الجهاد رحمة • يستغرب الناس من شدة المجاهدين على الكافرين، والتنكيل بهم، ويظنون ذلك تشويها لما ...
الجهاد رحمة
• يستغرب الناس من شدة المجاهدين على الكافرين، والتنكيل بهم، ويظنون ذلك تشويها لما اعتقدوا أنه الإسلام، وهم بذلك كمن ينظر لوجه واحد من العملة النقدية فقط، وسبب ذلك الاستغراب هو بعد الناس عن فهم الإسلام الحق أولا، والصورة التي يحاول الطغاة رسمها عن الإسلام، حتى لا يمسهم لهيب الحق المُبطل لسحرهم وكذبهم ثانيا، وكان للإرجاء دور مهم في تصوير الإسلام بهذا الشكل، والذي بسببه استطالت الأمم عليه، فصوّرته نفوسهم الضعيفة الرقيقة وردة بلا أشواك، مخالفين بذلك النصوص الصريحة التي تبين أن الإسلام شديد على الكفار بشتى مللهم ورحيم بالمؤمنين، وكما أنه هداية للعالمين، وهم من حيث لا يعلمون يتهمون الله عز وجل بصفات ذموها لكن الله امتدحها، فهو شديد العقاب كما أنه غفور رحيم، تعالى عما يصفون علوا كبيرا.
{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].
وبعد أن شرع الله الجهاد وفرضه على عباده المؤمنين، أمرهم بقتال المشركين كافة حتى يكون الدين كله لله، فإن أبوا الإسلام بعد دعوتهم دفعوا الجزية وإن امتنعوا نالهم القتل والسبي والتشريد.
وإنه لأمر عجيب أن يغيب هذا المعنى الواضح لأحكام الجهاد عن المسلمين، وهو من المعاني البينة المحكمة، والأغرب من ذلك أن تغيب حكمة الجهاد العظيمة، فالجهاد الذي يكسر شوكة الكفار، ويُقتلُ به المقاتلة منهم (أي من يحملون السلاح ويقوون على القتال)، سيكون سببا لنجاة العدد الأكبر من نسائهم وذراريهم من النار، وتلكم هي الرحمة والرأفة بالعالمين، فتعذيب الكفار بالجهاد مطلب دلت عليه الآيات الواضحة البينة، منها قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
ومما لا شك فيه أن العذاب الدنيوي الذي يقع على من كفر بالله قتلا وسببا بسبب الجهاد أقل بكثير من عذاب النار الذي سينجو منه أغلبهم، إن هم آمنوا بعد زوال ظل الكفر من فوق رؤوسهم، ولو أنهم آمنوا واتقوا وتركوا شهواتهم الدنيوية لكان خيرا لهم، فما الله يريد ظلمهم، لكنهم هم من أبى إلا القتل في الدنيا والنار في الآخرة.
يعترض على هذا الفهم العميق والمبسط لرسالة التوحيد والإسلام من لم يُعَظِّم الله في نفسه، ولم يُسَرِّح طرفه في الملكوت، فظن نفسه حرا فيما يعتقد وفيما يختار، شابه في ذلك قول قوم شعيب.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].
ومن ضئضئ هؤلاء خرجت أفكار حرية الاعتقاد وجواز الردة، تحت شعارات حقوق الإنسان وما شابهها من أفكار أشربت قلوب المنافقين بها، لذا كان القرآن في دعوته لرسالة الإسلام يدعو الناس للتفكر والتدبر في عظمة الخالق بالنظر إلى بديع صنعه وعجيب خلقه.
وقد انحرف كثير من المسلمين عن هذا النهج الواضح السهل، وطرحوا الإسلام بقالب أكاديمي جامد لا روح فيه، فغلبهم دعاة حرية الاعتقاد والكفر بالمنطق والجدل، ولو أنهم دعوا إلى الإسلام غضا طريا كما أُنزل على نبي الهدى والرحمة واستنّوا به وبهديه في دعوته، وكيف تلقى الصحابة الأطهار تلك الدعوة بإيمان وفهم يعظّم الخالق، فيتواضع المخلوق أمام خالقه، لا ينازعه حقوقه وعبادته، لَمَا وجدنا لدعاة حرية الكفر صوتا يعلو وفكرا ينتشر.
