*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]* روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي ...
*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]*
روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ"، وكان هذا الحديث حافزاً للعديد من القادة المسلمين لكي يحرصوا على جمع ما لصق بثيابهم من غبار المعارك ليكون معهم في قبورهم، وإليك أيها القارئ الكريم ذكر من فعل ذلك:
*1 - أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، الملقَّب بسيف الدولة الحمدانى،* أحد الأمراء الشجعان. ولد سنة (303 هـ = 916 م)، وأسس إمارة الحمدانيين بحلب عندما استولى عليها سنة (333 هـ = 934 م)، ودامت تلك الإمارة نحوًا من ستين سنة، منها (23) سنة تحت حكم سيف الدولة. وسجَّل التاريخ له ولدولته جهادهما العظيم في صد غارات الروم المتوالية على مشارف الدولة الإسلامية، وكانت الحرب بينهما سجالا، وتحقق أعظم انتصار له على الروم سنة (343 هـ = 954 م) فى معركة الحدث. اشتهر سيف بالكرم والجود، فقصده الشعراء والكتاب والعلماء، حتى قيل إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من الشعراء، ويأتى فى مقدمتهم المتنبى، الذي مدحه بقصائد كثيرة عرفت في تاريخ الأدب باسم السيفيَّات.
وتوفي سيف الدولة بحلب سنة (356 هـ) عن (53) عامًا، وحُمل جثمانه إلى ميافارقين فدفن بها. [موسوعة سفير للتأريخ الإسلامي: 10/292].
جاء في كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف: 6/22 ما نصه: ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة 352 فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجومًا للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة 356 لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده في لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته.
*2 - أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني، المعافري، القرطبي،* (ت:393هـ)، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس.
طلب العلم والأدب، ورأس وترقى، وساعدته المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال، وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورة بلا معنى، لأن المؤيد كان أخرق ضعيف الرأي.
وكان له مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة؛ لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد، مواصلاً لغزو الروم، حتى أنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد فتقع له نية في ذلك اليوم فلا يرجع إلى قصره، ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر.
غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامري بأوقاتها وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جهة امتنعت على من كان قبله، ملأ الأندلس بالغنائم والسبي، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال وأن يجمع ويتحفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره، وتوفى في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم.
[ يُنظر: بغية الملتمس: 115، وسير أعلام النبلاء: 17/15، و17/123].
*3 - عماد الدين زنكى بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر،* ولد سنة (478هـ). وكان والده أول ملوك الدولة الأتابكية فى الموصل، وحينما مات كان ابنه زنكى صغيرًا، فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شبَّ وتولى مدينة واسط. وقاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد بالله وسلَّم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان والخفاجى ليربيهما؛ ولذا أُطلق عليه لقب أتابك.
استولى زنكى على بلاد كثيرة بعد أن عظم أمره فافتتح الرها وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحرر كفرطاب والمعرة من الفرنج، ودانت له البلاد فعمرها وتحرى العدل في الرعية؛ فامتلأت البلاد بالحركة والحياة، بعد أن خربها الفرنج وظلموا أهلها. وأراد زنكى الاستيلاء على قلعة جعبر سنة (541هـ)، فحاصر ملكها علي بن مالك وأوشك أن يفتحها، إلا أن جماعة من مماليكه غدروا به ليلاً فقتلوه [ سنة 594 هـ] عن عمر يزيد على الستين عامًا. [موسوعة سفير: 10/817].
قال ابن العديم الحلبي في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب" 8/429: قال لي ابن خَيْر الله: وكان له غَزَواتٌ مُتَعدِّدة رحمه الله، وكان قد جَمَعَ الغُبَار الّذي صَارَ على دِرْعه في غَزَواتهِ، وادَّخَرها لتُجْعَل في أكْفَانهِ، فجُعِلَتْ في أكْفَانهِ حينَ ماتَ، رحمه الله.
قال: وكان كَثِيْر الخَيْر والمَعْرُوف، وبَنى بسِنْجَار مَدْرِسَةً، هو مَدْفُونٌ بِهَا، وبِيْمَارِسْتانًا، وبَنى بنصِيبِيْن مَدْرسَةً لأصْحَاب أبي حَنِيْفَة، ووقَفَ على ذلك وُقُوفًا كَثِيْرة.
*4 - صلاح الدين الأيوبى،* هو يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، مؤسس الدولة الأيوبية. ولد سنة 526هـ ونشأ في بلاط "نور الدين زنكي" بالموصل وعُرف باسم "صلاح الدين"، وقضى طفولته في ظل والده أيوب ببعلبك، وأخذ عنه براعته في السياسة، وشجاعته في الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل صلاح الدين يوسف مع والده إلى دمشق بعد وفاة عماد الدين زنكى، ثم دخل في خدمة نور الدين بن عماد الدين زنكى سلطان حلب، فاستعان نور الدين بشيركوه وابن أخيه صلاح الدين في ضم مصر إليه.
