معركة الجماعة والفصائل (2) انطلقت تجربة الجهاد في العراق، مشابهة في كثير من الأوجه لتجربة الجهاد ...

معركة الجماعة والفصائل (2)

انطلقت تجربة الجهاد في العراق، مشابهة في كثير من الأوجه لتجربة الجهاد في خراسان (أفغانستان)، فدخول العدو الأجنبي كان المحرّض الرئيسي للتحرّك المضاد الفوري من قبل فئات مختلفة من أهل البلاد للتصدّي لهذا الغازي الغريب، وهذا التحرّك أخذ كما في الحالة الأفغانيّة شكل تحرّك غير منظّم أو مؤطّر بأحزاب أو فصائل كبيرة، وإنّما على شكل مجاميع صغيرة مبعثرة، كلٌ منها بدأ القتال بما وقع بيده من سلاح هو في الغالب من بقايا جيش الطاغوت (صدّام حسين)، وكانت هذه المجاميع مشتّتة من حيث العقائد والأفكار والرؤى المستقبليّة، لا يجمعها جامع إلا التوحّد على هدف واحد هو قتال العدو الأمريكي، وإن اختلفت نظرتهم لهذا العدو، بناءً على منطلقات كل مجموعة من المقاتلين، إسلاميّة تقاتل كافراً صليبيّاً، أو وطنيّة تقاتل مستعمراً يحتل وطنها، أو بعثيّة تقاتل لاسترجاع حُكمٍ سُلِب من طاغوتها، أو عروبيّة تحملها القيم على قتال المحتل، أو حتّى نفعيّة رأت في بعض القتال للعدو فرصة للبروز وتحصيل المكاسب الماليّة والسياسيّة، إلى غير ذلك من المآرب والغايات.

وقد وصف الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -رحمه الله- هذه المرحلة من العمل وحال المقاتلين للصليبيّين في الساحة العراقيّة بقوله: "أكثرهم قليلو الخبرة والتجربة، وخاصّة في العمل الجماعي المنظّم، ولا شكّ أن ذلك بسبب نتاج نظام قمعي، عسكَرَ البلد، ونشر الرعب، وبثّ الخوف والوجل، ونزع الثقة بين النّاس، ولذلك فأكثر المجاميع تعمل منفردة، من غير أفق سياسي، أو بعد نظر وإعداد لوراثة الأرض، نعم الفكرة بدأت تنضج، وعلا الهمس الخفيف ليصبح حديثاً صاخباً عن وجوب التجمّع وتوحيد الراية، لكن الأمور لا زالت في بواكيرها، ونحن بحمد الله نحاول إنضاجها سريعاً" (رسالة من الشيخ أبي مصعب الزرقاوي إلى الشيخ أسامة بن لادن رحمهما الله - 1424 هـ).

التجميع والتحزّب

كما في كلّ التجمّعات البشريّة، فإن التجمّعات المقاتلة في العراق التي كانت أكثر قابلية للبقاء، هي الأقوى فكراً وعقيدةً، والأفضل تنظيماً، والأكثر إمداداً بالموارد، والأقدر على اغتنام الفرص وتجنب الكوارث، ولكن في جانب الجهاد في سبيل الله تبقى القاعدة الأساسيّة في البقاء والانتصار هي قوله تعالى (والعاقبة للمتّقين).

وعلى أساس القواعد البشريّة السابق ذكرها، بدأت عملية الاصطفاء للفصائل والأحزاب، حيث بدأت المجاميع الصغيرة تذوب في تجمّعات أكبر على أسس عشائريّة (في المناطق الريفيّة خاصّة)، أو مناطقيّة كالأحياء والمجمّعات السكنيّة (في المناطق الحضريّة عموماً)، أو على أسس دينيّة (الاجتماع حول أحد المشاهير من الدعاة والخطباء وأئمة المساجد بل وحتى أصحاب الطرق والزوايا الصوفيّة)،أو على أسس حزبيّة، ولو كان هذا الجانب ضيّقاً بحكم ضعف الوجود الحزبي في فترة حكم (صدّام)، كما نشأت في الوقت نفسه تجمّعات على أساس جهادي حقيقي قادها في الغالب شباب لهم تجارب جهاديّة سابقة سواء في العراق (ضد الطاغوت صدّام حسين، أو ضد طواغيت الأحزاب الكرديّة)، أو خارجه (في الشام وخراسان على وجه الخصوص).

