المفارز الأمنية اليد الطولى لجيش الخلافة تعدُّ المفارز الأمنيّة أحد أهم أركان العمل الجهاديّ في ...

المفارز الأمنية اليد الطولى لجيش الخلافة

تعدُّ المفارز الأمنيّة أحد أهم أركان العمل الجهاديّ في الدّولة الإسلاميّة، حيث تقوم هذه المجاميع الصّغيرة بوظائف كبيرةٍ تفوق أحياناً في ثمارها ما تحقّقه جيوشٌ من المقاتلين، وتأتي أهميّتها بشكل خاصّ كونها تعمل في المناطق الحيوية الآمنة للعدو، فتجبره على إنفاق كمٍّ كبيرٍ من إمكاناته الماديّة والماليّة والبشريّة على إعادة تحصينها، ومنع هذه المفارز من إعادة العمل فيها، كما أنّها بعمليّاتها مهما قلّ عددها أو صغر حجمها تزرع الرّعب في قلب العدو وأنصاره والمتعاملين معه، وتفقدهم الثّقة فيه وفي قدرته على تحقيق انتصار على جبهات القتال في الوقت الذي لا يستطيع تأمين ظهره من ضربات الدّولة الإسلاميّة.

وتتنوّع أهداف عمليّات هذه المفارز الأمنيّة تبعاً لطبيعة المعركة التي تخوضها الدّولة الإسلاميّة مع العدو، وسنتحدّث في هذا المقال عن أشهرها وهي (العمليّات الأمنيّة الهجوميّة المرافقة أو الممهّدة للعمليّات العسكريّة):

1- العمليّات الأمنيّة الهجوميّة: ويُقصد بها أن تعمل المفارز الأمنية بتنسيق مع جيش الخلافة خلف خطوط العدو، لتحقيق أهداف يستفيد منها جيش الخلافة في إضعاف وهزيمة الجيش المعادي له، وذلك لإشغاله بتحصين ظهره في حين تكون مقدّمة جيشه منشغلة بالاشتباك مع جيش الخلافة.

ويمكننا أن نضرب مثالاً على هذه الحالة، العمليّة الانغماسيّة التي أدارتها المفارز الأمنيّة العاملة داخل مدينة البركة أثناء هجوم جيش الخلافة على الفوج 46 المعروف بفوج (الميلبيّة) وذلك في (رمضان 1435 هـ)؛ ففي الوقت الذي كان النّظام النّصيريّ فيه مشغولاً بالتحضير لإرسال الإمدادات لمقاتليه الذين يتصدّون لجيش الخلافة، اقتحم الانغماسيّون مبنى قيادة (حزب البعث) في المدينة، الذي كان جزء منه مقرّاً لقيادة ميليشيا (الدّفاع الوطنيّ) الموالية للنّظام، وسيطروا على المبنى حتى انتهاء العمليّة بمقتل الانغماسيّين، وكان من نتيجة العملية فضلاً عن عشرات القتلى وتدمير المقرّ القياديّ، انشغال المئات من قوات النّظام داخل المدينة بتحرير المبنى، أو تأمين مقرّات أخرى، وتعزيز الحواجز في الطرقات خوفاً من وجود انغماسييّن آخرين، ثم انشغال النّظام بسدّ الثّغرات الأمنيّة داخل المدينة عموماً، في هذا الوقت كان جيش الخلافة يعمل بحريّة أكبر لإحكام الحصار على القوّة المدافعة عن الفوج التي أصابها اليأس في النّهاية من وصول إمدادات، وحُسمت المعركة كلّها خلال أيام قليلة بأقل الخسائر، وكان للعمليّة التي أدارتها المفارز الأمنيّة -بعد فضل الله- دور كبير في نجاحها.

