آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور ...

آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة
مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور الحسان

• شابّان من غزّة، لم يكونا يعرفان بعضهما البعض حتّى جمعهما طريق الهجرة إلى الدّولة الإسلاميّة، فالتقيا وأصبحا روحاً بجسدين، وبات أحدهما يكمل الآخر، فلا تكاد تجد أحدهما إلا والآخر برفقته.

أبو المثنّى الفلسطينيّ أو المقدسيّ -أحياناً- كما يحبّ أن يُكنّى، أوهم الجميع بأنّه مسافرٌ لإكمال دراساته العليا في بلدٍ أجنبيٍّ، قبل أن يترك مشروع مستقبله، وحلم كلّ شابٍ، ليتّجه صوب أرض الخلافة بحثاً عن مرضاة الله، تاركاً أحلام الصّبا، بعدما قرّر أن يشتري آخرته بدنياه.

أمّا توأم هجرته فكان أبا طارقٍ الغزّاويّ، فقد كان خبيراً في التّعامل مع الأسلحة، وبارعاً في فنون التّدريب، كونه أحد المنتمين لحركة (حماس)، قبل أن تتبيّن له حقيقة أنّ الجهاد الحقيقيّ هو الذي تسلك طريقه الدّولة الإسلاميّة، فأصبح الحمساويّ أبو طارقٍ متمرداً على أوامر قيادة (حماس) بعدم استهداف اليهود بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكان يقوم بعمليّاتٍ انفراديّةٍ، من قبيل إطلاق قذائف هاون، أو صواريخ باتّجاه اليهود بلا أوامر، فما كان من (حماس) إلّا أن قامت باعتقاله والتّحقيق معه، قبل أن تُلقي به في سجونها لمدّة ليست بالقصيرة بتهمة خرق الهدنة مع اليهود.

وما إن خرج أبو طارقٍ الذي عرف حقيقة (حماس) وتبرأ منها حتى أدرك أنه لا مناص من الهجرة إلى أرض الخلافة، كونها المشروع الوحيد الذي يضرب أيّ عدوٍّ للإسلام، مهما كانت قوته أو نفوذه، دون محاباة لهذا الطّرف أو ذاك، فأخذ يعمل على هذا الهدف، دون علم عائلته، التي فوجئت بوصوله إلى أرض الخلافة، بعد أن أوهمهم أنّه خارجٌ للعمل للحصول على قوت عائلته اليوميّ، كما هي عادته مطلع كلّ نهار، لكنّ أبا طارقٍ هذه المرّة كانت وجهته غير التي اعتاد عليها، حتى والدته التي كان يحرص على إرضائها وبرّها، رفض أن يحتضنها ويضع على رأسها قبلة الوداع، خشية أن تكتشف وجهته، فيحصل ما لا يحمد عقباه فيضيع منه حلم الهجرة.

كان أبو طارقٍ وهو يغادر داره، بحقيبةٍ صغيرةٍ فيها طعام غدائه، مثل كلّ يومٍ، يختلس النّظر إلى نافذة داره التي -وعلى غير عادته- جلس فيها أخوه الصّغير وهو يودّعه، للمرّة الأخيرة.

داس أبو طارقٍ على قلبه، وحبس أنفاسه، وسار في طريق هجرته، حتى اجتمع في بلدٍ آخر برفيق رحلته المستقبليّة أبي المثنّى الفلسطينيّ، ليواصلا الرّحلة معاً حتّى دخلا أرض الخلافة وتنفسا هواءها.

جلسا في ضيافة الدّولة الإسلاميّة لأيام بانتظار دخول معسكرات التّدريب، حتى حان موعد الحقيقة، يوم أُبلغا بأنّهما سيكونان في صباح اليوم التّالي في معسكر التّدريب الشّرعيّ، وما أن أزف وقت دخولهما المعسكر حتى شرعا يُكبّران الله ويحمدانه على ما أنعم به عليهما من تحقيق حلمهما في الوصول إلى أرض الدّولة الإسلاميّة، والجهاد تحت رايتها، والموت على ثراها..

حينما حلّا في ضيافة المعسكر الشّرعيّ، ونظراً لتميّزهما عن غيرهما، اختير كلّ واحدٍ منهما ليكون أمير سريّة، كما اختيرا ليدير كلّ واحدٍ منهما حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم للمتدرّبين في المعسكر، فهما يحفظان القرآن الكريم بكامله. وبالإضافة لذلك كانا يمتعان إخوانهما في المعسكر بالأناشيد الجهادية التي كانا يحفظان الكثير منها، فكان أبو المثنى كثيراً ما يجود بصوته العذب منشداً:
على نغمات حمحمة الجياد .. وقرع سيوفنا البيض الحداد
سنمضي نفرض الإسلام ديناً .. ونمحو الشّرك من كلّ النّوادي

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
(قصة شهيد)

آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة
مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور الحسان

• بقي الصّاحبان معاً على هذا الحال يتشاركان النّوم وتناول الطّعام وعرق التّدريب وشراسته حتّى انتهى المعسكر الشّرعيّ بعد أكثر من أربعة أسابيعَ، وكالعادة في تفوّقهما، كان أبو طارقٍ وأبو المثنّى من الأوائل في الاختبارات الشّرعيّة التي تُجرى في نهاية المعسكر، تماماً مثلما كانا من الأوائل في ميدان التّدريب البدنيّ الشّاقّ الذي يتضمّنه المعسكر الشّرعيّ كذلك.

