يريدون وجهه • لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، ...
يريدون وجهه
• لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، وفيها القتل والجراح والبأساء والضراء كما أخبر ربنا سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..}، ولكن بدونها لا نصر ولا ظفر، ولا مكة ولا قدس، ولا شريعة ولا سيادة، فهي الطريق الوحيدة للنصر والتمكين، ورغم ما أصابهم فيها لم يتولوا أو يتراجعوا، ولم يولّوا وجوههم قبَل الشرق أو الغرب، ولم يركنوا إلى الذين ظلموا، فلم يتقربوا لطاغوت أو يتزلفوا لمرتد، وحاشاهم، ولم يسمحوا لأنفسهم تحت ضغط الواقع والشدة أن يبدّلوا أو يغيّروا، كما لم يسمحوا لأنفسهم في الرخاء أن يفرّطوا أو يتهاونوا، فلازموا التوحيد في الشدة والرخاء ومضوا على الجهاد في العسر واليسر، فثبتوا بذلك على الطريقة المحمدية توحيدا وجهادا، صبرا ومصابرة ومرابطة.
تظهر في معاركهم ملامح التجرد والاحتساب لله، بعيدا عن الأضواء غرباء تلفح وجوههم رياح الغربة، قدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، الصديق والفاروق وعثمان وعلي وعمار وبلال ومصعب وطلحة وأنس والبراء، لم يلطخوا نواياهم ولم يدنسوا مقاصدهم بغايات الجاهلية ونماذجها.
بل أقاموا الجهاد الرباني وجمعوا بين أبوابه، فجاهدوا النفس والهوى، وجاهدوا الشيطان وأولياءه، وجاهدوا العدو وحلفاءه، فحققوا أعلى درجات مخالفة الهوى، فاهتدوا في قولهم وعملهم، ولم يكن أمرهم فرطا، فهم لمّا أرادوا وجهه سبحانه وتحملوا في سبيله ما تحملوا؛ كافأهم سبحانه بمرادهم، فجمع عليهم شتات قلوبهم وبصّرهم بالحق فهداهم سبيله ودلّهم طريقه فعاشوا عذوبة الهداية رغم شظف العيش، وتلذذوا بغربة الحق رغم كيد الباطل، وما تركوا ثغورهم وما برحوا مواقعهم حتى قضوا نحبهم، نحسبهم والله حسيبهم، فلا تعد عيناك عنهم، ولا ترضَ بأقل من مراقيهم.
لقد استوفى إخواننا آجالهم وأرزاقهم كاملة، فإن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وهم ماضون لاستيفاء أجورهم عند الحكم العدل سبحانه، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} كما وعد عباده المؤمنين، قال ابن عباس: "يعني سوى الثواب، مما لم تر عين ولم تسمع أذن".
وإن أجر الجهاد وفضل الشهادة طافت به الركبان وتسابق على نيله الفرسان، وتلك أمنية نبيكم ما زالت حاضرة: (وَدِدْتُ أنِّي أغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ) كررها ثلاثا [مسلم]، وهو القائل: (لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها) [مسلم]، فتأمل كيف أن مهمة واحدة مفردة في الجهاد تفوق الدنيا بأسرها، وهو ما فهمه الصحابي القائد أبو سليمان خالد بن الوليد فقال: "ما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترس، والسماء تهلّني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار"، فتأمل كيف جمع بين جهاد ليلة واحدة والتوحيد، فما بالك بمن يقضى أيامه ولياليه كلها في ميادين الجهاد ومعسكرات التوحيد؟!