وأما من أبى بعد ذلك وجعل نفسه ندا لله، فكما أغرق الله أسلافه من قبل، فستصيبه قارعة بأمر الله أو ستتبادره بإذن الله سيوف من آمن بالخالق عز وجل من بعد، حتى يكون الدين كله لله، فإن تمّ أخرجت الأرض بركتها إذ حُكمت بشريعة خالقها، لتعود على هيئتها يوم خلق الله آدم عليه السلام متوازنة ومتناغمة، جاء في الحديث: (ينزل عيسى ابن مريم إماما هاديا ومِقساطا عادلا، فإذا نزل كَسَر الصليب، وقَتَل الخنزير، ووَضَع الجزية، وتكون الملة واحدة، ويوضع الأمر في الأرض، حتى أن الأسد ليكون مع البقر تحسبه ثورها، ويكون الذئب مع الغنم تحسبه كلبها، وترفع حُمَة كل ذات حُمَة حتى يضع الرجل يده على رأس الحَنَش فلا يضره، وحتى تُفِرَّ الجارية الأسد، كما يُفَرُّ ولد الكلب الصغر، ويُقوَّم الفرس العربي بعشرين درهما، ويُقوَّم الثور بكذا وكذا، وتعود الأرض كهيئتها على عهد آدم، ويكون القطف يعني العِنقاد يأكل منه النفر ذو العدد، وتكون الرمانة يأكل منها النفر ذو العدد) [أخرجه الصنعاني].
فلا نجاة للبشرية جمعاء ولا فلاح إلا بالعودة إلى الكتاب الهادي والسيف الناصر، حتى يكون الناس عبيدا لله عز وجل لا سواه، فالفطرة التي جُبل عليها الخلق لا بد أن تعود لنحيا، فبدونها الشقاء والعناء وبها السعادة في الدارين بإذن الله.
• صحيفة النبأ – العدد 16
السنة السابعة - الثلاثاء 22 ربيع الآخر 1437 هـ
مقال:
الجهاد رحمة
• يستغرب الناس من شدة المجاهدين على الكافرين، والتنكيل بهم، ويظنون ذلك تشويها لما اعتقدوا أنه الإسلام، وهم بذلك كمن ينظر لوجه واحد من العملة النقدية فقط، وسبب ذلك الاستغراب هو بعد الناس عن فهم الإسلام الحق أولا، والصورة التي يحاول الطغاة رسمها عن الإسلام، حتى لا يمسهم لهيب الحق المُبطل لسحرهم وكذبهم ثانيا، وكان للإرجاء دور مهم في تصوير الإسلام بهذا الشكل، والذي بسببه استطالت الأمم عليه، فصوّرته نفوسهم الضعيفة الرقيقة وردة بلا أشواك، مخالفين بذلك النصوص الصريحة التي تبين أن الإسلام شديد على الكفار بشتى مللهم ورحيم بالمؤمنين، وكما أنه هداية للعالمين، وهم من حيث لا يعلمون يتهمون الله عز وجل بصفات ذموها لكن الله امتدحها، فهو شديد العقاب كما أنه غفور رحيم، تعالى عما يصفون علوا كبيرا.
{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].
وبعد أن شرع الله الجهاد وفرضه على عباده المؤمنين، أمرهم بقتال المشركين كافة حتى يكون الدين كله لله، فإن أبوا الإسلام بعد دعوتهم دفعوا الجزية وإن امتنعوا نالهم القتل والسبي والتشريد.
