حقيقة الإخلاص وسبل تحقيقه • فائدة: قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا الشّرك في العبادة يبطل ...

حقيقة الإخلاص وسبل تحقيقه

• فائدة:

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا الشّرك في العبادة يبطل ثواب العمل، وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا، فإنّه ينزله منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر، فإنّ اللّه سبحانه إنّما أمر بعبادته عبادة خالصة، فمن لم يخلص للّه في عبادته لم يفعل ما أمر به، بل الّذي أتى به شيء غير المأمور به، فلا يصحّ ولا يقبل منه" [الجواب الكافي].

• تحقيق الإخلاص:

وتحقيق الإخلاص ليس أمراً سهلا على النفس، وقد يسهل عليها في وقت دون آخر حسب قوة الإيمان وضعفه، وعليه؛ فلا بد من التحقق منه وتذكير النفس به عند كل عبادة، خصوصا وأن الإيمان يزيد وينقص، ومما يعين على أطر النفس على تحقيق الإخلاص وتجنيبها الرياء: التأمل في عاقبة الرياء وعاقبة الإخلاص، والتفكر في حقيقة من يرائي لهم العبد وأنهم لا ينفعونه ولا يضرون، قال ابن القيم في مدارجه: "فالعمل لأجل الناّس، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجاؤهم للضّرّ والنّفع منهم لا يكون من عارف بهم البتّة، بل من جاهل بشأنهم، وجاهل بربّه، فمن عرف النّاس أنزلهم منازلهم، ومن عرف اللّه أخلص له أعماله وأقواله، وعطاءه ومنعه وحبّه وبغضه، ولا يعامل أحد الخلق دون اللّه إلّا لجهله باللّه وجهله بالخلق، وإلّا فإذا عرف اللّه وعرف الناّس آثر معاملة اللّه على معاملتهم".

ومما يعين على تحقيق الإخلاص التأمل في صفات عباد الله المخلصين، الذين وصفهم ابن القيم في قوله: "أعمالهم كلّها للّه، وأقوالهم للّه، وعطاؤهم للّه، ومنعهم للّه، وحبّهم للّه، وبغضهم للّه، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه اللّه وحده، لا يريدون بذلك من النّاس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمّدة، والمنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمّهم، بل قد عدّوا النّاس بمنزلة أصحاب القبور، لا يملكون لهم ضرّا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا" [المدارج].

ومما يعين على الإخلاص: سؤال الله تعالى أن يطهّر قلوبنا من شرك الرياء، وأن يعيننا على الإخلاص في الأقوال والأعمال، فإن القلوب بين يديه سبحانه يقلّبها كيف يشاء.

• أعمال صالحة لكن أُحبطت!

تقدم أنه لا بد للعمل المقبول أن يكون صالحا موافقا للشرع وخالصا لا يشوبه الشرك، وقد نقل لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة مشاهد رهيبة من يوم الحساب، لثلاثة رجال عملوا أعمالا صالحة ولكن شابها شرك الرياء وانعدم فيها الإخلاص فكان عاقبة أهلها النار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتّى استشهدت قال كذبت ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال فما فعلت فيها قال تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار ورجل وسّع اللّه عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنّك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار) [مسلم]، فتأمل حال هؤلاء الثلاثة كيف أنهم عملوا في الدنيا أعمالهم الصالحة تلك، من جهاد وقراءة قرآن وإنفاق، لكنهم لم يحققوا فيها الإخلاص، فخسروا في الدنيا والآخرة، والله المستعان.

أخيرا، هذه همسة في أذنك أيها العبد المجاهد، كونك أقرب لأسباب الموت من غيرك، أن تجدد الإخلاص دوما في أعمالك عموما وجهادك خصوصا، فإن مفسدات النفس والشيطان له كثيرة، وطرق تسرب الرياء إليه متعددة، فلا بد من مجاهدة النفس وأطرها على الإخلاص، نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة وإليه سبحانه خالصة، والحمد لله رب العالمين.


▫️ المصدر: مقالات النبأ - حقيقة الإخلاص وسبل تحقيقه
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 466
الخميس 21 ربيع الآخر 1446 هـ