سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت» • تعرضنا في الأعداد الأربع الماضية، إلى صور مشرقة من ...
سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»
• تعرضنا في الأعداد الأربع الماضية، إلى صور مشرقة من تاريخ المرابطين، وأميرهم الصالح يوسف بن تاشفين رحمه الله، وصور قاتمة لملوك الطوائف الخونة، الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فلا دين الله أقاموا، ولا على نعيمهم داموا، فنالوا عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة، ورأينا كيف أن ابن تاشفين وهو في عز انتصاره وأوج قوته، سارع إلى بيعة الخليفة القرشي، رغبة منه في توحيد كلمة المسلمين ولمّ شملهم.
سار علي بن يوسف بن تاشفين -رحمه الله- على نهج والده في الحكم، عُرف عنه حبه للعلم والعلماء، وانغماسه فكي الطاعات والعبادات، إلى درجة إهماله أمور الحكم آخر عهده، فتولى شؤون المسلمين يومئذٍ أمراء وولاة على غير نهج المرابطين الأول، الذي ارتكز على العقيدة السلفية والمداومة على جهاد الصليبيين والخونة ومنازلتهم.
فتفشت مظاهر الانحلال والمجون بين الأمراء والولاة أواخر عهد علي بن يوسف -رحمهما الله- فكفّوا عن قتال النصارى في الأندلس، واستطابوا القعود والطرب والأُنْس، واستمتعوا بالملذات والشهوات المحرمة، فجرت في دولة المرابطين سنن الله، فاستبدلهم -عز وجل- حين حادوا عن المنهج المستقيم، بعد أن نصرهم بالأمس ومكنهم حين لزموا دينه وشرعه، وعظَّموا شعائره، ووقفوا عند حدوده.
هي سنة الله عز وجل، ولن تجد لسنة الله تبديلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
وقد دمّر الله عز وجل ملوك الطوائف في الأندلس، فجعلهم بين سجين وقتيل وشريد، ولم تغن عنهم حصونهم ولا قلاعهم.
لم تقتصر مظاهر السفور والمجون على قصور الأمراء والولاة فحسب، بل تفشت في سائر فئات المجتمع، فزاد الاختلاط بين الرجال والنساء، وخرجت النساء إلى الشوارع سافرات الوجه، وراج الخمر، ولُعب القمار، وعادت البدع، بعد أن قمعها يوسف بن تاشفين وابنه علي من قبل.
وشيوع المنكرات والمعاصي، كان من أهم أسباب سقوط الدولة المرابطية، إضافة إلى نشوب اضطرابات وحركات تمرد في عدة مدن، كفاس وقرطبة، ساهمت هي الأخرى في إضعاف الدولة، وزوال هيبتها.
كما أن فقدان الدولة المرابطية كثيرا من شيوخها وعلمائها، كان له دور في سقوطها، فمن الأخطاء القاتلة لدولة المرابطين، أن الشيوخ الربانيين الذين كانوا يتقدمون الصفوف في غزوات ابن تاشفين، لم تنشر أفكارهم ومبادئهم في الجيل الذي تلاهم، وأهملت الدعوة، فكان جيل المرابطين الثاني -أواخر عهد علي بن يوسف- على النقيض من الجيل الأول، وهذا دَرْس مهم للمسلمين اليوم، فتوريث العقيدة الصحيحة والمنهج الصافي للجيل الناشئ من أهم الواجبات وأعظمها، لضمان الاستمرارية على النهج النبوي القويم.
الأزمات الاقتصادية التي مرت منها دولة المرابطين كانت أيضا سببا في انهيارها، كانحباس المطر والجفاف وهجمات أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية وانتشار الأوبئة، إلا أن هذه المظاهر كلها لا يمكن عزلها عن السياق العام الذي كانت تعيشه الدولة، فما الأزمات والقلاقل والمشاكل إلا عقوبات ربانية لأولئك الذين انشغلوا بالملذات، وتركوا طريق الحق الذي ليس بعده إلا الضلال.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأُخِذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر)، فهذه خمس سنن إلهية ثابتة لا تتغير.
