رسالة من شيخ الإسلام إلى جنود دولة الإسلام • إلى المجاهدين في سبيل الله تعالى، جنود الدولة ...
رسالة من شيخ الإسلام إلى جنود دولة الإسلام
• إلى المجاهدين في سبيل الله تعالى، جنود الدولة الإسلامية، نهدي لهم همسة من شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية، وهي رسالة كتبها عام 699 هجريا إلى المجاهدين في وقته، وذلك لما وصل المغول التتار إلى الشام وفر من فر وثبت من ثبت، فكتب الإمام المجاهد ابن تيمية رحمه الله:
«أما بعد:
فإن الله عز وجل قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، وما أنزل الله في القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم، وسيعمل بها آخرون، فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين، الذين يحبهم الله ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم، الذين يخرجون عن الدين، ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين -يقصد الغزو المغولي الذي زحف لبلاد الإسلام ومن عاونهم من المرتدين آنذاك- فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف:
1. كافرة باقية على كفرها من الكرج والأرمن والمغل.
2. وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الإسلام وانقلبت على عقبيها من العرب والفرس وغيرهم، وهؤلاء أعظم جرما عند الله وعند رسوله والمؤمنين من الكافر الأصلي.
3. وفيهم أيضا من كان كافرا فانتسب إلى الإسلام ولم يلتزم شرائعه، وهؤلاء يجب قتالهم بإجماع المسلمين، كما قاتل الصديق -رضي الله عنه- مانعي الزكاة، وكما قاتل علي -رضي الله عنه- الخوارج.
4. وفيهم صنف رابع، شر من هؤلاء، وهم قوم ارتدوا عن شرائع الإسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه.
فهؤلاء الكفار والمرتدون، كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين، حتى يلتزموا شرائع الإسلام، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وحتى تكون كلمة الله -التي هي كتابه وما فيه من أمره ونهيه وخبره- هي العليا، هذا إذا كان الكفار قاطنين في أرضهم، فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام وصالوا على المسلمين بغيا وعدوانا!
واعلموا -أصلحكم الله- أن الناس في هذه الفتنة تفرقوا لثلاث فرق:
1. الطائفة المنصورة، وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين.
2. والطائفة المخالفة، وهم هؤلاء القوم، ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام.
3. والطائفة المخذلة، وهم القاعدون عن جهادهم، وإن كانوا صحيحي الإسلام.
فلينظر الرجل، أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة؟ فما بقي قسم رابع.
واعلموا -رحمكم الله- أن الجهاد فيه خيري الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في كتابه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فمن عاش من المجاهدين كان عزيزا كريما، ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة.
وقد اتفق العلماء على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، فهو أفضل من الحج وأفضل من الصوم التطوع وأفضل من الصلاة التطوع، والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة، رضي الله عنه: «لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود»، فاختار -رضي الله عنه- الرباط ليلة واحدة على العبادة في أفضل الليالي عند أفضل البقاع، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقيمون بالمدينة دون مكة؛ لمعان عدة، منها: أنهم كانوا مرابطين بالمدينة.
وهذا في الرباط فكيف بالجهاد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد أبدا) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار) [رواه البخاري]، وهذا في الغبار الذي يصيب الوجه والرجل، فكيف بما هو أشق منه، كالثلج والبرد والوحل؟
ولهذا عاب الله عز وجل المنافقين الذين يتعللون بالعوائق، كالحر والبرد، فقال سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}، وهكذا الذين يقولون: لا تنفروا في البرد، فيقال لهم: نار جهنم أشد بردا.
فالمؤمن يدفع بصبره على الحر والبرد في سبيل الله حر جهنم وبردها، والمنافق يفر من حر الدنيا وبردها حتى يقع في حر جهنم وزمهريرها.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقال:
رسالة من شيخ الإسلام إلى جنود دولة الإسلام
• إلى المجاهدين في سبيل الله تعالى، جنود الدولة الإسلامية، نهدي لهم همسة من شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية، وهي رسالة كتبها عام 699 هجريا إلى المجاهدين في وقته، وذلك لما وصل المغول التتار إلى الشام وفر من فر وثبت من ثبت، فكتب الإمام المجاهد ابن تيمية رحمه الله:
«أما بعد:
فإن الله عز وجل قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، وما أنزل الله في القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم، وسيعمل بها آخرون، فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين، الذين يحبهم الله ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم، الذين يخرجون عن الدين، ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين -يقصد الغزو المغولي الذي زحف لبلاد الإسلام ومن عاونهم من المرتدين آنذاك- فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف:
1. كافرة باقية على كفرها من الكرج والأرمن والمغل.
2. وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الإسلام وانقلبت على عقبيها من العرب والفرس وغيرهم، وهؤلاء أعظم جرما عند الله وعند رسوله والمؤمنين من الكافر الأصلي.
3. وفيهم أيضا من كان كافرا فانتسب إلى الإسلام ولم يلتزم شرائعه، وهؤلاء يجب قتالهم بإجماع المسلمين، كما قاتل الصديق -رضي الله عنه- مانعي الزكاة، وكما قاتل علي -رضي الله عنه- الخوارج.
4. وفيهم صنف رابع، شر من هؤلاء، وهم قوم ارتدوا عن شرائع الإسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه.
فهؤلاء الكفار والمرتدون، كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين، حتى يلتزموا شرائع الإسلام، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وحتى تكون كلمة الله -التي هي كتابه وما فيه من أمره ونهيه وخبره- هي العليا، هذا إذا كان الكفار قاطنين في أرضهم، فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام وصالوا على المسلمين بغيا وعدوانا!
واعلموا -أصلحكم الله- أن الناس في هذه الفتنة تفرقوا لثلاث فرق:
1. الطائفة المنصورة، وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين.
2. والطائفة المخالفة، وهم هؤلاء القوم، ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام.
3. والطائفة المخذلة، وهم القاعدون عن جهادهم، وإن كانوا صحيحي الإسلام.
فلينظر الرجل، أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة؟ فما بقي قسم رابع.
واعلموا -رحمكم الله- أن الجهاد فيه خيري الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في كتابه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فمن عاش من المجاهدين كان عزيزا كريما، ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة.
وقد اتفق العلماء على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، فهو أفضل من الحج وأفضل من الصوم التطوع وأفضل من الصلاة التطوع، والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة، رضي الله عنه: «لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود»، فاختار -رضي الله عنه- الرباط ليلة واحدة على العبادة في أفضل الليالي عند أفضل البقاع، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقيمون بالمدينة دون مكة؛ لمعان عدة، منها: أنهم كانوا مرابطين بالمدينة.
وهذا في الرباط فكيف بالجهاد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد أبدا) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار) [رواه البخاري]، وهذا في الغبار الذي يصيب الوجه والرجل، فكيف بما هو أشق منه، كالثلج والبرد والوحل؟
ولهذا عاب الله عز وجل المنافقين الذين يتعللون بالعوائق، كالحر والبرد، فقال سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}، وهكذا الذين يقولون: لا تنفروا في البرد، فيقال لهم: نار جهنم أشد بردا.
فالمؤمن يدفع بصبره على الحر والبرد في سبيل الله حر جهنم وبردها، والمنافق يفر من حر الدنيا وبردها حتى يقع في حر جهنم وزمهريرها.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقال:
رسالة من شيخ الإسلام إلى جنود دولة الإسلام