الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
• الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الأموال السلطانية -التي يتولى السلطان جمعها وتقسيمها- ثلاثة أصناف: الغنيمة والصدقة والفيء، فأما الصدقات فمعروفة، وأما الفيء فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال، وأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بعد قتالهم، فإذا كان الإمام -أو من يخوّله الإمام- هو الذي يتولى جمع الغنائم والأفياء وتقسيمها، لم يجز لأحد أن يأخذ منها شيئا دون إذن الإمام، وإلا كان ما أخذه غلولا [السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية].
تعريف الغُلول:
الغُلول لغة: الخيانة، يقال: غَلَّ يَغُلُّ غُلولاً فهو غَالٌّ، وكل من خان في شيء خفية فقد غل [النهاية في غريب الحديث]، وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة: أي مجعول فيها غُل، والغُل: هو طوق من حديد يُجعل في العنق وتجمع معه اليدان [مختار الصحاح]، «وأصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة» [شرح صحيح مسلم للنووي].
أما شرعا: فالغلول هو أخذ شيء من الغنيمة أو الفيء -قل أو كثر- خفية قبل القسمة وبدون إذن الأمير المخول بالغنائم.
حكم الغلول:
الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].
وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].
ما يترتب على الغال في الدنيا:
تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:
الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.
الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].
■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ
مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
• الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الأموال السلطانية -التي يتولى السلطان جمعها وتقسيمها- ثلاثة أصناف: الغنيمة والصدقة والفيء، فأما الصدقات فمعروفة، وأما الفيء فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال، وأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بعد قتالهم، فإذا كان الإمام -أو من يخوّله الإمام- هو الذي يتولى جمع الغنائم والأفياء وتقسيمها، لم يجز لأحد أن يأخذ منها شيئا دون إذن الإمام، وإلا كان ما أخذه غلولا [السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية].
تعريف الغُلول:
الغُلول لغة: الخيانة، يقال: غَلَّ يَغُلُّ غُلولاً فهو غَالٌّ، وكل من خان في شيء خفية فقد غل [النهاية في غريب الحديث]، وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة: أي مجعول فيها غُل، والغُل: هو طوق من حديد يُجعل في العنق وتجمع معه اليدان [مختار الصحاح]، «وأصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة» [شرح صحيح مسلم للنووي].
أما شرعا: فالغلول هو أخذ شيء من الغنيمة أو الفيء -قل أو كثر- خفية قبل القسمة وبدون إذن الأمير المخول بالغنائم.
حكم الغلول:
الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].
وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].
ما يترتب على الغال في الدنيا:
تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:
الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.
الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].
■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ
مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة