توكلوا على الله لا على فصل الشتاء قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشرك ...

توكلوا على الله لا على فصل الشتاء

قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشرك بالله تعالى يدبّ إلى هذه القلوب كدبيب النمل، لذا كان على العبد المسلم وخصوصا المجاهد في سبيل الله أن يكثر من الاستعاذة بالله من الوقوع في شرك يعلمه والاستغفار مما لا يعلمه، كما أنّ على المجاهد في سبيل الله أن يعلم أن كل ما في هذا الكون هو جند من جنود الله تعالى التي قد يسخرها الله تعالى لنصرة المجاهد، فتسخيرها بأمر الله إنْ عمل هذا المجاهد بأسباب النصر التي أمر الله تعالى عباده المجاهدين بالأخذ بها، وأهمها التوكل على الله تعالى وحده والبعد عن الذنوب والمعاصي والحذر من ظلم الناس دونما تجاهل لإعداد العدة التي أمر الله تعالى بها في قوله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)) [الأنفال].

فقدوم الشتاء لا يأتي بالنصر وإن كان الشتاء جنديا من جنود الله تعالى، فلا تعتمد على هذا الجندي بل اعتمد وتوكل على ربّه، فهذا إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، كما روى البخاريّ عن ابن عبّاس، وذكر بعض السّلف أنّه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، هذا مع أن جبريل عليه السلام جندي من جنود الله وقد أرسله الله تعالى لنصرة إبراهيم، لكن إبراهيم عليه السلام معلم الناس التوحيد أبى بث شكواه إلى جبريل وأبى الاعتماد عليه وتوكل على الله تعالى، ويوم الأحزاب لم تكن الريح سبب هزيمة المشركين بل كانت جنديا سخره الله تعالى لنصرة المؤمنين بعد أن كان منهم ذلك الموقف العظيم قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22))، فيا جنود دولة الإسلام الحذر الحذر من الركون إلى هذه الظواهر أو الاعتماد عليها، وتوكلوا على الله حقّ التوكل.

ففي رمضان الماضي -على سبيل المثال- حدّثني عدد من الإخوة عن ترقّبهم وانتظارهم لنصر عظيم يحلّ عليهم إذا ما جاء شهر رمضان، وكأن النصر لجند الله متعلق بحلول هذا الشهر مع العلم أن الفتح العظيم لمدينة الموصل كان في شهر شعبان من سنة 1435 هـ، والفتح الثاني لسهل نينوى وما بعده كان في شهر شوال من السنة ذاتها، ولم يكونا في رمضان، فلا تنتظر النصر والفتح إلا إذا أخذت بأسبابه، فقد نُصر المسلمون يوم بدر مع قلة عددهم بفضل الله تعالى، وهُزموا أول الأمر يوم حنين مع كثرة عددهم بسبب اغترارهم بهذه الكثرة وهُزموا يوم أحد، لا لكثرة أعدائهم بل لمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمرهم بلزوم الجبل، فالنصر من عند الله وحده، فإذا نصرت الله نصرك الله في حر الصيف أو في برد الشتاء بعدد قليل أو كثير، سواء كان من يعاديك فصيلا مرتدا واحدا أو العالم كله. فيا جند دولة الإسلام توكلوا على الله لا على فصل الشتاء، والحذر الحذر من الظلم، فالظلم جرم قد يؤخر النصر.

فهذه رسالة لولاة أمر المسلمين أن ينظروا في مظالم الرعية بأنفسهم ولا يكتفوا بإيكال هذا الأمر إلى هيئة أو قاض، فهذا القبطي قد جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصدا إياه من أرض مصر فقضى أمير المؤمنين له أمره وأنصفه ولم يقل له ارجع إلى قاضي بلدك أو ارجع إلى واليك، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً يعزل الصحابي المبشّر بالجنة سعد بن أبي وقاص لشكوى رجل من أرض الكوفة عليه.

المصدر: صحيفة النبأ العدد (2)
السنة السابعة - السبت 10 محرم 1437 هـ