ومثلما جرت عليه العادة في المعسكر الشّرعيّ، كان حالهما في المعسكر العسكريّ، لا يفترقان أبداً، إذ كانا يطلبان أن يبقيا في مجموعةٍ واحدةٍ، فهما يشعران بالألم إنْ فُرِّق بينهما، ما يجعل المدرّب يعيد جمعهما في مجموعةٍ واحدةٍ من جديد كلما افترقا، حرصاً على أخوّتهما التّي كانت فريدةً من نوعها!

انتهى المعسكر العسكريّ، ونُسِّبا إلى جيش الخلافة، ليصلا إلى سوح النّزال بعد أشهر من المعسكرات المستمرّة والمتتالية، وما إن وقعت أعينهما، على حقائب بعض الإخوة ممّن سبقوهم إلى جنان الخلد -نحسبهم والله حسيبهم- في مقرّ كتيبتهم الجديدة، حتى فاضت عينا أبي طارقٍ وأبي المثنّى بالدّمع الغزير، حيث شعرا أنّهما على موعدٍ مع الشّهادة، فهما يُمنّيان النّفس بنيلها عاجلاً غير آجل، بعد إثخانٍ في العدوّ وجزّ رقابٍ ونحر أعناقٍ.

في آخر يومين لهما قبل ذهابهما لإحدى الغزوات تبدّل حالهما، فالمزاح قد قلّ، والنّظرات تبدّلت، والضّحكات المستمرّة تحوّلت لابتسامات خفيفة لا تفارق محيّاهما، وبات جُلّ حديثهما عن الجنّة، وحور عينها، وفردوسها الأعلى، فشعر جميع رفاقهم أنّها اللّحظات التي يعيشها الإخوة قبل ساعات مقتلهم.

أخذ (أبو طارقٍ) أثناء تلك الأوقات يطلب من رفاقه التقاط صورٍ له وهو بلباس القتال، مردّداً عبارات التمنّي في وصول تلك الصّور لرفاقه السّابقين في حركة (حماس)، كي يدركوا أيّ خيرٍ ذلك الذي رزقه الله لصاحبهم، الذي نجا بنفسه من بؤرة الكفر نحو عزّ الخلافة، وكتب كذلك وصايا متعدّدة لعائلته، ولأصدقائه، ولرفاقه السّابقين في (حماس)، يحثّهم فيها على النّفير والهجرة إلى أرض الخلافة، وسلك طريق الجهاد الحقيقيّ في ربوع الدّولة الإسلاميّة.

أمّا أبو المثنّى فرفض أن يكتب وصيّةً في أمور الدّنيا، مكرّراً أن لا حاجة له بهذه الدّنيا الفانية ومن فيها، فهو -كما يقول- راحلٌ إلى جوار ربّه، طالباً إبلاغ أهله شفوياً أنّ ابنهم لم يمت، بل ذهب شهيداً إلى ربّه مخضبّاً بالدّماء.

وذات صباحٍ، خرج أبو طارقٍ وأبو المثنّى في غزوةٍ بولاية البركة، التي تشهد معارك طاحنةً مع مرتدي الـ (PKK) المدعومين بطيران الشّرق والغرب، والشّمال والجنوب، وما هي إلا ساعاتٌ حتّى جاءت البشارة بأنّ الخليلين قد قتلا في المعارك بصاروخٍ زفهما إلى الجنة معاً -بإذن الله- بعدما رفضا أن يفترقا حتى آخر لحظاتهما.

أمّا عائلة كلّ واحدٍ منهما، فما إن وصلهما خبر مقتل الأسدين الهصورين، حتّى أخذت كلّ عائلة تُكبّر الله وتحمده أنْ منّ سبحانه على ابنها بالقتل في سبيله، ونيله ما خرج لأجله بعدما ترك زخرف الدّنيا وزينتها في سبيل ذلك.

ارتحل أبو طارقٍ وأبو المثنّى اللذان كانا يُكثران من سؤال الله أن يجعل جسد كلّ واحدٍ منهما أشلاءً في سبيله، فاستجاب الله لهما، فما بقي من جسديهما شيءٌ يمكن دفنه.

فهنيئاً لهما بعث أشلائهما من ثرى أرض الخلافة إلى فردوس ربّنا الأعلى، بمشيئته سبحانه.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
(قصة شهيد)