يا أهل غزة نحن أمة واحدة بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر ...
يا أهل غزة نحن أمة واحدة
بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر الله فيكونون جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمة المؤمنة الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقة للسير على نهج الصحابة والقادة الفاتحين، وما كان عليه الأئمة، وأن يتركوا سبل الأمم الأخرى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، قال ابن عباس: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم.
فضل الشهادة
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ آل عمران:170- 169]
- للشهيد في الإسلام منزلة عظيمة؛ وكيف لا وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله، روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل».
- روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)
- أخرج الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). أخرجه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
اليوم زُف إلى الحوراء عاشقها *** وبات في خدرها المأنوس ريانا
وغنت الحور لحن الحب مطربة *** اهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا
فعاد يهتز في عطفيه مؤتنقاً *** يميد بين بنات الحسن نشوانا
هذا الذي كان يرجوه وينشده *** فناله وحباه الله رضوانا
مكانة الشهيد
هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس فهل يعدُّ هذا شهيداً ؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم ، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم ، فهل هم في عداد الشهداء ؟ .
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة ، وأما في الدنيا : فإنه يغسَّل ، ويصلَّى عليه.
ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ومِن صوَر القتل ظلماً : مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين: " قوله فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فالنبي هو عليه الصلاة والسلام ، والصدِّيق : أبو بكر، والشهيدان : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم".
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130) .
المقتول دفاعا عن الوطن المحتل شهيد
عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني.
قتلوا مظلومين.
إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء ، وذلك لأمور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري ومسلم.
أنهم قتلوا على أيدي الكفار المحاربين لهم .
"ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح من مذهب المالكية ، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة : شهيد على الإطلاق ، بأي صورة كان ذلك القتل ، سواء كان غافلاً ، أو نائماً ، ناصبه القتال ، أو لم يناصبه . (أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ، عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله).
من صبر على فقد صفيه من أهل الدنيا
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ( ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ).
الصبر الجميل على شدائد الدنيا وعلى فقد الأحباب والأصفياء؛ من أخلاق المسلم الحق، وقد جعل الله جزاء هذا الصبر عظيما. وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه ليس للعبد المؤمن عند الله سبحانه جزاء وثواب وأجر، إذا قبض ونزع روح صفيه، وهو الحبيب المصافي؛ كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان، «من أهل الدنيا ثم احتسبه»، أي: صبر على ذلك راجيا الثواب من الله سبحانه؛ «إلا الجنة».
وفي الحديث: عظم أجر المصيبة في كل ما يحبه الإنسان من أهل الدنيا.
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله ( أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر). رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
من أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة
جعل الله ابتلاء العباد بالمصائب والبلايا كفارات للذنوب ومحوا للسيئات؛ وذلك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليغفر له ذنوبه، حتى إذا لقيه لم يكن عليه خطيئة.
فضل من مات صفيه واحتسب
فضل من احتسب أولادًا ولم يسخط على القدر
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم).
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
روى الإمام أحمد بسند حسن عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثكل ثلاثة من صُلبه فاحتسبهم على الله عز وجل، في سبيل الله وجبت له الجنة).
روى ابن ماجة وحسنه الألباني عن عُتبة بن عبد السُّلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل.
عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) .
عن أبي أمامة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة). أخرجه ابن ماجه (1597) واللفظ له، وأحمد (22228).
عن شرحبيل ابن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيأتون) قال: فيقول الله عز وجل: (ما لي أراهم - مغضبين- ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أيما امرأة مات لها ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا حجابًا من النار قالت امرأة: واثنان قال: واثنان).
الصبر على البلاء
قال تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [ البقرة: 155-157]
أشد الناس بلاء
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة).
- عن سعد بن أبي وقاص يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ). أخرجه الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح،
- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142).
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
روى الشيخان عن سهل بن حنيف قال كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ). رواه البخاري.
