قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5) إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد ...
قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5)
إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد لإخلاص نيّته في جهاده، وتصحيح غايته إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، هو التذكير الدائم بالثمرة الوحيدة والغنيمة الكبرى التي يحرص أن لا تفوته في جهاده، ألا وهي الجنّة. وبمقدار انحراف قلب المجاهد عن هذه الغاية، يحدث الانحراف في نفسه وفي سلوكه بل وحتّى في غاية جهاده، لأنّه إن نقص في قلبه حب الجنّة والشوق إليها والحرص على تحصيلها، فلا شكّ أنّه سيملأ مكان هذا الحرص المحمود حرص من نوع آخر؛ هو حرص على الدنيا وزينتها، لذا على المجاهد أن يحرص كل الحرص أن يبقى قلبه متعلّقاً بطلب الجنة، ليبقى متعلقاً بالصراط المستقيم الذي يوصله إليها، فتراه يسأل نفسه عند كل سبيل تعرُض له: أهذه السبيل تؤدّي بي إلى الجنّة؟ فيندم على كل معصية اقترفها، وكل خير فاته بمقدار ما يظنّ أنّهما ستحددان من درجته في الجنّة لعلمه (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) [رواه البخاري]، فطالما أن المجاهد في سبيل الله قد عرض أغلى ما يملكه ليبلغ الجنّة، فإن من الخيبة ألّا يطلب عالي الدرجات ثمناً لأغلى الممتلكات، كما قال الشاعر:
إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ※ فلا تطمع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ※ كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
وعلى هذا كانت سنّة النبي -صلّى الله عليه وسلم- في تحريض أصحابه على الجهاد والقتال، سواء كان التحريض على الهجوم واقتحام صفوف العدو وطلب النكاية فيهم، أو كان للدعوة إلى الثبات والاستبسال في الدفاع عن الحرمات والذود عن الحياض، ويمكننا أن نضرب على ذلك مثالين من سيرته صلى الله عليه وسلم: الأول في غزوة بدر حيث كانت صيحة التحريض التي أطلقها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه ليبدؤوا هجومهم "قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض"، فأشعلت في قلوبهم جمرة لم تنطفئ نارها إلّا وهم قتلى، يستبطئون الدقائق التي تفصلهم عن هذه الجنّة، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّموات والأرض»، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض قال «نعم»، قال بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ»، قال لا و الله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: «إنّك من أهلها». فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة -قال- فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) [رواه مسلم].
والمثال الثاني في غزوة أُحُد، لمّا اشتد الخطب على المسلمين، وبلغت القلوب الحناجر، وكاد المشركون أن تطال أيديهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يحرّض المجاهدين على ردّ المشركين عنهم، فلم يزد أن ذكرهم بما لهم إن فعلوا ذلك؛ وهو الجنّة، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه قال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحبيه: «ما أنصفنا أصحابنا») [رواه مسلم].
هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن -ولا شك- وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده.
مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3)
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5)
هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن -ولا شك- وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده.
وعلى هذا المنهج يجب أن تسير الجماعة المسلمة في كل وقت وحين، فتكون الآخرة حاضرة في الخطابين التحريضي والدعوي، فلا يتحول التحريض على الجهاد بخلوه من الترغيب بما عند الله والحرص على التوكل عليه وحصره بالترغيب بالمجد والغنيمة والنكاية بالخصوم إلى ما يشبه الخطابات العاطفية التي يلقيها القادة والزعماء من كل الأمم حتى الجاهلية منها على الأنصار والمقاتلين ليزيدوا من حماستهم للقتال والفتك بالأعداء، ولا يجب أن تخلو دروس التوحيد والفقه من الارتباط بالغاية من تحقيق التوحيد وتصحيح العبادات وهي الجنة التي سيدخل الله فيها من يحقق ذلك.
فطالما أن الجنّة حاضرة في الذهن، والرغبة في الوصول إليها، والخوف من تفويتها أو تفويت درجاتها العليا، دائمة الاتّقاد، وتوفّرت المعرفة بالطريق الصحيح لبلوغها، والعزيمة للسير على هذا الطريق الشاق، فإنّ الفلاح سيكون مرافقاً لهذا السالك، أما إذا اختلّ لديه أيٌّ مما سبق فالانحراف والفشل والتراجع ستكون في الغالب نتائج تلحق به وتعيقه عن إكمال الطريق.
