فارس الإعلام أبو بلال الحمصي أقسم على الله فأبرّه، نحسبه • هجر أضواء الشهرة والفضائيات ليكتب قصة ...
فارس الإعلام أبو بلال الحمصي أقسم على الله فأبرّه، نحسبه
• هجر أضواء الشهرة والفضائيات ليكتب قصة جهاده بالدماء والأشلاء
بدأت حياته الجديدة بين إخوانه المهاجرين والأنصار، في كنف دولة الإسلام، فأحب إخوانه وأحبوه حبا شديدا، لفرط أدبه، وحبه لهم، وذوده عنهم، فترك أبو بلال أضواء الشهرة وبريق الفضائيات ليكون جنديا خفياً من جنود الخلافة، فهو لا يهتم بمعرفة الناس له، فيكفي أن يعرفه رب الناس ويصطفيه.
واصل مسيرته مجاهدا إعلاميا، فكان ممن ينقلون معارك دولتنا لتكون بشرى للموحدين وحسرة لأعداء الدين.
كانت عدته سلاحه وآلة التصوير، فهما أغلى ما يملك وبهما تعلق قلبه، سلاح بيده، يسطر به أروع الملاحم، وآلة التصوير في اليد الأخرى، توثق هذه الملاحم. هكذا كان هذا المجاهد الإعلامي، فلم يترك غزوة إلا كان في صفها الأول، ولا بشرى إلا كان أول من يزفها ولم يكتف بهذا بل أراد المزيد من التضحيات في سبيل الله، فقد شغف قلبه حب الشهادة، وأصبح يردد في جلوسه وقيامه: «اللهم شهادة ترضى بها عني، اللهم خذ من دمي وأشلائي حتى ترضى».
أسر قلبه الاستشهاديون وفعالهم فكان يصور وصاياهم، وكلما وقف أمامهم بكى بحرقة وحسرة، وليس يَبكي هؤلاء الأحبة الذين سيفارقهم، بل يبكي حاله وحرمانه، إنه الاصطفاء الذي في كل مرة يتجاوزه، وكلما مرت في إصدار ما قصة استشهادي، تجده يندمج في تلك اللحظات، حتى كأنه ينقطع عن هذه الدنيا وينتقل إلى عالم آخر، بدايته طير خضر وقناديل، ثم حين يعود إلى عالمه تنهمر دموعه غزيرة ليقول: «ونحن متى نلتحق بهذه القوافل؟!»
روح الاستشهاد التي امتلكها والتي استحوذت على كل حواسه جعلته يسعى ليكون في قائمة الاستشهاديين، ولكن في كل مرة يُرفض طلبه فهو من الكوادر القليلة في ولايته، يقولون له «نحن بحاجة لك» فيصيح وعيناه تفيضان من الدمع:
«وأنا احتاج الرحيل، اشتقت لربي!»
رغم كل هذا لم ييأس لم يركن إلى الدنيا، بل ازداد زهدا فيها، فكان يسعى لا يكل ولا يمل، ليأتي ببديل له في عمله ويعطيه ما يمتلك من خبرات، فنجح في مسعاه ثم انطلق ليسجل اسمه في قائمة الاستشهاديين، ولا تسل عن حاله حين استجاب الله لدعائه وحقق حلمه يوم أصبح اسمه في القائمة الذهبية، قائمة الاصطفاء إن شاء الله تلك القائمة التي كتبت بمداد الشوق إلى الله وبحبر الدم القاني.
تغير كل شيء في الفارس أبي بلال من يومها، فلا تكاد تراه إلا سعيداً مستبشراً أذهب الله ذلك الحزن الخفي الذي يسكن قلبه وأبدله بدموع الألم والحسرة التي يذرفها في سجوده وقيامه دموع الفرح والبشر بل الأغرب أنه لم يعد يملك صبراً حتى يصل دوره، كل يوم يسأل إخوانه من يبادله دوره ولكن الكل مشتاق للقاء الله، فلا أحد يرضى، فهي جنة عرضها السماوات والأرض وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فالتجأ إلى ربه يدعوه: «اللهم عجّل لي، اللهم عجّل لي».
وكيف لا يستجيب الله لعبده وقد صدق النية، نحسبه والله حسيبه فرغم أن دوره لم يحن بعد إلا أن الله عجّل له واصطفاه، فكان تنفيذه بعد أسبوع واحد فقط من دخوله القائمة الذهبية إنه الصدق وإخلاص النوايا فمن أحب لقاء الله صدقا أحب الله لقاءه ما جعله يسجد لله شكرا.