المستوطنون لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجمعيهم جنود سابقون أو لاحقون، حيث يخدمون في الجيش لمدة لا تقل عن 3 سنوات بعد سن الـ 18.
وقال الأزهر عبر صفحته على "فيسبوك" إن " تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم الذي يتجسد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي".
وأوضح أن " عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها ".
فالمستوطنون في الأراضي المحتلة مغتصبون للأرض فهم حربيون وليسوا مدنيين.
الأزهر يطالب الشعب الفلسطيني بالتشبث بأرضه
دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعرَ واجبها ومسئولياتها الدينية والتاريخية، وتسارع إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعةِ، وضمان عبورها إلى الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاع غزة، ويبيِّنُ الأزهر أن دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من خلال القنوات الرسميَّة هو واجبٌ دينيٌّ وشرعيٌّ، والتزامٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، وأن التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلين عن هذا الواجب.
وأن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف المستشفيات والأسواق وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس التي يأوي إليها المدنيونَ، والحصارَ الخانق لقطاع غزة بهذا الشكل اللاإنساني، واستخدامَ الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًّا وأخلاقيًّا، وقطعَ الكهرباء والمياه، ومنعَ وصول إمداداتِ الطعام والغذاء والمساعدات الإنسانية والإغاثية عن قطاع غزة، وبخاصة المستشفيات والمراكز الصحية.. كلُّ ذلك هو إبادةٌ جماعيةٌ، وجرائمُ حربٍ مكتملةُ الأركان، ووصمةُ عار يسطِّرُها التاريخ بعبارات الخزي والعار على جبين الصهاينة وداعميهم ومَن يقف خلفَهم.
حكم قتل المدنيين العزل من السلاح من أهل غزة هم أصحاب الأرض وقضيتهم عادلة
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. تنص المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز إطلاق النار على السكان المدنيين أو توجيه الضربات إليهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، أو على الممتلكات المدنية، سواء كانت منازل، أو مصانع، أو مزارع، أو مزارع، أو أي مبنى آخر.
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي. لا يوجد أي تبرير لقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن السياق.
وفقًا لقانون الحرب، يُحظر قتل المدنيين العزل بشكل مطلق. ويشمل ذلك قتل المدنيين أثناء القتال أو أثناء الاحتلال أو أثناء أي نزاع آخر.
وفقًا لقانون حقوق الإنسان، يحق لجميع الأشخاص الحق في الحياة. ولا يجوز لأي دولة أن تنسحب من هذا الحق. يُعد قتل المدنيين العزل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق.
يُعتبر قتل المدنيين العزل جريمة ضد الإنسانية.
وتُعرَّف جرائم ضد الإنسانية بأنها أعمال عنف فادحة ترتكب ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو منهجي. ويشمل ذلك القتل العمد والاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الجنسية، أو الانتماء السياسي ،أو أي معايير أخرى محمية بموجب القانون الدولي. لا توجد أي ظروف تبرر قتل المدنيين العزل. وهو جريمة خطيرة يجب أن يُعاقب عليها.
بعض الأمثلة على قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض:
مذبحة دير ياسين في عام 1948، حيث قتلت القوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 350 مدني فلسطيني عزل.
كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة.
مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، حيث قتلت القوات اللبنانية المسيحية المدعومة من إسرائيل أكثر من 3000 مدني فلسطيني عزل.
القصف الإسرائيلي على غزة في عام 2014، حيث قتل أكثر من 2200 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل.
هذه مجرد أمثلة قليلة من العديد من الحالات التي تم فيها قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض. هذه الجرائم هي مأساة إنسانية يجب أن نتذكرها ونسعى إلى منعها من الحدوث مرة أخرى.
وصية النبي بالنساء والأطفال في الحروب
النبي المصطفى في الحروب كان يوصيهم بعدم قتل النساء والأطفال والجرحى والرهبان والعباد والصناع والزراع فلا يقتل إلا المقاتل فقط.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم".
وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ".
قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]
وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.
نَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ: وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.
فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ،
- وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين
جاءت نصوصٌ تتعلقُ بالمُثلةِ والتمثيلِ بالجثثِ، ومن خلالِ هذه النصوصِ اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ المُثلةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أن المُثلةَ حرامٌ بعد القدرةِ عليهم سواءٌ بالحي أو الميتِ، أما قبل القدرةِ فلا بأس به، بل ذهب بعضهم إلى أنهُ لا خلاف في تحريمهِ كالزمخشري في تفسيره (2/503) فقال: " لا خلاف في تحريمِ المُثلةِ "، وحكى الصنعاني الإجماعَ في " سبل السلامِ " (4/200) فقال: " ثُمَّ يُخبِرُهُ بِتَحرِيمِ الغُلُولِ مِن الغَنِيمَةِ وَتَحرِيمِ الغَدرِ وَتَحرِيمِ المُثلَةِ وَتَحرِيمِ قَتلِ صِبيَانِ المُشرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجمَاعِ ". ا. هـ.
ولا يُسلمُ للإمامِ الصنعاني بالإجماعِ لأن المسألةَ خلافيةٌ كما سيأتي.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 - عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ، أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَبِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغزُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغزُوا، وَلَا تَغُلٌّوا وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا... الحديث "رواه مسلم (1731)
قال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ المُثلَةَ.
وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: " أَي حَرَّمُوهَا فَالمُرَادُ بِالكَرَاهَةِ التَّحرِيمُ وَقَد عَرَفت فِي المُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رحمهم الله يُطلِقُونَ الكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الحُرمَةَ ". ا. هـ.
قال الإمامُ الشوكاني في " نيل الأوطار " (8/263): قَولُهُ: " وَلَا تُمَثِّلُوا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ المُثلَةِ. ا. هـ.
2 - عَن عَبدَ اللَّهِ بنَ يَزِيدَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَن النٌّهبَةِ، وَالمُثلَةِ. رواهُ البخاري (2474).
النٌّهبَى: أَي أَخذ مَال المُسلِم قَهرًا جَهرًا.
القولُ الثاني: أن المُثلةَ مكروهةٌ.
واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ
ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيدَةَ عَن عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.
قال النووي في " شرح مسلم " (7/177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".
وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/565): " يُكرَهُ نَقل رُءُوسِ المُشرِكِينَ مِن بَلَدٍ، إلَى بَلَدٍ، وَالمُثلَةُ بِقَتلَاهُم وَتَعذِيبُهُم ".
القولُ الثالثُ: يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.
واستدلوا
بقوله تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/314): " فَأَمَّا التَّمثِيلُ فِي القَتلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجهِ القِصَاصِ وَقَد قَالَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، رضي الله عنهما: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَن المُثلَةِ حَتَّى الكُفَّارُ إذَا قَتَلنَاهُم فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِم بَعدَ القَتلِ وَلَا نَجدَعُ آذَانَهُم وَأُنُوفَهُم وَلَا نَبقُرُ بُطُونَهُم إلَّا إن يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفعَلُ بِهِم مِثلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّركُ أَفضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".
وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/218): " وَيُكرَهُ نَقلُ رَأسٍ، وَرَميُهُ بِمَنجَنِيقٍ، بِلَا مَصلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابنُ هَانِئٍ، فِي رَميِهِ: لَا يَفعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحمَدُ: وَلَا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبُوهُ، وَعَنهُ إن مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِم، ذَكَرَهُ أَبُو بَكرٍ، قَالَ شَيخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": المُثلَةُ حَقُّ لَهُم، فَلَهُم فِعلُهَا لِلِاستِيفَاءِ وَأَخذِ الثَّأرِ، وَلَهُم تَركُهَا وَالصَّبرُ أَفضَلُ، وَهَذَا حَيثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمثِيلِ بِهِم زِيَادَةٌ فِي الجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُم عَن نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُم إلَى الإِيمَانِ، أَو زَجرٌ لَهُم عَن العُدوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِن إقَامَةِ الحُدُودِ، وَالجِهَادِ المَشرُوعِ، وَلَم تَكُن القِصَّةُ فِي أُحُدٍ، كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبرُ أَفضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ المُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ - تعالى - فَالصَّبرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيثُ لَا يُمكِنُ الِانتِصَارُ، وَيَحرُمُ الجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الخَطَّابِيٌّ: إن مَثَّلَ الكَافِرُ بِالمَقتُولِ جَازَ أَن يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابنُ حَزمٍ، فِي الإِجمَاعِ قَبلَ السَّبقِ وَالرَّميِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِن أَهلِ الحَربِ وَالعَبِيدِ وَغَيرِهِم فِي غَيرِ القِصَاصِ وَالتَّمثِيلَ بِهِم حَرَامٌ ".
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/278): وَقَد أَبَاحَ اللَّه تعالى لِلمُسلِمِينَ أَن يُمَثِّلُوا بِالكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِم، وَإِن كَانَت المُثلَة مَنهِيًّا عَنهَا. فَقَالَ - تعالى -: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ العُقُوبَة بِجَدعِ الأَنف وَقَطع الأُذُن، وَبَقر البَطن وَنَحو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالمِثلِ لَيسَت بِعُدوَانٍ، وَالمِثل هُوَ العَدل ". ا. هـ.
قال الشيخ أبو عمر محمد السيف حفظه الله في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ
وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى : " عَن أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم : حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ: " لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى : " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً ".
رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، "، وأحمد (5/135) من زوائدِ عبد الله.
الترجيح:
وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس واللهُ أعلم ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.
- ينظر : القول المبين في حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين ، عبدالله بن محمد زقيل (8-11-2007 ).
ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ
وفي مسند الامام أحمد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) أخرجه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
وأصل الحديث في الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". رواه البخاري ، ومسلم.
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
بقلم
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر الله فيكونون جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمة المؤمنة الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقة للسير على نهج الصحابة والقادة الفاتحين، وما كان عليه الأئمة، وأن يتركوا سبل الأمم الأخرى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، قال ابن عباس: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم.
فضل الشهادة
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ آل عمران:170- 169]
- للشهيد في الإسلام منزلة عظيمة؛ وكيف لا وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله، روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل».
- روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)
- أخرج الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). أخرجه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
اليوم زُف إلى الحوراء عاشقها *** وبات في خدرها المأنوس ريانا
وغنت الحور لحن الحب مطربة *** اهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا
فعاد يهتز في عطفيه مؤتنقاً *** يميد بين بنات الحسن نشوانا
هذا الذي كان يرجوه وينشده *** فناله وحباه الله رضوانا
مكانة الشهيد
هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس فهل يعدُّ هذا شهيداً ؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم ، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم ، فهل هم في عداد الشهداء ؟ .
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة ، وأما في الدنيا : فإنه يغسَّل ، ويصلَّى عليه.
ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ومِن صوَر القتل ظلماً : مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين: " قوله فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فالنبي هو عليه الصلاة والسلام ، والصدِّيق : أبو بكر، والشهيدان : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم".
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130) .
المقتول دفاعا عن الوطن المحتل شهيد
عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني.
قتلوا مظلومين.
إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء ، وذلك لأمور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري ومسلم.
أنهم قتلوا على أيدي الكفار المحاربين لهم .
"ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح من مذهب المالكية ، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة : شهيد على الإطلاق ، بأي صورة كان ذلك القتل ، سواء كان غافلاً ، أو نائماً ، ناصبه القتال ، أو لم يناصبه . (أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ، عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله).
من صبر على فقد صفيه من أهل الدنيا
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ( ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ).