وشيئاً فشيئاً بات التوجّه السائد على الفصائل والجماعات هو الارتباط بأسماء أو شعارات توحي بأنّها فصائل "إسلاميّة" رغم أن معظمها أطلق على قتاله للأمريكيين لقب "مقاومة عراقية" بدلاً من تسميته "جهاداً في سبيل الله"، وباتت هذه الفصائل تمثّل صورة مصغّرة عن الأحزاب الشائعة الانتشار في كل مناطق المسلمين الأخرى، فالإخوان بشقّيهم (الدولي والعراقي) وجدوا لأنفسهم تيّاراً من الفصائل يقاتل الأمريكيين تحت رايتهم، وينطقون باسمه، طالبين بذلك التمثيل السياسي لأهل السنّة في لعبة الديموقراطيّة الأمريكيّة وتقاسم الحكم مع الرافضة وعلمانيّي الأحزاب الكرديّة، والسروريّة (بوصفهم نسخة معدّلة من الإخوان) تمكّنوا بعد تحصيلهم للدعم من بعض الشخصيّات والجمعيات في جزيرة العرب من حشد كمٍّ كبير من المجاميع تحت جناحهم، يقاتلون باسمهم لقاء الدعم والتمويل، وإن كان تيّارهم مقسّماً بارتباط كل قسم بأحد الشخصيّات التي تحصّلت على الشهرة قبل الاحتلال أو بعده، كما استطاع الصوفيّون من تجميع أنفسهم نوعاً ما وارتبطوا بزعماء طرقهم أو بقيادات من حزب البعث.

وقد تمكن المجاهدون القدماء أيضاً من تجميع صفوفهم نوعاً ما، مرتبطين بالمجاهدين في ساحات أخرى وعلى رأسها آنذاك خراسان وجزيرة العرب، حاشدين إليهم المهاجرين على وجه الخصوص، بالإضافة إلى كمٍّ من الأنصار الذين دُعوا إلى الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.

لقد كانت هذه الأحزاب والتجمّعات نتاج أسباب عديدة منها الاختلاف العقائدي والفكري، والنزعات الوطنيّة والعشائريّة، وحب الإمارة وتقديس الزعماء، والتدخّلات الخارجيّة التي تشرف عليها -ولا شك- أجهزة مخابرات الطواغيت في دول الجوار، بالإضافة لاختلاف الغايات والرؤى حول مستقبل الجهاد في العراق وما يراد منه.

صحيفة النبأ – العدد 3
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ

الربيع القصير للأحزاب

بعد فشل تجميع الأحزاب على قاعدة (واعتصموا بحبل الله جميعاً)، استمرّ قادتها في محاولة استمالة الأحزاب الأصغر حجماً إليهم، سواء على أسس التقارب العقدي والفكري، أو على أساس الدعم المادي والنفوذ، متجنّبة في الوقت نفسه الصدام مع الأحزاب الكبيرة المنافسة، في ظل انتعاش كبير للعمل العسكري ضد الأمريكيّين، وفي الوقت نفسه زاد التمايز بين الأحزاب وزادت جرأة قادتها في الإفصاح عن عقائدهم ورؤيتهم لمستقبل العراق وللثمن الذي يريدونه من قتالهم، بل وزاد وضوح الارتباطات الخارجية لهذه الأحزاب، فصار من المألوف حضور قادة أحزاب الإخوان وممثليهم ومشاركتهم في فعاليات التنظيم الدولي أو فروعه في الدول المجاورة للعراق، بل إنّ أمراء الفصائل المنتمية للتيار السروري باتوا يتجولون في جزيرة العرب بِحُريّة يلتقون شيوخ هذا التيّار، ويتلقّون الدعم منهم ومن الجمعيّات المرتبطة بهم (تحت أعين أجهزة مخابرات الطواغيت ولا شك)، أما المجاهدون القدماء فلم يعد سرّاً ارتباطهم بتيّار الجهاد العالمي، خاصّة بعد إعلان (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) في شعبان ١٤٢٥ هـ بناء على بيعة مشروطة من أمير (التوحيد والجهاد) الشيخ أبي مصعب الزرقاوي للشيخ أسامة بن لادن -رحمهما الله- تتضمّن (قتال طوائف الردّة) وعلى رأسهم الرافضة والجيش والشرطة، خلافاً لرؤية تنظيم القاعدة (الدولي) التي تتمحور حول حصر القتال في العالم كلّه ضدّ أمريكا والدول والأنظمة الحليفة لها.