بدأ يجهز نفسه للقاء الرحمن وللقاء الأحبة الذين سبقوا، ولسان حاله يقول: «أخيرا، ستشرب كلماتي من دمائي أخيرا سأعقد تلك الصفقة الرابحة فأبيع دنياي الفانية بجنة ذات قطوف دانية».
في يومه الأخير طاف على كل إخوانه الاستشهاديين ممن أحبهم وأحبوه طالبا منهم أن يسامحوه، ويغفروا له إن أساء لهم يوما عن غير قصد، ثم حرضّهم على الثبات على ما عزموا، والصدق مع الله فدين الله لا ينصر إلا بالتضحيات.
في ذلك اليوم الأخير له في هذه الدنيا الفانية، كان سعيدا مستبشرا يتلألأ وجهه نورا كلما تذكر أنه بعد ساعات قليلة يلقى الله عز وجل مدركا أن دين الله أغلى من الأرواح والدماء والأجساد فأزهق روحه، ونثر أشلاءه لتحيا عقيدته.
عاد أبو بلال إلى مدينة حمص، كما أقسم ووعد، وما نحسبه إلا من الذين قال فيهم رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: «لو أقسم على الله لأبره»، عاد الفارس بالدماء والأشلاء ليحرق قلوب المرتدين، كما أحرقوا قلوب المسلمين عاد إليهم زلزالا يقضّ مضاجعهم وبركانا يحرق أفئدتهم، وكان آخر ما كتب قبل تنفيذ العملية خاطرة وُجدت بين وصاياه التي كتبها لزوجته ولإخوانه قال فيها:
«اللهم لا أسألك حوراً ولا قصوراً بل أسألك رؤية وجهك الكريم. اللهم لا أطلب إلا أن أكون من الذين تضحك لهم، اللهم إني أحببت لقاءك فاصطفني إليك، وأنعم عليّ بالرحيل إليك من هذه الدنيا الفانية».
تلك كانت آخر كلماته في حياته لم يُسمَع بعدها إلا صوت الانفجار وتناثر الأشلاء في عملية زلزلت أمن المرتدين وزفتهم إلى جهنم أفواجا.
فما أروعها من خاتمة، وما أحلاه من ارتقاء فللّه درك أيها الفارس وهنيئا لك ما حزته من فضل واصطفاء، يا من كتبت قصة جهادك بدمائك، وختمتها بأشلائك فسلام على روحك في الخالدين.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 21 – قصة شهيد:
1437 هـ
• هجر أضواء الشهرة والفضائيات ليكتب قصة جهاده بالدماء والأشلاء
بدأت حياته الجديدة بين إخوانه المهاجرين والأنصار، في كنف دولة الإسلام، فأحب إخوانه وأحبوه حبا شديدا، لفرط أدبه، وحبه لهم، وذوده عنهم، فترك أبو بلال أضواء الشهرة وبريق الفضائيات ليكون جنديا خفياً من جنود الخلافة، فهو لا يهتم بمعرفة الناس له، فيكفي أن يعرفه رب الناس ويصطفيه.
واصل مسيرته مجاهدا إعلاميا، فكان ممن ينقلون معارك دولتنا لتكون بشرى للموحدين وحسرة لأعداء الدين.
كانت عدته سلاحه وآلة التصوير، فهما أغلى ما يملك وبهما تعلق قلبه، سلاح بيده، يسطر به أروع الملاحم، وآلة التصوير في اليد الأخرى، توثق هذه الملاحم. هكذا كان هذا المجاهد الإعلامي، فلم يترك غزوة إلا كان في صفها الأول، ولا بشرى إلا كان أول من يزفها ولم يكتف بهذا بل أراد المزيد من التضحيات في سبيل الله، فقد شغف قلبه حب الشهادة، وأصبح يردد في جلوسه وقيامه: «اللهم شهادة ترضى بها عني، اللهم خذ من دمي وأشلائي حتى ترضى».
أسر قلبه الاستشهاديون وفعالهم فكان يصور وصاياهم، وكلما وقف أمامهم بكى بحرقة وحسرة، وليس يَبكي هؤلاء الأحبة الذين سيفارقهم، بل يبكي حاله وحرمانه، إنه الاصطفاء الذي في كل مرة يتجاوزه، وكلما مرت في إصدار ما قصة استشهادي، تجده يندمج في تلك اللحظات، حتى كأنه ينقطع عن هذه الدنيا وينتقل إلى عالم آخر، بدايته طير خضر وقناديل، ثم حين يعود إلى عالمه تنهمر دموعه غزيرة ليقول: «ونحن متى نلتحق بهذه القوافل؟!»