الصبر الجميل على شدائد الدنيا وعلى فقد الأحباب والأصفياء؛ من أخلاق المسلم الحق، وقد جعل الله جزاء هذا الصبر عظيما. وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه ليس للعبد المؤمن عند الله سبحانه جزاء وثواب وأجر، إذا قبض ونزع روح صفيه، وهو الحبيب المصافي؛ كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان، «من أهل الدنيا ثم احتسبه»، أي: صبر على ذلك راجيا الثواب من الله سبحانه؛ «إلا الجنة».
وفي الحديث: عظم أجر المصيبة في كل ما يحبه الإنسان من أهل الدنيا.
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله ( أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر). رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
من أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة
جعل الله ابتلاء العباد بالمصائب والبلايا كفارات للذنوب ومحوا للسيئات؛ وذلك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليغفر له ذنوبه، حتى إذا لقيه لم يكن عليه خطيئة.
فضل من مات صفيه واحتسب
فضل من احتسب أولادًا ولم يسخط على القدر
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم).
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
روى الإمام أحمد بسند حسن عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثكل ثلاثة من صُلبه فاحتسبهم على الله عز وجل، في سبيل الله وجبت له الجنة).
روى ابن ماجة وحسنه الألباني عن عُتبة بن عبد السُّلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل.
عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) .
عن أبي أمامة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة). أخرجه ابن ماجه (1597) واللفظ له، وأحمد (22228).
عن شرحبيل ابن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيأتون) قال: فيقول الله عز وجل: (ما لي أراهم - مغضبين- ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أيما امرأة مات لها ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا حجابًا من النار قالت امرأة: واثنان قال: واثنان).
الصبر على البلاء
قال تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [ البقرة: 155-157]
أشد الناس بلاء
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة).
- عن سعد بن أبي وقاص يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ). أخرجه الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح،
- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142).
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
روى الشيخان عن سهل بن حنيف قال كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ). رواه البخاري.
المستوطنون لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجمعيهم جنود سابقون أو لاحقون، حيث يخدمون في الجيش لمدة لا تقل عن 3 سنوات بعد سن الـ 18.
وقال الأزهر عبر صفحته على "فيسبوك" إن " تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم الذي يتجسد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي".
وأوضح أن " عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها ".
فالمستوطنون في الأراضي المحتلة مغتصبون للأرض فهم حربيون وليسوا مدنيين.
الأزهر يطالب الشعب الفلسطيني بالتشبث بأرضه
دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعرَ واجبها ومسئولياتها الدينية والتاريخية، وتسارع إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعةِ، وضمان عبورها إلى الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاع غزة، ويبيِّنُ الأزهر أن دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من خلال القنوات الرسميَّة هو واجبٌ دينيٌّ وشرعيٌّ، والتزامٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، وأن التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلين عن هذا الواجب.
وأن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف المستشفيات والأسواق وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس التي يأوي إليها المدنيونَ، والحصارَ الخانق لقطاع غزة بهذا الشكل اللاإنساني، واستخدامَ الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًّا وأخلاقيًّا، وقطعَ الكهرباء والمياه، ومنعَ وصول إمداداتِ الطعام والغذاء والمساعدات الإنسانية والإغاثية عن قطاع غزة، وبخاصة المستشفيات والمراكز الصحية.. كلُّ ذلك هو إبادةٌ جماعيةٌ، وجرائمُ حربٍ مكتملةُ الأركان، ووصمةُ عار يسطِّرُها التاريخ بعبارات الخزي والعار على جبين الصهاينة وداعميهم ومَن يقف خلفَهم.
حكم قتل المدنيين العزل من السلاح من أهل غزة هم أصحاب الأرض وقضيتهم عادلة
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. تنص المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز إطلاق النار على السكان المدنيين أو توجيه الضربات إليهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، أو على الممتلكات المدنية، سواء كانت منازل، أو مصانع، أو مزارع، أو مزارع، أو أي مبنى آخر.