إن الاستشهادي على سبيل المثال نوع من الجنود فريد، لا يمكن تحصيله أو إنتاجه في أطول المعسكرات وأشقّها وأكثرها تعليماً، ولكن آية واحدة أو حديثاً أو أثراً مما يشوّق إلى الجنّة، ويدفع إلى طلب مرضاة الله، قد تنتج مثل هذا الجندي الفريد، الذي يمثل أسمى النماذج لحرص المجاهد على بلوغ غاية جهاده، واستعجاله ذلك، وطلبه بإلحاح وعزيمة.
إن الجنود الذين يعوَّل عليهم لإقامة دين الله كما أراد الله عزّ وجل لا يمكن إعدادهم إلا بتربية إيمانيّة حقيقيّة، يكون الترغيب بالجنّة والتخويف من النار من أهم أركانها، ويبنى على ذلك ما تبقّى من أسس الدين وأركانه، إذ حتّى توحيد الله لا يمكن بناؤه إلا على هذا الأساس، فالمسلم لا يلتزم طريق التوحيد الشاق، ويترك طرائق الشرك إن لم يكن قائده في ذلك طلب الجنة والاستعاذة من النار.
وليعلم المجاهد أن أعداء الدين قد يحقّقون بعضاً من غاية قتالهم، من استيلاءٍ على الأرض أو تقتيل للمجاهدين أو نهب للخيرات، ولكن ما لا يستطيعون بلوغه ولن يستطيعون بلوغه أبداً هو أن يقفوا حائلاً في طريق الجنّة، وهي غاية كل مجاهد في سبيل الله.
فمهما فقد من الأحباب، وغُلب في المعارك، وفاتته الغنائم، وتراجع عن المناطق التي كان يسيطر عليها، فسيبقى مستمسكاً بطريق الجهاد، لأنّه على يقين أنّه طريق الجنّة، التي إن لم ينلها في هذه الأرض، أو هذه المعركة، فلعلّه ينالها في أرض أخرى أو معركة أخرى، فيرفع الله مقامه فيها بما قام به من الصالحات، أو ناله من المصاعب والمشقّات في الفترة بين المعركتين، وأثناء انتقاله بين الأرضين.
مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3)
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد لإخلاص نيّته في جهاده، وتصحيح غايته إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، هو التذكير الدائم بالثمرة الوحيدة والغنيمة الكبرى التي يحرص أن لا تفوته في جهاده، ألا وهي الجنّة. وبمقدار انحراف قلب المجاهد عن هذه الغاية، يحدث الانحراف في نفسه وفي سلوكه بل وحتّى في غاية جهاده، لأنّه إن نقص في قلبه حب الجنّة والشوق إليها والحرص على تحصيلها، فلا شكّ أنّه سيملأ مكان هذا الحرص المحمود حرص من نوع آخر؛ هو حرص على الدنيا وزينتها، لذا على المجاهد أن يحرص كل الحرص أن يبقى قلبه متعلّقاً بطلب الجنة، ليبقى متعلقاً بالصراط المستقيم الذي يوصله إليها، فتراه يسأل نفسه عند كل سبيل تعرُض له: أهذه السبيل تؤدّي بي إلى الجنّة؟ فيندم على كل معصية اقترفها، وكل خير فاته بمقدار ما يظنّ أنّهما ستحددان من درجته في الجنّة لعلمه (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) [رواه البخاري]، فطالما أن المجاهد في سبيل الله قد عرض أغلى ما يملكه ليبلغ الجنّة، فإن من الخيبة ألّا يطلب عالي الدرجات ثمناً لأغلى الممتلكات، كما قال الشاعر:
إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ※ فلا تطمع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ※ كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
وعلى هذا كانت سنّة النبي -صلّى الله عليه وسلم- في تحريض أصحابه على الجهاد والقتال، سواء كان التحريض على الهجوم واقتحام صفوف العدو وطلب النكاية فيهم، أو كان للدعوة إلى الثبات والاستبسال في الدفاع عن الحرمات والذود عن الحياض، ويمكننا أن نضرب على ذلك مثالين من سيرته صلى الله عليه وسلم: الأول في غزوة بدر حيث كانت صيحة التحريض التي أطلقها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه ليبدؤوا هجومهم "قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض"، فأشعلت في قلوبهم جمرة لم تنطفئ نارها إلّا وهم قتلى، يستبطئون الدقائق التي تفصلهم عن هذه الجنّة، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّموات والأرض»، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض قال «نعم»، قال بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ»، قال لا و الله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: «إنّك من أهلها». فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة -قال- فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) [رواه مسلم].
