شهر شعبان بين السنة والبدعة [2/1] شعبان هو الشهر الثامن من شهور السنة، وسمّي بهذا الاسم لأن ...

شهر شعبان بين السنة والبدعة
[2/1]

شعبان هو الشهر الثامن من شهور السنة، وسمّي بهذا الاسم لأن القبائل كانت تتشعب فيه، أي تتفرق فيه للقتال، بعد قعودها عنه في شهر رجب المحرّم، ولهذا الشهر فضائل كثيرة وردت في أحاديث السنة الصحيحة، ما يغني عن غيرها من الضعيف والموضوع، مما شاع بين الناس عن فضائل ينسبونها لبدع من الدين ما أنزل الله بها من سلطان.

كما إن للصيام في هذا الشهر أحكاما خاصة، لفضله، ولالتصاقه بشهر الصوم رمضان، نذكر أهمها في هذه المقالة المختصرة.

فضل الصيام في شهر شعبان:

للصيام في شعبان فضل ليس كفضل غيره من الشهور، لذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من الصيام فيه، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله» وفي رواية: «كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا» [متفق عليه]، كما أن صوم يوم من شعبان يعدل يومين من غيره، روى الشيخان عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال له: (أصمت من سَرَرِ شعبان شيئا؟) قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أفطرت، فَصُمْ يومين مكانه)، قال الحافظ ابن حجر: قال القرطبي: «وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وأن صوم يوم يعدل يومين في غيره، أخذا من قوله في الحديث (فصم يومين مكانه) يعني مكان اليوم الذي فوَّتَه من صيام شعبان» [فتح الباري].

الحكمة من إكثار الصيام في شعبان:

سأل أسامة بن زيد -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، لَمْ أَرَكَ تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلا: (ذلك شهر يغفُل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحِب أن يرفع عملي وأنا صائم) [حديث حسن، رواه النسائي]، ومن هنا يتبين أن الإكثار من صيام شعبان له أسباب، منها:

غفلة الناس: والعبادة في أوقات الغفلة لها شأن عظيم، ولنا على ذلك عدة أمثلة ذكرها ابن رجب الحنبلي في كتاب (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف)، منها: ما رتّبه الله تعالى من الأجر الجزيل لمن يذكره سبحانه في الأسواق (دعاء دخول السوق)، لأن السوق مكان غفلة! يكثر فيه الكذب والغش والنظر للمحرمات... لذا كتب الله سبحانه لمن قال دعاء دخول السوق ألفَ ألفِ حسنة، وحطَ عنه ألفَ ألفِ سيئة، ورفع له ألفَ ألفِ درجة [حديث صحيح، رواه النسائي وغيره]، ومنها: عن سلمان -رضي الله عنه- أنه قال: «إذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل: منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه... وَمَنْ له ولا عليه؛ فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي، فذلك له ولا عليه...» [رواه الطبراني]، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهَرْجِ كهجرة إليّ) [رواه مسلم]، قال النووي: «المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد».

السبب الثاني: أن شعبان شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، كما هو مبيّن في الحديث السابق الذكر: (وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين).

السبب الثالث: في الحديث أيضا إشارة منه -صلى الله عليه وسلم- إلى مزيَّة أخرى لشهر شعبان، وهي أنه متوسط بين شهري رجب المحرّم ورمضان المعظّم، فترى الناس يجتهدون في العبادة في رجب، ما لا يجتهدون في شعبان!

قال الحافظ ابن حجر: «فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان، لذلك كان يصومه صلى الله عليه وسلم»، ثم أورد أثرا بسنده عن أم أزهر بن سعيد، أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها، فذكرتْ لها أنها تصوم رجب، فقالت لها عائشة: «صومي شعبان، فإن فيه الفضل»، وأما حديثها رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر صياما منه في شعبان» فظاهره فضيلة الصوم في شعبان على غيره [تبيين العجب بما ورد في شهر رجب].

السبب الرابع: ومن حِكَم صيام شعبان أيضا التمرين لصيام رمضان، قال ابن رجب: «وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط» [لطائف المعارف].


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 30
السنة السابعة - الثلاثاء 3 شعبان 1437 هـ

مقال:
شهر شعبان بين السنة والبدعة