وبعد، فيا جنود الخلافة وبُناة صرحها وحملة رايتها، إن دماء إخوانكم بريد الحق ونوره الذي يتلألأ وسط ظلمات الجاهلية المعاصرة، إن دماءهم خير ترجمان لدعوة الأنبياء التي قامت على التوحيد، وإن حفظ دمائهم بالسير على خطاهم وحراسة ثغورهم، واعلموا أنه لا شيء أحفظ للدماء من إهراقها في مظانها التي يحبها الله ويرضاها في سوح الجهاد والمرابطة والمراغمة، وإنا لا نملك لكم في هذا الظرف وصية خيرا من وصية الله تعالى لعباده قبلكم، وهي الصبر والتقوى، فلا شيء أجدى لكم في حالتكم هذه منها، {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 467
الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ
• لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، وفيها القتل والجراح والبأساء والضراء كما أخبر ربنا سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..}، ولكن بدونها لا نصر ولا ظفر، ولا مكة ولا قدس، ولا شريعة ولا سيادة، فهي الطريق الوحيدة للنصر والتمكين، ورغم ما أصابهم فيها لم يتولوا أو يتراجعوا، ولم يولّوا وجوههم قبَل الشرق أو الغرب، ولم يركنوا إلى الذين ظلموا، فلم يتقربوا لطاغوت أو يتزلفوا لمرتد، وحاشاهم، ولم يسمحوا لأنفسهم تحت ضغط الواقع والشدة أن يبدّلوا أو يغيّروا، كما لم يسمحوا لأنفسهم في الرخاء أن يفرّطوا أو يتهاونوا، فلازموا التوحيد في الشدة والرخاء ومضوا على الجهاد في العسر واليسر، فثبتوا بذلك على الطريقة المحمدية توحيدا وجهادا، صبرا ومصابرة ومرابطة.
تظهر في معاركهم ملامح التجرد والاحتساب لله، بعيدا عن الأضواء غرباء تلفح وجوههم رياح الغربة، قدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، الصديق والفاروق وعثمان وعلي وعمار وبلال ومصعب وطلحة وأنس والبراء، لم يلطخوا نواياهم ولم يدنسوا مقاصدهم بغايات الجاهلية ونماذجها.
بل أقاموا الجهاد الرباني وجمعوا بين أبوابه، فجاهدوا النفس والهوى، وجاهدوا الشيطان وأولياءه، وجاهدوا العدو وحلفاءه، فحققوا أعلى درجات مخالفة الهوى، فاهتدوا في قولهم وعملهم، ولم يكن أمرهم فرطا، فهم لمّا أرادوا وجهه سبحانه وتحملوا في سبيله ما تحملوا؛ كافأهم سبحانه بمرادهم، فجمع عليهم شتات قلوبهم وبصّرهم بالحق فهداهم سبيله ودلّهم طريقه فعاشوا عذوبة الهداية رغم شظف العيش، وتلذذوا بغربة الحق رغم كيد الباطل، وما تركوا ثغورهم وما برحوا مواقعهم حتى قضوا نحبهم، نحسبهم والله حسيبهم، فلا تعد عيناك عنهم، ولا ترضَ بأقل من مراقيهم.
لقد استوفى إخواننا آجالهم وأرزاقهم كاملة، فإن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وهم ماضون لاستيفاء أجورهم عند الحكم العدل سبحانه، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} كما وعد عباده المؤمنين، قال ابن عباس: "يعني سوى الثواب، مما لم تر عين ولم تسمع أذن".
وإن أجر الجهاد وفضل الشهادة طافت به الركبان وتسابق على نيله الفرسان، وتلك أمنية نبيكم ما زالت حاضرة: (وَدِدْتُ أنِّي أغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ) كررها ثلاثا [مسلم]، وهو القائل: (لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها) [مسلم]، فتأمل كيف أن مهمة واحدة مفردة في الجهاد تفوق الدنيا بأسرها، وهو ما فهمه الصحابي القائد أبو سليمان خالد بن الوليد فقال: "ما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترس، والسماء تهلّني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار"، فتأمل كيف جمع بين جهاد ليلة واحدة والتوحيد، فما بالك بمن يقضى أيامه ولياليه كلها في ميادين الجهاد ومعسكرات التوحيد؟!
وبعد، فيا جنود الخلافة وبُناة صرحها وحملة رايتها، إن دماء إخوانكم بريد الحق ونوره الذي يتلألأ وسط ظلمات الجاهلية المعاصرة، إن دماءهم خير ترجمان لدعوة الأنبياء التي قامت على التوحيد، وإن حفظ دمائهم بالسير على خطاهم وحراسة ثغورهم، واعلموا أنه لا شيء أحفظ للدماء من إهراقها في مظانها التي يحبها الله ويرضاها في سوح الجهاد والمرابطة والمراغمة، وإنا لا نملك لكم في هذا الظرف وصية خيرا من وصية الله تعالى لعباده قبلكم، وهي الصبر والتقوى، فلا شيء أجدى لكم في حالتكم هذه منها، {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 467
الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