بعد وفاة نور الدين زنكي سعى صلاح الدين لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، فظل يعمل على توحيد العالم الإسلامي مدة عشر سنوات في الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامي، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م] التي تعد "حِطِّين" من أشهر الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين وانتصر عليهم فيها انتصاراً عظيماً، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت قلعة طبرية وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه صلاح الدين صوب الساحل وحاصر عكا حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقي المدن الساحلية التي تقع جنوب عكا وهى: نابلس و الرملة و قيسارية و أرسوف و يافا و بيروت، وكذا المدن الواقعة شمال عكا مثل: الإسكندرونة، وكلها حصلت على العهد بالأمان من صلاح الدين الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى في طريقه إلى فلسطين، فاستسلمت عسقلان له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير بيت المقدس التي نجح في فتحها بعد حصار شديد حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح. وتوفى صلاح الدين في سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامي بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودي به وتوقعه في أيدي الأعداء. [موسوعة سفير: 10/294 باختصار وتصرف]
جاء في كتاب "بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار" 1/420: ويذكر أن السلطان صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي ابن مروان الملك الناصر، كان إذا عاد من الغزو نفض ثيابه من غبار الغزو على نطع وأمر من يجمعه، وإن ذلك الغبار عجن بماء زمزم وجعل لبنة لطيفة وجعلت تحت رأسه في قبره.
*5 - سيف الدين الدواداري الصالحي النجمي* (ت: 699هـ) كان كبير القدر، فإنه عمل دوادارية* الملك الصالح، وبقى بعده ينتقل من حال إلى حال إلى أن كان له مائة فارس بمصر وخمسون بدمشق، وما زال معظما في سائر الدول، وكان له سماع عال في الحديث، وله علم وفقه وديانة، وهو الذى أنشأ القاضي بدر الدين بن جماعة وأنشأ فقهاء كثيرين، ومع هذا كان صاحب شجاعة وفروسية، وله غارات كثيرة حتى نقل عن بعض مماليكه أنه صنع له طوبة من غبار الغزوات التي حضرها وغزا فيها، وأوصى أن تكون هذه الطوبة تحت رأسه إذا دفن، وكان إذا ركب يكون شعره على قربوس سرجه الوراني وجميعه أبيض، وكانت له صدقات وبرّ وأوقاف على عتقائه، وله بالقدس الشريف رباط رتب فيها شيخا وفقراء ووقفا جاريا، ولما ورد خبره إلى دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب في جامع بنى أمية وسائر جوامع دمشق، وكذلك صلوا عليه صلاة الغائب بمصر.
[عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان لبد الدين العيني: 4/19].
*المقصود بالدوادارية: صاحب هذه الوظيفة هو الدوادار: وهو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها، وما يلحق ذلك من المهمات، مثل تبليغ الرسائل وغيرها.
روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ"، وكان هذا الحديث حافزاً للعديد من القادة المسلمين لكي يحرصوا على جمع ما لصق بثيابهم من غبار المعارك ليكون معهم في قبورهم، وإليك أيها القارئ الكريم ذكر من فعل ذلك:
*1 - أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، الملقَّب بسيف الدولة الحمدانى،* أحد الأمراء الشجعان. ولد سنة (303 هـ = 916 م)، وأسس إمارة الحمدانيين بحلب عندما استولى عليها سنة (333 هـ = 934 م)، ودامت تلك الإمارة نحوًا من ستين سنة، منها (23) سنة تحت حكم سيف الدولة. وسجَّل التاريخ له ولدولته جهادهما العظيم في صد غارات الروم المتوالية على مشارف الدولة الإسلامية، وكانت الحرب بينهما سجالا، وتحقق أعظم انتصار له على الروم سنة (343 هـ = 954 م) فى معركة الحدث. اشتهر سيف بالكرم والجود، فقصده الشعراء والكتاب والعلماء، حتى قيل إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من الشعراء، ويأتى فى مقدمتهم المتنبى، الذي مدحه بقصائد كثيرة عرفت في تاريخ الأدب باسم السيفيَّات.
وتوفي سيف الدولة بحلب سنة (356 هـ) عن (53) عامًا، وحُمل جثمانه إلى ميافارقين فدفن بها. [موسوعة سفير للتأريخ الإسلامي: 10/292].
جاء في كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف: 6/22 ما نصه: ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة 352 فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجومًا للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة 356 لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده في لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته.
*2 - أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني، المعافري، القرطبي،* (ت:393هـ)، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس.
طلب العلم والأدب، ورأس وترقى، وساعدته المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال، وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورة بلا معنى، لأن المؤيد كان أخرق ضعيف الرأي.
وكان له مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة؛ لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد، مواصلاً لغزو الروم، حتى أنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد فتقع له نية في ذلك اليوم فلا يرجع إلى قصره، ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر.
غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامري بأوقاتها وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جهة امتنعت على من كان قبله، ملأ الأندلس بالغنائم والسبي، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال وأن يجمع ويتحفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره، وتوفى في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم.
[ يُنظر: بغية الملتمس: 115، وسير أعلام النبلاء: 17/15، و17/123].
*3 - عماد الدين زنكى بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر،* ولد سنة (478هـ). وكان والده أول ملوك الدولة الأتابكية فى الموصل، وحينما مات كان ابنه زنكى صغيرًا، فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شبَّ وتولى مدينة واسط. وقاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد بالله وسلَّم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان والخفاجى ليربيهما؛ ولذا أُطلق عليه لقب أتابك.