الطريق إلى الجماعة ملغّم بالأحزاب

فشلت كل محاولات تجميع الأحزاب، بل وحصل التباعد الذي كان يزداد يوماً بعد يوم بافتضاح حقيقة مشاريع كثير من الأحزاب المخالفة للشريعة، وارتباطاتهم المفضوحة بالطواغيت في دول الجوار وعملائهم الرسميّين وغير الرسميّين، بل وتجهيزهم للانقضاض على المشروع الجهادي الحقيقي، بإطلاق حملة إعلاميّة مكثّفة تستهدفهم، مركّزة على جانب قتال المجاهدين لطوائف الردّة من الرافضة وعناصر الجيش والشرطة والأحزاب العلمانيّة والمشاركين في العمليّة السياسيّة الشركيّة، مميّزين أنفسهم عن المجاهدين بلقب جديد ابتدعوه هو "المقاومة الشريفة"، ويقصدون بذلك الفصائل والأحزاب التي لا تقاتل طوائف الردّة السابقة، بعد أن ابتدعوا حكماً ما أنزل الله به من سلطان هو "حرمة الدم العراقي"، وفي الوقت ذاته كانت قبضة الجيش الأمريكي ترتخي أكثر فأكثر، وضعفها يزداد وضوحاً خاصة بعد معارك (الفلوجة)، وباتت كل الأطراف ترى أنّ انسحاب الأمريكيّين سيولّد فراغاً يجب ألّا يملأه غيرهم.

فسارع المجاهدون بالسعي إلى إقامة الجماعة بمن حضر من المسلمين، وعدم تعطيل هذا الواجب لتأخّر من تأخّر، وانتظار رضا من لن يرضى، فاجتمع عدد من الفصائل أكبرها (قاعدة الجهاد) في إطار (مجلس شورى المجاهدين) في ذي الحجّة 1426 هـ، ثم استُقطب بعض شيوخ العشائر المناصرين للمجاهدين في إطار أكبر سمّي (حلف المطيّبين) في جمادى الأولى 1427 هـ، وذلك في خطوة لتحقيق الهدف الحقيقي، وهو إقامة جماعة المسلمين بإعلان قيام (دولة العراق الإسلاميّة) في رمضان 1427 هـ ، وتنصيب إمام لهم ومبايعة الشيخ (أبي عمر البغدادي) رحمه الله أميراً لها، والذي اتّخذ من أمير (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) الشيخ (أبي حمزة المهاجر) رحمه الله وزيراً له.

ولقد عرف قادة الفصائل وزعماؤها أن إعلان (الدولة الإسلاميّة) في رمضان ١٤٢٧ هـ هو حكم ببطلان شرعيّة الانتماء إلى فصائلهم، ونهاية لمشاريعهم التي سوّقوها من خلال هذه الفصائل، فكان رفض الدخول في الجماعة والانضمام إلى (الدولة الإسلاميّة) وبيعة أميرها أول ردّ لهم، وفي تبريراتهم لذلك مذاهب شتى، فمنهم من طلب الإمارة لنفسه بزعم أنّ فصيله هو الأقدم في العمل على أرض العراق، ومنهم من طالب الدولة الإسلاميّة بالانضمام إلى فصيله لكونه الأكبر على الساحة حسب ادعائه، ومنهم من طلب خضوع الدولة الإسلاميّة له على اعتبار أن فصيله يقاد من "العلماء" و"طلبة العلم"، ومنهم من خاف على "الوحدة الوطنيّة" من مشروع الدولة الإسلامية كونها سترعب شركاءه في "العمليّة السياسيّة"، ومنهم من خاف من "تمزّق العراق" على اعتبار أن الدولة الإسلامية قامت في العراق في المناطق التي يكثر فيها أهل السنّة، وبذلك سينقسم العراق بعد عزل الرافضة والأحزاب الكرديّة العلمانيّة المناطق التي تحت سيطرتهم، وغير ذلك من التبريرات التي أقاموها على مزاعم وادّعاءات ما لهم عليها من برهان ولا بيّنة، ولا هي مما يقبل الاحتجاج به للاستمرار في تفريق جماعة المسلمين.