وإنه لأمر عجيب أن يغيب هذا المعنى الواضح لأحكام الجهاد عن المسلمين، وهو من المعاني البينة المحكمة، والأغرب من ذلك أن تغيب حكمة الجهاد العظيمة، فالجهاد الذي يكسر شوكة الكفار، ويُقتلُ به المقاتلة منهم (أي من يحملون السلاح ويقوون على القتال)، سيكون سببا لنجاة العدد الأكبر من نسائهم وذراريهم من النار، وتلكم هي الرحمة والرأفة بالعالمين، فتعذيب الكفار بالجهاد مطلب دلت عليه الآيات الواضحة البينة، منها قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
ومما لا شك فيه أن العذاب الدنيوي الذي يقع على من كفر بالله قتلا وسببا بسبب الجهاد أقل بكثير من عذاب النار الذي سينجو منه أغلبهم، إن هم آمنوا بعد زوال ظل الكفر من فوق رؤوسهم، ولو أنهم آمنوا واتقوا وتركوا شهواتهم الدنيوية لكان خيرا لهم، فما الله يريد ظلمهم، لكنهم هم من أبى إلا القتل في الدنيا والنار في الآخرة.
يعترض على هذا الفهم العميق والمبسط لرسالة التوحيد والإسلام من لم يُعَظِّم الله في نفسه، ولم يُسَرِّح طرفه في الملكوت، فظن نفسه حرا فيما يعتقد وفيما يختار، شابه في ذلك قول قوم شعيب.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].
ومن ضئضئ هؤلاء خرجت أفكار حرية الاعتقاد وجواز الردة، تحت شعارات حقوق الإنسان وما شابهها من أفكار أشربت قلوب المنافقين بها، لذا كان القرآن في دعوته لرسالة الإسلام يدعو الناس للتفكر والتدبر في عظمة الخالق بالنظر إلى بديع صنعه وعجيب خلقه.
وقد انحرف كثير من المسلمين عن هذا النهج الواضح السهل، وطرحوا الإسلام بقالب أكاديمي جامد لا روح فيه، فغلبهم دعاة حرية الاعتقاد والكفر بالمنطق والجدل، ولو أنهم دعوا إلى الإسلام غضا طريا كما أُنزل على نبي الهدى والرحمة واستنّوا به وبهديه في دعوته، وكيف تلقى الصحابة الأطهار تلك الدعوة بإيمان وفهم يعظّم الخالق، فيتواضع المخلوق أمام خالقه، لا ينازعه حقوقه وعبادته، لَمَا وجدنا لدعاة حرية الكفر صوتا يعلو وفكرا ينتشر.
وأما من أبى بعد ذلك وجعل نفسه ندا لله، فكما أغرق الله أسلافه من قبل، فستصيبه قارعة بأمر الله أو ستتبادره بإذن الله سيوف من آمن بالخالق عز وجل من بعد، حتى يكون الدين كله لله، فإن تمّ أخرجت الأرض بركتها إذ حُكمت بشريعة خالقها، لتعود على هيئتها يوم خلق الله آدم عليه السلام متوازنة ومتناغمة، جاء في الحديث: (ينزل عيسى ابن مريم إماما هاديا ومِقساطا عادلا، فإذا نزل كَسَر الصليب، وقَتَل الخنزير، ووَضَع الجزية، وتكون الملة واحدة، ويوضع الأمر في الأرض، حتى أن الأسد ليكون مع البقر تحسبه ثورها، ويكون الذئب مع الغنم تحسبه كلبها، وترفع حُمَة كل ذات حُمَة حتى يضع الرجل يده على رأس الحَنَش فلا يضره، وحتى تُفِرَّ الجارية الأسد، كما يُفَرُّ ولد الكلب الصغر، ويُقوَّم الفرس العربي بعشرين درهما، ويُقوَّم الثور بكذا وكذا، وتعود الأرض كهيئتها على عهد آدم، ويكون القطف يعني العِنقاد يأكل منه النفر ذو العدد، وتكون الرمانة يأكل منها النفر ذو العدد) [أخرجه الصنعاني].
فلا نجاة للبشرية جمعاء ولا فلاح إلا بالعودة إلى الكتاب الهادي والسيف الناصر، حتى يكون الناس عبيدا لله عز وجل لا سواه، فالفطرة التي جُبل عليها الخلق لا بد أن تعود لنحيا، فبدونها الشقاء والعناء وبها السعادة في الدارين بإذن الله.
• صحيفة النبأ – العدد 16
السنة السابعة - الثلاثاء 22 ربيع الآخر 1437 هـ
مقال:
الجهاد رحمة