استولى زنكى على بلاد كثيرة بعد أن عظم أمره فافتتح الرها وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحرر كفرطاب والمعرة من الفرنج، ودانت له البلاد فعمرها وتحرى العدل في الرعية؛ فامتلأت البلاد بالحركة والحياة، بعد أن خربها الفرنج وظلموا أهلها. وأراد زنكى الاستيلاء على قلعة جعبر سنة (541هـ)، فحاصر ملكها علي بن مالك وأوشك أن يفتحها، إلا أن جماعة من مماليكه غدروا به ليلاً فقتلوه [ سنة 594 هـ] عن عمر يزيد على الستين عامًا. [موسوعة سفير: 10/817].
قال ابن العديم الحلبي في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب" 8/429: قال لي ابن خَيْر الله: وكان له غَزَواتٌ مُتَعدِّدة رحمه الله، وكان قد جَمَعَ الغُبَار الّذي صَارَ على دِرْعه في غَزَواتهِ، وادَّخَرها لتُجْعَل في أكْفَانهِ، فجُعِلَتْ في أكْفَانهِ حينَ ماتَ، رحمه الله.
قال: وكان كَثِيْر الخَيْر والمَعْرُوف، وبَنى بسِنْجَار مَدْرِسَةً، هو مَدْفُونٌ بِهَا، وبِيْمَارِسْتانًا، وبَنى بنصِيبِيْن مَدْرسَةً لأصْحَاب أبي حَنِيْفَة، ووقَفَ على ذلك وُقُوفًا كَثِيْرة.
*4 - صلاح الدين الأيوبى،* هو يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، مؤسس الدولة الأيوبية. ولد سنة 526هـ ونشأ في بلاط "نور الدين زنكي" بالموصل وعُرف باسم "صلاح الدين"، وقضى طفولته في ظل والده أيوب ببعلبك، وأخذ عنه براعته في السياسة، وشجاعته في الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل صلاح الدين يوسف مع والده إلى دمشق بعد وفاة عماد الدين زنكى، ثم دخل في خدمة نور الدين بن عماد الدين زنكى سلطان حلب، فاستعان نور الدين بشيركوه وابن أخيه صلاح الدين في ضم مصر إليه.
بعد وفاة نور الدين زنكي سعى صلاح الدين لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، فظل يعمل على توحيد العالم الإسلامي مدة عشر سنوات في الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامي، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م] التي تعد "حِطِّين" من أشهر الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين وانتصر عليهم فيها انتصاراً عظيماً، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت قلعة طبرية وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه صلاح الدين صوب الساحل وحاصر عكا حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقي المدن الساحلية التي تقع جنوب عكا وهى: نابلس و الرملة و قيسارية و أرسوف و يافا و بيروت، وكذا المدن الواقعة شمال عكا مثل: الإسكندرونة، وكلها حصلت على العهد بالأمان من صلاح الدين الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى في طريقه إلى فلسطين، فاستسلمت عسقلان له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير بيت المقدس التي نجح في فتحها بعد حصار شديد حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح. وتوفى صلاح الدين في سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامي بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودي به وتوقعه في أيدي الأعداء. [موسوعة سفير: 10/294 باختصار وتصرف]
جاء في كتاب "بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار" 1/420: ويذكر أن السلطان صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي ابن مروان الملك الناصر، كان إذا عاد من الغزو نفض ثيابه من غبار الغزو على نطع وأمر من يجمعه، وإن ذلك الغبار عجن بماء زمزم وجعل لبنة لطيفة وجعلت تحت رأسه في قبره.
*5 - سيف الدين الدواداري الصالحي النجمي* (ت: 699هـ) كان كبير القدر، فإنه عمل دوادارية* الملك الصالح، وبقى بعده ينتقل من حال إلى حال إلى أن كان له مائة فارس بمصر وخمسون بدمشق، وما زال معظما في سائر الدول، وكان له سماع عال في الحديث، وله علم وفقه وديانة، وهو الذى أنشأ القاضي بدر الدين بن جماعة وأنشأ فقهاء كثيرين، ومع هذا كان صاحب شجاعة وفروسية، وله غارات كثيرة حتى نقل عن بعض مماليكه أنه صنع له طوبة من غبار الغزوات التي حضرها وغزا فيها، وأوصى أن تكون هذه الطوبة تحت رأسه إذا دفن، وكان إذا ركب يكون شعره على قربوس سرجه الوراني وجميعه أبيض، وكانت له صدقات وبرّ وأوقاف على عتقائه، وله بالقدس الشريف رباط رتب فيها شيخا وفقراء ووقفا جاريا، ولما ورد خبره إلى دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب في جامع بنى أمية وسائر جوامع دمشق، وكذلك صلوا عليه صلاة الغائب بمصر.
[عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان لبد الدين العيني: 4/19].
*المقصود بالدوادارية: صاحب هذه الوظيفة هو الدوادار: وهو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها، وما يلحق ذلك من المهمات، مثل تبليغ الرسائل وغيرها.