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي. لا يوجد أي تبرير لقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن السياق.
وفقًا لقانون الحرب، يُحظر قتل المدنيين العزل بشكل مطلق. ويشمل ذلك قتل المدنيين أثناء القتال أو أثناء الاحتلال أو أثناء أي نزاع آخر.
وفقًا لقانون حقوق الإنسان، يحق لجميع الأشخاص الحق في الحياة. ولا يجوز لأي دولة أن تنسحب من هذا الحق. يُعد قتل المدنيين العزل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق.
يُعتبر قتل المدنيين العزل جريمة ضد الإنسانية.
وتُعرَّف جرائم ضد الإنسانية بأنها أعمال عنف فادحة ترتكب ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو منهجي. ويشمل ذلك القتل العمد والاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الجنسية، أو الانتماء السياسي ،أو أي معايير أخرى محمية بموجب القانون الدولي. لا توجد أي ظروف تبرر قتل المدنيين العزل. وهو جريمة خطيرة يجب أن يُعاقب عليها.
بعض الأمثلة على قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض:
مذبحة دير ياسين في عام 1948، حيث قتلت القوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 350 مدني فلسطيني عزل.
كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة.
مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، حيث قتلت القوات اللبنانية المسيحية المدعومة من إسرائيل أكثر من 3000 مدني فلسطيني عزل.
القصف الإسرائيلي على غزة في عام 2014، حيث قتل أكثر من 2200 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل.
هذه مجرد أمثلة قليلة من العديد من الحالات التي تم فيها قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض. هذه الجرائم هي مأساة إنسانية يجب أن نتذكرها ونسعى إلى منعها من الحدوث مرة أخرى.
وصية النبي بالنساء والأطفال في الحروب
النبي المصطفى في الحروب كان يوصيهم بعدم قتل النساء والأطفال والجرحى والرهبان والعباد والصناع والزراع فلا يقتل إلا المقاتل فقط.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم".
وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ".
قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]
وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.
نَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ: وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.
فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ،
- وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين
جاءت نصوصٌ تتعلقُ بالمُثلةِ والتمثيلِ بالجثثِ، ومن خلالِ هذه النصوصِ اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ المُثلةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أن المُثلةَ حرامٌ بعد القدرةِ عليهم سواءٌ بالحي أو الميتِ، أما قبل القدرةِ فلا بأس به، بل ذهب بعضهم إلى أنهُ لا خلاف في تحريمهِ كالزمخشري في تفسيره (2/503) فقال: " لا خلاف في تحريمِ المُثلةِ "، وحكى الصنعاني الإجماعَ في " سبل السلامِ " (4/200) فقال: " ثُمَّ يُخبِرُهُ بِتَحرِيمِ الغُلُولِ مِن الغَنِيمَةِ وَتَحرِيمِ الغَدرِ وَتَحرِيمِ المُثلَةِ وَتَحرِيمِ قَتلِ صِبيَانِ المُشرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجمَاعِ ". ا. هـ.
ولا يُسلمُ للإمامِ الصنعاني بالإجماعِ لأن المسألةَ خلافيةٌ كما سيأتي.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 - عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ، أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَبِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغزُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغزُوا، وَلَا تَغُلٌّوا وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا... الحديث "رواه مسلم (1731)
قال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ المُثلَةَ.
وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: " أَي حَرَّمُوهَا فَالمُرَادُ بِالكَرَاهَةِ التَّحرِيمُ وَقَد عَرَفت فِي المُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رحمهم الله يُطلِقُونَ الكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الحُرمَةَ ". ا. هـ.
قال الإمامُ الشوكاني في " نيل الأوطار " (8/263): قَولُهُ: " وَلَا تُمَثِّلُوا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ المُثلَةِ. ا. هـ.
2 - عَن عَبدَ اللَّهِ بنَ يَزِيدَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَن النٌّهبَةِ، وَالمُثلَةِ. رواهُ البخاري (2474).