والأسلوب ذاته نفّذه جيش الخلافة في المدينة نفسها بعد عام في (رمضان 1436 هـ) حيث استبقت المفارز الأمنيّة عمليّة الهجوم العسكريّ على المدينة، الذي تمكّنوا من خلاله من السّيطرة على أجزاء واسعة من المدينة حينها بسلسلةٍ من العمليّات النّوعيّة، فأدارت تنفيذ عمليتين استشهاديتين بسيارتين مفخختين ضد مقرات قياديّة لمرتدي PKK و(الدفاع الوطني) وعملية انغماسيّة على قيادة جيش النّظام في (ثكنة الهجّانة) ما أسفر عن تدمير المقرّين وقتل العشرات من المرتدّين فضلاً عن عددٍ من كبار قادة جيش النّظام، وبعد يوم من العمليّة دخل جيش الخلافة إلى ضواحي المدينة ليجد مقاومة ضعيفة من جيش النّظام خاصّة في الجهة التي تعرّضت لنسف مقرّ (الدّفاع الوطنيّ) فيها، وبقي جيش النّظام طوال فترة المعارك يسيّر دوريّات أمنيّة مكثّفة ويقوم بمداهمات في الأحياء السّكنيّة خوفاً من وجود انغماسييّن أو استشهادييّن يفاجئونه في مركز المدينة أثناء انشغال جيشه بصدّ جيش الخلافة في الضواحي.

فهذه العمليات التي نفّذها عناصر قليلون من الاستشهادييّن بإدارة المفارز الأمنيّة سببت خسائر كبيرة للنّظام النّصيريّ، وأشغلت المئات من عناصره في محاولة منع عمليات أخرى لم تكن موضوعةً ربّما على خطة العمل أصلاً، في حين تفرّغ جيش الخلافة للهجوم بكامل قوّته.

هذه العمليّات الأمنيّة تمثّل نموذجاً مناسباً على بعض أنواع العمليّات (التكتيكيّة) التي يمكن للمفارز الأمنيّة أن تقدّم فيها الدّعم المباشر للقوّة المهاجمة من جيش الخلافة فتربك فيها صفوف العدو باستهداف مراكز قيادته، فتدمّرها وتقتل من فيها من الرّؤوس، وتستنزف قسماً كبيراً من طاقة العدو في تأمين منطقة القيادة والتّحكم التي تدير المعارك على الجبهات وتنطلق منها الإمدادات إليها.

مقتطف من صحيفة النبأ - العدد 5
مقال:
المفارز الأمنية اليد الطولى لجيش الخلافة

المفارز الأمنية اليد الطولى لجيش الخلافة

وقد تكون العمليّات الهجوميّة للمفارز الأمنيّة من النّوع (الاستراتيجيّ)، وذلك أن يكون العدو من القوّة ومواقعه من التّحصين بحيث يصعب توجيه هجوم مباشر إليه من قبل جيش الخلافة، وبالتالي تقوم المفارز الأمنية بعمليّة استنزاف طويل الأمد له عن طريق ضرب مقرّاته القياديّة، وطرق مواصلاته وإمداده، وكلّ ما من شأنه أن يزيد من خسائره وتكاليف المعركة عليه، إلى حين إضعافه بشكلٍ يمكّن قوّة صغيرة العدد نسبيّاً من هزيمة هذا العدو بدون أن تقدّم خسائر كبيرة في معركتها معه، لأنّها ستقابل في هذه الحال قوّات منهارة ماديّاً ونفسيّاً، ضعيفة القيادة مخلخلة الصفوف.

ويمكننا أن نضرب مثالاً على هذا النّوع من العمليّات بسلسلة العمليّات النّاجحة التي نفّذها جنود الدّولة الإسلاميّة في مناطق مختلفة من الشّام في بداية دخولهم إلى ساحة الصّراع فيها ضدّ النّظام النّصيريّ، حيث تمكّنت المفارز الأمنيّة المختلفة الأحجام والقدرات والتي كانت تعمل حينها تحت اسم (جبهة النصرة) من توجيه ضربات موجعة لرأس النظام النصيري عبر استهداف مقرّات (قيادة المخابرات العامة، قيادة المخابرات العسكريّة (فرعي "المنطقة" و "فلسطين")، قيادة المخابرات الجويّة، قيادة أركان جيش النّظام، وزارة الداخليّة، فروع المخابرات في حلب وإدلب ومدينة الخير والقامشلي) وغير ذلك من العمليات الأمنيّة التي ساهمت كثيراً في إضعاف قبضة النظام النصيري وخلخلة صفوفه، ودفع الكثير من عناصره وضباطه إلى الانشقاق عنه، ما سهل كثيراً التّراجع الكبير في قدراته العسكريّة لاحقاً.