روح الاستشهاد التي امتلكها والتي استحوذت على كل حواسه جعلته يسعى ليكون في قائمة الاستشهاديين، ولكن في كل مرة يُرفض طلبه فهو من الكوادر القليلة في ولايته، يقولون له «نحن بحاجة لك» فيصيح وعيناه تفيضان من الدمع:
«وأنا احتاج الرحيل، اشتقت لربي!»
رغم كل هذا لم ييأس لم يركن إلى الدنيا، بل ازداد زهدا فيها، فكان يسعى لا يكل ولا يمل، ليأتي ببديل له في عمله ويعطيه ما يمتلك من خبرات، فنجح في مسعاه ثم انطلق ليسجل اسمه في قائمة الاستشهاديين، ولا تسل عن حاله حين استجاب الله لدعائه وحقق حلمه يوم أصبح اسمه في القائمة الذهبية، قائمة الاصطفاء إن شاء الله تلك القائمة التي كتبت بمداد الشوق إلى الله وبحبر الدم القاني.
تغير كل شيء في الفارس أبي بلال من يومها، فلا تكاد تراه إلا سعيداً مستبشراً أذهب الله ذلك الحزن الخفي الذي يسكن قلبه وأبدله بدموع الألم والحسرة التي يذرفها في سجوده وقيامه دموع الفرح والبشر بل الأغرب أنه لم يعد يملك صبراً حتى يصل دوره، كل يوم يسأل إخوانه من يبادله دوره ولكن الكل مشتاق للقاء الله، فلا أحد يرضى، فهي جنة عرضها السماوات والأرض وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فالتجأ إلى ربه يدعوه: «اللهم عجّل لي، اللهم عجّل لي».
وكيف لا يستجيب الله لعبده وقد صدق النية، نحسبه والله حسيبه فرغم أن دوره لم يحن بعد إلا أن الله عجّل له واصطفاه، فكان تنفيذه بعد أسبوع واحد فقط من دخوله القائمة الذهبية إنه الصدق وإخلاص النوايا فمن أحب لقاء الله صدقا أحب الله لقاءه ما جعله يسجد لله شكرا.
بدأ يجهز نفسه للقاء الرحمن وللقاء الأحبة الذين سبقوا، ولسان حاله يقول: «أخيرا، ستشرب كلماتي من دمائي أخيرا سأعقد تلك الصفقة الرابحة فأبيع دنياي الفانية بجنة ذات قطوف دانية».
في يومه الأخير طاف على كل إخوانه الاستشهاديين ممن أحبهم وأحبوه طالبا منهم أن يسامحوه، ويغفروا له إن أساء لهم يوما عن غير قصد، ثم حرضّهم على الثبات على ما عزموا، والصدق مع الله فدين الله لا ينصر إلا بالتضحيات.
في ذلك اليوم الأخير له في هذه الدنيا الفانية، كان سعيدا مستبشرا يتلألأ وجهه نورا كلما تذكر أنه بعد ساعات قليلة يلقى الله عز وجل مدركا أن دين الله أغلى من الأرواح والدماء والأجساد فأزهق روحه، ونثر أشلاءه لتحيا عقيدته.
عاد أبو بلال إلى مدينة حمص، كما أقسم ووعد، وما نحسبه إلا من الذين قال فيهم رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: «لو أقسم على الله لأبره»، عاد الفارس بالدماء والأشلاء ليحرق قلوب المرتدين، كما أحرقوا قلوب المسلمين عاد إليهم زلزالا يقضّ مضاجعهم وبركانا يحرق أفئدتهم، وكان آخر ما كتب قبل تنفيذ العملية خاطرة وُجدت بين وصاياه التي كتبها لزوجته ولإخوانه قال فيها:
«اللهم لا أسألك حوراً ولا قصوراً بل أسألك رؤية وجهك الكريم. اللهم لا أطلب إلا أن أكون من الذين تضحك لهم، اللهم إني أحببت لقاءك فاصطفني إليك، وأنعم عليّ بالرحيل إليك من هذه الدنيا الفانية».
تلك كانت آخر كلماته في حياته لم يُسمَع بعدها إلا صوت الانفجار وتناثر الأشلاء في عملية زلزلت أمن المرتدين وزفتهم إلى جهنم أفواجا.
فما أروعها من خاتمة، وما أحلاه من ارتقاء فللّه درك أيها الفارس وهنيئا لك ما حزته من فضل واصطفاء، يا من كتبت قصة جهادك بدمائك، وختمتها بأشلائك فسلام على روحك في الخالدين.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 21 – قصة شهيد:
1437 هـ