ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته اختصَّ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بكثيرٍ ...

ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته
اختصَّ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بكثيرٍ من الخصائصِ والأحكامِ دُونَ أمتِهِ؛ تكريماً له وتبجيلاً، وقد شاركه في بعضِها الأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وإننا في هذا السياقِ سنذكرُ جُملةً من خصائصِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ التي اختصَّ بها دُونَ سائرِ أُمَّتِهِ، فمنها:

1- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ الوِصالِ في الصَّومِ:
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال:" لا تواصلوا. قالوا: إنّك تُواصل. قال: لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطعم وأُسقى. أو إني أبيت أُطعم وأُسقى".
رواه البُخاريّ، الفتح (4/238) رقم (1961) كتاب الصوم باب الوصال.
قال الحافظ ابن حجر رَحِمهُ اللهُ: "واستُدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وعلى أن غيره ممنوعٌ منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الأذن فيه إلى السَحر".
فتح الباري (4/240).

2- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالجمعِ بين أكثرِ من أربعِ نِسوةٍ:
فعن أنس بن مالك قال: كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَدورُ على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهُنَّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين. وقال سعيدٌ عن قتادة إنّ أنساً حدّثهم: تسعُ نسوة).
رواه البُخاريّ الفتح (1/449) رقم (268) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحدٍ.
قال الشافعي رَحِمهُ اللهُ: "وقد دلَّت سنةُ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-المبينة عن الله أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ غير رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أن يجمعَ بين أكثر من أربع نسوة".
قال ابن كثير رَحِمهُ اللهُ: "وهذا الذي قاله الشافعيُّ مجمعٌ عليه بين العلماءِ".
تفسير ابن كثير (1/460).

3- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ عينَهُ تنامُ ولا ينامُ قَلبُهُ:
عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي أربعَ ركعات فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي ثلاثاً. فقلتُ: يا رسولَ الله تنامُ قبل أن تُوتر؟ قال:" تنامُ عيني ولا ينام قلبي".

رواه البُخاريّ ، الفتح (6/670) رقم (3569) كتاب المناقب. باب كان النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تنام عينه ولا ينام قلبه.
وفي رواية أنس بن مالك: (والنَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياءُ تنام أعينُهم ولا تنام قلوبُهم)
رواه البُخاريّ، الفتح (6/670) رقم (3570) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد، ومَن دار على نسائه في غسلٍ واحدٍ.

4- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الكذبَ عليه ليسَ كالكذبِ على غيرِهِ:
عن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: (إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثاً كثيراً أن النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: "مَن تعمَّد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار".
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/243) رقم (108) كتاب العلم، باب إثم من كذب على النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

وعن عليٍّ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :(لا تكذبُوا عليَّ، فإنّه مَنْ كَذَبَ عَليَّ فليلجِ النَّارَ)
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/241) برقم (106) كتاب العلم ،باب إثم مَنْ كَذَبَ على النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وقال صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعدَهُ من النَّارِ".
رواه البُخاريُّ الفتح ( 3/ 191) رقم ( 1291. كتاب الجنائز باب ما يُكره من النِّياحةِ على الميِّتِ.

5- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بوجوبِ محبتِهِ:
قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(24) سورة التوبة.
قال القرطبي رَحِمهُ اللهُ :( وفي الآية دليل على وجوب حبِّ الله ورسوله، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة وأنَّ ذلك مقدَّمٌ على كل محبوب)
الجامع لأحكام القرآن (8/95).
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ: أن رسولَ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: (فوالذي نفسي بيده لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (1/74-75) رقم (14) كتاب الإيمان باب: حُبُّ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من الإيمان.
وعن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ".
المصدر السابق رقم (15).

6- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإسلامِ قرينِهِ:
عن عبد الله بن مسعود رَضيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّلَ به قرينُهُ من الجِنِّ) قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللهِ؟، قال:( وإيَّاي إلا أنَّ الله قد أعانني عليه فأسلمَ، فلا يأمرني إلا بخيرٍ)
رواه مسلم (4/2168) رقم الحديث (2814).

7- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ به، وأنَّ مَنْ رآهُ في المنامِ فقدْ رآهُ حَقَّاً:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (مَنْ رآني في المنامِ فقد رآني، فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ بي، ورُؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جُزءاً من النُّبوَّةِ).
رواه البُخاريُّ الفتح (12/399-400) رقم (6994) كتاب التعبير باب مَنْ رَأَى النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنامِ.

8- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يَرَى مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ كما يَرَى مِنْ أَمَامِهِ:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: (أُقيمتِ الصَّلاةُ، فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ بوجهِهِ، فقالَ: "أقيمُوا صفوفَكم وتراصوا، فإنِّي أراكُمْ مِنْ وراءِ ظهري".
رواه البُخاريُّ الفتح (2/243) رقم الحديث (719) كتاب الأذان باب إقبال الإمام على النَّاس.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ ،قال: (صلى بنا رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوماً ثمّ انصرفَ، فقالَ: "يا فلانُ، ألا تُحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلِّي إذا صلى كيفَ يُصلِّي، فإنما يُصلِّي لنفسه، إني والله لأبصرُ مِن ورائي، كما أبصر من بين يديَّ".
رواه مسلم (1/319)، رقم الحديث (423)، كتاب الصلاة باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، قالَ: "هل ترون قبلتي هاهنا؟ فو الله! ما يخفى عليَّ رُكوعُكم ولا سجودُكم؛ إني لأراكم مِنْ وراءِ ظهري".
المصدر السابق رقم (424).

9- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يسمعُ ما لا يسمعُهُ النَّاسُ:
عن أبي ذرٍّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إني أرى ما لا ترون ،وأسمعُ ما لا تسمعون. إنَّ السَّماءَ أطَّت وحقَّ لها أنْ تئطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجِداً لله. والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلاً، ولبكيتُم كثيراً. وما تلذذتم بالنِّساءِ على الفُرُشات، ولخرجتُم إلى الصعدات تجأرون إلى اللهِ".
رواه أحمد في مسنده، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه واللفظُ له. وقال الشيخُ الألبانيُّ رَحِمهُ اللهُ في" صحيح ابن ماجه" : الحديث حسن. راجع: (صحيح ابن ماجه) (2/407-408) (3387).

10- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بتخييرِهِ قبلَ قبضِهِ بينَ الدُّنيا والآخرةِ:
عن عائشة رَضيَ اللهُ عنهُا قالت: (سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، يقولُ: " ما من نبيٍّ يمرضُ إلا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذته بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمعتُهُ يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم؛ من النَّبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين"، فعلمتُ أنه خُيِّر)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (8/103) رقم الحديث (4586). كتاب التفسير باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين).

11- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الأرضَ لا تأكلُ جسدَهُ الشَّريفَ، وعرضُ صلاةِ أمتِهِ عليه في قبرِهِ:
عن أوس بن أوس عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ: "إنّ أفضلَ أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ عليه السلام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ". قالوا :يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ، وقد أَرِمتَ؟ أي يقولون قد بَلِيتَ. قال: "إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قد حرَّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ عليهم السلام".
رواه النَّسائيُّ :باب: إكثار الصَّلاةِ على الرَّسُولِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوم الجمعة (3/75)، وقالَ الإمامُ ابنُ كثير رَحِمهُ اللهُ :"وقد صححه بعضُ الأئمةِ"( الفصول في سيرة الرَّسُول) ( ص315).

12- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بطيبِ عَرَقِهِ، ولِيْنِ مَسِّهِ:
عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: (دخل علينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ(أي: نام القيلولة) عندنا، فعرقَ، وجاءت أُمِّي بقارورةٍ، فجعلتْ تسلتُ العَرَقَ فيها، فاستيقظَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: "يا أُمَّ سُليم، ما هذا الذي تصنعينَ؟!" قالت: هذا عَرقُك نجعلُهُ في طيبنا، وهو أطيبُ الطِّيبِ)
رواه مسلم (4/1814) رقم الحديث (2331) كتاب الفضائل- باب طيب عرق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وعن أنسٍ، قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أزهرَ اللَّونِ، كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ، إذا مشى تكفَّأَ ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مِسْكةً ولا عَنْبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ).
رواه مسلم (4/1814)، رقم (2330) كتاب الفضائل باب طيب رائحة الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

13- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يُدْفنُ في المكانِ الذي قُبِضَ فيهِ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالت: (لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اختلفُوا في دفنِهِ، فقال أبو بكر: سمعتُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نَسيتُهُ، قال: "ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه" فدفنُوه في موضعِ فراشِهِ).
صحيح التِّرمذيِّ للألباني (1/298)، وانظر:" أحكام الجنائز" للألباني (ص137 -138).

14- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الله تعالى عَصَمَهُ من النَّاسِ:
قالَ اللهُ تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (67) سورة المائدة.
قال القرطبيُّ رَحِمهُ اللهُ: "معناه ما أظهِر التبليغ، لأنه كان في أوَّلِ الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين، ثم أُمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من النَّاس".
الجامع لأحكام القرآن (6/242).
وعن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُما-،قال: (غزونا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غزوةً قبل نجد، فأدركنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وادٍ كثيرِ العِضاة، فنزل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحتَ شجرةٍ، فعلَّق سيفَهُ بغُصنٍ من أغصانِها، وتفرَّقَ النَّاسُ في الوادي يستظلون بالشَّجرِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رجلاً أتاني-وأنا نائم- فأخذَ السَّيفَ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده، فقال لي: مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ قلتُ: الله. قال: فشام السَّيفَ، فها هو ذا جالسٌ،" ثم لم يعرضْ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم).
رواه مسلم (4/1786) رقم (843) كتاب الفضائل: باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله له من النَّاس.
قال ابنُ حجر في "الفتح": (ويُؤخَذُ من مُراجعةِ الأعرابيِّ له في الكلام أنَّ الله سبحانه وتعالى مَنَعَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعتِهِ مع احتياجِهِ إلى الحظوة عند قومِهِ بقتلِهِ، وفي قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في جوابِهِ (الله)،أي يمنعني منك، إشارةٌ إلى ذلك)
فتح الباري (7/492).

15- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالزَّواجِ مِنْ غيرِ وليٍّ ولا شُهُودٍ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالتْ: قالَ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدينِ).
قال الألباني: صحيح (إرواء الغليل) (6/258).
وقد انفرد رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن أمتِهِ في هذينِ الحُكمينِ، فأباح اللهُ تعالى له الزَّواجَ بغيرِ وليٍّ، ولا شهودٍ تشريفاً وتكريماً له، لعدمِ الحاجةِ إلى ذلكَ في حقِّه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
قال العلماءُ: ( إنما اعتُبِرَ الوليُّ في نكاحِ الأُمَّةِ للمحافظةِ على الكفاءةِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فوقَ الأَكْفَاءِ، وإنّما اعتُبِرَ الشُّهودُ لأمنِ الجُحُودِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا يجحدُ).
نضرة النعيم (1/508).
وبُرهانُ هذا الحكمِ في حَقِّهِ في حديثِ زينب بنت جحش رَضيَ اللهُ عنهُا أنها كانت تفخرُ على أزواجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وتقولُ:(زوجكن أهليكن، وزوَّجني اللهُ تعالى مِن فوق سبع سماوات)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، رقم (7420) ( 13/ 415)،كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم .

16- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ مَنِ استهانَ بهِ كَفَرَ:
تضافرتِ الأدلةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماع الأمة مُوضِّحة، ومجلية ما يجبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقوقِ وما يتعيَّنُ له مِنْ برٍّ وتوقيرٍ وإكرامٍ وتعظيمٍ، ومن أجلِ هذا حَرَّم اللهُ-تبارك وتعالى- أذاه في كتابِهِ وأجمعتِ الأُمَّةُ على قتلِ منتقصِهِ وسابِّه. قالَ اللهُ-تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(57) سورة الأحزاب.
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة.
فكلُّ مَنِ استهانَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو سبَّهُ أو عابَهُ أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السَّبِّ له، أو الإزراءِ عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغضِّ منه والعيب له، فإنه يُقتلُ كُفراً(1)، والدَّليلُ على ذلك:
ما روى أبو داود والنَّسائيّ عن ابن عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ، تشتم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمَّا كانتْ ذات ليلةٍ جعلت تقعُ في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتشتمُهُ، فأخذ المِغْوَلَ (وهو السَّيفُ القصير) فوضعه في بطنِها، واتَّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طِفلٌ، فلطخت ما هنالك بالدَّمِ، فلمَّا أصبح ذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجمع النَّاسَ، فقال: "أنشدُ الله رجلاً فعلَ ما فعلَ، لي عليه حقٌّ، إلا قام فقام" الأعمى يتخطَّى النَّاسَ،- وهو يتزلزلُ- حَتَّى قعدَ بين يديِّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أنا صاحبُها، كانت تشتمك وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنانِ مثلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كانت البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فوضعتُهُ في بطنِها، واتكأت عليها حَتَّى قتلتها، فقال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ألا اشهدوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ).
رواه أبو داود في سننه (4361) والنَّسائيُّ (7/107-108)، وصححه الألبانيُّ في" صحيح أبي داود" رقم (3666).
وقد وردَ عن أبي برزة الأسلميِّ، قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، قالَ: فقال: أبُو بَرَزة: ألا أضربُ عُنقَهُ؟ قال: فانتهرَهُ أبو بكر، وقال: ما هي لأحدٍ بعدَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر، المسند (1/55).
وراجع تفاصيل ذلك في الكتابِ القيِّمِ "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة رحمه الله.

17- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يُوْرَثُ، وما تركَهُ صدقةٌ:
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سفراءُ الله إلى عبادِهِ، وحَمَلةُ وحيه، مهمتهم إبلاغُ رسالاتِ اللهِ إلى عبادِهِ، والدَّعوة إلى اللهِ وإصلاحِ النفوس وتزكيتها، وتقويم الفكر المنحرفِ والعقائد الزائفة، وإقامة الحجة وسياسة الأمَّة ،فلم تكن وظيفتُهم اختزانَ الأموالِ ولا توريث التُّراثِ، وإنما ورَّثوا عِلْماً وشرعاً، وبلاغاً للنَّاسِ، فذلك ميراثُهم، وهو خيرُ ميراثٍ(2).ودليل ذلك قولُ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نُورثُ ، ما تركناه صدقة)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، برقم (6730) ( 12/ 8 ) كتاب الفرائض باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا نورث ،ما تركنا صدقة.
وهذا مهم من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام ، وهذا اختصَّ به دُونَ أمتِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من أنه لا يُورث، وأنَّ ما تركه صدقةٌ.
نضرة النعيم (1/516).

18- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإخراجِ حظِّ الشَّيطانِ منه:
عن أنس بن مالك" أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ صلى الله عليه وسلم وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبِهِ، فاستخرج القلبَ فاستخرج منه علقةً. فقال: هذا حظُّ الشَّيطانِ منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم، ثم لأَمَهُ (أي جمع وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ) ثم أعاده في مكانِهِ، وجاء الغلمانُ يسعون إلى أمِّهِ (يعني ظئره) وهي المرضعة، فقالوا: إنَّ مُحمَّداً قد قُتِلَ. فاستقبلوه وهو مُنتقع اللون – قال أنس: وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المخيطِ في صدرِهِ".
رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، رقم الحديث (162) ( 1/ 145) .

19- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا ينبغي أنْ تكون له خائنةُ أعينٍ:
وعن أنس بن مالك في حديث طويل قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حَتَّى رأينا خيلنا وراء ظهورها وفي القوم رجلٌ يحمل علينا فيدقمنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيُبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إن عليَّ نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُبايعه ليفي الآخر بنذره قال: فجعل الرجل يتصدَّى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: "إني لم أُمسك عنه منذ اليوم إلا لتُوفي بنذرك" فقال: يا رسول الله ألا أومضتَ إليَّ؟ فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : "إنه ليس لنبي أن يُومض" – أي الرمز بالعين والإيماء بها-. رواه أبو داود في سننه كتاب الجنائز. باب أن يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. رقم (3194) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/301).

20- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ مَنْ سَبَّهُ رسولُ اللهِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ قُربةً له:
فعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنه سمع النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، يقولُ: "اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعلْ ذلك له قُربةً إليكَ يومَ القيامةِ"
رواه البُخاريُّ، الفتح (11/175) رقم (6361) كتاب الدعوات باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من آذيته، فاجعله له زكاةً ورحمةً .

21- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الصَّدقةَ مُحرَّمةٌ عليهِ وعلى آلِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
عن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: (أخذ الحسنُ بن علي رَضيَ اللهُ عنهُما تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجعلها في فيهِ، فقالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "كِخْ، كخ"، ليَطرحها، ثم قال:" أَمَا شَعرتَ أنّا لا نأكلُ الصَّدقةَ؟"
رواه البُخاريُّ مع الفتح (3/414)، رقم الحديث (1491)، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في الصَّدقةِ.

22- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا يأكلُ البصلَ أو الثَّومَ أو البُقُولَ التي تُثيرُ رائحةً مكروهة:
قال البُخاريّ حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاءُ أن جابر بن عبد الله زعم أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا." أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قرِّبوها – إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: "كل، فإني أُناجي من لا تناجي". رواه البُخاريّ- الفتح (2/395) رقم (855) كتاب الأذان. باب ما جاء في الثوم والبصل..

23- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يجوزُ التزوجُ بنسائِهِ بعدَ موتِهِ.
قالَ اللهُ تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} سورة الأحزاب (53). ولقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }سورة الأحزاب (6). فلا يجوزُ لرجلٍ أنْ ينكحَ أُمَّهُ، والعلم عند الله.
راجع: كتاب "كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله والأمة": تأليف/ أبي الحسن المأربي، ص318..

24- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ التبركِ بشعرِهِ وريقِهِ الشَّريفِ.
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: لما رمى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الجمرةَ، ونَحَرَ نُسكَهُ، وحَلَقَ، ناول الحالق شقَّهُ الأيمن فحلقه، ثم دعى أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إيَّاهُ، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقالَ: (احلقْ) فحلقَهُ، فأعطاه أبا طلحة، فقالَ: "اقسمْهُ بين النَّاسِ".
رواه البُخاريُّ ( 1/ 328) كتاب الوضوء باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . (170-171)، ومسلم (1305) ( 2/ 947 ) كتاب الحج باب بيان أنَّ السنة يوم النحر أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق ولا يبدأ في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.

1 - راجع: نضرة النعيم (1/512).
2 - راجع : نضرة النعيم (1/516) .