النٌّهبَى: أَي أَخذ مَال المُسلِم قَهرًا جَهرًا.
القولُ الثاني: أن المُثلةَ مكروهةٌ.
واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ
ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيدَةَ عَن عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.
قال النووي في " شرح مسلم " (7/177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".
وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/565): " يُكرَهُ نَقل رُءُوسِ المُشرِكِينَ مِن بَلَدٍ، إلَى بَلَدٍ، وَالمُثلَةُ بِقَتلَاهُم وَتَعذِيبُهُم ".
القولُ الثالثُ: يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.
واستدلوا
بقوله تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/314): " فَأَمَّا التَّمثِيلُ فِي القَتلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجهِ القِصَاصِ وَقَد قَالَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، رضي الله عنهما: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَن المُثلَةِ حَتَّى الكُفَّارُ إذَا قَتَلنَاهُم فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِم بَعدَ القَتلِ وَلَا نَجدَعُ آذَانَهُم وَأُنُوفَهُم وَلَا نَبقُرُ بُطُونَهُم إلَّا إن يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفعَلُ بِهِم مِثلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّركُ أَفضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".
وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/218): " وَيُكرَهُ نَقلُ رَأسٍ، وَرَميُهُ بِمَنجَنِيقٍ، بِلَا مَصلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابنُ هَانِئٍ، فِي رَميِهِ: لَا يَفعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحمَدُ: وَلَا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبُوهُ، وَعَنهُ إن مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِم، ذَكَرَهُ أَبُو بَكرٍ، قَالَ شَيخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": المُثلَةُ حَقُّ لَهُم، فَلَهُم فِعلُهَا لِلِاستِيفَاءِ وَأَخذِ الثَّأرِ، وَلَهُم تَركُهَا وَالصَّبرُ أَفضَلُ، وَهَذَا حَيثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمثِيلِ بِهِم زِيَادَةٌ فِي الجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُم عَن نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُم إلَى الإِيمَانِ، أَو زَجرٌ لَهُم عَن العُدوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِن إقَامَةِ الحُدُودِ، وَالجِهَادِ المَشرُوعِ، وَلَم تَكُن القِصَّةُ فِي أُحُدٍ، كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبرُ أَفضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ المُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ - تعالى - فَالصَّبرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيثُ لَا يُمكِنُ الِانتِصَارُ، وَيَحرُمُ الجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الخَطَّابِيٌّ: إن مَثَّلَ الكَافِرُ بِالمَقتُولِ جَازَ أَن يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابنُ حَزمٍ، فِي الإِجمَاعِ قَبلَ السَّبقِ وَالرَّميِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِن أَهلِ الحَربِ وَالعَبِيدِ وَغَيرِهِم فِي غَيرِ القِصَاصِ وَالتَّمثِيلَ بِهِم حَرَامٌ ".
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/278): وَقَد أَبَاحَ اللَّه تعالى لِلمُسلِمِينَ أَن يُمَثِّلُوا بِالكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِم، وَإِن كَانَت المُثلَة مَنهِيًّا عَنهَا. فَقَالَ - تعالى -: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ العُقُوبَة بِجَدعِ الأَنف وَقَطع الأُذُن، وَبَقر البَطن وَنَحو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالمِثلِ لَيسَت بِعُدوَانٍ، وَالمِثل هُوَ العَدل ". ا. هـ.
قال الشيخ أبو عمر محمد السيف حفظه الله في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ
وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى : " عَن أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم : حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ: " لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى : " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً ".
رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، "، وأحمد (5/135) من زوائدِ عبد الله.
الترجيح:
وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس واللهُ أعلم ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.
- ينظر : القول المبين في حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين ، عبدالله بن محمد زقيل (8-11-2007 ).
ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ
وفي مسند الامام أحمد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) أخرجه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
وأصل الحديث في الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". رواه البخاري ، ومسلم.
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
بقلم
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي