زحف فرعون حتى خرج من تحت عربته، فارتجت الأرض وارتفع صوت هدير المياه ..
حينها أمر الله - الجبار المنتقم - مياه البحر التي تماسكت إجلالاً لأمره، أن تنهار فوق رؤوسهم أجمعين، أتباعاً ومتبوعين ..
فاختلط صريخ الجند بصوت تكسير العربات، بصهيل الخيل الذي يحاول أن يقاوم الغرق ..
الأنفاس الأخيرة
ثم سلط الله الضوء على فرعون وحده .. ها هو ذا تنهار فوق رأسه مياه البحر بعلو الجبال الشامخات، وطل عليه شبح الموت؛ ها هو يصرخ من أعماقه طالبا الغوث والنجاة !! فالموت يحيط به، والغرق يدركه، ولا يستطيع مقاومة الأمواج إلا بيده، الضعيفة وجسده النحيل.
فلما أيقن أنه هالك لا محالة، خطرت له خاطرة – وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة - رأى فيها نجاته من هذا الموت المحقق .. إن بني إسرائيل قد ركبوا هذا الطريق، فوصل بهم إلى شاطئ النجاة، وإن الذي فعل بهم هذا هو إلههم الذي آمنوا به، وأنه لو آمن بهذا الإله لنجّاه كما نجاهم- هكذا فكّر وقدّر في لحظات الغرق - فتخلّى عن آلهته التي كان يعبدها، إذ تخلت هي عنه في هذه الشدة، وإنه ليؤمن بالإله الذي آمنت به بنو إسرائيل.. إنه الإله الحق، وكل آلهة غيره باطل وضلال!
﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ يونس:90.
فسبحان من أسقط عن فرعون كل أرديته التي تنفخ فيه فتظهره لقومه ولنفسه قوة هائلة مخيفة، فلقد تضاءل وتصاغر واستخذى؛ فهو لا يكتفي بأن يعلن إيمانه بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل بل يزيد في استسلام قائلاً:«وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» !!
وكذلك حال فرعون كل عصر مع الإصلاح .. حتّى إذا أدركه المدّ الإصلاحيّ، وثورة استرجاع الحقوق الباسلة قال: آمنت أنّكم بشر، وأنّ لكم حقوقاً ضيعتها عليكم، وأنّ هناك شيئاً اسمه الإصلاح وأنا اليوم من المصلحين !!
فلم يتقبل الله إيمان فرعون، لأنه آمن إيمان المضطرين المجبرين(1)، ورد على طلبه مستنكراً فقال سبحانه وتعالى: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ يونس:91.
آلآن حيث لا اختيار ولا فرار؟
آلآن وقد سبق العصيان والاستكبار؟
إن في ذلك لعبرة
غاص فرعون - الذي علا في الأرض – إلى أعماق البحر، وهو يعالج سكرات الموت وكرباته ..
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الملائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال:52.
وحين عاد البحر لحالته، وهدأ الموج .. طفت على الماء العربات العسكرية المحطمة، والخيول الغارقة، وجنود جثثهم لحمُها متهتك، وبطونهم منتفخة، مبسوطة أذرعهم وعلى وجوههم سواد قاتم من شدة ما عاينوه من عذاب أعده الله لهم، رغم أنهم لم يكونوا سوى أتباعاً ينفذون أوامر الظالمين والفاسدين، ولكنهم لا يقلون عن سادتهم سوءاً ولا ذماً, فإنما انتشر الظلم في الأرض من خلالهم, وإنما مورس القهر والبغي على الناس بقوتهم و أيديهم.
أليسوا هم من ذبَّحوا الأطفال الرُضّع؟ أليسوا هم من روّعوا النساء؟ أليسوا هم من اقتادوا السحرة وقطّعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ؟ أليسوا هم من عذبوا الماشطة وحرّقوا أطفالها أمامها ؟ أليسوا هم من طاردوا المصلحين أمثال "مؤمن آل فرعون" في الجبال ؟ أليسوا هم من سجنوا المعارضين لفرعون وأذاقوهم سوء العذاب ؟ أليسوا هم من خرجوا مع فرعون لقتل نبي من الأنبياء ؟!.
فمن هو فرعون لولا جنده وأتباعه ؟!.
﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ النمل:85.
أما فرعون فقد قذفت جثته موجة غاضبة فألقت به على رمال الشاطئ !
ها هو الذي ملأ الأرض بغياً وعدواناً، وقال: « سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ »، ها هو الذي قال يوماً « يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي »، ها هو الذي بلغ به الكبر والغرور أن يقول: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»؛ لقد صار في لحظات جثة هامدة، وكوماً من لحم، تزكم الأنوف ريحه!، أين ملكه؟ وأين سلطانه؟ وأين بطشه؟ وأين جبروته؟!
لقد ذهب كل ذلك عنه، وتعرّى من كل شيء كان بين يديه! ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ﴾ يونس:92، فليتعظ فراعنة الأمصار، وليتعظ كل ظالم جبار!
ها هي جثّته ملقاة على رمال الشاطئ، عافت حيتان البحر وحيوانات البر أن تأكلها، فقد وعد الله فرعون حين رد عليه إيمانه أن جسده لن يبلى، ليكون عبرة إلى يوم القيامة لكل ظالم وفاسد وطاغية(2)، يحكم بغير ما أنزل الله، ويحارب شريعة الله وأوليائه،﴿ فَاليوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ يونس:92.
فيا فراعنة كل عصر ..
أأنتم أعظم ملكًا وأوسع دولة وأشد بطشًا ورهبةً ؟ أمَّن قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ النازعات: 24؟! والآخر الذي قال: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ البقرة: 258.
ألم تعتبروا من مصيرهما ومصير أمثالهما ؟!
يا من حاربتَم الله ورسوله، وأبطلتَم شرْعَه وأمْرَه، وسجنتم أولياءه ﴿ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ يونس: 59 ؟!!.
غدًا تُوقفون بين يدَي الْمَلك الحقِّ الجبَّار، فماذا تقولون؟ هل عندكم حُجَّة أو معذرة؟
انتبهوا وتحسسوا خطواتكم، فمصير فرعون موسى ولعنته تلحق بكل من يسير على (دأبه) إلى يوم القيامة، لذا خلّد الله قصة فرعون في القرآن لتدق في آذانكم جرس إنذار ..
﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ النازعات:19.