والمثال الثاني في غزوة أُحُد، لمّا اشتد الخطب على المسلمين، وبلغت القلوب الحناجر، وكاد المشركون أن تطال أيديهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يحرّض المجاهدين على ردّ المشركين عنهم، فلم يزد أن ذكرهم بما لهم إن فعلوا ذلك؛ وهو الجنّة، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه قال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحبيه: «ما أنصفنا أصحابنا») [رواه مسلم].
هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن -ولا شك- وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده.
مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3)
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5)
هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن -ولا شك- وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده.
وعلى هذا المنهج يجب أن تسير الجماعة المسلمة في كل وقت وحين، فتكون الآخرة حاضرة في الخطابين التحريضي والدعوي، فلا يتحول التحريض على الجهاد بخلوه من الترغيب بما عند الله والحرص على التوكل عليه وحصره بالترغيب بالمجد والغنيمة والنكاية بالخصوم إلى ما يشبه الخطابات العاطفية التي يلقيها القادة والزعماء من كل الأمم حتى الجاهلية منها على الأنصار والمقاتلين ليزيدوا من حماستهم للقتال والفتك بالأعداء، ولا يجب أن تخلو دروس التوحيد والفقه من الارتباط بالغاية من تحقيق التوحيد وتصحيح العبادات وهي الجنة التي سيدخل الله فيها من يحقق ذلك.
فطالما أن الجنّة حاضرة في الذهن، والرغبة في الوصول إليها، والخوف من تفويتها أو تفويت درجاتها العليا، دائمة الاتّقاد، وتوفّرت المعرفة بالطريق الصحيح لبلوغها، والعزيمة للسير على هذا الطريق الشاق، فإنّ الفلاح سيكون مرافقاً لهذا السالك، أما إذا اختلّ لديه أيٌّ مما سبق فالانحراف والفشل والتراجع ستكون في الغالب نتائج تلحق به وتعيقه عن إكمال الطريق.
إن الاستشهادي على سبيل المثال نوع من الجنود فريد، لا يمكن تحصيله أو إنتاجه في أطول المعسكرات وأشقّها وأكثرها تعليماً، ولكن آية واحدة أو حديثاً أو أثراً مما يشوّق إلى الجنّة، ويدفع إلى طلب مرضاة الله، قد تنتج مثل هذا الجندي الفريد، الذي يمثل أسمى النماذج لحرص المجاهد على بلوغ غاية جهاده، واستعجاله ذلك، وطلبه بإلحاح وعزيمة.
إن الجنود الذين يعوَّل عليهم لإقامة دين الله كما أراد الله عزّ وجل لا يمكن إعدادهم إلا بتربية إيمانيّة حقيقيّة، يكون الترغيب بالجنّة والتخويف من النار من أهم أركانها، ويبنى على ذلك ما تبقّى من أسس الدين وأركانه، إذ حتّى توحيد الله لا يمكن بناؤه إلا على هذا الأساس، فالمسلم لا يلتزم طريق التوحيد الشاق، ويترك طرائق الشرك إن لم يكن قائده في ذلك طلب الجنة والاستعاذة من النار.
وليعلم المجاهد أن أعداء الدين قد يحقّقون بعضاً من غاية قتالهم، من استيلاءٍ على الأرض أو تقتيل للمجاهدين أو نهب للخيرات، ولكن ما لا يستطيعون بلوغه ولن يستطيعون بلوغه أبداً هو أن يقفوا حائلاً في طريق الجنّة، وهي غاية كل مجاهد في سبيل الله.
فمهما فقد من الأحباب، وغُلب في المعارك، وفاتته الغنائم، وتراجع عن المناطق التي كان يسيطر عليها، فسيبقى مستمسكاً بطريق الجهاد، لأنّه على يقين أنّه طريق الجنّة، التي إن لم ينلها في هذه الأرض، أو هذه المعركة، فلعلّه ينالها في أرض أخرى أو معركة أخرى، فيرفع الله مقامه فيها بما قام به من الصالحات، أو ناله من المصاعب والمشقّات في الفترة بين المعركتين، وأثناء انتقاله بين الأرضين.
مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3)
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