فتح الرمادي ألا إن نصر الله قريب • الابتلاء سنة ربانية ماضية إلى قيام الساعة، يبتلي الله عباده ...

فتح الرمادي ألا إن نصر الله قريب

• الابتلاء سنة ربانية ماضية إلى قيام الساعة، يبتلي الله عباده ليختبرهم وهو العليم بحالهم، يبتليهم ليميز الخبيث من الطيب، فإنه -سبحانه- جعل البلاء سبيلا يتميز به الصادق من الكاذب، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [سورة العنكبوت: 1- 2]، وهي سنة جارية في المؤمنين، لا تتخلف ولا تتبدل، ولما كانت الدولة الإسلامية دولة توحيد وجهاد، جرت على من جاهد تحت رايتها تلكم السنة الربانية.

فما إن وطئت أرضَ الرافدين حوافرُ خيل الصليبيين، حتى قامت ثلة مؤمنة وحملت الراية وذادت عنها بالنفس والنفيس وسقتها بزكي الدماء وطاهر الأشلاء، وقد علمت يقينا أن الله -سبحانه- ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علما وعملا، ولم يضمن نصر الباطل، فقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة المجادلة: 21]، وقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سورة غافر: 51]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الحج: 38]، وقال: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 68].

وقد لمست تلكم الثلة المؤمنة الصادقة المجاهدة هذه الحقيقة واقعا بين الحين والآخر، فنصر وعز وتمكين تارة وهزيمة وقتل وتشريد وأسر تارة أخرى، يتقلبون بين نعماء وضراء، شاكرين صابرين، وهذا حال المؤمن.

فبعد أن منّ الله على المجاهدين بإعلان دولة العراق الإسلامية، وفُتحت المناطق، وحُكِّم الشرع، وأقيمت الحدود، وكثر سواد المجاهدين، وصاروا ذوي شوكة ومنعة، جرت عليهم سنة الله في أمثالهم، فعظم البلاء، واشتدت الفتنة، فانحاز المجاهدون من مواقعهم في المدن، والسعيد إذ ذاك من ثبته الله ولم يغير أو يبدل، ولم ينته الابتلاء بالتشريد وفقدان المناطق وقتل وأسر الأفذاذ من الرجال، بل استمر مع المجاهدين ممحصا لصفوفهم ومنقيا لذنوبهم، فصاروا بعد ذاك قوة باطشة تضرب متى شاءت وكيفما شاءت بالوقت الذي تريد، بإذن الله تعالى، وهم ثلة قليلة بعدة بسيطة تفترش الأرض وتلتحف السماء بصحاري الأنبار وجبال الشمال وبساتين ديالى، فشنوا الغارة تلو الغارة وصدى زئيرهم سمعه العالم أجمع.

وهنا نسرد جانبا مما عانته فئة من تلك الثلة المؤمنة من محن وابتلاءات تكلّلت بفتح وعز وتمكين، تلك الفئة كانت قد اتخذت من صحراء الأنبار مأوى لها بعد الله عز وجل، بسبب خيانة بعض العشائر المرتدة.

- معسكر الشيخين:

كانت الصحراء اختيارا صائبا من قادة الدولة الإسلامية كمكان لترتيب الصفوف واستقطاب المجاهدين والنأي بعيدا عن أعين الصليبيين وأذنابهم لوعورة الصحراء، وقد تكفل الشيخ المهندس أبو إبراهيم الزيدي -تقبله الله- بإعداد أول معسكر لمجاهدي دولة العراق الإسلامية في صحراء الأنبار وقد كان تعداده لا يتجاوز العشرة مجاهدين بإمكانيات وعدة بسيطة، غير أن الإيمان الذي وقر في صدورهم كان أكبر من أي سلاح مادي، فكثرهم الله حتى بلغوا المئات وأثخنوا بالمرتدين وأسيادهم وأذاقوهم الويلات رغم حر وقر الصحراء الموحشة، وكانت غزوة جراح الشامي المباركة التي أقضت مضاجع المرتدين في حديثة وكتمت أنفاسهم، وأرجعت -بفضل الله- الكثيرين إلى صوابهم لما علموا أن المجاهدين لا زالت لهم كلمة عالية مدوية، ويوما بعد يوم صارت المضافات تغص بالمهاجرين والأنصار، حتى أينع العمل وبدأ الإعداد للمرحلة التالية، وهي الرجوع إلى المناطق التي انحازوا منها وصاروا يتحينون الفرص لذلك بعد سنوات من إنهاك العدو وقطف رؤوس قياداته في حرب استنزاف قلّ مثيلها، وبالوقت نفسه كان المرتدون يعدون العدة للهجوم على المعسكرات في صحراء الأنبار.

وفي ليلة شاتية باغتت طائرة مسيرة خيمة للمجاهدين بمعسكر الشيخين وأمطرتها بعدة صواريخ ارتقى على إثرها أبو سليمان وأبو دجانة وأبو قسورة وأبو الفاروق وأصيب آخرون، وكان هذا إنذارا عجّل باندفاع مجاهدي الصحراء إلى فتح المدن والحواضر والعودة إليها، فقد دفع الصليبيون هذا النوع من الطائرات القاصفة للحكومة الرافضية لاستخدامها في ضرب المجاهدين في أراضي الصحراء المكشوفة للطيران، وهنا كانت الخطوة الجريئة التي يسّر الله مقدماتها...


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 28
السنة السابعة - الثلاثاء 18 رجب 1437 هـ

مقتطف من مقال من التاريخ:
فتح الرمادي
ألا إن نصر الله قريب