ولكن يبقى مثال (فتح الموصل) النموذج الأكبر على مثل هذا النّوع من العمل الأمنيّ (الاستراتيجيّ)، حيث انبهر العالم بهذه الغزوة التي تمكّن فيها جيشٌ صغيرٌ يتجاوز عديده 300 مجاهد بقليل من هزيمة عشرات الألوف من الجيش والقوى الأمنيّة الرافضيّة، ودفعهم إلى الهروب من المدينة وبالتالي سقوط المدينة بكاملها بعد معركة صغيرة الحجم مقارنةً بحجم النتائج.

ولكن ما لا يعرفه الكثيرون خارج العراق أن الدّولة الإسلاميّة خاضت بعشرات المفارز الأمنيّة العاملة في مدينة الموصل وأطرافها حرباً طويلة الأمد استنزفت طاقات الجيش الرافضيّ والأجهزة الأمنيّة، قتلاً للأفراد والضباط، واستنزافاً للأموال في التحصينات والإنشاءات المضادّة للعمليّات الاستشهاديّة، وتشتيتاً للقوّة البشريّة في مئات الحواجز المنشورة في قلب المدينة وأطرافها وعلى الطرق خارجها، التي استلزم تفعيلها الآلاف من الجنود، وخسائر في السّلاح والعتاد والآليات، تفوق طاقة الجيش الرافضيّ على الاستبدال أو التّجديد، بالإضافة إلى حالة الهلع والخوف الدّائم لدى الجنود، وضعف الارتباط بقيادتهم، وانعدام الثّقة بالمجتمع المحلّي الذي كانت الإجراءات الأمنية المشدّدة وكثرة الحواجز والسّيطرات تضغط عليه وتدفعه إلى كره الجيش الرافضيّ والقوى الأمنيّة، كلّ هذه العوامل حوّلت قوّة الرّافضة الكبيرة في المدينة إلى ما يشبه البالون الضّخم الذي يسهل تفجيره بدبّوسٍ صغيرٍ، وهو ما فعلته قوةٌ صغيرةٌ من جيش الخلافة حين اقتحمت المدينة، فانهارت كل الفرق العسكريّة والأجهزة الأمنيّة وهربت تاركة سلاحها وعتادها.

وهذه الأمثلة تغطي جزءاً من الجانب العملياتيّ للمفارز الأمنية المؤازرة لجيش الخلافة، في حين أنّ هناك أدواراً أخرى كثيرة يمكنها القيام به أثناء المعركة الهجوميّة، من قبيل:

- جمع المعلومات عن تحرّكات العدو وخسائره من النقاط الخلفيّة.
- توجيه وإرشاد سلاحي المدفعيّة والصواريخ في ضرب المراكز الحيويّة ونقاط التحشد وغيرها، عن طريق رصد الرمايات.
- القيام بعمليات التخريب لخطوط إمداد العدو واتصالاته ومنشآته الحيوية.
- نشر الشائعات والمساهمة في الحرب النفسيّة.
وغير ذلك من المهام الضروريّة لنجاح العمل العسكريّ الهجوميّ.

إن الجهد الهجوميّ للمفارز الأمنيّة يشكل أحياناً نصف المعركة الهجوميّة في الاستراتيجيّات العسكريّة للدّولة الإسلاميّة، وسنحاول في مقالات قادمة -بإذن الله- بيان أهمية عمل المفارز الأمنيّة في أنواع أخرى من العمليّات العسكريّة.

مقتطف من صحيفة النبأ - العدد 5
مقال:
المفارز الأمنية اليد الطولى لجيش الخلافة