حكم بين العدل والظلم ◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن ...
حكم بين العدل والظلم
◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.
فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).
وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).
وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.
▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.
فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).
وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).
وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.
▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