أما السبب المباشر لانهيار الدولة المرابطية، فكان ظهور دعوة محمد بن تومرت الذي تمرد على المرابطين، متسترا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متقمصا دور المصلح، إلا أن حقيقة دعوته هي طمع في السلطة، ورغبة منه في نشر عقيدته الأشعرية الضالة.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ
من التاريخ:
سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»
• تعرضنا في الأعداد الأربع الماضية، إلى صور مشرقة من تاريخ المرابطين، وأميرهم الصالح يوسف بن تاشفين رحمه الله، وصور قاتمة لملوك الطوائف الخونة، الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فلا دين الله أقاموا، ولا على نعيمهم داموا، فنالوا عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة، ورأينا كيف أن ابن تاشفين وهو في عز انتصاره وأوج قوته، سارع إلى بيعة الخليفة القرشي، رغبة منه في توحيد كلمة المسلمين ولمّ شملهم.
سار علي بن يوسف بن تاشفين -رحمه الله- على نهج والده في الحكم، عُرف عنه حبه للعلم والعلماء، وانغماسه فكي الطاعات والعبادات، إلى درجة إهماله أمور الحكم آخر عهده، فتولى شؤون المسلمين يومئذٍ أمراء وولاة على غير نهج المرابطين الأول، الذي ارتكز على العقيدة السلفية والمداومة على جهاد الصليبيين والخونة ومنازلتهم.
فتفشت مظاهر الانحلال والمجون بين الأمراء والولاة أواخر عهد علي بن يوسف -رحمهما الله- فكفّوا عن قتال النصارى في الأندلس، واستطابوا القعود والطرب والأُنْس، واستمتعوا بالملذات والشهوات المحرمة، فجرت في دولة المرابطين سنن الله، فاستبدلهم -عز وجل- حين حادوا عن المنهج المستقيم، بعد أن نصرهم بالأمس ومكنهم حين لزموا دينه وشرعه، وعظَّموا شعائره، ووقفوا عند حدوده.
هي سنة الله عز وجل، ولن تجد لسنة الله تبديلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
وقد دمّر الله عز وجل ملوك الطوائف في الأندلس، فجعلهم بين سجين وقتيل وشريد، ولم تغن عنهم حصونهم ولا قلاعهم.
لم تقتصر مظاهر السفور والمجون على قصور الأمراء والولاة فحسب، بل تفشت في سائر فئات المجتمع، فزاد الاختلاط بين الرجال والنساء، وخرجت النساء إلى الشوارع سافرات الوجه، وراج الخمر، ولُعب القمار، وعادت البدع، بعد أن قمعها يوسف بن تاشفين وابنه علي من قبل.
وشيوع المنكرات والمعاصي، كان من أهم أسباب سقوط الدولة المرابطية، إضافة إلى نشوب اضطرابات وحركات تمرد في عدة مدن، كفاس وقرطبة، ساهمت هي الأخرى في إضعاف الدولة، وزوال هيبتها.
كما أن فقدان الدولة المرابطية كثيرا من شيوخها وعلمائها، كان له دور في سقوطها، فمن الأخطاء القاتلة لدولة المرابطين، أن الشيوخ الربانيين الذين كانوا يتقدمون الصفوف في غزوات ابن تاشفين، لم تنشر أفكارهم ومبادئهم في الجيل الذي تلاهم، وأهملت الدعوة، فكان جيل المرابطين الثاني -أواخر عهد علي بن يوسف- على النقيض من الجيل الأول، وهذا دَرْس مهم للمسلمين اليوم، فتوريث العقيدة الصحيحة والمنهج الصافي للجيل الناشئ من أهم الواجبات وأعظمها، لضمان الاستمرارية على النهج النبوي القويم.
الأزمات الاقتصادية التي مرت منها دولة المرابطين كانت أيضا سببا في انهيارها، كانحباس المطر والجفاف وهجمات أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية وانتشار الأوبئة، إلا أن هذه المظاهر كلها لا يمكن عزلها عن السياق العام الذي كانت تعيشه الدولة، فما الأزمات والقلاقل والمشاكل إلا عقوبات ربانية لأولئك الذين انشغلوا بالملذات، وتركوا طريق الحق الذي ليس بعده إلا الضلال.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأُخِذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر)، فهذه خمس سنن إلهية ثابتة لا تتغير.
أما السبب المباشر لانهيار الدولة المرابطية، فكان ظهور دعوة محمد بن تومرت الذي تمرد على المرابطين، متسترا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متقمصا دور المصلح، إلا أن حقيقة دعوته هي طمع في السلطة، ورغبة منه في نشر عقيدته الأشعرية الضالة.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ
من التاريخ:
سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»