صحيفة النبأ – العدد 3
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
مقتطف من مقال:
معركة الجماعة والفصائل (2)

العاقبة للمتّقين

في خضم الصراع من أجل البقاء، صار هدف إسقاط (الدولة الإسلاميّة) لدى الأكثرية الساحقة من الفصائل مقدّماً على إخراج الأمريكيّين من العراق، وبذلك استطاع طواغيت العرب أن يجروهم إلى المشروع الأمريكي، وفي النهاية انهارت هذه الفصائل من حيث ظنّت أنّها تحمي وجودها وتعزّز من قوّتها، ومر هذا الانحراف بمراحل متعددة أهمها:

١) تشكيل جبهات الضرار: وهو اسم أطلقه أهل التوحيد على الجبهات التي شكّلتها الفصائل لتجميع صفوفها، وشابهت في أهدافها مسجد الضرار الذي بناه المنافقون ليصدّوا عن سبيل الله، وكذلك الفصائل أنشأت التجمّعات التي أطلق عليها "الجبهات" كمشروع لتوحيد الصفوف بديل عن الدولة الإسلاميّة، فتصدّ بذلك الأفراد والفصائل عن الانضمام إلى جماعة المسلمين في العراق وإمامهم، كما كان لهذه الجبهات هدف آخر هو تجميع وحشد القوى استعداداً لأي صدام مع الدولة الإسلاميّة، فاجتمعت الفصائل التي تتبع قادة التيار السروري الموجودين تحت ظل طواغيت جزيرة العرب (جبهة الجهاد والإصلاح)، والفصائل التي تتبع قيادات الإخوان في (جبهة الجهاد والتغيير)، كما ارتبطت الفصائل والتجمعات الأصغر سواء منها المرتبط بحزب البعث أو غيرها في جبهات وتجمعات أخرى.

٢) حملة التحريض والتشهير: التي شارك فيها قيادات الفصائل العراقية الذين فتحت لهم الفضائيات أبوابها وأجريت معهم اللقاءات، وكذلك شيوخ السوء ودعاة الضلالة الذين يوجهونهم من وراء الحدود، وكانت حملة التحريض والافتراء على الدولة الإسلاميّة، واتّهامها بالغلو والإجرام مقدّمة للحرب التي كان يجري التحضير لها من قبل أجهزة مخابرات الطواغيت في دول الجوار بالتنسيق مع الأمريكيّين والرافضة، وبمشاركة الفصائل.

٣) إطلاق مشروع الصحوات: الذي كانت له واجهات عشائرية، حيث قامت مخابرات آل سلول وطاغوت الأردن بشكل خاص على ربط بعض المرتدّين من شيوخ العشائر بالأمريكيّين وتمويلهم لمحاربة الدولة الإسلاميّة على وجه الخصوص.

٤) دخول الأمريكيّين في مفاوضات مع الفصائل: حيث اقتنع قادة الأحزاب والفصائل بعدها أنّ الأمريكيّين قاب قوسين أو أدنى من الخروج من العراق، وأنّهم إن دخلوا في المشروع الأمريكي فسيكون لهم دور كبير في المرحلة اللاحقة، فأطلق قادة الفصائل شعار (أخطر الاحتلالين) للإشارة إلى الإيرانيّين، باعتبار أن احتلالهم للعراق أشد خطراً من الاحتلال الأمريكي، ليبرّروا بذلك تعاونهم مع الأمريكيّين، ذلك التعاون الذي أعلنوه ضد إيران، كان موجّهاً في الحقيقة ضد الدولة الإسلاميّة، حيث كانت الفصائل ذاتها تهاجم من يحارب أدوات المشروع الإيراني في العراق وهم الرافضة وجيشهم وشرطتهم تحت مزاعم "حرمة الدم العراقي" و "المقاومة الشريفة".

صحيفة النبأ – العدد 3
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
مقتطف من مقال:
معركة الجماعة والفصائل (2)

العاقبة للمتّقين

في خضم الصراع من أجل البقاء، صار هدف إسقاط (الدولة الإسلاميّة) لدى الأكثرية الساحقة من الفصائل مقدّماً على إخراج الأمريكيّين من العراق، وبذلك استطاع طواغيت العرب أن يجروهم إلى المشروع الأمريكي، وفي النهاية انهارت هذه الفصائل من حيث ظنّت أنّها تحمي وجودها وتعزّز من قوّتها، ومر هذا الانحراف بمراحل متعددة أهمها:

