رموز .. أم أوثان (3) ففي ظل الواقع البائس الذي عاشه المسلمون خلال القرون الماضية خرج الكثير ممن ...

رموز .. أم أوثان (3)

ففي ظل الواقع البائس الذي عاشه المسلمون خلال القرون الماضية خرج الكثير ممن يزعم أنه سيحقق الإصلاح في حياة الناس الدنيوية، أو يدعوهم إلى اتباعه في طريقته ومنهجه الديني، وازدادت هذه الظاهرة وضوحا بعد عصر سايكس وبيكو ودويلاتهما، حيث بدأت الأحزاب والفصائل والتنظيمات التي تنتسب للإسلام بالظهور، وبرز في كل منها «رموز» يزعم كل منهم أنه وحزبه هم من سيقود الأمة إلى الخلاص من الواقع الأليم، وأنهم سيجدّدون الخلافة، وسيطبقون الشريعة، ويقيمون العدل، ويزيلون الظلم، ويرجعون الأمة إلى العصر الذي كان فيه الخليفة يقول للغيمة «أمطري حيث شئت فإن خراجك عائد إلي»، وإذا تطاول أحد من ملوك الأرض انطلق إليه جيش أوله عنده وآخره في حاضرة المسلمين، فتعلّق الناس بهذه «الرموز» تعلق الغريق بحبل النجاة، وكل من هؤلاء «الرموز» يخط للناس منهجا جديدا لتحقيق أحلامهم، أو لنكون أكثر دقة فإن كلا منهم كان يقدم لأتباعه نوعا خاصا من المخدرات التي لا تجعلهم غافلين عن الواقع فحسب، بل أيضا غافلين عن مدى موافقة مناهجهم لكتاب الله وسنة نبيه، عليه الصلاة والسلام، فبات في الواقع عشرات السبل على رأس كل منها شيطان يدعو إلى النار، وصرنا نرى من عجائب الأمور أن صار أتباع الأحزاب والتنظيمات كلما خطوا انحرافا جديدا بحثوا عن مسوغ له من أفعال «رموزهم» لعلمهم اليقيني أن لا أحد من حزبهم يجرؤ على انتقاد أفعال أولئك «الرموز»، وبالتالي يصبح الفعل أو القول مهما بلغ من الضلال «شرعيا» في دينهم ما دام أحد «الرموز» قد قام به، أو رضيه، أو لمجرد السكوت عنه، فصاروا بذلك أربابا يعبدون من دون الله، يشرعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله.

وإننا نرى اليوم أن الضالين من أتباع تلك الفصائل يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ويرفضون السماع لمن يدعوهم إلى الحق بمجرد أن يذكر «رموزهم» بسوء، بل ويزداد تعصب كثير منهم لتلك «الرموز» كلما زادت حدة الهجوم عليهم لبيان حقيقتهم، فشابهوا بذلك حال المشركين الذين كانوا يحاربون الرسل إذا ما بينوا لهم حقيقة الأوثان التي يعبدونها، كما وصف الله حال بعض منهم بقولهم {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، وقولهم (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ).

وبالتالي لا بد من وضع كل من أولئك «الرموز» في حجمه الحقيقي وفق المقياس الشرعي، فمن كان منهم من الصالحين الذين غلا الناس في محبتهم بعد وفاتهم، حفظنا له حقه، وسعينا إلى هدم طريقة أتباعه في تقديسه والغلو فيه، واتّباعه من دون أمر الله ورسوله، ومن كان في نفسه ضالا أو مرتدا بيّنّا للناس حكمه، وحكم طريقته ومنهجه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، ولا يمكن أن ندعو الناس إلى التوحيد، مع تركنا لأولئك الذين يحرِفون الناس عن طاعة الله إلى طاعة أنفسهم، وعن اتباع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلى اتباع طرقهم ومناهجهم الضالة المنحرفة، إنها معركة واحدة يجب أن نخوضها، فندعو إلى التوحيد، ونحمل فأس إبراهيم -عليه السلام- لنحطم «الرموز» التي يعبدها الناس من دون الله، بأن نزيل عن أولئك البشر المعبودين المتّبَعين «رمزيتهم» ونعيدهم بشرا من لحم ودم، يأكلون ويشربون ويتزوجون، يتمنون ويشتهون، يرجون ويخافون، يهتدون ويضلون، لا حق لهم في طاعة ولا اتباع، إلا ما أذن به الله.

إن معركة تحطيم «الرموز» وإعادة الناس إلى الكتاب والسنة، هي المعركة الأطول والأصعب، ولكنها رغم ذلك تبقى من أهم المعارك التي يجب أن نخوضها وننتصر فيها، ولله عاقبة الأمور.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 27
السنة السابعة - الثلاثاء 11 رجب 1437 هـ

مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان (3)