٤) دخول الأمريكيّين في مفاوضات مع الفصائل: حيث اقتنع قادة الأحزاب والفصائل بعدها أنّ الأمريكيّين قاب قوسين أو أدنى من الخروج من العراق، وأنّهم إن دخلوا في المشروع الأمريكي فسيكون لهم دور كبير في المرحلة اللاحقة، فأطلق قادة الفصائل شعار (أخطر الاحتلالين) للإشارة إلى الإيرانيّين، باعتبار أن احتلالهم للعراق أشد خطراً من الاحتلال الأمريكي، ليبرّروا بذلك تعاونهم مع الأمريكيّين، ذلك التعاون الذي أعلنوه ضد إيران، كان موجّهاً في الحقيقة ضد الدولة الإسلاميّة، حيث كانت الفصائل ذاتها تهاجم من يحارب أدوات المشروع الإيراني في العراق وهم الرافضة وجيشهم وشرطتهم تحت مزاعم "حرمة الدم العراقي" و "المقاومة الشريفة".

٥) بانطلاق الحرب الشاملة ضد الدولة الإسلاميّة، وجدت الفصائل أنّها وقعت في الفخ الذي نصب لها من قبل أمريكا وحلفائها من رافضة العراق وإيران وطواغيت الأردن وجزيرة العرب، فالمشروع بمراحله المتعددة يهدف إلى تصفية هذه الفصائل لصالح الصحوات العشائرية في الوقت ذاته الذي تجري فيه الحرب للقضاء على الدولة الإسلاميّة، ومع بدء هذه الحرب، وجدت الفصائل نفسها ضحيّة استنزاف من جهتين، الأولى خسائرها البشريّة والماديّة في القتال ضد الدولة الإسلاميّة التي تمكّنت من النكاية فيها رغم الجراحات الكبيرة التي أصابتها، والثانية من تسرب مقاتليها إلى صفوف الصحوات، حيث الدعم المالي الأكبر والوعود الأمريكية بالعفو عنهم، والآمال بضمّهم إلى الجيش العراقي، وغير ذلك من الأسباب.

وفي النهاية، تمكّن أعداء الدولة الإسلاميّة من توجيه ضربات موجعة لها بعدما وجد جنودها وأمراؤها أنفسهم ضحية لكمائن الصحوات وإنزالات الأمريكيّين وتربّص الفصائل، فاضطروا للانحياز من مناطق تمكينهم، بعدما ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وخسروا الآلاف من المجاهدين ممّن نكّلوا بأمريكا والروافض وحلفائهم لسنوات.

وهكذا وجد الأمريكيّون أنفسهم للمرّة الأولى قادرين على التفكير بالانسحاب بسلام من العراق بعد أن يسلموه للروافض، حيث استطاعوا بضربة واحدة إضعاف الدولة الإسلاميّة وتفكيك معظم الفصائل التي جرّت على نفسها الدمار بانحراف قادتها وغبائهم وحرصهم على الإمارة، من حيث ظنّوا أنهم يزيدون من قوّتهم ونفوذهم.

فبات العراق بيد الروافض، واستطاع المرتدّون من قادة الصحوات أن يجنوا لأنفسهم بعض المكاسب، قبل أن ينقلب عليهم الروافض بخروج أمريكا التي كانت تحميهم، ويمزّقوا صفوفهم سجناً وتقتيلاً وتشريداً.

أما قادة الفصائل، فبعد ما جرّوه على الأمّة، وعلى فصائلهم، وعلى أنفسهم من الثبور، طفقوا يتبرؤون من فعال بعضهم البعض، ويتقاذفون التهم، قبل أن تستقر بهم الأمور لاجئين يستوطنون الفنادق في الشام وتركيا وجزيرة العرب، يتسولون الظهور في شاشات الفضائيّات، ويعرضون خدماتهم في أي مشروع خياني جديد في العراق.

وأبقى الله الدولة الإسلاميّة رغم انحيازها إلى البوادي، وتعرّضها للبأساء والضراء والزلزلة، وصبر جنودها على الخوف والجوع والنقص في الأموال والثمرات، ليستعملهم في ساحات أخرى من أرضه تطلب فيها مرضاته، ويسعى فيها المجاهدون لإقامة دينه وتحكيم شرعه، بعد أن عرفوا أهمية الجماعة للأمة ومصيبتها في التفرق والفصائل.

صحيفة النبأ – العدد 3
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
مقتطف من مقال:
معركة الجماعة والفصائل (2)